متى طلب اولياء الدم ذلك وليس فيه نفي قتل الرجل بالانثى ولا نفيقة للانثى بالرجل وفي هذه الايات مشروعية العفو عن القصاص وانه من القرب التي يتقرب بها لله عز وجل الحمد لله رب العالمين الصلاة والسلام على افضل الانبياء والمرسلين فهذا لقاء جديد تتدارس فيه ايات الاحكام من سورة البقرة قال الله جل وعلا ببيان خصال البر والتقوى واتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب واقاموا الصلاة واتى الزكاة المراد بابن السبيل المسافر الذي انقطعت نفقته والمراد بقوله والسائلين في قوله والسائلين دلالة على مشروعية اعطاء السائل ومثله في قوله تعالى والذين في اموالهم حق معلوم للسائل والمحروم قد قال طائفة لانه لا يعطى الا اليسير السائل واما من علم حاله فانه يعطى ما يكفي حاجته ولذا في الحديث ليس المسكين الذي ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان وقوله وفي الرقاب المراد بها المماليك الذين يباعون ويشترون من هيجوز دفع الزكاة في شراء هؤلاء المماليك ليتم عتقهم ولا يدخل في هذه الاية من كان عليه قصاص فاصطلح مع اولياء الدم على ان يعطيهم مالا فهنا الدين لم يجب بعد فليس من الغارمين وليس هذا من معنى الرقاب فما تقدم ان فهم القرآن لا يكون الا بحسب طريقة العرب في اطلاق الفاظها وقولهم وفي الرقاب تفهمه العرب على ان المراد به المماليك وقد وقع اختلاف بالمكاتب وهو الذي تعاقد مع سيده ان يدفع له مالا يعتق بدفع جميع ذلك المال هذا يسمى مكاتب فقال طائفة هذا من مصارف الزكاة وقال اخرون بعدمه وفي قوله واقام الصلاة واتى الزكاة اقام الصلاة قيل المراد به المفروظة واتى الزكاة وهناك في الاول قال واتى المال على حبه وهنا قال واتى الزكاة فبعضهم قال احدهما في صدقة التطوع والاخرى في الزكاة الواجبة واخرون قالوا بانه في الاول اراد ان يبين من من تعطى الزكاة له بينما في الثاني كان مخصصا لاثبات وجوب الزكاة ابتداء بقوله والموفون بعهدهم اي القائمون بهذه العهود سواء كانت لله كما في النذر واليمين والوصية او كانت للاخرين كما في العقود فانها من العهود والمراد هنا ما اوجب الانسان على نفسه القيام به وان لم يكن واجبا في اصل الشرع وقوله والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس فيه فضيلة الصبر وعظم اجر صاحبه بهذه الايات بيان صفات التقوى وانها ست صفات الايمان بالله واليوم الاخر والملائكة والكتاب والنبيين واتيان المال واقامة الصلاة وايتاء الزكاة الوفاء بالعهد والصبر البأساي والضراء وحين البأس ثم ذكر الله عز وجل اية القصاص يا ايها الذين امنوا كتب عليكم القصاص في القتلى هذه الاية فيها دليل على مشروعية قتل القاتل بالشروط الثابتة شرعا وقتل القاتل لا بد ان يكون مبنيا على حكم قضائي لان اولياء الدم لا يعرفون هل انطبقت شروط القصاص او لم تنطبق وفي هذه ومن ثم لابد ان يرجع فيه الى القضاء الشرعي فلا يثبت قصاص الا من طريقه وقوله كتب اي وجب عليكم مراد بالقصاص في القتلى قتل القاتل وقوله هنا كتب اي جعل حقا لاولياء الدم لان اولياء الدم يجوز لهم ان يعفوا ولذا قال في الاية فمن عفي له من اخيه شيء فاتباع بالمعروف واداء اليه باحسان. ذلك تخفيف من ربكم ورحمة ان في شرائع الانبياء السابقين لا يوجد عفو وقيل لا يوجد تنازل الى مال في قوله كتب عليكم القصاص في القتلى قال الامام ابو حنيفة ما بعده ليس تفسيرا له وانما كلام ابتدائي وقال الجمهور بل هو تفسير له. ماذا ترتب على ذلك هل يقتل الحر بالمملوك وهل يقتل المسلم بالذمي قال ابو حنيفة نعم لان الكلام الاول تام يشمل جميع الافراد قال الجمهور بعدم ذلك قالوا لان قوله كتب عليكم القصاص في القتلى يفسره ما بعده في هذه الايات ان الحر يقتل بالحر ويفهم منه ان المملوك يقتل بالحر ووقع التردد في ما اذا قتل الحر مملوكا ان يقتص من الحر من اجل المملوكة او لا والجمهور يقولون لا يقتص منه لعدم المكافأة خلافا للامام ابي حنيفة وهنا اثبت قصاص الحر من الحر واثبت قصاص العبد من العبد بقي عندنا مسألتان اولاهما القصاص من المملوك من اجل الحر وهذا محل اتفاق يبقى عند المسألة الرابعة وهي القصاص من الحر من اجل المملوك وقوله والانثى بالانثى اي انه اذا قتلت ان الانثى القاتلة تقتل في قوله كتب عليكم القصاص دليل على انه لا يثبت القصاص الا عند التساوي فلا يقتل القاتل الا عند وجود شروط التساوي وفي هذه الايات ايضا مشروعية العفو بالقصاص العفو على نوعين العفو مجانا وهذا اعظم في الاجر والعفو الى الدية اما ما زاد عن الدية فهذا مبناه على الصلح. وليس عفو هذا ايش؟ صلح وليس عفو في قوله فاتباع بالمعروف اي ان اولياء الدم يطالبون بالدية بالمعروف بالقول الحسن واللفظ الطيب واداء اليه باحسان اي على القاتل اداء الدية باحسان وقوله ذلك تخفيف من ربكم ورحمة اي مشروعية العفو عن القصاص العفو عن القصاص واخذ من هذه الاية مشروعية القصاص فيما دون النفس لانه اذا ثبت القصاص في النفس ثبت القصاص فيما دونها ووقع الاختلاف لاخذ عضو الحر متى قطع عضو المملوك فقال ابو حنيفة يقتص منه. وقال الجمهور لا يقتص قال المؤلف قد حققنا ان الله شرط المساواة في القتلى ولا مساواة بين الحر والعبد لان الرق الذي هو من اثار الكفر يدخله تحت ذل الرق يسلط عليه ايدي المالكين تسليطا يمنعه من المطاولة. ويصده عن تعاطي المصاولة من المسائل المتعلقة بهذا ان الوالد اذا قتل ولده هل يقتص منه قال المالكية نعم لعموم الاية بشرط ان يظهر من الوالد قصد العمدية كما لو اضجعه فذبحه بخلاف ما لو رماه بالسيف على جهة التأديب فمات وقد خالف جمهور العلماء الامام مالكا في ذلك فقالوا الوالد لا يقتل بولده مطلقا قالوا لان الاب سبب وجود الابن فلا يكون سببا لعدمه لكن هذا الاستدلال فيه نظر وانما المعول عليه حديث لا قود بين والد وولده. وفي لفظ لا يقاد او لا يقتل والد بولده وقد وقع اختلاف في هذا الخبر من جهة اسناده وكان من ادلة الجمهور اجماع الصحابة في عهد عمر على ان قاتل ولده تغلظ عليه الدية ولا يقتل به ومن ما يؤخذ من هذه الاية ان الجماعة اذا قتلوا واحدا فانهم يقتلون به وقال طائفة بعدم وجود القصاص لانه ليس من المساواة قتل الجماعة بالواحد قد ورد عن عمر انه قتل جماعة بواحي وقال لو تمالأ اهل صنعا على قتله لقتلتهم وقوله فمن عفي له من اخيه شيء يترتب عليه مسألة موجب القتل العمد لان العلماء لهم منهجان واحد يقول موجب القتل العمد القصاص فقط واخر يقول موجب القتل العمد القصاص او الدية الاول يقوله مالك وابو حنيفة والثاني يقوله الشافعي واحمد. ماذا ترتب على ذلك؟ ترتب عليه عدد من المسائل منها لو ان ولي الدم قال اطالبك بالدية اطالبك بالدية فقال القاتل انا لا ارضى بهذا. اما ان تقتلني واما ان تعفو مجانا عند ابي حنيفة ومالك لا يلزم القاتل بدفع الدية لان موجب القتل العمد عنده القصاص وعند الشافعي واحمد يلزم بدفع الدية ويدرى القصاص عنه لان مقتضى او موجب القتل العمد عنده احد امرين اما العفو مجانا واما الدية قال فمن عفي له من اخيه شيء اي اذا اسقط الوالي القصاص اسقط ولي الدم القصاص وقوله فمن عفي له من اخيه شيء هنا شيء نكرة يشمل القصاص في النفس والقصاص فيما دون النفس ورد في الحديث من قتل له قتيل فهو بخير النظرين اما ان يفتى واما ان يقتل اي اما ان يقتل القاتل فيقاد به واما اما ان يقتص واما ان يفدى باخذ الدية وقوله فمن اعتدى بعد ذلك اي من عفا ثم اخذ القصاص فله عذاب اليم. ومن احكام ذلك ان يثبت القصاص فيه عفا عن القاتل ثم قتل حينئذ نقول يثبت القصاص في القتل الجديد وقوله ولكم في القصاص حياة يا اولي الالباب لعلكم تتقون القصاص فيه ايتان فيه حكمتان بقاء الجنس البشري فلو لم يقرر القصاص في القتل لقتل الناس بعضهم بعضا والفائدة الثانية تحصيل التقوى ثم قال تعالى كتب عليكم اذا حضر احدكم الموت ان ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين بالمعروف حقا على المتقين كتب اي فرض الله واوجب وليس المراد به الكتابة في اللوح المحفوظ وانما المراد به الكاتب والالزام وقوله اذا حضر احدكم الموت ليس المراد به ان يكون في سياق الموت او في فراش الموت يعني ليس هذا وقت وصية ولا وقت توبة وانما المراد اذا كبر الانسان وقرب حضور الموت او اذا عرظ له عارض خشي معه من الهلاك كالسفر البعيد او المرض وقوله ان ترك خيرا فيها ان امتلاك الاموال ليس مذموما في الشرع قد سماه خيرا ويشترط في هذا ان يكون من مكسب حلال ينفق في طاعة وقوله الوصية هذا نائب فاعل لكتب اي كتبت الوصية واوجبها الله عز وجل والمراد بالوصية الطلب الذي ينفذ بعد موت صاحبه والوصية مشروعة في الجملة وقد ورثته النصوص مشروعية الوصية والترغيب فيها قال النبي صلى الله عليه وسلم ما حق امرئ مسلم عنده شيء يوصي فيه يبيت ليلتين الا ووصيته مكتوبة عنده ويحسن بالانسان الا يوصي في وقت المرض مرض الموت انما يوصي في الصحة ولعلنا ان شاء الله ان نتكلم عن شيء من احكام الوصايا في لقائنا السابق اللاحق اسأل الله جل وعلا ان يجعلكم من الهداة المهتدين هذا والله اعلم صلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين