الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين اما بعد فاحييكم في لقائنا الخامس عن تزكية النفس ذكرنا ان لتزكية النفس اثارا عظيمة في حياة الانسان وان هذه التزكية تحصل بعدد من الاسباب التي تجلب زكاء النفس وطهارتها من الاسباب التي تؤدي الى تزكية النفس وتطهيرها الاعتبار والتدبر والتفكر فان اعتبار الانسان ونظره وتأمله يجعله يزكي نفسه ويجعله يطهرها من كل ما يدنسها والمراد بالتفكر تأمل القلب بمعاني الامور لادراك العواقب وفهم الحقائق مما يدخل في التفكر الاعتبار الذي هو قياس النفس بحال الآخرين بحيث يعلم ان ما اصاب غيره يمكن ان يصيبه والسعيد من وعظ بغيره مما تكرر في القرآن مدح المتفكرين وفتح الباب للتفكر والاعتبار قال الله تعالى فاعتبروا يا اولي الابصار فقال تعالى مادحا المعتبرين افلا تعقلون والمراد بقوله فاعتبروا يا اولي الابصار اي انظروا يا ايها العقلاء الى فعل اولئك الاقوام الذين عصوا الله فكان ذلك سببا في نزول العقوبة عليهم فانكم اذا فعلتم مثل فعلهم انزل الله عليكم من العقوبة مثل ما انزل عليكم يقول ابن القيم رحمه الله تعالى قصر الخير والشر من قبل التفكر فان الفكر مبدأ الارادة ومبدأ الطلب ومبدأ الترك والحب والبغظ يقول العلامة الغزالي كثر الحث في كتاب الله على التدبر والاعتبار والنظر والافتكار ولا يخفى ان الفكر هو مفتاح ولا يخفى ان الفقه هو مفتاح الانوار ومبدأ الاستبصار وهو شبكة العلوم ومصيدة المعارف والفهوم واكثر الناس قد عرفوا فضله ورتبته ولكن جهلوا حقيقته وثمرته ومصدره والتفكر في ايات الله سواء كانت ايات كونية او ايات شرعية هو مفتاح من مفاتيح الايمان وطريق من طرق العلم والايقان فانها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور في التفكر ايات لقوم يعقلون لا يستفيد من التفكر الا اصحاب العقول الذين يستعملون عقولهم في التدبر والتفكر التفكر والاعتبار ينبغي ان يكون بالنظر في امور متعددة من ذلك مثلا الاعتبار بقدرة الله جل وعلا بهذه المخلوقات العظيمة التي خلقها رب العزة والجلال قال تعالى يقلب الله الليل والنهار ان في ذلك لعبرة لاولي الابصار وقال جل وعلا او لم يروا الى الارض كما انبتنا فيها من كل زوج كريم ان في ذلك لاية وما كان اكثرهم مؤمنين كذلك يتدبر الانسان ويتفكر في هذه المخلوقات حيث يخرج الشيء مما يضاده في الطبيعة والخلقة فان الله جل وعلا يخرج الليل من النهار. والنهار من الليل. اسمع لقول الله تعالى وان لكم في الانعام لعبرة. نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين انظر كيف اخرج هذا اللبن السائغ الشراب من بين الفرس والدم ويقول جل وعلا ومن ثمرات النخيل والاعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا ان في ذلك لاية لقوم يعقلون ونسمع لقوله جل وعلا والشمس وضحاها والقمر ذا تلاها والنهار اذا جلاها والليل اذا اغشاها عرظ الامور المتظادة ونسبها الى الله عز وجل وهكذا يعتبر الانسان ويتفكر في التاريخ وقصص الامم السابقة الذين ذكرهم الله في كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. لقد كان في قصصه العبرة لاولي الالباب. ما كان حديثا يفترى. ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون يقول جل وعلا وكذلك اخذ ربك اذا اخذ القرى وهي ظالمة ان اخذه اليم شديد. ان في ذلك لاية لمن خاف عذاب الاخرة ويقول سبحانه وتعالى افلم يهدي لهم كما اهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم ان في ذلك لايات لاولي النهى وكذلك مما يتفكر الانسان فيه ويتعظ تلك الاخبار التي اخبر الله فيها عن نصر اوليائه المؤمنين كيف كادهم الناس وسعوا الى انزال الشر والظرر بهم. لكن الله نصرهم واخرجهم من بين ايدي اعدائهم منصورين سالمين ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين انهم لهم المنصورون وان جندنا لهم الغالبون يقول تعالى قد كان لكم اية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله واخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين. والله يؤيد بنصره من يشاء. ان في العبرة لاولي الابصار كذلك يتفكر الانسان في من حوله الاشخاص الذين عاش معهم كيف تبدلت احوالهم تنوحيها فاصبحوا امواتا والذي وصل الى غيرك سيصل اليك كذلك يتفكر في مسيره الى الدار الاخرة. يقول النبي صلى الله عليه وسلم زوروا القبور فانها تذكركم الاخرة وفي لفظ فان فيها عبرة ايضا مما يعتبر الانسان بالنظر فيه ويكون سببا من اسباب تفكره التفكر في احوال الدنيا وتقلباتها مرة يكون الانسان غنيا فيصبح فقيرا ومرة يصبح يكون قادرا فيصبح عاجزا. ومرة يكون الانسان ضعيفا فينقلب الى ان يكون قويا مرة يكون قويا فينقلب الى ان يكون عاجزا يتفكر الانسان في الدنيا ولذاتها وشهواتها وسرعة انقضائها ما تكاد شهواتها تنقضي حتى تكدرها مرارتها وان في هذا لعبرة لما يعتبر كذلك يتفكر الانسان في المخلوقات كيف تبدلت من حال الى حال اخر. يتفكر الانسان في خلقه هو كيف كان على صفة ثم كان على اخرى بل ينظر الانسان مما خلق خلق مما يندافق يخرج من بين الصلب والترائب انظر لقول الله تعالى ما لكم لا ترجون لله وقارا؟ وقد خلقكم اطوارا يتفكر الانسان في طعامه الذي يأكله. كيف تبدل من حال الى حال بذرة الى نبتة الى ثمرة الى ان يصنع الطعام ويؤتى به من طريقة الى طريقة الرب المقدر المسخر لهذا الطعام ليصلك على هذه الحال لا شك انه لابد من اجلاله وتعظيمه وصرف العبادة له وحده قال تعالى فلينظر الانسان الى طعامه انى صببنا الماء صبا ثم شققنا الارض شقا فانبتنا فيها حبا وعنب بل وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وعبا متاعا لكم ولانعامكم. فمن نظر في هذه النعم اوجب له ذلك شكر ربه. ومما يجعله يطهر نفسه. ويبذل جهدا في الانابة الى الله ولاقبال عليه وتصديق اخباره كذلك اذا نظر الانسان في كتاب الله عز وجل وجد في القرآن من الادلة العقلية والبراهين اليقينية ما يجعل كل ذي عقل يقنع بما فيه من به الادلة كذلك اذا اعتبر الانسان في جميع مخلوقات الله عز وجل فانه باذن الله سيحصل على نتيجة التفكر ان التفكر في ايات الله الكونية والاعتبار بما فيها يقوي الايمان عند العبد ويزيده ويجعله على مرتبة عليا بالاعتبار طريق الى تحصيل الخوف من الله وخشيته جل وعلا مما ينتج ان يؤدي العبد العمل الصالح طبعا الاعمال السيئة بالاعتبار والتفكر طريق الى تحصيل المعارف الحقيقية. ومعرفة حقائق المخلوقات وحقيقتي النفس بالتفكر والاعتبار والتذكر يعرف الانسان حقيقة الدنيا وزوالها وتقلب احوالها ويتذكر الاخرة ويستعد لها بالاعتبار قناعة بالرزق وطمأنينة للقلب وسعادة للنفس وطمأنينة للبال في الاعتبار والتفكر زيادة للبصيرة. وقوة للفراسة وزيادة للحكمة. بالاعتبار والتفكر يدرك الانسان عواقب الامور يدرك المرء قدرة ربه جل وعلا وعدله ورحمته وحكمته وتمام ملكه بالتصرف في المخلوقات بالتفكر والاعتبار ينتقل العبد الى حمد الله جل وعلا وشكره سبحانه اذا غذي القلب بالتفكر بقي بالتفكر وسلم من الافات رأى العجائب والهم الحكمة سئلت ام الدرداء رضي الله عنها ما كان افضل عمل ابي الدرداء. قالت التفكر والاعتبار وكتب الحسن البصري الى عمر ابن عبد العزيز الذي يصلحك هو الزهد في الدنيا. وانما الزهد باليقين. واليقين بالتفكر. والتفكر باعتبار اذا فكرت في الدنيا لم تجدها اهلا لان يتبع المرء بها نفسه قال الحسن افضل العلم الورع والتذكر عبادة التفكر ليست عبادة سهلة لا يوفق لها الا قلة من الناس قال تعالى انما يتذكر اولو الالباب اي اصحاب العقول هم الذين يتذكرون ويتفكرون ومما يحصل به التفكر التفكر في ايات الله القرآنية فان القرآن قد احتوى على المواعظ البليغة والحجج القوية والادلة والبراهين اليقينية القطعية. ولذلك فاذا تدبر الانسان في القرآن وتفكر فيه كان ذلك من اسباب تزكية نفسه وطهارتها يقول تعالى لو انزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله. وتلك الامثال نضربها للناس فاذا كان القرآن عند انزاله على جبل يكون خاشعا ويكون هذا الجبل متصدعا من خشية الله فكيف بالقلوب التي ترد عليها الايات القرآنية يقول الله جل وعلا لما ذكر تصرفه في العباد وذكر العقوبات التي نزلت بالامم الماظية قال جل وعلا وكما اهلكنا قبلهم من قرن هم اشد منهم بطشا تنقبوا في البلاد هل من محيص؟ ان في ذلك لذكرى لمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد فان التذكر والتفكر في العقوبات التي ذكرها الله في كتابه يكون فيه حياة للقلوب يكون فيه زكاة للنفوس وطمأنينة وراحة بال يقول الله جل وعلا افلا يتدبرون القرآن ام على قلوب اقفالها هل هذه القلوب التي لم تتدبر القرآن ولم تتفكر فيه؟ عليها قفل بحيث لا تتمكن من الاتعاظ بمواعظ والانتفاع بحججه وبيناته ويقول جل وعلا افلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ويقول سبحانه فلم يتدبروا القول ان جاءهم ما لم يأت ابائهم الاولين ويقول كتاب انزلناه اليك مبارك يتدبروا اياته وليتذكر اولوا الالباب ومنه نجاة النصوص بالتحذير عن الاعراض عن كتاب الله ومن انواع الاعراض ان ان يعرض المرء عن تدبر القرآن. يقول جل وعلا ومن اظلم ممن ذكر بايات ربه فاعرض عنها ويقول سبحانه ومن اظلم ممن ذكر بايات ربه ثم اعرض عنها من لم يشتغل بتدبر القرآن فانه يعد هاجرا للقرآن في باب التدبر والتفكر وقد ذم الله جل وعلا الذين يهجرون كتاب الله. قال سبحانه وقال الرسول يا ربي ان قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا ومن انواع هجر القرآن هجر تدبره والتفكر فيه وتأمل معانيه وقد قال الله جل وعلا يا ايها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وانزلنا اليكم نورا مبينا ويقول سبحانه قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين. يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام. ويخرجهم من الظلمات الى النور باذنه ويهديهم الى صراط مستقيم ويقول جل وعلا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا نعم اذا كان القرآن نورا فينبغي بنا ان نستطيع بهذا النور وان نجعله من وان نجعل هذا القرآن يضيء لنا الطريق الذي نسلكه لنكون على بصيرة من امورنا قال العلامة الثعالبي رحمه الله تدبر القرآن كفيل لصاحبه بكل خير ويقول الشيخ ابن سعدي في تفسير قوله تعالى كتاب انزلناه اليك مبارك ليتدبروا اياته قال هذا الكتاب فيه خير كثير وعلم غزير فيه كل هدى كل هدى من ضلالة فيه شفاء من كل داء ونور يستضاء به في الظلمات وفيه كل حكم يحتاج المكلفون اليه فيه من الادلة القطعية على كل مطلوب ما كان به اجل كتاب طرق العالم منذ انشائه دبروا اياته اي هذه الحكمة من انزاله ليتدبر الناس ايات القرآن فيستخرجوا علمها تأملوا اسرارها وحكمها فانه بالتدبر والتأمل فيه والتأمل لمعانيه واعادة الفكر فيها مرة بعد مرة تدرك بركته وخيره وهذا يدل على الحث على تدبر القرآن. وانه من افضل الاعمال وان وان القراءة المشتملة على التدبر افضل من سرعة التلاوة التي لا يحصل بها هذا المقصود وبحسب فهم الانسان وتدبره وعقله يحصل له التذكر والانتفاع بهذا الكتاب نتباحث في نتباحث في عدد من الاسباب المؤدية الى تدبر القرآن نتباحث في عدد من الاسباب المؤدية الى تدبر القرآن. منها طاعة امر الله عز وجل في ان الله قد امر تدبر القرآن. قال تعالى انا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون ومنها ان القرآن يعرف الانسان بطرق الخير والشر. وثمراتهما ومآل اهلهما. وكيفية التمييز بينهما بتدبر القرآن يزيد عقل الانسان. لانه يطالع عواقب الامور. ويعرف ما حل بالامم سابقة بتدبر القرآن يعرف المرء معاني اسماء الله الحسنى. ويتعرف على ما يحبه ويرضاه فيستجلب وبذلك رضا رب العالمين. بتدبر القرآن يتمكن الانسان من تطبيق هذا الكتاب على نفسه. وتطبيق الايات القرآنية والتوجيهات الالهية التي يحصل بها سعادة الانسان وزكاء نفسه وطهارتها. بتدبر القرآن ان يتمكن الانسان من معالجة نفسه من الامراض التي قد ترد الى العبد بتدبر القرآن تزول وساوس الشيطان التي على زكاء النفس وطهارتها بتدبر القرآن يتمكن المرء من صد هذا العدو الشيطان الرجيم عن نفسه اه هناك وسائل معينة على تدبر القرآن منها ترتيل القرآن ومنها اختيار الاوقات المناسبة لتلاوة ومنها تفريغ القلب من المشغلات حال القراءة ومنها معرفة تفسير القرآن بمراجعة كلام النبي صلى الله الله عليه وسلم وكلام سلفنا الصالح وكلام اهل اللغة وكلام المفسرين الموثوقين واعظم وسائل تدبر القرآن ان يتوجه العبد الى ربه جل وعلا ان يفهمه القرآن. اللهم فهمني كتابك. من ثمرات ثمرات تدبر القرآن كثيرة عظيمة لا يمكن ان نحصيها في هذه المحاضرة اشرت الى اجزاء منها ومن هنا فاني اوصي بتدبر القرآن فتدبر القرآن ان رمت الهدى فالعلم تحت تدبر القرآن تكلمنا في هذا اليوم عن اه عن وسيلة من وسائل تزكية النفس الا وهي الاعتبار والتدبر والاتعاظ وذكرنا من ذلك النظر في الايات الكونية وذكرنا من ذلك ايضا النظر في الايات القرآنية وبينا وسائل الاعتبار في كل منهما وبينا الطريقة التي يستجلب الانسان بواسطتها زكاة القلب طهارة النفس من التدبر والاعتبار والاتعاظ ولذلك فان الباب مفتوح لاصحاب العقول يزكوا انفسهم من خلال الاتعاظ والاعتبار والتذكر. اللهم يا حي يا قيوم احي قلوبنا. اللهم اجعلنا يا يا حي يا قيوم ممن تدبر في اياتك الكونية واياتك القرآنية. اللهم اجعلنا يا حي يا قيوم ممن عرف معانيك كلامك هذا والله اعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين