وقوله رحمه الله فيما ساقه ولا احد اصبر ولا احد اصبر على اذى يسمعه من الله او يسمعه منه الاذى بعض الناس يقول كيف يتصور ان يؤذى الله والله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين وبعد فقال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى في كتابه الفوائد في اخر سورة قاف قال ثم امر نبيه بالتأسي به سبحانه في الصبر على ما يقول اعداؤه فيه. كما انه سبحانه صبر على قول اليهود انه استراح ولا احد اصبر على اذى يسمعه منه ثم امره بما يستعين به على الصبر وهو التسبيح بحمد ربه قبل طلوع الشمس وقبل غروبها وبالليل وادبار السجود فقيل هو الوتر وقيل الركعتان بعد المغرب والاول قول ابن عباس والثاني قول عمر وعلي وابي هريرة والحسن بن علي واحدى الروايتين عن ابن عباس وعن ابن عباس رواية ثالثة انه التسبيح باللسان ادبار الصلوات المكتوبات ثم ختم السورة طيب الحمد لله رب العالمين واصلي واسلم على نبينا محمد وعلى اله واصحابه اجمعين. قولوا رحم الله ثم امر نبيه بالتأسي به سبحانه بالصبر على ما يقول اعداؤه فيه كما انه سبحانه صبر على قول اليهود حيث قالوا ان الله تعالى خلق السماوات والارض فيه ستة ايام وانه جل في علاه تعالى عما يقولون علوا كبيرا لحقه لغوب وهو التعب فنفى الله تعالى ذلك فقال سبحانه وتعالى ولقد خلقنا السماوات والارض وما بينهما في ستة ايام وما مسنا من لغوب ثم قال سبحانه فاصبر على ما يقولون وجه ما ذكره رحمه الله من انه امره بالصبر على ما يلقاه من اذى المشركين تأسيا بالله عز وجل ان الله ذكر اذى اليهود الذين قالوا في الله هذه المقالة في قوله تعالى ولقد خلقنا السماوات والارض وما بينهما في ستة ايام وما مسنا من لغوب ثم قال فاصبر فامره ان يتأسى به وهذا في الحقيقة ليس يعني واضحا وضوحا بينا انما هو تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وليس امرا بالتأسي به سبحانه وبحمده لان شأن الله عز وجل اه يختلف عن شأن خلقه سبحانه وبحمده ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وانما فيه التسلية والتصبير اذا كان الخلق اذا كان الخلق قد اذى والله عز وجل بالقول الرديء فاذاهم لمن دونه مما يصبر عليه ويحتمل ولا يمكن الانفكاك منه لانه اذا ثبت اذاهم لربهم جل في علاه وهو الذي لا ينفكون عن احسانه فاذاهم لمن دونه من باب اولى لعل هذا الوجه اقرب في سياق الايات ودلالاتها و قوله جل وعلا وما مسنا من لغوب نفي ان ان يكون قد اصابه جل في علاه تعب او ما يصيب اصحاب الاعمال مما ينتج عن تعب العمل هذاك لكونهم لم يقدروا الله حق قدره فشأن الله اعظم انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون سبحانه هو الغني الحميد الذي ليس كمثله شيء السميع البصير سبحانه وبحمده قد قال في الحديث الالهي يا عبادي انكم لم تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني فيقال الاذى منه ما يحصل به ظرر ومنه ما لا يحصل به ظرر والمثبت هنا ما لا يحصل به ضرر بل غالب الاذى القولي لا ظرر فيه ولذلك قال الله تعالى لن يضروكم الا ابى يعني لكن ابى وليس ظررا فنفى ان حصول الظرر بما يقوله المشركون الا الاذية ولا يلزم من التأذي الضرر وقد اثبت الله تعالى هذا في كتابه في قوله ان الذين يؤذون الله ورسوله فاثبت الاذى من عباده له سبحانه وبحمده وهذا جار في هذا الحديث على ذلك المعنى ولا احد اصبر ولا احد اصبر على اذى يسمعه منه ثم بين له جل في علاه ما يصبره امره بالصبر ثم اعانه ثم دله على ما يعينه عليه فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب وهذا من انفع ما يدفع به الانسان عن نفسه الم قالت السوء ولا يسلم منها احد بل تكاد تقول ان كل احد مهما كان لابد ان يصيبه من اذى الناس من اذى الخلق ما يحتاج معه الى ما امر الله تعالى به من الصبر والاخذ بالاسباب التي اتقيه التضرر بذلك. لا شك ان الانسان يتألم مما يسمع من الاذى دفع ذلك ليس بالاستسلام للالم بل بدفعه بالصبر فاصبر على ما يقوله ثم ذكر له ما يعينه قال وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب وما يجده الانسان من الم بما بما يسمعه او يناله من اذى المؤذين يضيق به صدره ودفع ذلك باللجأ الى ربه ولقد نعلم انك يضيق صدرك بما يقولون المخرج فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين. لذلك لا يقابل اذى الخلق بمثل طاعة الله وتقواه لا يقابل اذى الخلق بشيء انفع من اللجأ الى الله بالتقوى والطاعة والتوبة والاحسان وهذا ما ذكره الله في وصيته لرسوله في مواضع عديدة هنا يقول فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب وفي تلك الاية ولقد نعلم انك يضيق صدرك بما يقولون اخبر بالمه مما يسمعه من اذى المؤذين المستهزئين ثم قال فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين. وتلك الاية تفسر قوله تعالى هنا وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ذكر فيها المؤلف رحمه الله عدة اقوال قال رحمه الله في ذلك ثم امره بما يستعين به على الصبر وهو التسبيح بحمد ربه اي تسبيحا مقترنا بالحمد وهذان بهما يتم تعظيم الله عز وجل غاية التعظيم. التسبيح تنزيه والتحميد اثبات كمال ولذلك سبحان الله من اللفتات التي لو نتدبرها باذكارنا لوجدنا لها اثر في قلوبنا. ماذا نقول بعد الصلاة؟ سبحان الله والحمد لله والله اكبر نقولها عددا متتابعا سبحان الله تنزيه الحمد لله اثبات كمال الله جل في علاه وانه ليس كمثله شيء جل في علاه في كماله وعلوه وعظم صفاته ثم الله اكبر اعظم مما نقول سبحانه وبحمده فما يستحقه من التنزيه والتحميد والتعظيم اكبر مما تلفظت به السنتنا واعظم مما قام في قلوبنا وما قدروا الله حق قدره وهذه المناسبة في كون هذه الكلمات الثلاثة مجتمعة وتتكرر في ادبار الصلوات انها اثبات تنزيه الله اثبات عظمته وكماله جل في علاه وان العبد مهما بلغ في التنزيه واثبات الكمال لله فالله اعظم والله اجل والله حقه اكبر مما قام في القلب او نطق به اللسان فسبحانك ربنا ما قدرناك حق قدرك اذا قوله فسبح بحمد ربك اي نزهه تنزيها مقترنا باثبات الكمالات له فالتسبيح تنزيه والحمد اثبات كمال ثم قال قبل طلوع الشمس وقبل الغروب. ذكر قال قبل طلوع الشمس وقبل الغروب وقبل غروبها وبالليل في قوله ومن الليل فسبحه وادبار السجود قال ادبار السجود هو الوتر وقيل الركعتان بعد المغرب والاول قول ابن عباس والثاني قول عمر وعلى وعلي وابي هريرة والحسن واحدى الروايتين عن ابن عباس. وعن ابن عباس رواية ثالثة انه التسبيح باللسان ادبار الصلوات في قوله ومن الليل فسبحه وادبار السجود اي وسبحه ادبار السجود والاية تحتمل كل هذه المعاني التسبيح مشروع في الصلاة المفروظة ومشروع في النوافل ومشروع بادبار الفرائض و في عاقبة الوتر سبوح قدوس رب الملائكة والروح سبحانه وبحمده نعم ثم ختم ثم ختم السورة بذكر المعاد ونداء المنادي برجوع الارواح الى اجسادها للحشر واخبر ان هذا النداء من مكان قريب يسمعه كل احد يوم يسمعون الصيحة بالحق بالبعث ولقاء الله يوم تشقق الارض عنهم كما تشققوا عن النبات فيخرجون سراعا من غير مهلة ولا بطء. ذلك حشر يسير ثم اخبر سبحانه انه عالم بما يقول اعداؤه وذلك يتضمن مجازاته لهم بقوله بقولهم اذ لم يخفى اذ لم يخفى عليه. وهو سبحانه يذكر علمه وقدرته لتحقيق الجزاء ما اخبره ان ذكر العلم والقدرة لتقرير ان الجزاء عادل لا يفوت فيه شيء اذا قال لتحقيق الجزاء يذكر علمه فلا تخفى عليه خافية وقدرته فلا يغيب عنه شيء ولا يهرب منه شيء ولا يعجزه شيء سبحانه وبحمده لتحقيق الجزاء ولذلك في المجازاة يذكر العلم والقدرة ومنه نحن اعلم ما يقول وما انت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد فاذا كان عالما بهم قادرا عليهم فاين يفرون كلا لا وزر الى ربك يومئذ مستقر نعم قال ثم اخبره انه ليس بمسلط عليهم ولا قهار ولم يبعث ليجبرهم على الاسلام ويكرههم عليه وامره ان يذكر بكلامه من يخاف وعيده فهو الذي ينتفع بالتذكير واما من لا يؤمن بلقائه ولا يخاف وعيده ولا يرجو ثوابه فلا ينتفع بالتذكير فائدة وهذا ينبه الى ان ذكر الوعيد مما يزجر النفوس عن مخالفة علام الغيوب جل في علاه ولذلك ينبغي للانسان ان يذكر في مواعظه ما وعد الله تعالى اولياءه وما توعد به من عصاه فان ذلك مما يزجر النفوس والخوف من محركات القلوب التي تحمل القلوب على الاقبال على الله عز وجل والقيام بامره جل في علاه نعم فائدة قول النبي صلى الله عليه وسلم انتهى ما يتعلق بسورة قاف يقول رحمه الله قال رحمه الله فائدة قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر وما يدريك ان الله على اهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم اشكل على كثير من الناس معناه فان ظاهره اباحة كل الاعمال لهم وتخييرهم فيما شاءوا منها وذلك ممتنع. طيب قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر وما يدريك ان الله اطلع على اهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم في الصحيحين من حديث علي بن ابي طالب رضي الله تعالى عنه بقصة قاطبة بن ابي بلتعة رضي الله تعالى عنه في فتح مكة فقد كاتب اهل مكة بقدوم النبي صلى الله عليه وسلم لما تبين امره رظي الله تعالى عنه سأله النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فاعتذر له انه انما فعل ذلك ليجعل له يدا عند المشركين قبل النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم منه هذا الاعتذار وانه لم يفعل ذلك عن ترك ايمان او عن نفاق بل قال صلى الله عليه وسلم في حاطب انه لما اعتذر قال انه قد صدقكم يعني اخبركم بالحقيقة والواقع. وهو كذلك فقال عمر رضي الله تعالى عنه دعني اضرب عنق عنق دعني يا رسول الله اضرب عنقه لانه فعل شيئا من خصال النفاق الموجبة للكفر اذ انه وقع منه اخبار بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم انه قد شهد بدرا وما يدريك ان الله اطلع على اهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم يقول المؤلف رحمه الله اشكل على كثير من الناس معناه اي معنى قوله اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم فان ظاهره قال فان ظاهره اباحة كل الاعمال لهم. وتخييرهم فيما شاءوا منها وذلك ممتنع يعني غير مراد لان هذا اسقاط للتكليف واخراج عن ما امر الله تعالى به عباده من طاعته هذا ممتنع ولم يقل به احد فهذا المعنى غير مراد يقينا بالاتفاق فقالت طائفة الان لما بين المعنى الممتنع وهو سقوط التكاليف عاد الى بيان اوجه الجواب و بيان قوله صلى الله عليه وسلم اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم. نعم. يقول فقالت طائفة. قال فقالت طائفة منهم ابن الجوزي ليس المراد من قوله اعملوا لاستقبال وانما هو للماضي وتقديره اي عمل كان لكم فقد غفرته قال ويدل على ذلك شيئان احدهما انه لو كان للمستقبل كان جوابه قوله فساغفر لكم وهو قال ايش قد غفرت لكم في الماضي والثاني انه كان يكون اطلاقا في الذنوب ولا وجه له ولا وجه لذلك كل ده وحقيقة هذا الجواب اني قد غفرت لكم بهذه الغزوة ما سلف من ذنوبكم لكنه ضعيف من وجهين احدهما ان لفظ اعملوا يأباه فانه للاستقبال دون الماضي وقوله قد غفرت لكم لا يوجب ان يكون اعملوا مثله فان قوله قد غفرت فان قوله قد غفرت تحقيق لوقوع المغفرة في المستقبل كقوله تعالى اتى امر الله وجاء ربك. واضح يعني قول قد غفرت لكم لا يتعين ان يكون فيما مضى في هذا السياق لماذا؟ لان مراده تحقيق حصول المغفرة. اذ ان الفعل الذي جاء قوله قد غفرت لكم متعلقا به اعملوا ما شئتم اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم واعملوا في الماضي او في المستقبل؟ في المستقبل فهذا الجواب الذي ذكره ابن الجوزي من ان نعمل ما شئتم يعني ليست للاستقبال انما للماضي بدلالة قد غفرت لكم ليس بسديد بهذا الوجه نعم الوجه الثاني الثاني ان الحديث نفسه يرده فان سببه قصة حاطب وتجسسه على النبي صلى الله عليه وسلم آآ وذلك ذنب واقع بعد غزوة بدر لا قبلها وهو سبب الحديث فهو مراد منه قطعا فالذي نظن في ذلك والله اعلم هذا التوجيه الان. توجيه ما معنى قوله اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم. نعم فالذي نظن في ذلك والله اعلم ان هذا خطاب لقوم قد علم الله سبحانه انهم لا يفارقون دينهم بل يموتون على الاسلام وانهم قد يقارفون بعض ما يقارفه غيرهم من الذنوب. ولكن لا يتركهم سبحانه مصر عليها بل يوفقهم لتوبة نصوح واستغفار وحسنات تمحو اثر ذلك ويكون تخصيصهم بهذا دون غيرهم. لانه قد تحقق ذلك فيهم وانهم مغفور لهم ولا يمنع ذلك كون المغفرة حصلت باسباب تقوم بهم كما لا يقتضي ذلك ان يعطلوا الفرائض وثوقا بالمغفرة. فلو كانت قد حصلت بدون الاستمرار على القيام بالاوامر لما احتاجوا بعد ذلك الى صلاة ولا صيام ولا حج ولا زكاة ولا جهاد. وهذا محال ومن اوجب الواجبات. طيب يعني خلاصة هذا الجواب ان قوله اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم هو خاص بهؤلاء وخبر من الله انهم سيثبتون على الاسلام وانه لن يكون منهم رجوع عن طاعته ولن يكون منهم اصرار على معصيته. بل سيكون منهم اوبة وتوبة وعمل صالح يمحو ما قارفوه من خطأ ببركة ما كان من شهودهم تلك الغزوة المباركة هذا خلاصة الجواب وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء