رخصة اسقاطا تاما. وانما تتباين مراتبه حسب مؤهلات الفرد وامكاناته. كما بيناه بما لا شبهة بعده تشوش عليه والحمد لله وقد رأيت بنص الحديث الصحيح ان من سمع كان كمن شهد في خصوص هذا السياق وهو بتحقيق مناطقه اليوم يكون واجبا عينيا متعلقا بذمة كل مكلف في ذاته تجاه نفسه والاخرين وجوبا لا تسقطه المسألة الثالثة ان الانتقال من التغيير باليد الى التغيير باللسان هو انتقال من الكل الى الجزء. لان العمل باللسان جزء من العمل باليد. بناء على كما فسرنا الكلية البشرية تتضمن من بين طاقاتها الطاقة الكلامية. ولذلك كان الامر بالتغيير باليد شاملا لكل الطاقات التي من بينها طاقة الكلام او اللسان. فالمعنى اذا ان من لم يستطع توظيف كليته فليوظف جزئيته. ولا شك ان اهم تلك الجزئيات هي اللغة اي الكلام. وانما قامت هذه الرسالة على الكلام وهو النص القرآني والحديثي. فلذلك كان اللسان افضل ما يوظفه من لا يستطيع الانخراط الكلي في حركة تغيير المنكر. لانه الوسيلة الاكثر نجاعة من بين طاقات الفرد الجزئية يدخل فيه الكلمة الناصحة والموعظة المؤثرة. والفتوى الهادية والخطبة اللاهبة والنصيحة الحكيمة والمقالة المرشدة الى اخره. من شتى دروب الكلام المسموع والمكتوب. فكل ذلك من وظائف اللسان. يتعين النوع منه على الناس كل حسب وامكاناته المسألة الرابعة ان التغيير بالقلب فعل من الافعال وليس سكوتا كما ذهب الى ذلك بعضهم وذلك لامرين. الاول طبيعة هذا الدين والثاني سياق اللغة فاما الاول فانه لا يجوز في حق الرسول صلى الله عليه وسلم ان يقر امته على السكوت على المنكر. بمعنى السكون السلبي تجاهه. مهما ما كانت الظروف فلا بد من التغيير مهما كان ضئيلا. وقد رأيت الايات والاحاديث مجمعة على هذا لما تتضمنه من وعيد شديد في حق تارك التغيير. مما فصلناه في المقدمتين الثالثة والرابعة بما فيه الكفاية واما الثاني فان لفظ التغيير فليغيره مفهوما بوضوح في قوله فان لم يستطع فبقلبه اي فليغيره بقلبه. وهذا تقدير مما لا يختلف فيه اثنان والتغيير كما تعلم حركة وليس سكوتا او سكونا بل انه نقل الشيء من حال الى حال ولا معنى للتغيير غير ذلك المقصود بالتغيير بالقلب اذا احداث تحول الا ان الفرق بينه وبين سابقيه من التغيير باليد واللسان ان هذا تغيير باطل قلبي اي ذاتي. وهذه اشارة مهمة منه صلى الله عليه وسلم الى طبيعة المنكر. تفيد ان المنكر ذو طبيعة متعدية فان لم تغيره غيرك ولا وجود لاحتمال وسط. اي لا منزلة بين المنزلتين. ولذلك فانه يستحيل عقد هدنة مع الشيطان. فكلما تقابل الحق مع الباطل في موطن وجب تدافعهما حتما. وذلك يقع اما بفعل الانسان الحركي او بفعله القوي او بفعله القلبي. ذلك انك حينما تعجز تماما عن استعمال الوسيلتين الاوليين فاعلم انك انت مهدد بان تكون ضحية المنكر وتقع تحت اغوائه وتأثيره ولذلك وجب اذا عجزت عن تغيير غيرك ان تقوم بتغيير ذاتك. لان رؤيتك للمنكر مع السكوت تؤدي الى به ولو بنسبة قليلة وهي مسألة نفسية مفادها ان التعود على رؤية الاشياء تطبع النفوس عليها فتألفها مع التكرار. وفي كل رؤية مع عدم تحدث في القلب اثرا. قد لا يشعر به المرء منذ الوهلة الاولى لقلته وخفائه. لكن تواتر ذلك يؤدي في النهاية الى يصبح المنكر في الشعور النفسي امرا عاديا او طبيعيا. فاذا حصل ذلك دخل الخطر الى مرحلة اخرى وهي مرحلة يا حبيبي المنكر وهو امر مشاهد محسوس في وقتنا هذا. اذ عليه تقوم نظرية الاعلانات الاشهارية. فالرسول صلى الله عليه وسلم انما كان ينبه بالتغيير بالقلب على خطورة التطبيع النفسي مع المنكر. فامر بالتغيير القلبي اي تحريك القلب اتجاه المواجهة الداخلية والمقاومة الذاتية للمنكر تماما كما هو الجهاز المناعة الصحي القوي المتحرك في الجسم البشري مقاومة الجراثيم. فهو اذا حركة لكنها غير مرئية. وهذا ما تشهد به كثير من النصوص مما ذكرنا وقد سلف قوله صلى الله عليه وسلم اذا عملت الخطيئة في الارض كان من شهدها فكرهها كمن غاب عنها ومن غاب عنها فضيحة كان كمن شهدها. وهذا ظاهر بالاصطلاح الاصولي فيما نحن فيه. والنص باصطلاحهم دائما في ذلك هو قوله صلى الله عليه وسلم تعرض الفتن على القلوب عرض الحصير عودا عودا فاي قلب اشربها نكتت فيه نكتة سوداء واي قلب انكرها نكتت فيه نكتة بيضاء حتى يصير القلب ابيض مثل الصفا لا تضره فتنة ما دامت السماوات والارض والاخر اسودا مربادا كالكوز لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا الا ما اشرب من هواه. فهذا تفسير قاطع لكل الاحتمالات البعيدة والتأويلات الفاسدة ومن هنا نخلص الى صحة الدعوة من ان امره صلى الله عليه وسلم بتغيير المنكر عام شامل لكل مكلف في نفسه. شهد منكرا او سمع به