الحمد لله رب العالمين الصلاة والسلام على افضل الانبياء والمرسلين اما بعد فقد ذكر الله عز وجل في اوائل سورة البقرة اصناف الناس وانهم ثلاثة اصناف اهل الايمان والتقوى فاولئك على هدى من ربهم واولئك هم المفلحون والقسم الثاني الذين كفروا وهؤلاء لهم عذاب عظيم والقسم الثالث اهل النفاق الذين يقولون بالسنتهم امنا بالله وباليوم الاخر لكنهم لم يصلوا الى درجة الايمان وهذا الصنف الثالث قد ذكر الله عز وجل شيئا من صفاتهم وحينئذ ترتب على ما ذكره من صفاتهم عدد من الاحكام ففي قوله ومن الناس من يقول امنا بالله وباليوم الاخر. تنويه بفظل الايمان باليوم الاخر وانه يقارن الايمان بالله عز وجل ومتى كان عند الانسان ايمان باليوم الاخر ابعده عن معاصي الله وجعله يقدم على طاعة الله سبحانه وتعالى. لانه علم ان امامه يوما اخر يبقى ابد الابدين يحاسب العبد فيه على اعماله ومن ثم يستعد ذلك اليوم والايمان باليوم الاخر متى استولى على القلوب صلحت احوالها اذ ان من اكثر ما يوقع الفساد بين الناس ويكون من اسباب زوال نعم الله عليهم زوال نعم الله عنهم ومن اسباب وقوع الخصومات والعداوات بينهم ان يكونوا ممن ينظر الى الدنيا ويغفل عن الاخرة لكن متى قدم الناس امر الاخرة صفت امورهم وجلب الله لهم خيري الدنيا والاخرة كما قال جل وعلا من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والاخرة وقد اخبر النبي صلى الله عليه وسلم بان من اراد الاخرة فان الدنيا تأتيه وهي راغمة وحينئذ يتولى الله شأن العبد بخلاف من كانت اكبر همه فان الله يشتت امره ولا يأتيه من الدنيا الا ما كتب له منها كما وورد في الترمذي ولذلك كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ان قال اللهم لا تجعل الدنيا اكبر همي ولا مبلغ علمي ولذلك ينبغي بالناس ان يتحدثوا عن اليوم الاخر في مجالسهم وفي ذهابهم وايابهم ليكون هذا من اسباب زيادة تعلق قلوبهم باليوم الاخر وفي ايات القرآن من الحديث عن اليوم الاخر ما يكون سببا تشوق القلوب والنفوس الى تلك الدار. فكم من اية في كتاب الله فيها صفات الجنان كم من اية في كتاب الله فيها التحذير من النيران وبيان صفات كل من تلك الدارين ومن ثم يحسن بالناس ان يتحدثوا عن ذلك اليوم لتستعدوا له وفي قول الله عز وجل يخادعون الله والذين امنوا فيه ان اهل النفاق يظنون انهم اصحاب العقل واصحاب الفكر وانهم اهل الذكاء وفي حقيقة الامر انهم على خلاف ذلك وضده فكون الانسان يكون ظاهره موافقا لباطنه هذا هو العقل وهذا هو الذكاء وهذا هو الذي ترتاح معه النفس ويسعد العبد به دنيا واخرة. ولذا قال الله جل وعلا وما يخدعون الا انفسهم وما يشعرون وفي هذه الايات التحذير من امراض القلوب والقلوب فيها نوعان من انواع المرض اولهما مرض الشبهات التي تورث النفاق وهي المذكورة اصالة هنا. في قوله في قلوبهم مرظ واذا كان عند الانسان شبهة وجب عليه ان يعالجها بزراعة اليقين في قلبه وبان يكون العبد مستشعرا الايات القرآنية والاحاديث النبوية التي فيها علاج هذه الشبهات وكل شبهة في القلوب فانها ليست بحادثة بل كانت موجودة في عهد النبوة وقد جاء النص بحلها وباراد الدواء الناجح لها ومن ثم فينبغي بناء وينبغي بمن حل في قلبه شبهة ان يعود الى النصوص ثم ان علماء الشريعة عندهم من معرفة الكتاب والسنة ما يكون مشتملا على علاج هذه الشبهات والنوع الثاني من انواع الامراض امراض القلوب امراض الشهوات بان يقدم الانسان هواه على طاعة ربه ومولاه وعلاج هذا الصنف زراعة الايمان بالله في القلوب بحيث يستشعر الانسان مراقبة الله له يزرع مخافة الله في قلبه ويستشعر ايمانه باليوم الاخر وانه عما قريب سيحاسب على اعماله كلها قليلها وكثيرها لما وجد المرض في قلوب هؤلاء المنافقين لم يبادروا الى حله بل استجابوا له فكان هذا من اسباب زيادة المرظ عليهم. ولذا قال في قلوبهم مرظ فزادهم الله مرظا تقدير الكلام في قلوبهم مرض لم يعالجوه بل استجابوا له وانقادوا له فكان هذا من اسباب زيادة هذا المرض عندهم فان من كان فيه مرظ ولم يبادر الى علاجه وحله فان هذا يكون من اسباب زيادة المرظ عنده ثم بين ثم بين عاقبتهم. فقال ولهم عذاب اليم بما كانوا يكذبون اليم اي مؤلم بما اي بسبب لان الباء هنا لان الباء هنا بيان السبب الذي من اجله وقع عليهم العذاب يكذبون ما معناها؟ يكذبون على الله فيظهرون الايمان ويبطنون الكفر. يظهرون مناصرة الشريعة ويبطنون محاربتها يظهرون نصرة اولياء الله ويبطنون بغضهم ومعاداتهم. ولذا كانوا مستحقين للعذاب الاليم ومن الاسباب التي جعلت لهم العذاب الاليم انهم يفسدون في الارض ويدعون انهم مصلحون وغاية الافساد في الارض مخالفة شريعة الله وكل من خالف شرع الله فهو مفسد خصوصا اذا سعى لنشر المعصية في الخلق فهذا مفسد الاول الذي اقتصرت معصيته على نفسه افسد نفسه ومن سعى الى جعلها في الناس فهذا مفسد لغيره حينئذ نعلم ان القاعدة الشرعية ان دعوة الانسان لنفسه لا تقبل الا بدليل وان كل من ادعى صلاح نفسه واستقامة حالها فانه لا يقبل منه ولو اظهر مظاهر الصلاح حتى تقوم البينة على ذلك ولذلك في باب الشهادة اذا شهد شاهد ومظهره الصلاح والاستقامة لم تقبل شهادته حتى يأتي من يزكيه ويشهد بانه من اهل الخير والصلاح ولهذا نجد ان بعض اهل الدعوات المضلة يحاولون سوق الناس اليهم باظهار انفسهم بمظاهر حسنة يخدعون بها الخلق ومن ثم فهذه المظاهر لا يعول عليها الحكم الشرعي وان كانت هي مظهر من ايه المظاهر التي يستنبط منها صلاح العبد لكن لا ينبغي بمؤمن ان ينخدع بها في هذه الايات ايضا ان الصلاح انما يكون باتباع الشرع لا يكون بما يظنه الانسان من الصلاح ويكون مخالفا للشرع فمن دعا الناس الى مخالفة شرع الله فهذا ليس من اهل الصلاح. وان ظن انه يدعوهم الى ما فيه ان التجاري او يدعوهم الى ما فيه تطور بلدانهم او يدعوهم الى زيادة نسبة السياحة في بلدانهم. فكل هذه لا يعول عليها ولذلك قد يظن الانسان ان الخير في شيء ويكون في ضده وقد اخبر الله عز وجل ان صلاح احوال الناس في الدنيا يأتي من خلال ايمانهم بالاخرة وعملهم لها كما في النصوص الشرعية التي جاءت في هذا الباب. قال تعالى من يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب وهذا كما يكون على مستوى الافراد تكون على مستوى الاسر وعلى مستوى المجتمعات وعلى مستوى الشركات وعلى مستوى الدول وقال جل وعلا قل من حرم زينة الله التي اخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين امنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة وكما قال جل وعلا من عمل صالحا من ذكر او انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم اجرهم باحسن ما كانوا يعملون هذا الوعد ممن من الله صادق في وعده او كاذب قادم بلا شك قادر على تنفيذه او لا قادر رب العزة والجلال لكن الشياطين تأتي للناس فتخوفهم من الفقر ومن تسلط الاعداء فبالتالي يكون هذا من اسباب تسلط الاعداء عليهم لانهم لم يحققوا ايمانهم برب العزة والجلال فقد قال جل وعلا الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء. والله يعدكم مغفرة منه وفضلا. والله واسع وحينئذ فينبغي بنا ان نحقق هذه المعاني اذا اردنا سعادة الدنيا والاخرة والناظر التاريخ الاسلامي يجد هذا جليا في دول الاسلام متى تمسكت الدولة بدينها واستعدت لاخرتها اورثها الله عز وجل الدنيا وكان هذا من اسباب كسر عدوها ولو كانت الامور على قلة ولو كان الناس في قلة. قال تعالى واذكروا اذ انتم قليل ضعفونا في الارض تخافون ان يتخطفكم الناس فاواكم وايدكم بنصره ورزقكم من لعلكم تشكرون في هذه الايات بقوله واذا قيل لهم امنوا كما امن الناس فيها ان المؤمن اسعى ما يصل اليه ان يكون من اهل من اهل دين الله وممن يرضى عنهم الله عز وجل ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء القنوت او ارشد اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وثم قال جل وعلا واذا لقوا الذين امنوا قالوا امنا واذا خلوا الى شياطينهم يعني انهم اذا قابلوا اهل الاسلام اظهروا انهم من انهم يماثلونهم بينما اذا ذهبوا الى شياطينهم هنا اضاف الشياطين اليهم ليبين انهم زعمائهم الذين يصدونهم عن دين الله او حينئذ اذا خلوا الى شياطينهم قالوا انا معكم انما نحن مستهزئون فيه ان الاستهزاء ليس من شأن اهل الايمان حتى الاستهزاء بالعدو الكافر وبالمنافق ليس من شأن اهل الايمان انما شأن اهل الايمان الرد بالحجة وبيان الحق بالمحجة واما الاستهزاء فهذا شأن اهل الالحاد واهل النفاق ممن تقصر عقولهم فيكون غاية امرهم ان يستهزئوا بمن يقابلهم وفي هذا نهي عن الاستهزاء وانه ليس من شأن اهلي الايمان بل شأن اهل الايمان ان ينزلوا الامور منازلها وان لا يسخروا من عباد الله وانما يكونوا من ممن اوضح الحق وبين الحكم الشرعي وفي هذه الايات ان الله عز وجل يجازي العباد بجنس اعمالهم ولذا قال الله يستهزأ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون الاستهزاء الاول من الكافرين بالمؤمنين وبشرع الله عز وجل هذا على جهة السخرية وجهة التنقص لمن يقابلهم واما من الله عز وجل فهو على جهة المقابلة وما ينسب الى الله اربعة انواع هناك اسماء وهناك صفات وهناك افعال وهناك اخبار قال اربعة انواع فقوله يستهزئ وقوله يمد هذه افعال من القسم الثالث فلا يؤخذ منها اسماء ولا يؤخذ منها صفات وانما يؤخذ منها فعل وخبر فانما يؤخذ منها فعل وخبر وقوله ويمدهم في طغيانهم يعمهون اي يزيدهم ضلالا وحيرة وترددا وذلك لان افعالهم انتجت هذه النتيجة التي عاقبهم الله بها فهذه عقوبة من الله ناتجة عن افعالهم وذكر شيئا من اسباب اتصافهم بهذه الصفات فقال اولئك الذين اشتروا الظلالة بالهدى اي اخذوا الضلالة وقدموا وقابلوه بالهدى فكانت النتيجة ان تجارتهم خاسرة وانهم لم يهتدوا اسأل الله جل وعلا ان يوفقنا واياكم لخيري الدنيا والاخرة وان يجعلنا واياكم من الهداة المهتدين هذا والله اعلم. صلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين