الفصل الثالث الحركة الاسلامية في مدافعة الفجور السياسي المبحث الاول هل الحركة الاسلامية داخل حلبة الصراع الحقيقي ان مشكلة الحركة الاسلامية هي كونها قد استدرجت فعلا لتلعب خارج حلبة الصراع. وهي تعتقد انها في صلب تلك الحلبة تعارك تبارز ان الاختيار بين المواجهة السياسية والتصعيد النقدي وبين المشاركة والمساندة النقدية. ليس هو الكفيل بوضع الحركة الاسلامية على سكة الطريق والامساك بيدها على لجام الحصان في مواجهة الفجور السياسي ومن هنا فاني ارى ان كلا من الاختيارين ما يزال يعاني من ازمة الاستدراج الى خارج حلبة الصراع. وان كان ذلك بدرجات متفاوتة لقد قررنا ان الفجور السياسية قائم على زعزعة البنية الخلقية للمجتمع. وتدمير القابلية الفطرية للتدين لدى الانسان فاذا بؤرة الصراع هي تدين المجتمع. بمال لكلمة مجتمع من معنى شمولي بشري ومؤسسيا والسؤال المطروح هو الى اي حد يسهم كل من الاختيارين الاسلاميين في معالجة القضية لتبين ذلك لابد من افراد كل اختيار على حدة اولا الاختيار التصادمي او المواجهة السياسية او الحركة الاحتجاجية ان ازمة هذا الاتجاه هي انه يعاني من مشكلة تصويرية للعمل الاسلامي اولا. ثم من ازمة عملية ثانية في ممارسة الدعوة الى الله بما هي علاج للقضية الاساس الفجور السياسي اما الازمة الاولى فهي راجعة الى وضع العمل الاسلامي كل العمل الاسلامي رهينا بموقف سياسي محدد. وهو ما يؤول الى الكلي في اطار الجزئي. اي كلية العمل الاسلامي في جزئي العمل السياسي. وهو امر منخوض من الناحية التصورية والمنطقية على السواء لقد علم بما لا مجال للشك فيه ان العمل السياسي ما هو الا جزئية ضئيلة جدا من كل العمل للاسلام الا ان تضخم التصور السياسي لدى بعض العاملين للاسلام بصورة راجعة الى ردود فعل نفسية تاريخية افرزتها ظروف العمل الاسلامي بالمشرق العربي في سنوات الاربعينيات والخمسينيات والستينيات من القرن العشرين جعل العمل الاسلامي في صورته الحركية يعاني من ردة فعل نفسية. ضخمت العمل السياسي على حساب الجوانب الاخرى من كل العمل الاسلامي الدعوي. هذا من ناحية. ومن ناحية اخرى فان التنزيل العملي للدعوة الاسلامية لديه قد ارتهن بالاثار السياسية لتصوراته المرتبكة. مما ادى الى افراز نوع من التدين المرتبك ايضا على المستوى العملي. وذلك بخلق نفسية اجتماعية لدى المتأثرين بهذا المنهج. ذات تشنجات في التعامل الدعوي مع الواقع مما يولد نوعا من الكآبة المرضية. تظهر اثارها في العلاقات الاجتماعية. الشيء الذي يؤدي الى ضرب حصار ذاتي على الدعوة والداعية وهو امر يصب تماما في خدمة الفجور السياسي الذي يعتبر هو الرابح الاكبر من حصار الدعوة الاسلامية ان الدعوة الاسلامية لم تكن قط ولن تكون ابدا محاصرة بحصار شخص او اشخاص لان طبيعة الدعوة الاسلامية بالذات انما هي انتشار والاستيعاب. وكم من حركة ودعوة في التاريخ القديم والحديث حوصر اصحابها؟ بل قتلوا واعدموا. ولكن دعوتهم انتشرت في افاق ودخل الناس في رحابها افواجا. ان الدعوة او الفكرة لا يمكن حصارها الا ذاتيا. وقد قلت ان التشنج النفسي في التعاطي لدعوة الناس بسبب التصورات السياسية المسبقة هو المسؤول بالدرجة الاولى عن هذا الوضع. ان المشكلة كائنة في المقولة النقدية التالية الموقف السياسي يقود الى الصلاة والصلاة تقود الى الموقف السياسي. واعني بهذه المقولة ان الدعوة الى التدين بهذا المنطق دعوة قائمة عمليا على التعبئة لموقف سياسي معين. كما ان ذلك الموقف السياسي من جهة ثانية يسوق التدين في صورة معينة. كل ذلك في نهاية المطاف يقدم الصورة الاجتماعية للتدين على انه حركة اكثر مما هو حركة تعبدية بالمعنى الحقيقي للكلمة. وهذا كاف في حصار الدعوة من حيث هي مواجهة للفجور السياسي والنتيجة كما ذكرت تفرد الفجور بالمجتمع. ان الذي يغتر بتعداد بضعة الاف من هذه الحركة او تلك في مجتمع تقدر افراده بعشرات الملايين. اما انه قاصر البصر اذ لا يكفيه الا لرؤية قامته فقط. واما انه جاهل بطبيعة الاجتماعي حيث الغلبة اجتماعيا لا عسكريا للكثرة. تماما كما تتغالب الالوان المختلطة في سطل الصباغ على تشكيل اللون النهائي للجدار. وهو معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم لزينب حينما سألت انهلك وفينا الصالحون؟ قال نعم اذا كثر الخبث واليوم من يستطيع انكار الحقيقة الصارخة ان الخبث هو المؤطر لهؤلاء الملايين. ومن يستطيع انكار ان نتائجه هي السائد الطاغي على سائر الالوان وحديثي هذا انما هو بالمعنى الاجتماعي لا بالمعنى السياسي الضيق. فلا ازعم ان هذا الحزب العلماني او ذاك هو المؤطر للملايين. فالملايين الان غير ابهة بكل الاحزاب السياسية المتواجدة بالساحة. وانما هي تستجيب من حيث تدري او لا تدري لمن يطلق نزوات بلا حدود ويؤجج شهواتها الحيوانية. تماما كما يستجيب الحطب اليابس للفح النار ولو كانت بمكان بعيد. فما بالك والنار تصب على هذا الشعب البائس من فوق ملء الفضاء الشاسع. هذا هو الحزب الاكبر في الواقع حقيقة. فالناس يستجيبون الشهوات اذا لا للاحزاب. ولكن ذلك يشكل دعما لوجيستيكيا لها حقيقة. فهي وان لم ولن تفلح في تشكيل وعي سياسي خاص بها لان الاحزاب التاريخية في مجملها احزاب قد استنفذت اغراضها فانها على الاقل ستستفيد من ذلك في بالحصار على حركة التدين في المجتمع من هنا كان اذا دخول الحركة الاسلامية على المجتمع من بوابة المواقف السياسية المسبقة دخولا اليه من غير بابه الطبيعي وان تجربة نحو ثلاثين سنة من هذا الاتجاه دالة على ذلك. فمنذ بداية السبعينيات وهذا التوجه ينشط بالمغرب حتى يومنا هذا لا عبرة عندي بتغير الاشكال والالوان لهذا التوجه. فانا لا اتحدث عن حركة بعينها وانما حديثي عن توجه فلم يستطع قط مثل هذا ان يحرك المجتمع من حيث هو مجتمع. بشري ومؤسسيا ان صمام الامان الوحيد للحركة الاسلامية انما هو القابلية للتدين لدى الشعب. فاذا استطاعت استثمارها بصورة جيدة كانت هي اللون الاجتماعي الحقيقي. الا ان المشكلة هو ان الحركة الاسلامية بدل ان تسعى الى استثمارها كانت تعمل من حيث لا تدري على دارها بسبب سوء المنهج المتبع في استيعاب المجتمع فاما الاتجاه الاحتجاجي فقد جنى عليه ما سميناه بمقولة الموقف السياسي يقود الى الصلاة والصلاة تقود الى الموقف السياسي. فكانت الحصار الحقيقي لحركة التدين بالمعنى الاجتماعي لا السياسي لكلمة حصار