دَخَلَتْهُ أو أُدْخِلَتْه، وغُرِّرَ بها وخُودِعَتْ كما رأينا في حلقة: (تحرير المرأة الغربيَّة)، كان يُمكنها أن تبحث عن وحيٍ محفوظٍ، عن بوصلةٍ سليمةٍ تُنظِّم علاقتها بربِّها وبنفسها وبالبشر بدل بُوصلتها الدِّينيَّة المحرَّفة الَّتي ساهمت في ضياعها، وقد أخبر نبيُّنا -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنَّ المسلمين سيُقلِّدون أهل الكتاب في كلِّ شيءٍ، فقال: «"لتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كان قَبْلَكُم شبرًا شبرًا وذراعًا بذراعٍ، حتَّى لو دخلوا جُحر ضَبٍّ تَبِعْتُموهُم" قال الصَّحابة: "يا رسولَ الله اليهودُ والنَّصارى؟" قال: "فَمَن؟"» (صحيح البخاري)، أي من غيرهم؟ حتَّى لو دخلوا إلى مكانٍ خَرِبٍ مُوحِشٍ -كجحر الضَّبِّ- فإنَّا سنتبَعُهُم، إذا عملوا شيئًا فلا بدَّ أن نعمل مثلهم، وأخرب جحرٍ ندخله وراءهم هو جحر التّألُّه، تأليهُ الإنسان لنفسه ولشهواته، وعدمُ الخضوع بصدقٍ للإله الحقِّ، وهو أصلُ أكثر المشكلات المعاصرة في مجتمعاتنا، وبما أنَّ هذه الحلقة هي ضمن سلسلةٍ لكِ -أيَّتها الفتاة وأيَّتها المرأة-، فسنتكلَّم فيها معكِ عن تألُّه المرأة، سنرى معًا قصَّة التألُّه عند الغربيَّات؛ جذورِه، وأسبابِه، ومظاهرِه، ونتائجِه، ثمَّ نرى كيف بدأ بعض المسلمات يسلُكنَ نفس الطَّريق ويدخلْن نفس الجحر؛ جحرِ التَّألُّه، ويَتْبَعْنَ الغربيَّات شبرًا شبرًا وذراعًا بذراعٍ عن قصدٍ حينًا، وعن غفلةٍ أحيانًا، سنرى أسباب ذلك ومظاهره؛ لتنتبِه المسلمة وتنجوَ قبل أن تعانيَ من عواقب التّألّه ونتائجه الَّتي سنراها. كيف تألَّه الإنسان الغربيُّ؟ وبالمناسبة فإن (تأَلَّهَ) تأتي لغةً بمعنى تعبَّد وتنسَّك، وتأتي بمعنى ادَّعى الألوهيَّة، أنت حينما تسمع: تأليه الإنسان لشهواته، تستغرب وتظنُّ أنَّ هذا تعبيرٌ أدبيٌّ مجازيٌّ، لا، بل هو حقٌ؛ ألم تسمع قول الله تعالى: ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ﴾ [القرآن 25: 43]، لكنَّها لم تفعل، ففقدت البُوصلة السَّليمة، واتَّبعت الهوى، وانتقلت من ضلالٍ إلى ضلال. هذه قصَّة الغربيَّات، تعالوا إلى المسلمين! وقوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ﴾ [القرآن 36: 77] يرى نفسه خصمًا لله، ونِدًّا بشكلٍ مُبِينٍ واضحٍ. ما أسباب هذا التَّألُّه عند الغربيِّين؟ أسبابه: الدِّين، وترك الدِّين - كيف ذلك؟ تأليه الإنسان له جذوره في الكتاب المحرَّف عند أهل الكتاب، الَّذي يُزيل الحدود الفاصلة بين الله وعبادِه؛ فالإله عندهم يتجسَّد في الإنسان، ويصارع يعقوب، فيَصْرَعُ الإلهَ، والإله عندهم نام وتعب وصرخَ كالثَّمْلان، ويصوِّر دينُهم الإلهَ حريصًا على تجهيلِ الإنسان حتَّى لا يُنازِعَه الألوهيَّة، فيقول في سفر التَّكوين من العهد القديم [تكوين 2: 16-17] "وأوصى الرَّبُّ الإلهُ آدمَ قائلًا: من جميع شجرِ الجنَّة تأكل أكلًا، وأمَّا شجرة معرفة الخير والشَّرِّ فلا تأكلْ منها لأنَّك يوم تأكل منها موتًا تموت"، سلسلتنا هذه موجَّهةٌ لكِ أيَّتها المسلمة، فتعالي نر المسلمات! أي أنَّ الرَّبَّ حاول أن يُوهم آدمَ بأنَّ الأكل من شجرة المعرفة يقتله؛ حتَّى لا يأكل منها آدم وحتَّى يبقى جاهلًا، وأنَّه لمَّا عصى آدم ربَّه وأكل من شجرة المعرفة، خاف الرَّبُّ، -كما في سِفر التَّكوين من العهد القديم-: «حتَّى لو دخلوا جحر ضبٍّ تبعتموهم» (صحيح البخاري) "وقال الرَّبُّ الإله: هو ذا الإنسان قد صار كواحد منَّا عارفًا الخير والشَّرَّ، والآن لعلَّه يمدُّ يده ويأخذ من شجرة الحياة أيضًا ويأكل و يحيا إلى الأبد" [سفر التكوين 2: 22] أي أنَّ الرَّبَّ خاف من أن يأكل آدم من شجرة أخرى فيخلد أيضًا ولا يموت، ويصبح بمجموع هذه الصفات منازعًا للرَّبِّ في ألوهيَّته، تعالى الله عمَّا يقولون علوًّا كبيرًا. وبإمكانكم هنا الرُّجوع إلى سلسلة الأخ (أحمد دعدوش) بعنوان (عالَم السِّرِّ) خاصَّةً الحلقة الثَّالثة عن (الكابالا) لتروا إلى أين وصل تأليهُ الإنسان. فمن المُسلِمات من ستَتْبَع الغربيَّة إلى جحر التألُّه، ففكرة النِّدِّية والتَّنافس مع الله لها جذورها في الأديان المحرَّفة، وازدادت مع تقدُّم العلوم الطَّبيعيَّة على اعتبار أنَّ الإنسان يكتشف ما أراد الرَّبُّ أن يخبِّئه عنه ويُجهِّله به، ولا أريد أن أقطع تسلسل القصَّة هنا، لكن لك أن ترى أيُّها المسلم نعمة الله عليك بالإسلام بحيث كلَّما تعمَّقْتَ في المخلوقات، ازْدَدْتَ تعظيمًا و إجلالًا لربِّ العزَّة سبحانه كما نبيِّن في (رحلة اليقين). نعودُ فنقول: كان للدِّين المحرَّف دورٌ في فكرة تأليه الإنسان، حسنًا، ماذا عن ترك الدِّين؟ الَّذي يترك الدِّين عندهم لا يكون بديلُه عادةً البحثَ عن الدِّين الحقِّ الخالي من هذه الأساطير، بل الانتقالُ إلى الإلحاد أو (اللَّاأدرية)؛ في فطرته شعورٌ بالضَّعف البشريِّ، وحاجةٌ إلى العبادة والاستعانة بربٍّ كامل الصِّفات، إنْ لم يصرِف هذه العبادة إلى الرَّبِّ الحقيقيِّ، فإنَّه سيصرفها إلى عبادة هواه، ومن ثم تألَّه الإنسان الغربيُّ، أصبحت المركزيَّة للإنسان، كلُّ شيءٍ يجب أن يتبع ويخضع للإنسان، ولا يخضع هو لأحدٍ، ولا حتَّى لخالقه ورازقه؛ لذا فالمعايير والتَّصوُّرات والأفكار كلُّها ستبنى تبعًا لذلك: أنَّ الإنسان هو المركز، القَدَاسة له ولشهواته ورغباته، والدِّين يجب أنَّ يُخْضَعَ للإنسان، يأخذ منه الإنسان بمقدار ما يحلو له، وما يحقِّق له الرَّاحة النَّفسيَّة، وأيُّ شيء في الدِّين يخالف رغبة الإنسان المتألِّه، يجب أنَّ يُؤوَّل بما يوافق الرَّغبة، وليس هناك محرَّماتٌ أمام هذا الإنسان المتألِّه إلَّا ما أدَّى إلى الإضرار بالآلهة الأخرى من البشر حوله، أمَّا حقُّ الله فأهونُ كلمةٍ تُقال. فكرة تأليه الإنسان -هذه- طَغَت في الغرب لدى الرِّجال والنِّساء، ولربَّما زاد حدَّتَها عند المرأة ردَّةُ فعلها على نصوص الكتب المحرَّفة الَّتي قلَّلت من شأنها، وجعلتها سبب الخطيئة في إغواء آدم ليأكل من شجرة المعرفة، وأنَّ هذا الرَّبّ -الخائف الغضبان- يعاقبها بأتعاب الحمل والولادة وعادتها الشَّهريَّة مسلماتٌ يَقُلْن عن أنفسهنَّ أنَّهنَّ مسلمات، ومع ذلك يدخلن جحر التألَّه؟! نعم... جزءٌ من حالة التَّبعيَّة للدُّول الغالبة، تقليدٌ لهم في التَّفكير، والمشاعر، والمُنطلقات، والمعايير، وفي كلِّ شيء، وفي دخول كلِّ جحر ضبٍّ يَدْخُلُونه. وبتسييد الرَّجل عليها كما في النُّصوص الَّتي ذكرناها في حلقة (تحرير المرأة الغربيَّة)، فهذه المرأة تتحدَّى الرَّبّ الَّذي يريد تَجْهِيلَها والانتقام منها. هذا التَّألُّه -فكرةُ (المرأة الإلهة)- اتَّخذ أشكالًا عديدةً، لا شك أن موقف المسلمات من الإسلام لا ينحصر في موقفٍ واحد، فلم يَسلم مِن هذه الفكرة حتَّى بعض النِّساء اللَّواتي يُعرِّفنَ أنفسهنَّ بأنَّهنَّ راهباتٌ دينياتٌ؛ فترى مثلًا مواقع بعنوان (النَّسويَّة المسيحيَّة) تطالب بمناداة الإله بضمير الأنثى (بالإنجليزية) (هِيَ) تحت مسمَّى (محاربة فكرة الإله الذُّكوريِّ) حسب تعبيرهم، في المقابل ظهرت دعواتٌ إلى تبنِّي وإحياء عقائد وثنيَّةٍ لما فيها من فكرة الإلهةَ الأنثى، على اعتبار أنَّ ذلك يساعد على التَّخلُّص من التَّسلُّط الذُّكوريِّ، وذلك على يد غربيَّاتٍ منُهنَّ دكتوراتٌ جامعياتٌ كخرِّيجة جامعة ييل "Yale" المعروفة الدُّكتورة النَّسويَّة كارول كرايست "Carol Christ" الَّتي أطلقت (حركة الإلهة) "goddess movement"، وأقيمت مؤتمراتٌ، منها مؤتمرٌ بعنوان: (الإلهةُ العظيمةُ تظهرُ من جديدٍ) عام (1978) في جامعة كاليفورنيا في سانتا كروز "Santa Cruz". لسانُ حالِهنَّ -سواءًا من بَقِيْنَ على المسيحيَّة مع المطالبة بتأنيث الرَّبِّ، أو من تركنها لأديانٍ وثنيَّة-: "أنا امرأة، والمركزيَّة لي، وأريد للإله أنَّ يتكيَّف بحسب مزاجي، سأعتبره أنثى وأعبدُه على أنَّه أنثى كما أريد" كما كان الجاهليُّون يصنعون صنمًا مِن عجوةٍ، يستخدمونه لتلبية حاجاتهم النَّفسيَّة في العبادة، ثمَّ يأكلونه إذا جاعوا، فهذا صنفٌ من النِّساء اعتَبَرْنَ أنَّ الإله يجب أن يتكيَّف بحسبِهنَّ، ومن النِّساء الغربيَّات من أنكرن النُّصوص الدِّينيَّة المحرَّفة، وأنكرن الأديان الوثنيَّة المقدِّسة لإلاهاتٍ مزعوماتٍ، لكن لم يكن البديل عندهنَّ الاستجابةَ لداعي الفطرة والبحثَ عن دينٍ صحيحٍ، وإنَّما انتقلن إلى الإلحاد وإنكار وجود الرَّبّ أصلًا. ومن النِّساء الغربيَّات من اعتبرت نفسها بديلةً عن الإله، أنَّها هي بجاذبيَّتها الجنسيَّة، وسطوَتِها الجنسيَّة على الرَّجل، بمثابة إلهٍ له لا يملك أن يُفلت من جاذبيَّتها وسطوتها، وانتشرت أغانٍ بمئات الملايين -بل المليارات- من المشاهَدَات، -ولن نُحيل عليها ولا نذكر أسماءها لما فيها من فسادٍ أخلاقيٍّ يمثِّل حالة تقديس الشَّهوات المنفَلِتَة- فهناك عظيماتُ الإيمان المُسلِّماتُ لله قلبًا وقالبًا، عن علمٍ وحبٍّ وتعظيم، وهناك المسلِمات المقصِّرات؛ مقصِّرةٌ في مراعاة الحدود الشَّرعيَّة في التَّعامل، في مظهرها، في غير ذلك... لكنَّها معترفةٌ لله بذنبها، مُقرَّةٌ بعبوديَّتها لله، وهناك المسلمة الَّتي تُفرِّق جيِّدًا بين أحكام الإسلام، وسوء تطبيق هذه الأحكام؛ فهي تُعظِّم أحكام الله، وترى فيها الحكمة والرَّحمة، وتعترض على سوء التَّطبيق لأمورٍ مثل (القِوامة) أو (تعدُّد الزَّوجات)، وهناك الَّتي تنفِر من بعض أحكام الإسلام؛ تأثَّرت بتطبيقاتٍ سيِّئةٍ من أبٍ قاسٍ، أو زوجٍ غير تقيٍّ، أو تشويهٍ إعلاميٍّ ممنهجٍ، وصورٍ نمطيَّةٍ جعلتها تنفر من بعض الأحكام، لكنَّ نفورها سهل العلاج؛ ألا تستطيعين بهذا العقل أن تتعلَّمي وتُنقِّي الشَّوائب عن الفقه (الذُّكوريِّ)، أغانٍ تستخدم العبارات الدِّينيَّة -كالاعتراف والخلاص- لكن مع متألِّهةٍ هي الأنثى الماجِنة، خلاصة هذه الأغاني: ألا ترى سطوة الشَّهوة عليك وضعفك أمامها؟ اعترف إذن بأن الرَّبَّ امرأة، واكسب باعترافك هذا الخلاصَ والمتعة بالجنس. الشَّاب والفتاة اللَّذان يسمعان هذه الأغاني مرَّةً تلو الأخرى: فجورٌ، استثارة غرائزٍ، موسيقى، فنٌّ تصويريٌّ، يتضخَّم لديهم فكرةُ (الإنسان الإله) و(الإنسانة الإلهة) و(الشَّهوات المعبودة)، خاصَّةً في مجتمعاتٍ تمَّ إشعالُ السُّعار الجنسيِّ فيها في كلِّ مكان، وتستخدم فيها الأغاني والأفلام لطمس الفطرة وصياغة العقول والمشاعر من جديد، ومن النِّساء الغربيَّات من أَعْرَضَت عن تعلُّم الدِّين جملةً وتفصيلًا، لا يعنيها البحث عن أمر ربِّها، وإنَّما تعيش لنفسها ومشاكلها وهواها وشهواتها، ومن النِّساء الغربيَّات من مارست الانتقائيَّة: فتأخذ من الدِّين ومن الكتب المحرَّفة ما يحلو لها -إشباعًا لفطرة التَّديُّن-، وتدع ما لا يُعجبها ومن النِّساء الغربيَّات من مارست التَّأويل؛ تأوِيلَ النَّصِّ الدِّينيِّ وحمْلَهُ على غير ظاهره، ومن ذلك النُّصوص الَّتي لا تعجبها وتضع حدًّا لشهواتها المنحرفة، ﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا ومع هذه الانتقائيَّة والتَّأوِيل، ظهرت كنائس خاصةٌ بالنِّساء الشَّاذَّات والمتحوِّلات جنسيًّا، مع أنَّ نصوصهم الدِّينيَّة تمنع الزِّنا والشُّذوذ. عَسَى اللهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ [القرآن 9: 102] لكنَّها ليست معترفة، فتبحث عمَّن يريحها بأنَّها باتِّباعها لهواها ليست مُخطئة، اسألي نفسك حين يعجبك كلام (عدنان إبراهيم) أو (محمد شحرور)، أو (علي منصور الكيَّالي) وغيرهم، ممَّن يُحَرِّفون الكَلِمَ عن مواضعه ويهدمون الإجماعات تحت مُسمَّى: (رؤية معاصرة للإسلام)، (قراءة جديدة للإسلام) ابحثي في نفسك: ما الَّذي حصل بالفعل؟ هل أقبلتِ على كلامهم، وكلام غيرهم بنفسيَّة الباحثِ عن الحق، الخاضع له -أيًّا كان- لوجه الله -تعالى-؟ هل لاحظتِ أنَّ القدْر المشترك في هذا كلِّه، هو أيضًا ضياع البُوصلة واتِّباع الهوى؟ حينما تُعرض المسلمة عن تَعلُّم دينها وتكتفي بانتقاد (المتشِّددين) في نظرها، حينما تعترض على شيء من أحكام الدين، حينما تَتّبع من يُأوِّلون أمر الله تأويلاتٍ فاسدةً تناسبُ الهوى، حينما تنتقي من الدِّين انتقاءً، القدْرُ المشترك في هذا كلِّه أنّها تُرخي قبضتها عن حبل الوحي وتسيرُ بلا بوصلة، متَّبعةً لهواها، وقد سمِعَت قول الله: القاسم المشترك بين هؤلاء النِّساء بأطيافهنَّ المختلفة وأصنافهنَّ المذكورة هو: (التَّألُّه)، حيث مبدأُ الخضوع الكامل لله والإيمان بكمال صفاته، مبدأٌ غير واردٍ عند الغربيَّات. هذا التَّشرذم والتَّفرُّق نتج عن ضياع البوصلة، وخاصَّةً أنَّ تأليه الإنسان ينتج عنه فكرة (نسبيَّة الحقِّ والباطل): لا ربَّ كاملَ الصِّفات عندهم يبيِّن الحقَّ والباطل المطلَقَيْن، بل الإنسان هو المركز، هو الحَكَم، فينتج حقٌّ وباطلٌ بعدد البشر وتصبح المسألة نسبيَّةً هلاميَّةً. ومع تأليه المرأة، قُدِّست الشَّهوات المنحرفة لدى النِّساء المنحرفات، كتقديس المثليَّة الجنسيَّة والزِّنا تحت مسمَّى (الحريَّة الجنسيَّة) وما ينتج عنه من إجهاضٍ للجنين الَّذي لم تكمُل ألوهيَّتُهُ في نظرهم، فترى الدَّعوات النَّسويَّة الغربيَّة تأتي في حزمة واحدٍ مع حريَّة الشُّذوذ، والتَّحوُّل الجنسيِّ والزِّنا والإجهاض. دخلت المرأة الغربيَّة جُحْرَ الضَّبِّ هذا، جُحْرَ تَأْلِيه الإنسان وشَهواته، ماذا بعد انتقاد الفقه الذُّكوريِّ وتشدُّد المتشدِّدين وانغلاق المنغلقين؟ الَّذي يجعل العلم دالًّا على الله، وأُلِّفت كتبٌ في إحياء فكرة الإلهة، أم بنفسيَّةٍ نافرةٍ من بعض الأحكام؟ عندك مُسلَّماتٌ مُسبقة وأهواءٌ تستصعبين تركها، والَّذين فقههم -حسب رأيكِ- هو الطَّاغي والمؤثِّر والمخرِّب لعقول المسلمين؟ أمن المعقول أن تشغلي وقتكِ بحضور أفلام (هوليوُدِيَّة) تعيِّشكِ في الخيال؟! وتنصحي متابعيكِ بحضورها، بكلِّ ما لها من أضرار نفسيَّة وأخلاقيَّة؟! أن تمجدي مواقف لنساءٍ غربيَّات من قبيل الوسطيَّة والانفتاح؟! أن تنشري صورك وأنت متجملة، تشرقين وتغربين، وتفاخرين بعدد الدُّول التي زرتها وحدك؟! وإذا انتقدك أحد ونصحك بأنَّ هذا حرام انتفضتِ، وربما استهزأتِ به على اعتبار أنَّه من المتشدِّدين المنغلقين، ضيِّقي الأُفق، متحجِّري العقول، ومرة أخرى: هذه ممارسات نراها من هؤلاء المسلمات، حسنا، أما كان من الممكن -في شيء من الوقت الذي تصرفينه في هذا كلِّه- أن تتعلَّمي أمر ربِّك بنفسك حتَّى تعرفي -ثمَّ تُعَرِّفينا- ما الإسلام الحقُّ؟ ما الفقه الصحيح لا الذُّكوريُّ ولا المتشدِّد، ولا المنغلق؟ ألست تقولين دائمًا: ربِّي أعطاني عقلًا أفكَّر به، وكلامُكم غير مقنع؟ مع أنَّها لو اعترفت لله وراعت مقام العبودية له، فقد يكون لها مكان في قوله تعالى: وتُعرض تمامًا عن نصوص الشِّرك والإيمان. هل لاحظتِ أن هذه الأشكال من التألُّه شبيهةٌ بما حصل مع الغربيَّات؟ الإعراض، الاعتراض، التأوِيل، الانتقائيَّة السَّلام عليكم تألَّهَ الإنسان الغربيُّ، أي: (تصرَّف كأنَّه يرى نفسه إلهًا) أنا أطرح أسئلة ليس عندي جوابها، لكن ليس معقولًا أن يكون الإسلام بهذا الشَّكل، ربِّي أعطاني عقلًا أفكَّر به، وكلام هؤلاء غير مقنع، وأنا -بالمناسبة- أنقل هنا كلامًا يقوله بعض المسلمات، ولا أخترعه من عندي، أقوله بمعناه حتَّى لا نُشَخِّصَ الموضوع، لأنَّها تُعظِّم الله، وتفهم مقام العبوديَّة له، وتتَّهم نفسها وتطلب من يساعدها لتُحبَّ دينها وتُخرِج من قلبها أيَّ حرجٍ من كلام ربِّها وسنَّة نبيِّها (صلى الله عليه وسلم). وهناك -في المقابل- المتألِّهة وهي لا تَشعر، أين أنتِ أيَّتها المسلمة من هذا الطَّيف؟ سنساعدكِ -في هذه الحلقة- على أن تُحدِّدي الجواب بنفسك، والكلام لكِ، لا عنك، ولن أذكر أيَّ اسمٍ في هذه الحلقة؛ حتى لا تثور النُّفوس، وتضيع الفائدة في غمرة التَّعصُّب، فليتك أختي -أكرمك الله- تفكرين بهدوء، لأنه لا أحد ينظر إليكِ الآن ليصدر حُكمًا عليكِ، لا أحد يستفزِّك لتردِّي، انظري أنتِ لنفسكِ لتزكِّيها ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا﴾ [القرآن 91: 9] لا تُضيِّعي هذه الفرصة رجاءً! هناك نماذج صارخة (بالإنجليزيَّة) مُفرِطة من أناسٍ ينتسبون إلى الإسلام، وتقليدهم للغربيَّات واضحٌ تمامًا، فترى منظَّماتٍ بعنوان: (اتِّحاد المسلمين الِمثليِّين والمِثليِّات والمتحوِّلات جنسيًّا)، وهناك العَلمانيَّات بصراحة، والعلمانيَّة هي -باختصار- تألُّه الإنسان، عندما تقول امرأةٌ علمانيَّةٌ بأنه يجب فصلُ الدِّين عن السِّياسة، وحصرُ الدِّين في دُوْر العبادة والشَّعائر الشَّخصيَّة، وترفض شموليَّة الدِّين، فهي -باختصار- ترى من حقِّ الإنسان أن يتحكَّم في أمر الله، وأن يضع حدودًا للدِّين لا يتجاوزها، وهذه أوضح مظاهر تألُّه الإنسان وتعاليهِ على الله. لكنَّ كلامنا ليس عن هؤلاء اللَّواتي دخلن عميقًا في جحر الضَّبِّ، وإنَّما عن المسلمات اللَّواتي عندهنَّ تألُّهٌ خفيٍّ، تأثَّرن بالنَّزعات الغربيَّة، والدَّعوات العلمانيَّة في بلاد المسلمين، لكنْ ما زِلنَ يتعلَّقن بالإسلام. الخطير في هذا النَّوع من التَّألُّه أنَّه خفيٌّ، لكنَّه بنفس الأسباب وبنفس الأعراض الَّتي رأيناها مع الغربيَّات، وإن كان أخفى وأقلَّ حِدَّة، فهؤلاء المسلمات هنَّ في بداية الطَّريق الَّذي سلكه الغربيَّات قبلهنَّ، والمسألة مسألة وقتٍ وتراكمِ انحرافات، ومن الممكن أن تصل المسلمة إلى ما لم تتصوَّر أن تصل إليه في يومٍ من الأيَّام، إذا لم تكن هي التي ستصل إلى هذه النِّهايات، فربما يكون الجيل التَّالي، لعل المسلمة التي نتكلم عنها لا تقصد مطلقًا أن تقلِّد الغربيَّات، بل ومشمئزةٌ من كلِّ النَّماذج التي رأيناها وتحتقرها، لكن هناك بذور تشابهٍ قابلةٍ للنُّموِّ: ضياع البوصلة، وانحراف المعايير (المسطرة التي تقيس بها)، واتِّباع الهوى، فقد يوصلون المسلمة إلى نفس النَّتيجة -مثل الغربيَّات- وهي لا تشعر تعالي -أيَّتها المسلمة- نتعاون لتَرَي بنفسك إن كانت تنمو لديكِ بذرة التَّألُّه، وأنتِ لا تشعرين. كثيرٌ من المسلمات يعشن صراعًا، تحبُّ انتماءها إلى الإسلام، تحبُّ الله ورسوله حُبًّا مجملًا، لكنَّها متردِّدةٌ في التَّسليم المطلق لأمر الله ورسوله، وليست متيقنة من أنَّ الله أنصفها، هي لا تريد ترك الإسلام صراحةً؛ فهذا يخرجها من دائرة الأمان النَّفسيِّ، فالحلُّ الَّذي تمارسه -لا شعوريًّا- هو أنَّها تجعل المركزيَّة لنفسها ولأهوائها بدهًا هي لن تسميها أهواء، بل تسمِّيها عقلانيَّة، لكنَّها لا تلاحِظ أنَّها تحاكم شرائع الإسلام إلى عقلانيَّتها هذه، وما فكَّرت في يومٍ من الأيَّام أن تحاكم (عقلانيَّتها) هذه نفسَها؛ لم تفكر إن كانت المسطرة التي تقيس بيها الأشياء هي مسطرة صحيحة، أم وليدةَ الأهواء وردودِ الأفعال على أخطاء الآخرين، والصُّورِ النَّمطيَّة وتأثيرِ الإعلام، والأفلامِ، والتَّعليم المدرسيِّ الممنهج من الخارج، ومشاريع (الرَّامبوهات) و(القراعيق) الَّذين تكلَّمنا عنهم، لم تلاحظ أنَّها جعلَتْ المركزيَّة لنفسها، ثم تحاول التَّوفيق بين نفسها المتألِّهة، والرَّبِّ الإله، تعالي نر أشكالًا من هذا التألُّه، ونر معها: «حتَّى لو سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ» (صحيح البخاري) هذه الأشكالُ من التَّألُّه، يمكن أن نلخِّصها في أربع كلمات: الإعراض، والاعتراض، والانتقائيَّة، والتَّأوِيل الشَّكل الأوَّل: هو الإعراض عن تعلُّم أمر خالقكِ أصلًا، قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [القرآن 51: 56) العبادةُ بمفهومها الشَّامل من الخضوع لله في كلِّ تفاصيل الحياة، قد تصلي، تأخذ من الدِّين مقدار ما يُشبع حاجاتها الرُّوحيَّة، أمَّا الخضوع الكامل لأمر الله، فلا تريد أن تتعلَّم أمر الله -أصلًا- حتى لا تخضع له، المركزيَّة لها ولرغباتها، وإن تعلَّمت أمر الله، فقد يتعارض مع رغباتها، فتتجنَّب تعلُّمه أصلًا. إذن، كيف تقنع نفسها أنَّها ليست مقصِّرة تجاه دينها؟ تمارس على نفسها حيلةً نفسيَّةً، أنَّها (نافرة)، نافرة من ماذا؟! من الشُّيوخ المتشدِّدين بحقِّ المرأة، من الفقه (الذُّكوريِّ)، تصرف وقتها وجهدها في انتقادهم، وفي معركتها معهم يضيع البحث عن أمر الله حتَّى تطيعه، هناك أحكام تؤثِّر في حياتها وراحتها، وقد ثبت لديها أنَّ بعض المتصدِّرين للفتوى شدَّدوا في بعض الأمور، فتقول: لعل هذه الأحكام أيضًا تكون مجرَّد سوء فهم أو تفسير خاطئ لنصوص الدِّين من المشايخ المتشدِّدين، لعل (الحجاب) ليس فرضًا، لعل (التخادن) ليست حرامًا، لن تبحث عن الوسطيَّة الحقيقيَّة حتَّى تتَّبِعها، وإنَّما ستجدها تقول: أنا لست عالمة ولا مختصَّة في الدِّين، ولكن مستحيل أن يكون الدِّين كما يقول هؤلاء، حسنًا، ماذا بعد هذا يا مسلمة؟ وتعودي -مباشرةً- إلى كلام ربِّكِ لتقولي لنا ما الإسلام حقيقةً؟ وما هو كلام ربِّك فعلًا؟ أم أنَّ عقلك قادرٌ على النَّقد لا على البناء؟! إذا كنتِ تعتقدين أنَّ (الشُّيوخ) أساؤوا تمثيل الدِّين، أما عندك غيرة على الدِّين، فتُحسِني أنتِ تعلَّمه وتمثيله؟! عندما يقول لك أحد: هذا الَّذي تعملينه حرام، والدَّليل كذا وكذا... فهل الرَّدُّ العلميُّ، هو أن تجيبي على الدَّليل بدليل؟ أم أنَّ عبارة (أنتم متشدِّدون ذكوريُّون) هي الرَّدُّ على كلِّ شيء؟! فهذا أوَّل أسلوبٍ تمارسه المرأة المتألِّهة الَّتي لم تترك دينها صراحةً، وتريد أن توفِّق بين تألُّهها، وتأليه خالقها، اتِّباع الهوى، والإعراض عن تعلُّم الدِّين الَّذي يعارض الهوى بحجَّة النُّفور ممَّن أساؤوا تمثيله. المظهر الثَّاني: هو الاعتراض على أمر الله عندما تقول مسلمة مثلًا: لماذا يجوز للرَّجل أن يتزوج أربع نساء؛ ولا يجوز للمرأة أن تتزوج أربعة رجال؟ ستكون قضيَّة مختلفة تمامًا عندما تسألين سؤالَ مُسَلِّمٍ بالحكمةِ يُريد التفكّر فيها، لكن المشكلة عندما تشترطين معرفة الحكمة حتَّى تقبلي الحكم وتُسلِّمي له، فهل أنتِ بذلك تخضعين لأمر الله؟ أم تُحاكمين أمر الله إلى مِسطرتك، وتفترضين أنَّ مِسطرتكِ هذه مُقدَّسة؟ افترضتِ أنَّ أوامر الله يجب أن تُحقِّق المساواة المُطلقة بين الرَّجل والمرأة، فإذا قلنا لكِ إنَّ أوامر الله ليس شرطًا أن تُحقِّق المساواة المُطلَقة، بل الحقَّ والعدل، والمساواة بين الجنسين تكون في بعض الأمور باطلًا وظلمًا، إذا كنتِ بعد ذلك تقولين: لست مُقتنعة، (بالإنجليزية) هذا غير منطقي فواحدٌ من اثنين: إمَّا أنَّكِ مُقرَّة بأنَّ هذا أمرُ الله، لكنك تعترضين عليه، ألا ترين أنّ هذا تألُّه؟ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَاتَّقُوا اللهَ ۚ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [القرآن 49: 1] وأنتِ تقدِّمين معيار المساواة المُطلقة الخاص بك على أمر الله، وتسمِّين هواكِ ومعياركِ الخاطئ عقلانية، مع أنَّ الله -الذي تؤمنين به- سمَّاه جاهليَّة: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [القرآن 5: 50] أو إنك تقولين: هذا ليس أمرَ الله، مستحيل أن يكون دينٌ يقول بهذا الكلام دينَ الله - لماذا؟ - غير مقنع حسنًا، لماذا افترضتِ أنَّ مقاييسكِ الصَّحيحة؟ ولم تشُكِّي أنَّها باطلةٌ وأهواءٌ، وأنَّكِ تقيسين بالمِسطرة الخطأ؟ لماذا افترضتِ أنَّ أحكامكِ مُقدسَّة؟ أليس هذا تألُّه أيضًا؟ المظهر الثَّالث للتَّألُّه: هو تأويل أمر الله حسب الأهواء، بحيث يكون الوحي هلاميًّا لا معالم له، قابلًا للتشكُّل بحسب المزاج، هي لا تريد أن تترك هواها، وفي الوقت ذاته لا تريد الاعتراف بأنها ترتكب معصية، وتريدين أن تبحثي عمَّن يُريحكِ بأنَّكِ لستِ مخطئة، ويعطيكِ التَّبرير الشَّرعي لهذا كلِّه. ومرة أخرى، هذا كلُّه ليس افتراضات، بل ظهر في موجة التَّرحُّم على (شحرور) من بعض النَّسويات، وظهر أنَّ المشكلة ليست مشكلة نسوية فحسب، وإنما هناك رفضٌ لأحكامٍ دينية، فوجدن في شحرور وأشكاله متنفسًّا لهنّ تحت مُسمَّى: (العالِم الُمجدِّد لفهم القرآن). المظهر الرابع للتألُّه هو: الانتقائيَّة؛ أن تأخذ المرأة من الوحي ما يعجبها، فإذا سمعتْ مثلًا آياتٍ توصي بالأنثى أطرقت في خشوع، لكن إذا سمعتْ ما يُخَالِف هواها أعرضت أو اعترضت أو بحثت عن تأويلٍ لأوامر الله على غير ظاهرها، هل تعلمين أنَّ الله تعالى وصف هذا السلوك فقال: ﴿وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ﴾ [القرآن 24: 48-49] ﴿وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ﴾ [القرآن 24: 49] ما تشخيصُ هذه الحالة؟ ما الدَّوافع النَّفسيَّة؟ تُتابع الآيات... ﴿أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ ۚ بَلْ أُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [القرآن 24: 50] مرض القلب: امتلاؤه بالتَّعلُّق بالهوى لحدِّ العبادة، الشَّكُّ في عدل الله وحكمته، والشُّعور بأنّ الله لا ينصفهم تتابع الآيات... ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۚ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [القرآن 24: 51] وبالمناسبة، فإنَّ سبب نزول هذه الآية أنَّ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- أرسل جُليْبيبًا -شابًّا لا يُرغبُ في تزويج مثله- يخطِبُ فتاةً من الأنصار، فتلكَّأ والداها فقالت لهما البنت: أتردَّون على رسول الله أمره؟ ادفعوني إلى رسول الله فإنّه لن يُضيِّعني؛ حبًّا وكرامةً وتعظيمًا وثقةً واحترامًا لأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فزوَّجها من (جُليبيب)، وحسُنت عاقبتها. ومن أهم أشكال (الانتقائيَّة) المُنتشرة بين المُسلِمات اتِّباع دين (الإنسانويَّة): تقييمُ الأفكار والمبادئ والأشخاص والمواقف، بناءًا على معايير (إنسانيَّة) كالرَّحمة، والإحسان للآخرين، عندما تقيم إنسانًا، فإنّها تُقيّمه بناءً على تعامله مع البشر، أمّا كونه كافر أو مسلم، فلا يهمّها، بل على العكس، إذا مجَّدت إنسانًا وأثار أحد قضية أنَّه ملحد أو مشرك فإنها تثور وتتهكم وتحقر، لأنَّ حقَّ الله هيِّنٌ عليها جدًّا، أمَّا حقُّ الإنسان فهو المُعظَّم، وهذا من أوضح مظاهر تأليه الإنسان، ومع ذلك تقنع نفسها أنّ هذا لا يتعارض مع الإسلام، وتنتقي نصوص الرَّحمة والإحسان وما تراه أكثر إنسانيَّة، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾ [القرآن 2: 208] أي، ادخلوا في الإسلام بكل تفاصيله وأحكامه، ولا تتَّبعوا خطوات الشيطان الَّذي سيدخَّلكم جُحر الضبّ كما أدخل أهل الكتاب قبلكم، ويدفعكم لعمل أشياء لم تكونوا من قبل تتصورون عملها. لكن السُّؤال يا مسلمة: إذا كانت (الغربيّة) أضاعت البوصلة، فلماذا تُضيعينها أنتِ؟ دينك ليس كدينها، وأنت خير منها، إن كان دينها يُظهر الرَّبَّ وكأنُّه يحرص على تجهيل الإنسان، فدينُك يقول عن ربِّك -سبحانه وتعالى-: ﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا﴾ [القرآن 2: 31] إذا كان دينها يُظهر الرَّب ناقصًا عاجزًا، فدينك يصف الله بصفات الكمال والجلال والقدرة والعظمة والَّتمايز عن المخلوقين، إذا كان دينها يُظهر الرَّب منتقمًا من المرأة معاقبًا لها بالحمل والولادة، فدينك يجعلُ ذلك أجرًا لك ورفعةَ مكانةٍ تستحقين من أجله أن يَلزم أبناؤك خدمتكِ عند رجليك، إذا كانت (الغربيَّة) التي آمنت بهذه التَّحريفات قد ضلَّت، ومن كفرت بهذه التَّحريفات وانتقلت إلى الإلحاد ضلَّت أيضًا، فلماذا تضلّين أنتِ؟ أمَا رأيتِ ما ذكرناه في الحلقة الماضية، من إسلامِ غربياتٍ لمَّا رأين دينك، وبوصلة الوحي المحفوظ الَّذي أنعم الله به عليك؟ ابحثي في نفسكِ يا مسلمة، هل أنتِ مؤمنةٌ مُستقلِّة الشَّخصية عن دخول الجحور؟ تستجيبين وتخضعين حبًا وتسليمًا وكرامةً لقول ربكِ: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا﴾ [القرآن 33: 36] أم أنَّ المركزيَّة أصبحت لنفسكِ ورغباتها؟ ورفضَ كلِّ سلطةٍ امتدَّ عندكِ ليشمل رفض سلطة الله -تعالى-؟ ابحثي في نفسك: هل عندكِ مبدأ الخضوع لله في كل شيء؟ ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [القرآن 6: 162] هل عندكِ هذا الخضوع؟ مع الاعتراف بالتقصير إذا خالفت؟ أم أنك تكتفين بممارسة شيء من الدين بالمقدار الَّذي يحقق لكِ الاستقرار النفسيّ والشعور بالرِّضا -من ضمن حاجات الإنسان المُتألِّه-، وتقنعين نفسك أنّك تحبّين الإسلام، لكنَّه الإسلام المُقصقص والمُفصَّل على مقاس أهوائكِ؟ نحن -إخواني- حين نقول مسلمة مُتألِّهة فهذه عبارةٌ متناقضةٌ ذاتيًّا؛ فالإسلام هو عكس التألُّه تمامًا، الإسلام هو إسلام الأمر لله والخضوع له، ومراعاة مقام العبوديَّة له -سبحانه-، عندما نقول مسلمة تؤلِّه هواها، فهذه عبارة متناقضة؛ لأنَّ الإسلام هو مخالفة الهوى ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ﴾ [القرآن 79: 40-41] ختامًا: هذا التألُّه، ماذا سيحقق لكِ أيَّتها المسلمة؟ هل سيحقق لكِ سعادةً؟ عزّةً؟ هل سيرفعُ عنكِ ظلمًا؟ تستطيعين أن تستقرئي المستقبل بالنَّظر إلى من سبق إلى جحر التألُّه: المرأةِ الغربيَّة، ماذا كان مصير المرأة الغربية الَّتي تألَّهت؟ هل حصَّلت عزة الإله حقًّا؟ رأينا الجواب في حلقة (تحرير المرأة الغربية) كيف أنَّ تألُّهَهَا هذا ما زادها إلا رَهَقًا وذلًّا ومهانةً، مصداقًا لقول الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾ [القرآن 24: 201] فالذي يُعرض عن العبودية لله ويؤلِّه هواه -رجلًا كان أو امرأة- فمصيره الذُّل مصداقًا لقول الله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ ۖ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ ۗ وَمَن يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ ۚ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ۩ ﴾ [القرآن 22: 18] المرأة الغربية التي تألَّهت واستنكفت عن العبوديَّة الحقَّة لله، انتهت بأن تصبح مستعبدةً للبشر كما رأينا. هذه الحلقة -يا كرام ويا كريمات- تأتي ضمن سلسلةٍ للمرأة لتنظيم علاقتها بربها، وبنفسها وبالبشر من حولها. خلاصة حلقتنا اليوم: لا تتخلَّيْ عن بوصلة الوحي، ولا تُرخي قبضتك عن حبله، ولا تطلبي حلَّ مشاكلكِ خارجَه، وابحثي عن العزَّة في التزام مقام العبوديَّة لله العزيز الحكيم؛ ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فللهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا﴾ [القرآن 35: 10] لا تسمعي لمن يقول لكِ: تحمَّلي الذُّل! وفي الوقت ذاته، لا تسمعي لمن يُهيُّئ لكِ أنَّ العزة هي خارجَ إسلامك، بإمكانكِ أن تعيشي عزيزة كريمة بدينك، وفقط بدينك. لكن قد يكون في نفسكِ بعد هذا شيءٌ من النُّفور من أحكامٍ شرعيِّة والتشكُّكِ في عدلها، نفسكِ تنازعك، تُدركين أنَّك في مقام العبودية وتؤمنين إيمانًا مُجملًا بعدل الله وحكمته لكن ما زال في النَّفس من بعض أحكامه شيء، سنتعاون معًا في الحلقة القادمة على تنظيف قلوبنا من هذا الحرج بإذن الله. وختامًا فلنتذكَّر جميعًا -يا مسلمة- أنَّ الله أرشدنا لنطلب منه البوصلة الصَّحيحة؛ لنسير على هدى ولا نضيع مع الضَّائعين ولا نلحقهم إلى جحر الضَّب، فنقرأُ كل يومٍ في صلاتنا، ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ [القرآن 1: 6-7] والسَّلام عليكم ورحمة الله