بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ونبيه محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. ماذا يريد المرء في هذه الدنيا الا ان يطمئن ان قلبك فان مدار السعادة على طمأنينة القلب. وتبا لعلوم لا تورث الا القلق والحيرة والاضطراب والشك. فلهذا رسل الله يأتون بالطمأنينة والسكينة وبما يحصل به اضطراب العقل طمأنينة القلب كانت الواردات التي تخطر على القلب من الشبهات والشكوك دواؤها الايمان دواؤها العلم والايمان لكن ينبغي ان نميز ايها الكرام في هذا المقام بين امرين. بين شبهات محققة وبين خطرات عارضة امر ينبغي ان تنتبهوا له رعاكم الله. ينبغي التفريق بين شبهات محققة بمعنى ان الانسان اه يحتفي بشبهة ويبدأ فيها ويعيد ويتخذ منها اه قضية ويقيم لها سجالا وبين امور تهجم على القلب هي من اذى الشيطان. فهذه الثانية قد تقع لصالح المؤمنين ولا تضرهم فقد اخبر النبي صلى الله عليه وسلم او فقد وقع ان بعض اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم اتوا اليه وقالوا يا رسول الله ان احد يجد في نفسه ما لو ان يخر من السماء فتخطفه الطير كان اهون عليه من ان يتكلم به وفي لفظ قالوا ما لو ان يكون احدنا حممة يعني فحمة كان اهون عليه من ان يتكلم به وفي لفظ ما يتعاظم احدنا ان يتكلم به. فقال النبي صلى الله عليه وسلم الله اكبر. اوقد وجدتموه؟ الحمد الحمد لله الذي رد كيده الى الوسوسة. ذاك محض الايمان. او قال ذاك صريح الايمان. تأملوا يرعاكم الله. هؤلاء الصحابة الكرام او بعض الصحابة الكرام كان يقع في نفوسهم شيء من الخطرات التي تزعجهم ازعاجا شديدا. حتى ان احدهم يتمنى الموت من جراء وقوعها في قلبه. وان يخر من السما فتخطفه الطير. او ان يكون حممه دون ان يفوه بها بمعنى انهم لا يستروحون لهذه الشبهات ولا يأنسون بها بل ينبذونها ويتمنون ذهبها عن نفوسهم فشكوا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ولم يصرحوا بما وقع في نفوسهم لكن الرؤوف الرحيم بامته ادرك ذلك وعرفه وكبر تعجبا فقال الله اكبر اوقد وجدتموه مما يدل على انه كان يتوقع حصول مثل هذا لبعض اصحابه. ثم حمد الله فقال الحمد لله الذي رد كيده الى الوسوسة وانما حمد الله تعالى على انخلال الشيطان. لم لان الشيطان ايس من ان ينال من حقيقة ايمانهم فاكتفى بازعاجهم او لم يستطع ان ينال منهم الا ازعاج فلهذا قال الحمدلله الذي رد كيده الى الوسوسة ذاك محض الايمان. او قال ذاك صريح الايمان. ما المشار اليه في قوله ذاك صريح الايمان او آآ ذاك محض الايمان. ليس الوسوسة وانما استشناعهم لهذا امر واستعظامهم لها دليل على صراحة الايمان في قلوبهم. وعلى تحصيلهم للايمان الصراح. الخالص فقوله ذاك محض الايمان ليست الوسوسة محض الايمان بل استشناعهم لها. فتم فرق بين من يأنس بهذه الوساوس احداث وانه لا شأن لله تعالى بالتدبير والقضاء والقدر. فلا ريب ان هذا اصل الحادي. وقد اشار الشيخ رحمه الله والله الى نوع من انواع الالحاد وهو مقالة الطبائعيين. الذين يزعمون ان الطبيعة هي ويستروح لها ويغرد بها وينشرها في الافاق. ويزرعها في كل مكان. هذا والعياذ بالله من جند الشيطان. وبين من يتمنى ان تذهب وان يعافى منها. ولطالما سمعنا من الرجال والنساء من الصالحين والصالحات من يشكو هذه الحالة وربما لا يكاد يوجد احد الا وقد مر به شيء من ذلك وشعر بانقباض في قلبه من هجمة مثل هذه الخطرات عليه فنميز بين هذا وبين الشبهات المستقرة فان هذه هي المذمومة التي يجب دفعها والتخلص منها. ايضا هناك بعض الواردات او آآ الشبهات التي قد تقع لبعض والمؤمنين فيطلبون آآ جوابها لزيادة في الطمأنينة لا شكا في اصل دينهم. كقول ابراهيم عليه السلام قال رب ارني كيف تحيي الموتى. قال الله تعالى له او لم تؤمن؟ قال بلى لا شك في اصل ايمانه لكنه اراد مزيد الطمأنينة قال بلى ولكن ليطمئن قلبي. قال فخذ اربعة من الطير فصرهن اليك ثم اجعل على كل جبل منهن ثم ادعهن يأتينك سعيا. فكان هذا من باب زيادة الايمان. ومن شواهد ذلك ايضا وهو ايضا واضح لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم مرة في جنازة رجل من الانصار واجتمع عليه اصحابه ولما يلحد القبر قال ما منكم من احد الا وقد كتب مقعده من الجنة او النار يعني ان الله تعالى قد قدر المقادير وفرغ من العباد. فقالوا على البديهة يا رسول الله افلا نتكل على كتابنا وندع العمل افلا نتكل على كتابنا؟ يعني على القدر السابق ولا دعوا العمل لانه لن يقع الا ما كتب لنا. ارأيتم؟ هذا ايراد يخطر على بل المؤمن فلم يعنف عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ولم يرد عليهم هذا اه ردا شديدا وانما اجابهم بما فيه برضو اليقين وانهاج الصدور فقال لا اعملوا فكل ميسر لما خلق له فاما اهل السعادة فييسر لعمل اهل السعادة. واما اهل الشقاوة فييسرون لعمل اهل الشقاوة. ثم تلا قول الله تعالى فاما من واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى. واما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى فتبين بهذا ان من الاسئلة ما يتطلب جوابا فلا حرج عليك ايها المؤمن اذا وقع في نفسك شيء شيء من التباس ان تقصد اهل العلم والايمان فتسألهم. ومن الحكمة ان لا تطرح هذه الشبهة على الملأ لان هذه الشبهة قد يتلقفها قلب فارغ فتعلق به ولا يستطيع الخلاص منها. لكن اقصد بنفسك من تعلمه آآ من اهل العلم والايمان تعرض عليه ما وقع في نفسك واطلب منه اه كشف الشبهة فهذا خير من ان تلقيها على الملأ فتعلق في قلب اه في قلب خلي فلا يتخلص منها فهذا من الحكمة. فعلينا ان نميز ايها الاخوة بين هذه الخطرات. ونعلم الفرق بين حال اهل الالحاد واتباع الشياطين وبين ما قد يقع لبعض اهل الايمان ثم انتقل الى الوجه التاسع عشر. قال رحمه الله تعالى الوجه التاسع عشر ان من اعظم الاصول التي بها جميع الرسل خصوصا خاتمهم وامامهم محمد صلى الله عليه وسلم. الايمان بالقضاء والقدر مع الحث على فعل جميع النافعة في الدين والدنيا. والكتاب والسنة مملوءان من ذلك. وان جميع الحوادث مربوطة بقضاء الله وقدره خاص العباد بيده وانه لا حول للعباد ولا قوة لهم الا بالله. وانه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. وانه لا يأتي بالحسنات الا الله ولا يدفع السيئات الا هو. وان جميع النعم الباطنة والظاهرة كلها من الله. فهذا الاصل الكبير قرره الكتاب والسنة في مواضع كثيرة. وهو اصل توحيد الربوبية وقصد تقريره في القلوب. واعتقاده الكامل المثمر لكل خير وهؤلاء الملحدون يريدون ويحاولون من الخلق ان يجحدوا قضاء الله وقدره. ويعتقدوا انه لا حاجة الى الاستعانة برب العالمين لانهم جحدوه وعطلوا افعاله بالكلية. واعتقدوا ان الافعال كلها للطبيعة وكفى وكفى بقول جهلا وضلالا ان يصل الى هذا الحد الفظيع. نعم. اه ما يتعلق بالقضاء والقدر الحكمة والتعليل والتدبير. من التي يتشبث بها هؤلاء الملاحدة. فمن هؤلاء الملاحدة من ينكر من ينكر الله بالكلية. ومن من قد يقر بوجود الله تعالى كدرجة من درجات الالحاد لكن ينكر ربوبيته. ويسمى هؤلاء يسمون يسمى واحدهم الربوبي الربوبي. وذلك انه لا مانع عنده من اثبات وجود الله لكنه يزعم بانه لا شأن له في التدبير. فيقول ان العقل الفعال كما يسمون الله تعالى اه قلق الليولة وهي المادة. ثم ان الهيولة صارت يعني تتفاعل وينتج منها هذه الكائنات والمولدات وهي الخالقة. ويحاولون ان يصوغوا عبارات في التعبير عن هذه الدعوة. فيقولون ان اه هذه الطبيعة اه الان نشأ من اجتماع ذراتها وجزيئاتها ومكوناتها هذه الاكوان وتولد بعضها من بعض الى اخره. وانها لا تكون بتدبير الله وخلقه فيقال لهم صفوا لنا هذه الطبيعة. هل الطبيعة اوجدت نفسها بنفسها؟ ام الله موجدها؟ لا يمكن ان يكون العدم ينشئ وجودا. كيف للطبيعة ان تنشأ وجودا؟ فلابد من السؤال اولا من انشأها. ومن المعلوم المتقرب في الاذهان والعقول انه ما من مخلوق الا وله خالق. وما من موجود الا وله موجد لو اني اتيت الى هذا المكان ووجدت هذه الطاولة منصوبة ها هنا لادركت يقينا ان ثم من حملها ووضعها هنا هذا امر فطري وهو من الامور التي يدعو الفلاسفة الى التخلي عنها ووضعها في موضع الشك مثلا. فلا لا مخلوق الا بخالق ولا موجودة الا بموجب. فهذه الطبيعة المزعومة كيف لها ان تنشئ نفسها بنفسها لهذا ابطل الله تعالى مقالتهم هذه وقال ام خلقوا من غير شيء؟ ام هم الخالقون؟ لا هذا ولا هذا لا يمكن ان يخلقوا من غير شيء كما يقول اصحاب الصدفة. ولا يمكن ان يكونوا هم الخالقون لانفسهم. فان العدم لا ينشئ وجودا. فكانت هذه الجملة هذه الاية ناسفة لنظرية الصدفة وناسفة لنظرية الطبيعة فهذه آآ الدعوة وهي احالة الاشياء واسنادها الى الطبيعة هذه نظرية الحادية قال بها ولا يزال يهرف بها بعض المتأخرين وتسللت ادبياتها الى بعض الكتاب والصحفيين وللاسف تجد بعضهم حينما ينشئ مقالة او يصف مشهد يقول ابدعت الطبيعة رسم هذه اللوحة من اين اتت هذه الكلمة الطبيعة نيتشر الا من جراء هذا الفكر الالحادي. لا يفسد الشيء الى الله. الله تعالى هو الذي ابدع هو الذي خلق. امن جعل الارض قرارا وجعل خلالها انهارا. وجعل بين البحرين حاجزا. االه مع الله الله او يقول حينما يصف كارثة من زلزال او بركان او عواصف. غضبت الطبيعة فكذا وكذا وكذا. سبحان الله الطبيعة ما الذي يحملهم على تنكب الطريق وركوب هذه الامور العسرة الا كبر في صدورهم بهم ببالغين. ان في صدورهم الا كبر ما هم ببالغين. يعني مستعدون ان يقولوا كل شيء ان يفترضوا كل شيء الا ان يقولوا انه الله. فما ذاك الا بسبب الغرور. ولهذا ايها الكرام فان من اعظم بواعث الالحاد الكبر والغرور. واتباع الهوى. ليس عندهم كما يزعمون ادلة عقلية او منطقية او تجرد كما يزعون لا والله. ان في صدورهم الا كبر ما هم ببالغين. فهذا الكبر الكبر الذي نفخ اسحارهم هو الذي حملهم على ان يهرفوا بهذه الترهات فهذا لا ريب انه من بواعث القول بمقالات اهل الالحاد. والايمان بالقضاء والقدر اصل عظيم اصل عظيم لا يتم ايمان امرئ الا به. بان يعلم الانسان يقينا انه لا يتحرك متحرك ولا يسكن ساكن في هذا الكون الا وقد علمه الله وكتبه وشاءه وخلقه وكل هذه المقادير السابقة والراهنة واللاحقة قد علمها الله منذ الازل بعلمه الذي هو صفة من صفاته فقد علم الله ما كان وما يكون وما سوف يكون وما لم يكن. كيف لو كان يكون؟ نعم. الم يقل الله سبحانه وتعالى ولو ردوا لعادوا الى ما نهوا عنه علم ما لم يكن كيف لو كان يكون. بعلمه الازلي فعلمه سبحانه وتعالى محيط بكل شيء ازلا وابدا. ما يتعلق بافعاله سبحانه كالخلق والرزق وما يتعلق بافعال عبادة من الطاعات والمعاصي ثم ان الله سبحانه وتعالى كتب معلومه هذا في اللوح المحفوظ قبل ان يخلق السماوات والارض بخمسين الف سنة حتى العجز والكيس يعني حتى الصفات النوعية للافراد كون الانسان آآ كيسا حازما او كونه متساهلا كل ذلك مكتوب ثم انه لا يقع شيء الا بمشيئته. فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. لا يكون في ملكه ما لا يريد. له القدرة التامة وله المشيئة النافذة. ثم انه سبحانه خالق كل شيء. فالله الخالق وما سواه مخلوق. الله خالق كل شيء. هذا اصل عظيم يجب ان يؤمن به المؤمن. لا يتم ايمان امرئ الا به. ولما جاء حميد بن عبدالرحمن ويحيى بن يعمر كما في اول حديث في صحيح مسلم قالوا كان اول من تكلم بالقدر رجل من اهل البصرة يقال له معبد الجهني. قالت فانطلقت انا وصاحبي وقلنا لعلنا نوفق برجل من اصحاب رسول الهي صلى الله عليه وسلم. قال فدخلنا المسجد فوفق لنا عبدالله بن عمر رضي الله عنهما. فاكتنفته انا وصاحبي وظننت انه ساكن الكلام الي. فقلت انه قد ظهر قبلنا. اناس يقرؤون القرآن ويتقفرون العلم ويزعمون ان الامر انف. يعني مستأنف على الله بمعنى ان الله امر ونهى ولا يعلم من سيطيعه ومن سيعصيه تحدث عبدالله بن عمر بحديث جبريل المشهور بين نحو عن ابيه بين نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم اطلع علينا رجل شديد سواد الشعر شديد بياض الثياب. الحديث المشهور لماذا؟ لجملة فيه. وهي قوله لما سأله عن الايمان قال وتؤمن بالقدر خيره وشره. ولما فرغ من قال لهما ان لقيتما احدا من هؤلاء يعني هؤلاء القدرية منكري القدر فاخبراه اني بريء منه وانه بريء مني وفي بعض السياقات والله لان لقيت احدهم لاعضن بانفه حتى ينقطع. مما يجد من التغير عليهم على هؤلاء القدرين والمقصود ادنى الايمان بالقدر اصل عظيم. ويجب ان تسند المقادير الى الله سبحانه وتعالى. ولا يجوز ان تسند الى الطبيعة او الى الصدفة وبهذا يتبين لكم اي ظلم يرتكبه هؤلاء الملاحدة. اي مخالفة للعقل والمنطق حينما يدعون هذه الدعاوى العريضة. حينما يزعمون ان هذا الكون المتناسق المنظم الذي يسير على وتيرة واحدة منذ الاف السنين انه ان ذلك يقع صدفة دون مدبر انه يدار بمحض الصدفة او الطبيعة. سبحان الله! لو قيل لاحدهم مثلا ان مطبعة من المطابع انفجرت وتناثرت الحروف في جو السماء ثم هبطت على الارض سبحان الله فلما هبطت واذا واذا هي قد اصطفت على معلق القيس قف نبكي من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوا بين الدخول فحومل. لو قيل لاحدهم ذلك لقال مسنون انت؟ هل نتصور ان يقع مثل هذا الامر وان تترتب الحروف صدفة على نحو معلقة بابن امرؤ القيس فيقال سبحان الله هذا الكون باجرامه السماوية ومخلوقاته الارظية ودقته المتناهية ليل ونهار صيف وشتاء ونبات بحار اشجار احجار الى غير ذلك على نظام دقيق لا يختل تقع صدفة لكن كما تلونا انفا ان في صدورهم الا كبر ما هم ببالغين ثم ذكر الوجه العشرين قال رحمه الله تعالى الوجه الوجه العشرون ان هؤلاء الملحدين حصروا العلوم المدركة في دائرة ضيقة فما ادركوه بحواسهم وتجاربهم اثبتوه وما لم يدركوه بذلك نفوه وانكروه. فانكروا من اجل من اجل ذلك علوم الغيب في كلها وجحدوا ربوبية الله وافعاله وعطلوه من صفاته وافعاله. اذ لم يدخل ذلك تحت مداركهم القاصرة. وهذا باطل شرعا وعقلا اما الشرع فجميع الكتب السماوية وجميع الرسل تبطل قولهم وحصرهم العلوم بمدركات الحس الظاهرة ونفيهم لما عداها ويثبت بالبراهين وتثبت بالبراهين اليقينية من علوم من علوم الغيب والعلوم والتي لا تدرك الا بالوحي من الحقائق النافعة الصحيحة والمعارف الصادقة ما لا نسبة لعلومهم كلها. اليها من اولها الى اخرها الى اخرها قال الشيخ وهم يعترفون ان علوم الانبياء لا يمكن ان لا يمكن ان توزن بميزان صناعتهم. فاكثر الحقائق النافعة فاكثر الحقائق النافعة يعترفون انه لا سبيل الى وزنه الى وزنه بها. فهي يوزن بها المتاع الخسيس دون الحقائق النافعة والامر النفيس الذي ليس للنفوس عنه عوض وليس سعادتها الا فيهم. فهم لم يزنوا بالقسطاس المستقيم. ولم يستدلوا بالايات البينات التي هي العلوم الحقيقية والحكمة اليقينية التي فاز بالسعادة عالمها وخاض بالشقاوة جاهلها. واهل المنطق على انه لا يفيد الا امورا كلية مقدرة في الذهن لا في الخارج والعلوم الموروثة عن الانبياء اجل واعظم من ان يكون التفات او حاجة الى علمهم بل ادخال علمهم في العلوم الصحيحة يطول يطول العبارة ويبعد الاشارة ويجعل القريب من العلم بعيدة واليسير منه عسيرا. ولا يفيد الا كثرة الكلام والتشقيق مع قلة العلم والتحقيق. والامور الموجودة المحققة بالحس الباطن والظاهر. وتعلم بالقياس التمثيلي وتعلم بالقياس الذي ليس فيه قضية كلية ولا شمول ولا عموم واما العقل فجميع العقلاء المعتبرين يثبتون للعلوم مدارك غير مدارك الحس. فان مدارك العلوم الحس والعقل والاخبار صادقة فالاخبار الصادقة اعلاها واصدقها واحقها بالحق خبر الله وخبر رسله. وفي ذلك تبيان لكل شيء وهودا للخلائق وتوضيح للحقائق وتنبيه للعقول على توجيهها لكل علم نافع. ويلزم على قول هؤلاء الملحدين ابطال ذلك كله حتى يدركوه بحواسهم. وهذا ميراث محقق من مكذبي الرسل. الذين ردوا ما جاءت به الرسل بمجرد استبعادات اذكروا ما لم يحيطوا به علما وهم لا يزالون ينقضون ينقضون دليلهم الذين الذي تمسكوا به فيثبتون تجارب ونظريات ثم تجارب ونظريات اخرى لهم ولقومهم تنفي ما اثبتوه. وتثبتوا ما نفوه ولا يزالون هكذا في امر مريج حين كذبوا بالحق. وقد ذكر الله الاسباب التي دعت امثال هؤلاء الى تكذيب الحق. وهو الجهل بما لم يحيطوا بعلمه. والتبجح بما عندهم من العلوم المخالفة لعلوم الرسل. والكبر الذي في قلوبهم ما هم ببالغين. وتقليد ائمتهم الضالين فظعف التمييز وتقليد ائمة الملاحدة. والاعراض عما جاءت به الرسل من اكبر الاسباب التي مكنت هؤلاء من لزوم الباطل. نعم هذا الوجه عشرون وجه نفيس في الحقيقة في توصيف حال هؤلاء وادواتهم التي يستعملونها وذلك ان القوم حصروا العلوم والمعارف بالمدركات. يعني بما يدركونه بحواسهم وقد تقدم معنا ذكر هذا في حكاية مقالة ارسطو انه يعول فقط على المحسوسات والمدركات. ويلغي بذلك الغيبيات والعلوم الالهيات التي جاءت عن طريق الانبياء. ولا ريب ان قصف العلوم على المحسوسات والمدركات تضييق للدائرة. وسد في منافذ كثيرة من منافذ العلم. لهذا الشيخ رحمه الله قال ان هذه الدعوة دعوا باطلة شرعا وعقلا. ما اكثر الامور التي ندركها من غير المحسوس. لو قيل لنا مثلا هذه الاضاءة كيف تمت؟ لقلنا عن طريق الكهرباء. ولا احد ان يبصر بعينيه او يسمع باذنيه هذه الكهرباء التي تسري اه في الاسلاك ولو قيل لاحدهم اين عقلك؟ لا يستطيع ان ان يري عقله بصورة مادية الى غير ذلك فحصر هذه الاشياء بالمحسوسات المدركات المادية هذا حصر للعلم. وقد بين الشيخ رحمه الله ان منهجهم هذا في قياس العلوم بالمنطق انه آآ تضييق لما هو لواسع اذ ان المنطق عبارة عن قانون وضعه آآ ارسطو وغيره لقياس الحقائق في زعمهم. وهو في الحقيقة تطول العبارة ويبعد الاشارة وهذا له صح. صلحت مقاييسه. وكان شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله يقول عن ما يسمى علم المنطق بانه لا يحتاج اليه الذكي ولا ينتفع منه البليد لا يحتاج اليه الذكي لان الذكي يستطيع ان يقرر الحقائق ويصل الى النتائج دون الحاجة الى هذه قالب العسرة التي وضعها المناطق واما لا ينتفع منه البليد فلعسره وصعوبته يشق على العقل العين ان يفهم ذلك فهم ارادوا ان يقيسوا ويزنوا كل شيء بالمنطق الذي اصطنعوه والقوالب التي وضعوها. والعلم اوسع من فان للعلم آآ مدارك او مصادر عدة منها الحس ومنها العقل ومنها الخبر الصادق. فالحس قوى المشاهدات ولا ريب انه من المصادر. ولهذا قال ربنا سبحانه وبحمده قل انظروا ماذا في السماوات والارض افلا ينظرون الى الابل كيف خلقت والى السماء كيف رفعت والى الجبال كيف نصبت والى الارض كيف سطحت. فلا ريب ان الحس من مصادر المعرفة ودلائلها كذلك العقل فان الله تعالى قد حث على التعقل افلا يعقلون افلا يتدبرون افلا يتذكرون لقوم يتفكرون يتذكرون الى غير ذلك. فاسعد الناس بالعقل والته الصحيحة هم اهل الايمان هم اهل الايمان لكن علينا ان نعلم ايها الكرام ان العقل اداة. فكما ان العين اداة فالعقل اداة والاذن اداة واليد اداة. فانت مثلا لا تنتفع بعينك حينما تدخل هذا المسجد الانوار مطفأة ليلا. فقد تصطدم بعمود وقد تعثر بجدار. وانت تسير مع ان الله خلق لك عينين. كذلك العقل لا فانت لا تنتفع من عينك حتى تقع يدك على لوحة المفاتيح فتضيء المفاتيح وتبصر المكان. فحين اذ تنتفل من نور عينيك. كذلك العقل لا تنتفع بهذا العقل حتى يسلط نور الوحي على الحقائق. فتبصر الاشياء على ما هي عليه. فاذا اردت ان تعرف وظيفة العقل فقارنه بوظيفة العين. فالعين انما تدرك المبصرات حينما يتصل بها نور الشمس او نور المصباح وكذلك العقل انما يبصر الحقائق حينما يتصل به نور الله عز وجل. ولهذا قال الله تعالى وكذلك اوحينا اليك روحا من امرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من من عبادنا وانك لتهدي الى صراط مستقيم. وهذا الوحي هو المصدر الثالث فيما عد الشيخ رحمه الله وسماه الخبر الصادق. فالاخبار الصادقة اعلاها واصدقها واحقها بالحق خبر الله وخبر رسوله. لان خبر الله وخبر رسوله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. قال الله عز وجل وانه لكتاب عزيز. لا فيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. وقال عن خبر رسوله صلى الله عليه وسلم والنجم اذا هوى اه ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى. فكان التعويل على هذا المصدر هو الركن الركيب الذي ينبغي ان يعتمد عليه. فشتان بين طريق اهل الايمان وطريق هؤلاء الملاحدة وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين