ذكر عن عبد الله ابن عباس باسناده قال كنت انا وامي عبد الله بن عباس من صغار الصحابة رضي الله تعالى عنهم وكان قد ولد في مكة رضي الله تعالى عنه الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ملء السماء والارض وملء ما شاء من شيء بعد احمده له الحمد في الاولى والاخرة وله الحكم واليه ترجعون واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبد الله ورسوله صفيه وخليله خيرته من خلقه صلى الله عليه وعلى اله وصحبه ومن اتبع سنته واقتفى اثره باحسان الى يوم الدين اما بعد فنستمع الى شيء من الايات في سورة النساء ونقرأ ما جاء في بيانها وتفسيرها من صحيح الامام البخاري فنسأل الله العلم النافع والعمل الصالح ثم في نهاية المجلس نجيب على اسئلتكم باذن الله تعالى اعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا فاخرجنا من هذه القرية الظالم. ربنا اخرجنا من هذه القرية الظالم اهلها وجعل لنا من لدنك ولياهم. واجعل لنا من لدنك بصيرا الذين امنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت. فقاتلوا اولياء الشيطان كيد الشيطان كان ضعيفا؟ الم تر الى الذين قيل لهم ايديكم واقيموا الصلاة واتوا الزكاة. فلما كتب عليهم كانوا اذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله. اذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله او اشد خشية. وقالوا ربنا لما كتبت علينا القتال لولا اخرتنا الى اجل قريب قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تضل يعلمون فتيلا اينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة. وان تصبهم حسنة يقول من عند الله. وان تصبهم سيئة يقول هذه من عندك قل كل من عند الله فما لهؤلاء القرب لا يكادون يفقهون حديثا. ما اصابك من حسنة فمن الله وما اصابك من سيئة فمن نفسك. وارسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا هذه الايات الكريمات ذكر الله تعالى فيها ما كان من فرض الجهاد في سبيل الله وما وقع من تردد وظعف بعض الناس في امتثال ما امر الله تعالى من ذلك قال الله تعالى يا ايها الذين امنوا خذوا حذركم تنفروا ثبات او انفروا جميعا ثم قال جل في علاه في بيان حال بعض من وجه اليهم الخطاب بهذا وان منكم لمن ليبطئن اي لا يتأخرن في الاستجابة لامر الله بالنفير لنصرة الله ورسوله فان اصابكم وهؤلاء هم المنافقون فان اصابتكم مصيبة قالوا قد انعم الله علينا لقد انعم الله علي اذ لم اكن معهم شهيدا فاذا وقع مصاب او هزيمة قال حامدا تأخره عن امتثال امر الله ورسوله قد انعم الله علي اذ لم اكن معهم شهيدا يقول تعالى ولئن اصابكم فضل فان حصل لكم نصر وظفر بفظل الله وعطائه ليقولنك ان لم تكن بينكم وبينه مودة يا ليتني كنت معهم فافوز فوزا عظيما هذا حال فئة من اهل النفاق في امتثال ما امر الله تعالى به اهل الايمان من النفير ثم عاد الامر ببيان النفير لمن يكون وانه في سبيل الله قال فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالاخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل او يغلب فسوف نؤتيه اجرا عظيما. فسيصيب الفضل والثواب العظيم في الحالين كليهما ان ظفر وانتصر او ان قتل وهزم فانه في هاتين الحاء لين سيؤتيه الله تعالى اجرا عظيما بعد ذلك قال الله تعالى وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله عتاب لاولئك الذين تلكأوا وتراخوا وتأخروا في امتثال امر الله تعالى بالجهاد في سبيله ونصرة رسوله وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله اي لاعلاء كلمته وامتثال امره واعزاز اوليائه والمستضعفين يعني والحال ان المستضعفين من الرجال والنساء والولدان والمستضعفون هم فئة من اصحاب ممن امن بالنبي صلى الله عليه وسلم لم يتمكنوا من اللحاق به صلى الله عليه وسلم بعد هجرته فحيل بينهم وبين الهجرة فلم يتمكنوا من مغادرة اماكنهم بلداتهم قومهم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم. من الرجال والنساء والولدان فهؤلاء هم المستضعفون الذين حرم الله تعالى المؤمنين على القتال من اجل نصرتهم الذين يقولون ربنا اخرجنا من هذه القرية اي من هذه البلدة والمقصود بالبلدة هنا مكة قبل الفتح وذلك ان النبي لما هاجر اشتد اذى المشركين على من بقي من اهل الاسلام بين اظهرهم ولم يبقى من يتمكن من الخروج الا من كان كما قال الله تعالى والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا اخرجنا من هذه القرية الظالم اهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا. فسألوا الله تعالى ان ان يسخر لهم وليا يكون قريبا منهم ويحصل بقربه النصر ولذلك قالوا واجعل لنا من لدنك نصيرا ثم بعد ان بين الحامل على امتثال امر الله بالنفير وانه لاجل الله عز وجل وامتثالا لامره في نصرة هؤلاء المستضعفين. قال تعالى الذين امنوا لبيان الفرق بين اهل الايمان واهل الكفر في القتال واللقاء قال والذين امنوا يقاتلون في سبيل الله لا انتصارا لانفسهم ولا حمية ولا لدنيا انما يقاتلون لاعلاء كلمة الله. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الشهيد قال من قتل في سبيل الله من قتل لاعلاء كلمة الله فهو شهيد تبين النبي صلى الله عليه وسلم انه لا يكون جهاد ولا يكون شخص ممدوحا بعمل من اعمال القتال الا ان يكون على هذا الوصف الذي ذكر الله تعالى الذين امنوا يقاتلون في سبيل الله. والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت ثم قال تعالى فقاتلوا اولياء الشيطان والطاغوت هو الشيطان وما يزينه من الباطل والسوء. قال تعالى انك اذا الشيطان كان ضعيفا فكيده ومكرهه وعمله لا يغلب الحق ولا يضعفه بل الحق فيه من القوة ما يظهره الله تعالى به كما قال جل وعلا بل نقذف حق على الباطل فيدمغه فاذا هو زاهق ثم ذكر الله تعالى المؤمنين بحالهم قبل فرض القتال. قال تعالى الم تر الى الذين قيل لهم كفوا ايديكم يعني لا تقاتلوا وذلك قبل فرظه واقيموا الصلاة واتوا الزكاة اي واشتغلوا بما امرتم به من اقامة من اقام الصلاة وايتاء الزكاة فكان عندهم تشوف ورغبة في القتال قبل ان يفرض فلما كتب عليهم القتال اي لما فرض الله تعالى عليهم لدفع اذى المشركين ولنصرة الحق واظهاره اذا فريق منهم يعني فجأة وهذه لمفاجأة حال هؤلاء الذين كانوا يتمنون القتال قبل فرضه اذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله اي يخافون اهل الكفر وقوتهم وما عندهم من عتاد كما يخافون الله ويعظمونه كخشية الله قال او اشد خشية وهذه اما للتنويع واما لتردد حالهم بين هاتين الحالين اما انهم يخشونهم كخشية الله او او خشية اشد من خشية الله. وقالوا ربنا بما كتبت علينا القتال لم كتبت عليهم القتال على وجه الاعتراظ وعدم التسليم للحق ولا وعدم التسليم للشرع الذي شرعه الله تعالى لما كتبت علينا القتال؟ لولا اخرتنا الى اجل قريب فجعل اقتراح منهم ان يؤخروا فلا يفرض عليهم القتال في الحال قال الله تعالى قل متاع الدنيا قليل تنبيه الى ان هذه المقالة التي صدرت عنهم ليس لاجل الموازنة بين قوة اهل الحق واهل الباطل. ولا لغير ذلك مما يمكن ان يكون سببا لهذه المقالة انما سبب هذه المقالة تعلقهم بالدنيا ولذلك نبه الله تعالى الى ان الدنيا اذا منعت الانسان عن طاعة الله وعن امتثال شرعه فليتذكر هذا قل متاع الدنيا قليل قليل زمانا وقليل قدرا وقليل لذة فهو قليل من كل وجه والاخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا والاخرة خير لاهل التقوى فهي ليست خيرا لكل احد لان ما يكون في الاخرة من من العذاب لاهل الشرك والكفر الجحود يجعلها شرا عليهم وليست خيرا لهم. ولذلك الاخرة وهي الدار التي تكون بعد الموت خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيل اي ولا يظلمكم الله تعالى شيئا شيئا يسيرا ولو كان بقدر الفتيل والفتيل هو ما يكون في شق النواة من بقايا التمر وهو شيء يسير لا يأبه له ولا يلتفت اليه ولا يرغب فيه. ومع هذا لا يظلم الله تعالى الناس شيئا وذكر الفتيل هنا تنبيها الى انتفاء الظلم بالكلية والظلم هنا المقصود به انهم لا ينقصون شيئا من من اجورهم ولا من اعمالهم. فالله تعالى يجزيهم على ما يكون من عملهم جزاء موفورا ثم ذكر الله جل وعلا ان خوف الموت الذي يحمل الانسان على ترك الامر والنهي ليس شيئا يمكن ان يتوقى بترك امر الله ورسوله بل الموت اجل قظاه الله تعالى وقدره وقد جعل الله لكل شيء قدرا ولكل اجل كتاب لا يتقدم ولا يتأخر فلا ينبغي ان يكون خوف الموت مانعا من امتثال امر الله تعالى والقيام بحقه. ولذلك يقول اينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة يعني في قصور وحصول في غاية المنعة والقوة والحفظ والصيانة الا انه اذا جاء الموت فلا يمكن ان يرد فلا بد ان يدرك من قدر عليه ولو كان في احصن مكان وامنع موضع اينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة. واذا كان الامر كذلك فان لقاء العدو ليس موجبا للموت اذا كان الله تعالى كتب حياتك وانما ينبغي للانسان ان يمتثل امر الله عز وجل ويقدم على طاعته والقيام بحقه ولا يتأخر في ذلك ولا يكون هاجس حصول المكروه من الموت او غيره مانعا له من اقامة شرع الله عز وجل والقيام بحقه. اينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة ثم ذكر ما يحرض على امتثال امر الله بالقتال وهو ما كان عليه اهل الكفر من نسبة الشر والسوء لاهل الايمان نسبة الخير لانفسهم وما يكون من عطاء الله لهم. ان تصبك حسنة تسؤهم وان تصيبكم وان تصبك مصيبة ينتصبك حسنة تسؤهم. يقول الله جل وعلا ان تصبك وان تصبهم حسنة ان ينزل بهم ما يحبون الحسنة هنا المقصود بها النعم والعطايا والهبات وان تصبهم حسنة يقول هذه من عند الله فيقرون انها من عند الله وقد يضيفونها الى غيره قال تعالى وان تصبهم سيئة يعني ما يسوؤهم ويكرهون من المصائب والبلايا وينتسبهم سيئة يقول من عندك يعني يا محمد بسبب ما جئت به من قول ودعوة قال الله جل وعلا قل قل كل من عند الله اي الحسنات والسيئات المصائب والنعم الهبات والعطايا والمكروهات والبليات كلها من عند الله فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا لجهلهم بان كل شيء من الله وانه بقضاء وقدر كما قال تعالى ان كل شيء خلقناه بقدر. قال تعالى ما اصابك من حسنة فمن الله فهو المتفضل بها جل في علاه. وما اصابك من سيئة فمن نفسك اي بسبب ما يكون من كسبك فالناس في حكم الله تعالى بين عدله وفضله لا يظلم الله تعالى احدا بل الناس يتقلبون في فضل الله بين فظل الله تعالى وعطائه وبين عدله سبحانه وتعالى. وارسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا هذا اعظم دليل على صدق رسالتي محمد ابن عبد الله صلى الله عليه وسلم ان الله شاهد عليه ولو كان كاذبا لما نصره واظهره ولما اعلى مقامه جعل العاقبة له ولدينه كما قال تعالى هو الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون نقرأ ما ذكره الامام البخاري رحمه الله في تفسير هذه الاية باب قول الله تعالى وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله الى قوله الظالم اهلها قال حدثني عبد الله ابن محمد قال حدثنا سفيان عن عبيد الله قال سمعت ابن عباس رضي الله عنه قال كنت انا وامي من المستضعفين. قال حدثنا سليمان ابن حرب قال حدثنا حماد ابن زيد عن ايوب عن ابن ابي مليكة ان ابن عباس رضي الله عنهما تلى قول الله الا المستضعفين من والنساء والولدان. قال كنت انا وامي ممن عذر الله. ويذكر عن ابن عباس قصرت ضاقت تلو السنتكم بالشهادة وقال غيره المراغم المهاجر راغمت هاجرت قومي موقوتا مؤقتا وقته عليهم قوله رحمه الله باب ما باب قول الله تعالى وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الاية التي تكلمنا عن شيء من معانيها فيما تقدم في اول المجلس وبقي مع ابيه العباس في مكة وكان قد اسلم هو وامه رضي الله تعالى عنه وامه هي لبابة بنت الحارث الهلالية ام الفضل وهي اخت ميمونة بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم فميمونة زوجة النبي صلى الله عليه احدى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم كانت خالة لابن عباس رضي الله تعالى عنه لم يتمكن ابن عباس وامه من اللحاق بالنبي صلى الله عليه وسلم والهجرة وذلك لما كان من اذى المشركين وتسلطهم على اهل الايمان بعد هجرة النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم. فكان من المستضعفين الذين ذكر الله تعالى في قوله وما لكم لا وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا اخرجنا من هذه القرية الظالم اهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا. وفي الرواية الثانية عبد الله بن عباس ان قوله تعالى الا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان دخل هو وامه في هذه الاية هو ممن عذر الله لانه كان صغيرا وامه كانت من النساء لا يستطيعون حيلة ولا يتمكنون من الخلاص بالهجرة والخروج عما احاط بهم المشركون الذين منعوهم من اللحاق بالنبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم واما ما ذكره عن ابن عباس من تفسير حصرت صدورهم فذلك في قولهن تتخذوا منهم اولياء حتى يهاجروا في سبيل الله. فان تولوا خذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم. ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا الا الذين يصلون الى قوم بينكم وبينهم ميثاق او جاءكم او جاءوكم حصرت صدورهم ان يقاتلوكم او يقاتلوا قومهم ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم. فان اعتزلوكم فلم قاتلوكم والقوا اليكم السلم فما جعل الله فما جعل الله لكم عليه هذه الاية ذكر الله جل وعلا فيها من يجب قتاله ومن استثني من ذلك. قال الله تعالى ودوا لو تكفرون كما كفروا اهل الكفر بنيتهم غاية مطلوبهم ان يردوا اهل الايمان عما هم عليه من ايمان وهدى. ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء اي في الكفر وعدم الايمان بالله عز وجل قال فلا تتخذوا منهم اولياء اي لا تجعلوا منهم من توالونه بالمحبة والنصرة فلا تتخذوا منهم اولياء اي لا تجعلوهم محلا لمحبتكم ونصرتهم ونصرتكم بعد ان كفروا بالله عز حتى يهاجروا في سبيل الله حتى يهاجروا في سبيل الله حتى يؤمنوا ويترك المقام في بلد الكفر وهذا كان اولا قبل فتح مكة فانه كان من امن وجبت عليه الهجرة قال الله عز وجل فان تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا. الا الذين يصلون الى قوم استثنى الله عز وجل من القتال هؤلاء الذين يصلون الى قوم بينكم وبينهم ميثاق يعني عهد او جاؤوكم اي اتوكم حصرت صدورهم يعني ضاقت صدورهم وهذا ما ذكره تفسيره عن ابن عباس قال واذكروا عن ابن عباس حصرت اي ظاقت ظاقت صدورهم عن يقاتلوكم او يقاتلوا قومهم توقعوا في ظيق حرج من ان يقاتلوا اهل الاسلام الذين وافقوهم في الدين او يقاتلوا قومهم الذين لا يتمكنون من التخلص منهم هذا معنى قوله حصرت صدورهم اي ضاقت واصابها الحرج