فسر ذلك بعذاب القبر وقيل العذاب الادنى ما يكون في القبر وقيل بل العذاب الادنى وما ينجيه الله عز وجل في الدنيا من العقوبات وهذا اقرب فيما يظهر لقوله لعلهم بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله اما بعد اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمسلمين اجمعين قال المصنف رحمه الله والايمان بالميزان يوم القيامة يوزن فيه الخير والشر له كفتان ولسان والايمان بعذاب القبر ومنكر ونكير الحمد لله رب العالمين واصلي واسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى اله واصحابه اجمعين اما بعد فقد تقدم الكلام على بعض ما يتصل بالايمان باليوم الاخر وذلك في كلامه رحمه الله عن الرؤية يوم القيامة عن رؤية المؤمنين بربهم يوم القيامة نسأل الله ان نكون منهم ثم من جملة ما ذكر مما يتعلق بالايمان باليوم الاخر الايمان بالميزان يوم القيامة والميزان هو ما يوزن به الاعمال الميزان هو ما يوزن به الاعمال يوم القيامة وهو غير العدل كما دل على ذلك الكتاب والسنة واجمع عليه سلف الامة. قال الله تعالى فمن ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية ومن خفت موازينه فامه هاوية فاثبت ثقلا في الميزان وخفة فيه وقال تعالى ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وان كان مثقال حبة من خردل اتينا بها وكفى بنا حاسبين فدل ذلك على انه ميزان يوزن به الدقيق و الحقير مما لا يوزن في حساب الناس عادة وقال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث ابي هريرة كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان للرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم فقوله صلى الله عليه وسلم ثقيلتان في الميزان دل على ان القول يوزن وهو عمل وقد جاء فيما رواه احمد وغيره من حديث عبد الله ابن مسعود رضي الله تعالى عنه ان النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم قال في عبد الله ابن في ساقيه عبد الله ابن مسعود انما اثقل في الميزان من جبل احد وهذا حديث يدل على ان الميزان توزن به الاشياء فيوزن بها يوزن به العمال وقد جاء في الترمذي من حديث عبد الله بن عمر بحديث البطاقة الشهير وقد صححه غير واحد من اهل العلم في قصة الرجل الذي يؤتى به فينشر له تسعة وتسعون سجلا كل سجل كل سجل مد البصر اي منتهاه فيوضع في كفة ويؤتى له ببطاقة فيها شهادة ان لا اله الا الله وتوضع في الكفة الثانية تطيش تلك البطاقة بتلك السجلات. قال النبي صلى الله عليه وسلم فطاشت تلك السجلات وثقلت البطاقة وهذا وامثاله من الاحاديث يبين ان الاعمال توزن بموازين يوم القيامة موازين حقيقية يبين رجحان الحسنات على السيئات وبالعكس رجحان السيئات على الحسنات فالميزان يظهر به العدل ولذلك يقيم الله تعالى الموازين يوم القيامة ليقطع عذر كل معتدل ويقيم الحجة على كل احد فيما يراه من اعماله واما قول من قال ان المقصود بالميزان العدل وليس كموازين الدنيا فهذا تكذيب لما دلت عليه السنة اما كيف تلك الموازين؟ وكيف تتسع لاعمال الخلق وهم كثر فهذا يقال فيه ما يقال في جميع مع جاء به الخبر من امور الغيب لا يسأل عن الغيبيات بكيف وذلك ان احوال الاخرة مختلفة تماما عن احوال الدنيا. ولهذا لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث انس وجاء موقوفا عليه بقوله تعالى ويحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما قالوا كيف يحشرهم على وجوههم فاجاب بجواب يفصل كلها وهم وازيل كل اه توهم قال صلى الله عليه وسلم الذي امشاهم على اقدامهم قادر على ان ان يمشيهم على وجوههم فرد ذلك الى قدرة الله دون خوض في كيفية ذلك وبه يعلم خطأ من فسر الميزان بالعدل بل الميزان حقيقة يقام يوم القيامة ويوزن به العمل ويوزن به العامل ويوزن به دواوين العمل وكل هذه جاءت الادلة بانها مما يوزن فقوله والايمان بالميزان يوم القيامة يوزن فيه الخير والشر يعني العمل فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره فمن ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية ومن خفت موازينه فامه هاوية وما ادراك ما هي نار حامية له كفتان ولسان لتأكيد انه ميزان حقيقي خلافا لمن؟ زعم انه يقصد به اقامة العدل بل هو كما جاءت الادلة يقصد به اقامة العدل لكنه على الحقيقة فبه يتبين العدل كما جاءت الادلة بذلك ثم قال رحمه الله والايمان ب عذاب القبر ومنكر ونكير الايمان بعذاب القبر هذا مما يتصل الايمان باليوم الاخر واليوم الاخر اسم لكل ما جاء به الخبر مما يكون بعد الموت وقد دلت الادلة بالكتاب والسنة على ان القبور اهلها بين نعيم وعذاب فيجري في القبر عذاب ولهذا مذهب اهل السنة والجماعة وما كان عليه سلف الامة ان الميت اذا مات اما ان يكون في نعيم واما ان يكون في عذاب. فالله تبارك وتعالى قد ذكر احوال اهل البرزخ ذكر احوالهم من العذاب واحوالهم من النعيم وقوله رحمه الله الايمان بعذاب القبر ولم يذكر نعيمه لان كثيرا من المنحرفين عن الطريق القويم صراط اهل السنة والجماعة ومنهجهم يزعمون انه لا عذاب في القبر والله تعالى قد ذكر عذاب القبر والبرزخ معا في غير موضع من كتابه الحكيم. فالقرآن دال على ان في على ان في القبر عذابا من ذلك قوله تعالى النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة ادخلوا ال فرعون اشد العذاب فاخبر الله عز وجل عن عذاب عاجل يحيق بال فرعون وعذاب اجل اما العذاب العاجل فهو ما يكون في الحياة البرزخية من العرض على النار كما قال تعالى النار يعرضون عليها غدوا وعشيا يعني في حياة البرزخ واما القيامة فانهم يكونون في حال اشد واسوأ ولذلك قال ويوم تقوم الساعة ادخلوا ال فرعون اشد العذاب وذكر في قصة نوح وما جرى لقومه قال مما خطيئاتهم اغرقوا قال فادخلوا نارا الفا تفيد الترتيب والتعقيب القريب لا على التراخي فقوله فادخلوا نارا اي بقبورهم اي بعد مفارقتهم الحياة فادخلوا النار فلم يجدوا لهم من دون الله انصارا قد اخبر الله تعالى عن ما يلقاه اهل الظلم عند خروج ارواحهم من العذاب فقال تعالى ولو ترى اذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وادبارهم وذوقوا عذاب الحريق ذلك بما قدمت ايديكم وان الله ليس بظلام للعبيد وهذا الذوق ظاهر الاية انه بعد الموت مباشرة وذلك بما يكون من عذاب القبر وقال الله تعالى ولنذيقنهم من العذاب الادنى دون العذاب الاكبر يرجعون و اهل القبور لا سبيل الى رجوعهم ولا ينفعهم ندمهم لانه قد قضي الامر واصبحوا رهائن الاعمال كل نفس بما كسبت رهينة واما السنة فالاحاديث فيما يتعلق اثبات عذاب القبر متواترة ومتوافرة في الصحيحين وغيرهما من دواوين السنة من ذلك ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه انه اتى المشركين يوم بدر وهم في القريب وقد قتلوا فناداهم باسمائهم يا فلان يا فلان ثم قال صلى الله عليه وسلم لهم هل وجدتم ما وعد ربكم حقا فقد وجدت ما وعدني ربي حق وهذا دليل على انهم وجدوا ما وعدوا بعد الموت من العذاب و غير ذلك من احاديث كثير من ذلك ما في الصحيحين من حديث عبد الله بن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال انهما ليعذبان وما يعذبان في كبير. اما احدهما فكان يمشي بالنميمة واما الاخر فكان يستتر من البول وفي حديث زيد ابن ثابت عند مسلم ان النبي صلى الله عليه وسلم مر ب جملة من قبور المشركين على بغلة فزالت به حتى كاد ان يسقط صلى الله عليه وسلم فقال من يعرف هذه القبور النبي صلى الله عليه وسلم يسأل اصحابه يقول من يعرف هذه القبور يعني اصحابها فقال انا فقال رجل انا يا رسول الله. فقال صلى الله عليه وسلم فمتى هؤلاء؟ يعني متى ماتوا ودفنوا قال ماتوا في الاشراك يعني قبل مجيء الاسلام فقال النبي صلى الله عليه وسلم ان هذه الامة تبتلى في قبورها اي تختبر وتمتحن فلولا ان لا تدافنوا يعني لولا ان يمتنع بعضكم عن دفن بعض بسبب ما يطلعكم الله عليه من عذاب القبر لاسمعت لدعوت الله ان يسمعكم من عذاب القبر الذي اسمع منه فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم من عذاب المقبورين ما بين الله له به احوالهم بعد الموت احوال من سمع اصواتهم بعد الموت في العذاب ثم اقبل صلى الله عليه وسلم بعد ان قال هذه المقالة على اصحابه فقال تعوذوا بالله من عذاب القبر قالوا نعوذ بالله من عذاب القبر. تعوذوا بالله من عذاب القبر فقالوا نعوذ بالله من عذاب القبر ثم قال في الثالثة تعوذوا بالله من عذاب النار تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن فاستعاذوا بالله من عذاب النار من الفتن ما ظهر منها وما بطن وما بطن وختم امره صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة بالله من فتنة الدجال فقالوا نعوذ بالله من فتنة الدجال المحفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته من حديث ابي هريرة وغيره انه قال اذا فرغ احدكم من التشهد الاخير فليقل اللهم اني اعوذ بك من عذاب القبر ومن عذاب جهنم ومن فتنة احيانا مات وفتنة المسيح الدجال في الامام مسلم وغيره من حديث عبد الله بن عباس انه كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن اللهم اني اعوذ بك من عذاب جهنم واعوذ بك من عذاب القبر واعوذ بك من فتنة احياء الممات واعوذ بك من فتنة المسيح الدجال وهذا يدل على اعتناء النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الدعاء وحرصي على ان تتلقاه منه امته وان يحفظه عنه وهذا العذاب ليس خاصا بالامة بل هو في الامم السابقة ولذلك جاء في حديث ابي ايوب الانصاري قال خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم وقال يهود يعذبون في قبورهم وهذه الامة ايضا تعذب في قبورها ملن من كان مستحقا للعذاب منها وجاء في الصحيح من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها ان امرأة عجوزا من عجائز اليهود قالت ان اهل القبور يعذبون في قبورهم قالت عائشة فكذبتها ولم انعم ان اصدقها يعني ولم احسن او اكترث ان اصدقها فيما قالت لانهم كانوا يأخذون ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يأخذونه عن هذا الكتاب فخرجت تلك المرأة فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله عجوز من عجائز اهل المدينة دخلت علي فزعمت ان اهل القبور يعذبون في قبورهم قال النبي صلى الله عليه وسلم صدقت انهم يعذبون عذابا يسمعه البهائم اي تدركه البهائم كلها قال صلى الله عليه وسلم انهم صدقت انهم يعذبون عذابا يتبعه البهائم كلها فالاحاديث عذاب القبر اكثر من ان تحصر هي قد بلغت حد التواتر الا انه ينبغي ان يعلم فيما يتعلق بعذاب القبر ان عذاب القبر الاصل فيه انه على الروح لا على البدن هذا هو الاصل لكن قد يتبع البدن الروح بذلك احيانا يظهر على البدن من اثار التعذيب ما هو مشهود معروف ولكن هذا ليس هو الاصل لان احكام البرزخ على الارواح لا على الابدان. كما ان احكام الدنيا على الابدان لا على الارواح فالارواح تابعة واما ما يتصل بقوله رحمه الله ومنكر ونكير اي ويعتقد اهل السنة والجماعة اثبات الملكين الذين يأتيان المقبور فيسألانه عن ربه وعن دينه وعن نبيه و رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فسر قوله تعالى يثبت الله الذين امنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الاخرة ويقول الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء بانه ما يكون في القبر من سؤال الملكين فقد جاء بالصحيح انه اذا وضع الرجل في قبره جاءه ملكان فيجلسانه ويقولان له من ربك فيقول ربي الله فيقول فيقولان له ما دينك فيقول ديني الاسلام فيقولان له ما هذا الرجل الذي ارسل فيكم فيقول هو رسول الله فيقولان وما يدريك قال قرأت كتاب الله وامنت به وصدقت ثم قرأ قول الله تعالى يثبت الله الذين امنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الاخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء والمقصود ان الاحاديث مصرحة مجيء ملكين كريمين للمقبور يسألانه عن دينه وعن ربه وعن نبيه فان وفق الى الجواب نال الفوز والنعيم وان اخفق في الجواب كان محلا للعقاب واشهر ما جاء في ذلك من حال انقسام الناس حديث انس في الصحيحين ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان العبد اذا وضع في قبره وتولى عنه اصحابه انه ليسمع خفق نعالهم يسمع سيرهم متولين عنه باء يأتيه ملكان فيقررانه وهما منكر ونكير اللذان سماهما المؤلف رحمه الله بهذا بهذين الاسمين فيقولان ما كنت تقول في هذا الرجل عن النبي صلى الله عليه وسلم فيقول فاما المؤمن فيقول اشهد ان انه عبد الله ورسوله قال فيقول فيقال له انظر الى مقعدك من النار قد ابدلك الله به مقعدا من الجنة فيراهما ان يرى المقعدين اليهما. واما الكافر فيأتيانه فيقولان ما تقول في هذا الرجل؟ فيقول لا ادري. كنت اقول قولا او كنت اقول كما يقول الناس فيقول لا دريت ولا تليت يضرب بمطارق من حديد فيصيح صيحة يسمعها من عليها غير الثقلين اما اسم هذين الملكين فالمشهور عند اهل العلم ان اسمه ما منكر ان اسمهما منكر ونكير نعلق على هذا ان شاء الله تعالى في درس يوم غد والله تعالى اعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد