من دروس السيرة النبوية المطهرة وتحدثنا في الدرسين السابقين عن اساليب الكفار بصد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين عن طريق الدعوة وعن الاسلام وتحدثنا عن ثبات المؤمنين وكيف صبروا على التعذيب الشديد الذي حدث في ارض مكة في بيت الله الحرام تفرغ الكفار لحرب المؤمنين. وبدا واضحا ان النية هي الاستئصال ماذا يحدث لو هلك المؤمنون هذه هي الطائفة الوحيدة التي تعبد الله حق العبادة على الارض مسئولية ضخمة تقع على عاتق رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى عاتق اتباعه ان يصلوا بهذا الدين الى اهل الارض جميعا وما ارسلناك الا رحمة للعالمين. او كما كان يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم انما بعثت لكم خاصة وللناس عامة. هنا وقد اشتد التعذيب بالمؤمنين في مكة وكاد المسلمون ان يستأصلوا بالكلية يبزغ حل عملي لانقاذ الدعوة من الهلاك نوع من الاخذ بالاسباب. الرسول صلى الله عليه وسلم يخطط تخطيطا بشريا لانقاذ الدعوة ولانقاذ المؤمنين. كان من الممكن ان ينقذ الله عز وجل حبيبه وينقذ المؤمنين بكلمة كن فيكون او ينقذهم بمعجزة خارقة للعادة ولكن ليست هذه هي سنة الله عز وجل في التغيير الرسول صلى الله عليه وسلم يعلمنا ان نأخذ باسباب واقعية. هي في يده كبشر وهي في ايدينا كبشر. فكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في وسيلة جديدة لمجابهة طغاة مكة وهي في ذات الوقت في مقدور المؤمنين في كل الظروف. كما ذكرنا انه ليس في مقدور المؤمنين انذاك ان يقاتلوا المشركين فقط قد نهاهم الله عز وجل عن ذلك واعرض عن المشركين. اذا فلتكن الوسيلة الجديدة ما هي؟ انها الهجرة الهجرة من ارض مكة الى ارض اخرى جديدة. ليس فيها تعذيب او ايذاء. ليس فيها استئصال للدعوة خطوة تكتيكية من رسول الله صلى الله عليه وسلم. سبقتها اشارات جاءت في كتاب الله عز وجل انزل الله عز وجل سورة الزمر كان فيها للذين احسنوا في هذه الدنيا حسنة وارض الله واسعة. انما يوفى الصابرون اجرهم بغير حساب. اذا ارض الله واسعة واعظم قطعة في الارض هي القطعة التي يعبد فيها الله عز وجل لا تفضل قطعة اخرى بانهار او باشجار او باموال او باهل وعشيرة. انما الارض الصالحة الطيبة هي الارض التي يعبد فيها الله عز وجل. لذلك فكر المسلمون في ترك اشرف بقعة على الارض مكة. البيت الحرام الى غيرها لانهم لا يستطيعون ان يعبدوا الله عز وجل كما يريدون في مكة وليكن اذا في غيرها. المهم ان نعبد الله عز وجل دون ان نفتن في ديننا والهجرة يا اخواني في الله وترك الديار والعشيرة ليست امرا سهلا القرار قرار صعب ويحتاج الى نفوس خاصة نأخذ في الاعتبار انهم لا يهاجرون من بلد الى بلد لتحسين مستوى المعيشة مثلا او لجمع اموال ليست في بلادهم او علم ليس في مدينتهم او للحياة في مكان جميل ابدا. هم يتركون بلادهم وقد استقرت اوضاعهم فيها لولا قضية دعوة سيتركونها الى بلد اخر قد يكون فقيرا قد يكون بعيدا قد يكون حارا او باردا قد يكون مجهولا كل هذا لا كي الا لعبادة الله عز وجل. قرار صعب جدا. تخيل بمقياس الحاضر. تخيل رجلا يعيش في استقرار في بلد محبوب الى قلبه يعيش في مصر المغرب في تونس في السعودية في الامارات يعيش في بلد مستقر واوضاعه مستقرة ثم هو يقرر ان يهاجر الى الصومال مثلا كي يعبد الله عز وجل بعد ان ضيق عليه في بلده. قرار صعب جدا لو كان سيهاجر الى بلد اعظم رفاهية واكثر اموالا لكان هذا سهلا. لكن ان يهاجر الى بلد لا تهفو النفوس اليه عادة هو يحتاج الى جهاد للنفس عظيم ولذلك عظم الله جدا من اجل الهجرة عندما تكون في سبيله قال تعالى والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا او ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا. وان الله فهو خير الرازقين ليدخلنهم مدخلا يرضونه وان الله لعليم حليم. ولاحظ الجزاء في الاية هاجر المؤمنون ليس سعيا وراء الرزق. ولكن في ظاهر الامر انهم سيفتقدون الرزق. لانهم يتركون اعمالهم مهاجرون الى بلد قد لا يتوفر فيه عمل مناسب. هنا الله عز وجل يعدهم بالرزق الحسن. اين؟ الجنة. فان انه على اسوأ الفروض في حسابات البشر سيقتل المهاجرون او يموتون. الله عز وجل يعد ووعده الحق ان انهم لو قتلوا او ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا بالاضافة الى انه قد علم عند المؤمنين ان رزقهم في الدنيا لن ينقص. سيأتيه رزقه رغما عن انفه. في بلده او في خارج بلده في عمل او في اخر في ظروف او في ظروف اخرى. وفي السماء رزقكم وما توعدون اذا نقف وقفة ونحلل نحاول نجاوب على سؤال هام. هل قرر المسلمون الهجرة للحفاظ على الدعوة ام على الدعاة يعني قد تكون الفروق بين الاجابتين طفيفة لكن لما نيجي نحلل نلاقي الفرق كبير جدا هل يضحى بالدعوة من اجل الحفاظ على الدعاة؟ ام يضحى بالدعاة من اجل الحفاظ على الدعوة واقع الامر ان اهم شيء في حياة المؤمن هو الدين. المقصد الاول من المقاصد التي جاء الشرع لحمايتها هو الدين ومن اجل الدين يضحى بكل شيء. اذا يبذل المؤمنون ارواحهم للدفاع عن الدين. لكن لا يبذل المؤمنون دينهم للحفاظ على ارواحهم. بل يحث الله عز وجل المؤمنين على بذل ارواحهم حفاظا على دينهم. ان الله اشترى من المؤمنين انفسهم واموالهم بان لهم الجنة اذا السبب الاول في الهجرة التي قررها رسول الله صلى الله عليه وسلم هو حماية الدعوة. بمعنى ان الرسول صلى الله عليه وسلم اراد ان اجعل للدعوة محضنا اخر غير مكة. بحيث اذا استأصل الدعاة من مكة تبقى طائفة اخرى في مكان اخر لاستمرار الدعوة يعني الهدف الرئيسي هو الدعوة. اذا من الحكمة ان يكون للدعوة اكثر من مركز. بنتعلم اهو من رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا اغلق واحد يستمر العمل في الاخر. كما يقولون لا تضع بيضك كله في سلة واحدة. ولم يكن السبب الاول في الهجرة هو الحفاظ على ارواح الدعاة. وان كان هذا امرا هاما جدا ايضا. ويؤيد هذا الرأي الملاحظات الاتية الرأي اللي احنا بنقوله ان الرسول عليه الصلاة والسلام قرر ان يهاجر المسلمون للحفاظ على الدعوة لا على الدعاء. فكر كده معي من الذين طلب منهم ان يهاجروه لقد طلبت الهجرة من القرشيين. ولم تطلب من العبيد او من الذين كانوا عبيدا. سبحان الله! هاجر القوم الذين الهام وهو صلح الحديبية. وبعد صلح الحديبية. وبعد ان امن المسلمون على انفسهم. الان اصبح لهم دولة لها كيان محترم جدا. تعقد الاحلاف وتعقد المعاهدات على اعلى مستوى. يرهب جانبها ويحترم رأيها يتمتعون بعصبية وقبلية تستطيع ان توفر لهم الحماية. هاجر الاشراف اصحاب المنعة. ولم يهاجر المستضعفون ولو كان الهدف الاول هو حماية الارواح لكان الاولى ان يهاجر هؤلاء الضعفاء والكلام ده هيجرنا لسؤال تاني. لماذا هجر الاشراف دون البسطاء؟ اشمعنى يعني الرسول صلى الله عليه وسلم؟ امر الاشراف بالهجرة لم يأمر الموالي والعبيد تعالوا نفكر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. اولا هذا ادعى لحماية المهاجرين. امر الهجرة امر خطير. قد تطارد مكة فوج المهاجرين. بل بالتأكيد ستطارد فوج المهاجرين. وفي لحظات الغضب والغيظ قد يتهور اهل مكة ويقتلون المهاجرين المطاردين. وبالذات لو كانوا من العبيد. اما اذا كانوا من الاشراف فان عملية الهجرة تصبح اقل خطورة. حيث لو تم الامساك بهم فسيحملونهم حملا الى مكة ولن يفكروا في قتلهم لقوة قبائلهم. الامر التاني ان الاشراف على التأثير في اهل البلد الذي سيهاجرون اليه طبيعة من طبائع البشر انه اذا تكلم الشريف سمعوا له وانصتوا. واذا تكلم الضعيف لم يأبه له. والغرض هو ايصال كلمته الدعوة الى اذان البلد المضيف. وعرض الامر بافضل الصور. وسيستقبل المهاجرون في هذه الحالة على انهم وفد سياسي معارض لسياسة مكة بدلا من ان يستقبلوا كمجموعة من العبيد الآبقين من اسيادهم الحاجة التالتة هجرة الاشراف ستؤدي الى هزة اجتماعية خطيرة في مكة. سيفيق اهل مكة على خطورة افعالهم. هؤلاء المطاردون هم من خيرة اهل البلد ومن اكثر الناس سعيا لاصلاحها. ومن اعرق البيوت ومن اشرف الناس. ها هم يغادرون البلد لانهم لم يجدوا فيها امانا ما ابشع فعل اهل الباطل! وما اشنع الجريمة! اهؤلاء هم الذين يطردون! اهؤلاء هم الذين في دينهم هجرة الاشراف ستكون صدمة لاهل مكة قد ينتبهون على اثرها الى خطأهم الفادح في حق المهاجرين في حق بلدهم. اما اذا هاجر المستضعفون فلا طير. اليسوا عبيدا تركوا البلد؟ فلنأتي بعبيد اخرين. هكذا سيفكر ليس هناك اعتبار للادمية او للانسانية. اذا الرسول صلى الله عليه وسلم كان يدفع المشركين دفعا الى تحريك عواطفهم قلوبهم لادراك مدى الجريمة التي يفعلونها مع المؤمنين في صدهم عن دين الله عز وجل. لهذه الاسباب هاجر الاشراف ولم يهاجر الضعفاء. اذا هذه هي الملاحظة الاولى هجرة الاشراف والتي تشير الى ان الهدف الاول من الهجرة لم يكن حماية الارواح ولكن حماية الدعوة والدين. طيب في ملاحظة تانية هامة تؤكد ان السبب الاول للهجرة كان حماية الدعوة ولم يكن حماية الدعاء الملاحزة دي بتقول هو متى عاد المهاجرون من الحبشة الى الصف المسلم من جديد متى عادوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم هل عادوا في فترة مكة ام في فترة المدينة؟ اسمع كده الموقف العجيب ده. تخيل ان المهاجرين مكثوا في الحبشة مدة تزيد على خمستاشر سنة متتالية. فترة طويلة جدا هاجر المسلمون هجرتهم الاولى الى الحبشة في العام الخامس من البعثة في شهر رجب. ثم عادوا سريعا الى مكة بعد ثلاثة شهور كما سيأتي في التفصيل ان شاء الله. ثم هاجروا من جديد الثانية الى الحبشة في السنة السابعة ولكنهم مكثوا في الهجرة الثانية طويلا. قعدوا اتناشر سنة في الهجرة التانية ديت ولم الا بعد غزوة خيبر يعني من اول ما فكروا في الهجرة الاولى للحبشة لحد ما رجعوا مرت عليهم في بلاد الهجرة حوالي اربعتاشر او خمستاشر سنة مرت احداث في غاية الاهمية والخطورة على المسلمين. مرت احداث عظيمة جدا في بناء الامة الاسلامية. ومع ذلك لم يرجع مهاجرون من الحبشة ولم يكن هذا اجتهادا شخصيا من المهاجرين بل كان بامر من قيادة المسلمين المتمثلة انذاك في رسول الله صلى الله عليه وسلم مرت الهجرة النبوية الى المدينة المنورة. مر تأسيس الدولة الاسلامية كان البناء صعبا جدا. وكان المسلمون قليلين ولا عدد في الحبشة كبير تجاوز الثمانين وهم قوة لا يستهان بها. افتكروا كده ان عدد المهاجرين في غزوة بدر كان نفس عدد المهاجرين الى الحبشة كانوا حوالي حاجة وتمانين. ومع ذلك لم يطلبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم مرت الغزوات العظام مرت بدر ثم بنوا قينقاع ثم احد ثم بنو النضير ثم الاحزاب ثم بنو قريظة ثم الحدث الكبير العظيم هنا شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم انه اصبح من الصعب جدا استئصال المسلمين. لقد كان ممكنا في اي لحظة قبل صلح الحديبية ان يستأصل المسلمون واقرب مثال على هذا غزوة الاحزاب. حيث اراد الكفار الانهاء الجذري للاسلام في لكن الله عز وجل كتب النصر للمؤمنين وعبروا كما يقولون من عنق الزجاجة. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم الان ولا يغزونا. عندما شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم باول لحظات الامان في المدينة ارسل في طلب المهاجرين في الحبشة ارسل اليهم عمرو بن امية رضي الله عنه وارضاه فجاءوا في العام السابع من الهجرة بعد فتح خيبر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعامل مع الامور بحكمة سياسية رائعة. كان يحافظ للمسلمين على نواة هناك في مكان اخر بعيد مثل الحبشة فاذا هلك المسلمون في المدينة حمل المهاجرون في الحبشة اللواء. اذا المسلمون في الحبشة كانوا يقومون بدور في غاية الاهمية. كانوا كالمخزون الاستراتيجي الهام للمسلمين. وكانوا على استعداد للرجوع دعي الى المدينة في اي لحظة اذا طلبت منهم القيادة ذلك. الادوار كانت موزعة على المسلمين بدقة طائفة من المسلمين يقومون بالبناء في وضوح هناك في اواخر الفترة المكية وفي فترة المدينة هذه الطائفة لخطر شديد تقابل الموت في كل لحظة. وهناك طائفة اخرى كامنة بالحبشة. في ظاهر الامر هم غير معرضين للاذى لكن مهمتهم في منتهى الخطورة. لقد كان عليهم ان يحملوا الدعوة بمفردهم اذا هلك المسلمون في المدينة وقد يموت رسول الله صلى الله عليه وسلم شخصيا. وتصبح الامانة معلقة في رقابهم وحدهم وهنا في تعليقين في منتهى الاهمية التعليق الاول ان هذا التوزيع للادوار تم بمعرفة قيادة المسلمين المتمثلة في رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان هناك طاعة عظيمة جدا من الطرفين. الطرف الذي يعمل في المدينة والطرف الذي يعمل في الحبشة. ولو ترك الامر لكل فرد على حدة لدخل الهوى في الاختيار قد يكون هوى المرء ان يظل بعيدا عن ارض القتال. هناك في الامان في الحبشة وقد يكون هوى المرء ان يعمل للاسلام في مكان معين هواه ان يعمل بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم. او هواه ان يكون عاملا في قبيلة كذا او كذا. فحتى لا يتدخل الهوى في الاختيار وزع القائد صلى الله عليه وسلم الادوار على المسلمين واطاع المسلمون في ادب جم لا يشترط الجندي الصادق عملا معينا او مكانا معينا. الجندي في الاسلام يعمل لله عز وجل. وفي كل كان يوضع فيه يعمل بنفس الحمية. كما ان الامر يحتاج ايضا الى تنظيم. من الذي يقوم بهذا الدور؟ ومن من الذي يقوم بالدور الاخر وحتى لا تختلط الادوار على الناس؟ هذا يرجع كله الى قيادة المسلمين والى الشورى والى رأي المجموع وكل ذلك من اساسيات العمل الجماعي السليم والذي علمنا اياه رسول الله صلى الله عليه وسلم. يبقى ده كان التعليق الاول اللي بيوضح تنوع الادوار في الامة المسلمة ودور القيادة في هذا التنوع التعليق الثاني هو ان المسلمين المهاجرين في الحبشة لم يكونوا في حالة ركون او فتور بل كانوا في اعداد دائم مستمر. لقد كان المستوى الايماني لهم رائعا. وكانت استعداد النفسي للعودة والمشاركة والوقوف الصدارة وفي مواجهة الموت كان استعدادهم لهذه الامور استعدادا كاملا. يثبت ذلك انهم لما جاءتهم اشارة العودة مجرد الاشارة عادوا للتو دونما ضجر ولا اعتراض ولا ابطاء ولا طلب لفترة تجهيز وانتقال. ولما وصلوا الى المدينة انخرطوا في الصف بسرعة وحملوا المشاقة مع المسلمين. وكأنهم عاشوا معهم كل التجارب السابقة. لدرجة انهم لما وصلوا الى المدينة اخواني في الله علموا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتح خيبر. خيبر على بعد ميت كيلو في شمال المدينة المنورة. فتوجهوا جميعا مباشرة الى خيبر للمشاركة في الغزو. فوجدوها قد فتحت وسر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم جدا. وقال والله ما ادري ايهما افرح وفي رواية بايهما اسر بفتح خيبر؟ ام بقدوم جعفر؟ جعفر رضي الله عنه وارضاه كان امير المهاجرين الهجرة الثانية للحبشة. ورأينا جعفر بن ابي طالب نفسه بعد ان عاد بسنة واحدة. تلتاشر شهر بس خرجوا مجاهدا في سبيل الله في سرية مؤتة. بل كان احد قوادها ورأيناه كيف قاتل دون تردد وكيف اقدم دون احجام كيف ثبت دون فرار؟ وكيف استشهد رضي الله عنه وارضاه دون خوف او وجل؟ لقد جاء جعفر رضي الله عنه وارضاه من الحبشة جاهزا تماما للقتال في سبيل الله. لقد كانت فترة الحبشة اعدادا وتربية للمسلمين. ولم تكن ابدا ابدا هروبا من الواقع اذا الهجرة الى الحبشة كانت لانشاء مركز جديد للدعوة يضمن لها الاستمرارية والبقاء. وكانت وسيلة جديدة في مواجهة البطش في ارض مكة. لكن في هنا سؤال هام جدا لماذا اختار رسول الله صلى الله عليه وسلم الحبش بالذات ليهاجر اليها المسلمون لا شك اخواني في الله ان الرسول صلى الله عليه وسلم قد فكر كثيرا في المكان الذي يمكن ان يرسل اليه المسلمين ولعل اقرب الاماكن الى الذهن هو ان يرسلهم الى مكان في الجزيرة العربية عند قبيلة من القبائل. هناك تجمعات قبلية كبيرة وكثيفة وكثيرة في جزيرة العرب. هناك ثقيف في الطائف. هناك هوازن في حنين. بنو حنيفة في شرق الجزيرة عبس وذبيان في شمال المدينة وغيرها كثير غطفان بنو بكر بنو عامر يعني كتير هذه القبائل تتميز بكونها تعيش في ظروف مقاربة جدا لظروف المسلمين في مكة. ولن يشعر المسلمون بالتغير كبير في طبيعة الحياة كما انهم يتكلمون العربية بالاضافة الى قرب المسافة فاذا احتاج الرسول صلى الله عليه وسلم الى المسلمين قدموا سريعا. كل دي كانت مزايا موجودة في هذه القبائل لكن هذه القبائل جميعا مشركة. وان لم تعلن العداء السافر للمسلمين الا انها جميعا تكن قدرا عظيما جدا من الاحترام لقريش ولا شك ان القرشيين لو طلبوا المسلمين ما ترددت هذه القبائل في دفعهم للكفار من اهل مكة. ازا اختيار القبائل المحيطة بمكة في جزيرة العرب لم يكن اختيارا سليما. ولعله صلى الله عليه وسلم ايضا فكر في يثرب اللي هي اصبحت بعد ذلك المدينة المنورة. لكن يثرب في هذه الاونة لم يكن بها مسلم واحد. كما انها بلد متقلب جدا الحروب شديدة بين الاوس والخزرج. كما ان اليهود يسكنون منذ زمن في هذه البلاد. وتاريخ اليهود طبعا لا يبشر بأي خير. ولعله صلى الله عليه وسلم قد فكر في العراق. هناك قبائل عربية كثيرة تعيش في هذه المناطق مثل بني شيبان ولكن هذه القبائل بالاضافة الى كونها جميعا مشركة فانها على ولاء شديد وتحالف مع الفرس وعادة ما يكره الملوك الدعوات الاصلاحية. فلن يرحب كسرى فارس بهذا القدوم للمسلمين. ولعل الرسول صلى الله عليه وسلم ايضا قد فكر في الشام. هناك ايضا قبائل عربية تعيش في الشام. مثل قبائل الغساسنة لكنها على الجانب الاخر موالية ولن ترحب ايضا باستقبال هذه الدعوة الجديدة. ولعله ايضا قد فكر في مصر لكن مصر برغم ان بها ملكا معتدلا وهو المقوقس الا انها محتلة من الرومان. ولا تملك في ذلك الوقت من امرها شيئا. ولعله ايضا صلى الله عليه وسلم قد فكر في اليمن لكن اليمن كانت محتلة من قبل فارس. ولن يقبل الفرس بقدوم المسلمين لا شك انه صلى الله عليه وسلم فكر في كل هذه الاماكن. لانها قريبة ومنطقية وغالبها عربي. باستثناء مصر. لكنه صلى الله عليه وسلم لم يجدها مناسبة فسبحان الله بزغ في ذهنه صلى الله عليه وسلم الاختيار الاخير. والذي يبدو عجيبا في نظر الكثيرين حتى في نظر المعاصرين له صلى الله عليه وسلم. هذا الاختيار هو الحبشة. سبحان الله! الحبشة اختيار عجيب. وان دل لا شيء فانما يدل على سعة اطلاع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى حكمته في نفس الوقت الحبشة وان كان بها بعض العيوب الملموسة الا ان مزايا الاختيار تفوق جدا عيوبها. عيوب الحبشة ايه؟ عيوب الحبشة انها بعيدة عن مكة تصعب الاتصال والمراسلات بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين مجموعة المهاجرين. ايضا من عيوبها الخطيرة اللغة اتكلموا لغة حبشية مختلفة بالكليات عن اللغة العربية. كما ان العادات والطبائع لاهل الحبشة مختلفة كثيرا عن عادات العرب والجزيرة العربية مما قد يؤدي الى صعوبة نسبية في الحياة هناك. دي عيوب الحبشة لكن انظر الى مزايا اختيار الحبشة كما كان للهجرة اولا الحاكم في الحبشة كان عادلا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاصحابي لو خرجتم الى الحبشة فان بها ملكا لا يظلم عنده احد الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعلق على شيء في حياة الرجل ولا في دينه. ولكن فقط علق على عدله. ما حدث للمسلمين في مكة كان نتيجة ظلم بين من اهل مكة الظالم لا ينظر ولا يهتم ولا يكترث بحقوق غيره. ملك الحبشة النجاشي رحمه الله كان عادلا وهو يحفظ حقوق الاخرين بصرف النظر عن ديانتهم. بل بصرف النظر عن حبهم او كراهيتهم. العدل اساس من اسس الحكم بغيره لا تستقيم الدنيا وبغيره ايضا لن تستقيم الاخرة الرسول صلى الله عليه وسلم كان من سعة الافق وشمول النظرة وعمق الفكر ان اختار البلد الذي يحكمه حاكم عادل فضمن بذلك حماية لاصحابه. وهو درس للدعاة ان يستفيدوا من الذين يتصفون بالعدل من الناس. وان يطلع على احوال البلاد المحيطة بهم حتى في زمان الاستضعاف. وقد يكون من الفائدة ان يستعينوا برجل من امثال هؤلاء. وان اختلف دينه عن دينهم. يبقى دي كانت الميزة الرئيسية في ارض الحبشة طب الميزة التانية ايه؟ يعيش في ارض الحبشة نصارى. والمسلمون كانوا يشعرون بقرب الى النصارى. فهم اهل كتاب ايضا وظهر ذلك واضحا من تعاطف المسلمين مع الروم في حربهم ضد فارس الوثنية. ويشعر رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون ان النصارى ستكون اقرب الى الدعوة من غيرهم. وسبحان الله ينزل القرآن بعد ذلك بسنوات عديدة. ليؤكد على هذا المعنى لتجدن اشد الناس عداوة للذين امنوا اليهود والذين اشركوا ولتجدن اقربهم مودة للذين امنوا الذين قالوا ان نصارى. وللاسف فان معظم النصارى في ارض الحبشة في ذلك الوقت كانت لهم اعتقادات منحرفة نتيجة التحريف في التوراة والانجيل. ولكن كان بعضهم ما يزال صحيح الاعتقاد. وقد كان من هؤلاء النجاشي الله وهذا افاد كثيرا كما سنرى في التعامل مع المهاجرين المسلمين. يبقى دي كانت الميزة التانية في ارض الحبشة. الميزة ان الحبشة بلد بعيد عن مكة. ومع ان ده يعتبر عيب من كونه يصعب الاتصال بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين مهاجرين الا انه في ذات الوقت يوفر جانبا من الامان للمهاجرين. بعيد بعيد عن اهل الباطل في مكة وما تنسوش ان الجزيرة العربية وبين الحبشة هناك بحر كبير البحر الاحمر الحاجة الرابعة ان الحبشة بلد مستقل ليس لاحد عليه سلطان. نعم هو يتبع الكنيسة المصرية في الاسكندرية لكن هذه دينية وليست سياسية فليس هناك خطورة من ان يملي قيصر الروم او كسرى فارس او غيرهم رأيا على اهل الحبشة. الحاجة الخامسة ان الحبشة بلد قوي في المنطقة. وله ملك عظيم. واهل مكة كانوا يعظمون هذا الملك جدا. وكان بينهم وبين انه سفارات ومراسلات وهدايا وده كان ممكن يبقى عيب في اختيار ارض الحبشة