وروي عن مالك رحمه الله انه كان اذا سئل عن مسألة كانه بين الجنة والنار كان الامام احمد رحمه الله شديد التورع في اطلاق لفظ الحرام والحلال ونحو ذلك مما يجسر عليه غيره اما العلم الكفائ فهو ما لا يتعين على كل احد. انما يكون واجبا على من يحتاج اليه. فمن كان مشتغلا بشيء من التجارة يحتاج الى العلم باحكام البياعات والمعاوظات والتجارات من كان يشتغل بشيء من توزيع الاموال مثلا في الصدقات يحتاج ان يعرف من هم المستحقون للزكاة ايضا من كان عنده ماشية يحتاج ان يعرف ما هي انصبة هذه الاموال ومتى يجب الزكاة وما هو الواجب فيها؟ ومن هم المستحقون؟ كل هذه تختلف باختلاف احوال الناس. نعم. ثم قال رحمه الله وقد العلماء على ان تعلمه افضل من نوافل العبادات. منهم احمد واسحاق. وكان ائمة السلف يتبقون الكلام فيه تورعا لان المتكلم فيه مخبر عن الله بامره ونهيه. مبلغ عنه شرعه ودينه. وكان ابن سيري رحمه الله اذا سئل عن شيء من الحلال والحرام تغير لونه وتبدل. حتى كأنه ليس بالذي كان وقال عطاء بن السائب ادركت اقواما ان كان احدهم ليسأل عن الشيء فيتكلم وانه ليرعى كثيرا واكثر اجوبته ارجو واخشى او احب الي ونحو ذلك. وكان هو ومالكا لهم الله وغيرهما يقولون كثيرا لا ندري. وكان احمد رحمه الله يقول ذلك في مسألتي يذكر للسلف فيها اقوالا عديدة ويريد بقوله لا ادري اي الراجح المفتى به من ذلك. هذا المقطع من كلام المؤلف رحمه الله فيه ما كان عليه السلف رحمه الله من الورع في الحديث عن الاحكام. وهذا النقل الذي ذكره رحمه الله يخطئ بعض الناس في فهمه فتجده اذا وجد من يفتي الناس ويقضي حوائجهم من احكام الشريعة قال شف الناس هذولا كل ما سئل اجاب وكأنه يعني يجيبه يشرب الشاهي ويجيبه يمشي ويجيبه يعني كأنه يقلل من شأنه لكونه يقضي حوائج الناس بالفتوى وهذا في الحقيقة غلط لان هذه النقولات ليس معناها الا تجيب من سألك عما تعلم. انما معناها ان تتقي الله تعالى في جوابك وان تستحضر رقابة الله تعالى عليك وانك تبلغ عن الله تعالى فيما تخبر حسب ما ترى وحسب ما تظن وليس هذا مدعاة لترك الفتوى. بعظ الناس يقول ما افتي الناس. طيب يا اخي اذا كان المتأهلون للفتوى يتركون فتوى الناس هل نعيب على الناس اذا توجهوا الى الظلال في سؤالهم لا نعيب لان الناس مضطرون الى ان يسألوا. فاذا انخنس وان زوى اهل العلم الذين لهم قدموا في هذا وان كانوا لم يبلغوا الغاية ما في احد بلغ الغاية نحن كما ذكر بعض العلماء المعاصرين انما هو نبات هشيم يرعاه اهل بلد واذا قشعرت الارض وصوح نبتها رعي الهشيم. فالارض اذا لم يكن فيها خظرار تجد ان البهائم ترى ايش؟ الهشيم. فكون البضاعة قليلة لا يعني هذا ان لا يجيب فيما يعلم لكن ندعو كل من تكلم في العلم بالفتوى او بالتعليم او بالتأليف او الكتابة ان يتقي الله تعالى فيما يكتب. وان يكون ما يكتبه عن علم فيما يكتب. وعن اصل اليه. اما ان يخرص ويتكلم بما لا يعلم ويتحرج ان يقول لا ادري. ويخجل ان يقول لا اعرف ويقول كيف الناس الان اذا قلت ما ادري ظعفت الثقة بي وهذا غلط. سمعنا الائمة الكبار ممن ادركناهم من علمائنا يقول لا ادري ومن اسهل ما يكون. يعاد السؤال مرة ومرتين وثلاث مرات ثم يقول لا ادري. او يقول انتظروا حتى استعمر واشاور اخواني واراجع المسألة. وهذا تلحظون كثيرا في كلام الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله على انه قد تبوأ منزلة قصر عنها حال كثير من العلماء فاقول يا اخواني مثل هذا الكلام ينبغي ان يفهم على وجهه المقصود منه ما هو؟ صد اهل العلم عن التعليم والافتاء ونفع الناس؟ الجواب لا انما المقصود منه ان يكون الانسان قائما بالامر على الوجه الذي امر الله تعالى به. من رقابة الله تعالى ومن القول بالعلم وعدم افتراء على قول ما لا يعلم وينبغي له ان يربي نفسه على قول لا ادري اذا سئل ما في حرج ان يقول لا ادري الامام مالك جاءه ناس من الاندلس وسألوه او من المغرب اوقد سويت بينهما ان شئت اريناك مقعد جبريل عليه السلام من فلان. يعني الفقيه الذي يعلموا العلم وسنذكر فيما بعد النصوص الدالة على فضل العلم على انواع العبادات من الذكر وغيره الو في ما يقارب اربعين مسألة قال في ستة وثلاثين مسألة لا ادري. فلما قالوا له كيف نرجع للناس ونقول قال مالك الهادي؟ قال لهم كلاما مفاده يعني ان تقولوا لهم لا ادري خيرا من ان اقول ما لا اعلم. ثم احاسب على هذا العلم. فينبغي لنا يا اخوان ان نفهم كلام العلماء. لان من صغار طلب العلم من يعيب على من يفتي ويتكلم ويقول هذا يتكلم ويفتي والسلف كانوا يتوقون الفتوى طيب يا اخي السلف كانوا يتوقون الفتوى وايضا كانوا يتوقون اعراض الناس وايهما اشد صيانة ان تتوقع اعراض اخوانك وتحفظ لسانك عنهم وتعلم انه المفتي يعني يقول شيخ الاسلام رحمه الله الذي يفتي في اليوم مئة مرة يغفر له من الخطأ ما لا يغفر للذي ليس له في اليوم الا فتوى واحدة. فانت لا تقارن عالم لا يفتي الا فتوى واحدة وعالم يسأل مئات الاسئلة في اليوم ويجيب هذا في الهاتف ويجيب هذا في درسه ويجيب هذا في الشارع ويجيب هذا في كتابه ويجيب هذا في قنوات ووسائل الاتصال باهل العلم كثيرة. ينبغي لنا اذا اختار الانسان لنفسه مسلكا الا يعيب على غيره اذا كان يتكلم بالعلم. اذا حتى انه يتكلم بالجهل او انه لا يقيم للعلم وزن عند ذلك ناصح في الاصل لا تناصح في الفتوى وفي التصدي للناس وقضاء حوائجهم هذه مسألة مهمة التنبيه اليها لان من الناس من يخطئ فهم مثل هذه النقول ويدعو اهل العلم الذين تصدروا نفع الناس وقضاء حوائجهم ان يكفوا ثم اذا برز مفتي يقول تمثيل المرأة في القنوات وخروجها سافرة كاشفة لا حرج فيه قالوا شف وين العلماء؟ مات العلماء طيب يا اخي مو انتم اللي تسلطتوا على اهل العلم وقلتوا هذا اخطأ وهذا يتكلم وين ورع المفتين ووين ووين ومنعت كثيرا ممن يمكن ان ينفع من النفع بسبب شبهات واخطاء يمكن ان تحتمل واوجه يمكن ان يوجد لها من المخارج ما يسلم بها قائلها واصحابها. ثم قال رحمه الله نعم. ومن مجالس الذكر ايضا مجالس العلم التي يذكر فيها تفسير كتاب الله. او وفيها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فان كانت رواية الحديث مع تفسير معانيه فذلك اكمل وافضل من مجرد رواية الالفاظ. ويدخل في الفقه في الدين. كل علم مستنبط من كتاب او سنة رسوله صلى الله عليه وسلم سواء كان من علوم الاسلام التي هي الاعمال الظاهرة والاقوال او من علوم الايمان التي هي الاعتقادات الباطنة وادلة ذلك وبراهينه في الكتاب والسنة او من علوم الاحسان التي هي علوم المراقبة والمشاهدة بالقلب ويدخل في ذلك علم الخشية والمحبة والرجاء والانابة والصبر والرضا وغير ذلك من ومات وكل ذلك قد سماه النبي صلى الله عليه وسلم في حديث سؤال جبرائيل عليه السلام عنه دينا بعد ان بين المؤلف رحمه الله ما تقدم من فضل مجالس الذكر وبين ان مجالس الذكر هي مجالس العلم اولا وليست مقصورة على التسبيح والتحميد والتقديس بين رحمه الله في هذا المقطع المعنى الجامع الذكر فقال رحمه الله ومن مجالس الذكر ايضا مجالس العلم التي يذكر فيها تفسير كتاب الله او يروى فيها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فان كان رواية الحديث مع تفسير معانيه فذلك اكمل وافضل لانه يجتمع العلم باللفظ والعلم بالمعنى المقصود ثم ذكر رحمه الله فمن علوم الشريعة التي تدخل في العلم النافع الذي جاءت الشريعة بالندب اليه والثناء على اهله. بعد هذا قال وكل ذلك قد سماه النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل له عنه في حديث سؤال جبريل له عنه دينا حيث قال في اخر الحديث يا عمر اتدري من هذا؟ قال الله ورسوله اعلم قال هذا جبريل اتاكم يعلمكم امر دينكم وقد سأل عن الاسلام الايمان والاحسان وعن امارات الساعة في الحديث المشهور. ثم قال رحمه الله. فالفقه فيه من الفقه في الدين ومجالسه من افضل مجالس الذكر التي هي من رياض الجنة وهي افضل من مجالس ذكر اسم الله بالتسبيح والتحميد والتكبير لان هذا دائرة بين فرض عين او فرض كفاية. والذكر المجرد تطوع محض وقد دخل بعض السلف مسجد البصرة فرعى فيه حلقتين في احداهما قاص وفي الاخرى فقيه يعلم الفقه فصلى ركعتين واستخار الله في الجلوس الى احداهما. فنعس فرأى في نومه قائلا يقول ان شاء الله تعالى. ذكر ابن رجب رحمه الله لهذه القصة في دخول رجل من السلف مسجد البصرة وما ذكر من الموازنة بين مجلس الذكر الذي فيه قصص والمجلس الذي فيه علم وتفضيل مجلس العلم هذه الاخبار والرؤى او الحوادث لا تستقل في اثبات الاحكام. وهذا الفارق بين ائمة السنة واهل البدعة اهل البدع دون ما يرونه في المنامات وحيا يوحى فيثبتون به الاحكام والفضائل والمناقب واما اهل السنة فانهم يستأنسون بها في ما دلت عليه الشريعة وافادته النصوص من الكتاب والسنة فينبغي التمييز بين مسلك الائمة من علماء السنة وبين من يعتمد على اثبات الفضائل والاحكام على المنامات والرؤى فان ذلك لا يفيد اثبات الحكم ويشهد لهذا في الاستئناس بالرؤى ما كان من ابن عباس رضي الله عنه في المتعة حيث كان يأمر الناس بالمتعة ويقابل بهذا قول كبراء الصحابة رضي الله عنهم فجاءه جائن قد تمتع قال اني قد اهللت بعمرة وحج فرأيت في المنام من يقول لي عمرة وحجة متقبلة او كلاما نحو هذا. ففرح بذلك فرحا عظيما. فاستأنس به لما عنده من العلم ولم يجعل ذلك مستقلا في اثبات الحكم. ولذلك بعد ان ذكر قوله سنذكر فيما بعد النصوص الدالة على فضل العلم على انواع العبادات في الذكر وغيره ان شاء الله تعالى. وقد ذكر من اوجه التفضيل اوجه تفضيل مجالس العلم على مجالس الذكر التي هي تسبيح وتحميد وتقديس فقط بما ذكره من ان مجالس العلم تدور بين فرض العين وفرض الكفاية بخلاف مجالس الذكر فانها تطوع معلوم ان مرتبة فرض الكفاية في الجملة اعلى من مرتبة التطوع. نعم المدينة وكان له مجلس في المسجد يذكر فيه التفسير والحديث والفقه وغير ذلك. فجاء اليه رجل فقال له اني رأيت بعض اهل السماء وهو يقول لاهل هذا المجلس هؤلاء في روضات امنون ثم اراه انزل على اهل المجلس حوتا طريا. ووضعه بين ايديهم. وجاء فيه رجل فقال له اني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وابا بكر وعمر رضي الله عنهما خرجوا من هذا الباب والنبي صلى الله عليه وسلم يقول انطلقوا بنا الى زيد نجالسه اسمع من حديثه فجاء النبي صلى الله عليه وسلم حتى جلس الى جنبك فاخذ بيدك. فلم بعد هذه الرؤيا الا قليلا حتى مات. رحمه الله تعالى. ومع ما ذكرنا من تفضيل للعلم على القصص فالعالم لا يستغني احيانا عن موعظة الناس والقصص عليهم وازالة القسوة عن قلوبهم بالتذكير بالله وايامه. فان القرآن يشتمل على ذلك كله. والفقيه العالم حقا هو من فهم كتاب الله واتبع ما فيه. الفقيه العالم حقا هو من فهم كتاب الله واتبع فجمع بين العلم باشرف المعلومات وهو كلام الله تعالى وعطف على ذلك العمل علم فانما يكون الانسان عالما حقا اذا كان مدركا لمعاني كلام رب العالمين جل وعلا الذي لا يفقه كلام الله جل وعلا مهما كان متبحرا في تشقيق المسائل وتفصيلها فانه لم يبلغ درجة العالم حقا. ان العالم حقا هو من وصفه المؤلف رحمه الله وهو من فهم كتاب الله تعالى الذي فيه الهدى والنور الذي قال الله تعالى فيه ما فرطنا في الكتاب من شيء على احد الاقوال في تفسير الاية وجعله الله تعالى نورا يستظيء به الناس ويخرجون به من الظلمات الى النور. ففهمك كتاب الله تعالى واتباع ما هو العلم الحقيقي الذي ينبغي ان يشمر اليه المشمرون. نعم. كما قال علي رضي الله عنه والفقيه قل فقيه من لا يقنط الناس من رحمة الله ولا يرخص لهم في معاصي الله. ولا يدع القرآن رغبة عنه الى غيره. وهذا مسلك الذي يشير اليه علي ابن ابي طالب. رضي الله عنه وارضاه. مسلك يحتاج فيه الانسان الى تمام العلم ومعرفة احكام الشريعة معرفة راسخة حتى لا يميل الى احد الطرفين فان طرف التشديد يحصل به تقنيط الناس. وطرف التسهيل الذي يخرج عن روح الشريعة ومقاصدها يتفلت به الناس والشريعة وسط بين انحرافين بين غلو وافراط وبين جفاء وتفريط فينبغي للعالم ان يسلك مسلكا قصدا والا ييأس الناس من رحمة الله تعالى. كما انه لا يجرؤهم على معاصي الله تعالى. وهذا لا يعني ان يشدد ولا يعني ان يرخص بل عليه ان يتبع النصوص وينظر في مقاصد كلام الله تعالى ومقاصد كلام النبي صلى الله عليه وسلم فان من ادرك ذلك وفق الى هذا الذي وصفه علي بن ابي طالب رضي الله عنه