واصحابه واتباعه وسلم تسليما كثيرا الى يوم الدين الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على افضل الانبياء والمرسلين اما بعد فقد ابتدأنا بتفسير ايات الصيام من سورة البقرة ووقفنا عند قوله فمن شهد منكم الشهر فليصمه فيه دلالة على ان من كان مقيما وجب عليه ان يصوم شهر رمظان ومن كان مقيما في اول يومه فسافر في اثناء اليوم ظاهر الايات انه يجوز له الفطر. لانه على سفر والجمهور على انه يلزمه امساك بقية يومه. قالوا لزمه صوم اول اليوم فلزمه اكماله. قال المؤلف اذا صام وفي مصر ثم سافر في اثناء اليوم لزمه اكمال الصوم فلو افطر قال مالك لا كفارة عليه لان السفر عذر طرأ فكان كالمرظ يطرأ عليه وقال غيره عليه الكفارة وبه اقول قوله مؤلف ابن العربي لان العذر بعد لزوم العبادة الى اخر كلامه والصواب انه يجوز له الفطر لانه قد طرأ عليه السفر والشرع قد علق جواز الفطر على السفر قال المؤلف كذلك الصوم يلزم من رأى الهلال ومن بلغه رؤية الهلال و لا يلزم ان يكون الانسان قد رأى الهلال بنفسه لكن من الذي يعول عليه في الخبر؟ هل يكفي واحد كما قال احمد؟ وكما قال ابو ثور في دخول الشهر وخروجه او يعول على شهادة الواحد في الدخول ولابد من اثنين في الخروج كما قال الامام احمد وجماعة. وقال الجمهور لابد من اثنين في الدخول وفي الخروج والاصل انه لا بد من اثنين لكن في دخول الشهر ورد في حديث ابن عمر انه رأى الهلال فاثبت النبي صلى الله عليه وسلم دخول الشهر برؤيته وحده اذا رؤي الهلال في بلد هل يلزم في جميع البلدان؟ يقول ما كان تابعا له ويتوافق مع فحينئذ يلزمهم الصوم اما اذا كان بلدا اخر تختلف مطالعه فقد وقع الخلاف في ذلك فقال احمد وبعض الشافعي اذا رؤي في بلد لزم جميع البلدان ان يصوموه لقوله فمن شهد منكم الشهر فليصمه. ولقوله شهر رمظان الذي انزل فيه القرآن صومكم يوم تصومون والجمهور يقولون لكل بلد رؤيته. واذا رؤي في بلد لا يلزم اهل البلد الاخر ان يصوموا وهناك من قال اذا رؤي الهلال في بلد لزم ما يقع عنه غربا من البلدان ان يصوموا لانه يلزم عليه ان يكون قد هل الهلال عندهم وفي قوله تعالى ولتكمل العدة اي من اجل ان تكملوا عدة شهر رمضان بصيامه تسعة وعشرين يوما او بصيامه ثلاثين يوما قوله ولتكبروا الله على ما هداكم في مشروعية التكبير ليلة العيد بان يقال الله الله اكبر لا اله الا الله الله اكبر الله اكبر ولله الحمد اخذ منه ايظا مشروعية التكبير في صلاة العيد كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل واخذ منه ايظا مشروعية الاكثار من التكبير في العيد بخطبة العيد وقد اختلف العلماء في عدد التكبيرات في صلاة العيد فقال مالك واحمد سبع في الاولى خمس في الثانية وقال الشافعي ثمان في الاولى خمس في الثانية. وقال ابو حنيفة خمس في الاولى ثلاث في الثانية وفي لفظ يكبر خمسا في الاولى واربعا في الثانية وقد وقع مثل ذلك عن بعض الصحابة والتكبيرات مستحبة وليست بواجبة لو تركها صحت صلاته ومن ثم فالخلاف يسير في هذا الامر في هذه الايام استحباب التكبير المطلق ليلة العيد وصباح يوم العيد يكبر تكبيرا مطلقا وقوله واذا سألك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداع اذا دعان. فيه مشروعية الاكثار من الدعاء خصوصا في ايام الصيام قد ورد ان للصائم دعوة مستجابة وفيه ايضا ان الدعاء حق خالص لله عز وجل. ليس لاحد ان يصرف عبادة الدعاء لغير الله ثم قال تعالى احل لكم ليلة الصيام الرفث الى نسائكم بهذه الاية عدد من الاحكام منها جواز وطئ الرجل لزوجته في ليلة الصيام من بعد المغرب الى قبيل طلوع الفجر. وانه لا حرج في ذلك في هذه الاية والرفث قد يكون الجماع وقد يكون مقدماته وقد يكون الحديث المتعلق به وفي قوله هنا هن لباس لكم اي بمنزلة الثوب. فيه دلالة على جواز التعري بين الرجل امرأته وفيه دلالة على انه لا بأس ان لا بأس ان يفضي كل واحد من الزوجين الى صاحبه ليسكن اليه وفي قوله علم الله انكم كنتم تختانون انفسكم سبب هذه الاية انه كان في اول الاسلام الصيام يبتدأ من نوم الانسان فجاء بعض الصحابة الى زوجته في ليلة الصيام يريد منها ما يريد الرجل من زوجته فقالت له قد نمت فلزمني الصوم فقال لها انما تريدين التهرب مني فقال هنا علم الله انكم كنتم تختالون انفسكم يرمي بعظكم بعظا بانه يريد التهرب بمثل ذلك فتاب عليكم وعفا عنكم واصبح الحكم الجديد ان الصيام لا يبتدأ الا بوقت محدد للجميع وهو وطلوع الفجر. ولذا قال فالان باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم اما من الولد او ابتغوا ما كتب الله لكم من الفضل والاجر في الجماع او في ادراك الفظل في هذه الليالي قال وكلوا واشربوا هنا امر بعد نهي فلا يكون للوجوب وفيه جواز الاكل والشرب بالليل ويؤخذ من الاية ان الصائم يمنع من الجماع مباشرة النساء والاكل والشرب قال حتى يتبين لكم الخيط الابيظ من الخيط الاسود اي خيط الصبح وخيط الليل في الافق وليس المراد به خيوط توضع تحت الويسات كما ظنها بعضهم في الزمان الاول وفي هذا دلالة على ان الصيام يبتدي بطلوع الفجر وطلوع الفجر بمجرد بزوغ نور الفجر الثاني يلزم الامساك ولا يتوقف فيه حتى يتوسط النور لكبد السماء او يتفرق في الافق وقد ورد في الحديث ان النبي صلى الله عليه وسلم قال فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن ام مكتوم اذا كان المؤذن يؤذن على الوقت فبمجرد اذان اذان المؤذن يجب الامساك عن الاكل والشرب وقد ورد في الحديث ان النبي صلى الله عليه وسلم استثنى من ذلك من كان الاناء في يده فانه يشربه في وقت الاذان. اما ما عدا ذلك فلا يجوز الشرب. في وقت الاذان اذا كان المؤذن يؤذن على الوقت وقوله ثم اتموا الصيام الى الليل فيه ان النهار محل الصيام وفي انه بمجرد دخول الليل ينتهي وقت الصيام دخول الليل يكون باذان المغرب. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم اذا اقبل الليل من ها هنا ادوار النهار من ها هنا فقد افطر الصائم وفي الحديث القدسي قال الله عز وجل احب عبادي الي اعجلهم فطرا. فالسنة تعجل الفطر ومن المسائل انه اذا دخل الليل استحب الفطر حتى ولو لم يكن عند الانسان اكل فانه يفطر بنيته ولو كان عنده شغل او عمل ينوي الافطار قلبه وفي هذا دلالة على كراهة الوصال وان الليل ليس محلا للصيام وقد ورد في الحديث ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال وقد ورد في الصحيح ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تواصلوا فايكم اراد الوصال فليواصل حتى السحر فيه دلالة على انه لا يجوز التعبد لله بالوصال في الليل لكن يباح للانسان الوصال بشرط ان يأكل بالسحر هذا على الاباحة ما يتقرب به لله جل وعلا وفي قوله فالان باشروهن اختلف العلماء في اتصال البشرة بشرة الرجل مع بشرة المرأة في اثناء الصيام فقالت طائفة الاية تدل على التحريم وقال اخرون بان ذلك مكروه وقال الاكثر بانها مباحة. وهناك من فرق فقال من يخشى على نفسه ان يتأثر صومه بسبب ذلك فانه يدعه والمباشرة من الاسباب الداعية الى الجماع ومن ثم ما كان موصلا الى ذلك فانه يمنع منه. قال وتحقيق القول انه ان المباشرة والسبب وداعية الى الجماع وذريعة داعية اليه. فيختلف فيختلف في حكمها كاختلافهم في تحريم رائع التي تدعو الى المحظورات. قال علماء المالكية اعتبروا حال الرجل وخوفه على صومه وامنه عليه من نفسه ومما يتعلق بهذا حكم القبلة للصائم ان كانت توصل الى ان يتأثر الصوم بان يمني او يواصل للجماع حرمات من المسائل المتعلقة بهذا ان قوله حتى يتبين يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر هنا الناس محتاجون الى بيان هذا الحكم وقد تأخر نزول من الفجر مدة الصواب ان الناس كانوا يفهمون غالبية الناس يفهمون هذا اللفظ وان المراد به خيط النهار الليل وان من لا يتبين هذا الحكم قلة نادرة وفي هذا هذه الايات اشارة الى جواز ان يصبح الانسان جنبا لو كان على جنابة ولم يستيقظ الا بعد اذان الفجر نقول اغتسل واكمل صومك ما دام ما دمت نويت لانها اجاز له الجماع الى قبيل طلوع الفجر فحينئذ هذا دليل على انه اذا فعل ذلك فسيضطر الى تأخير الاغتسال الى ما بعد طلوع الفجر وهو محل اجمع وفي قوله ولا تباشروهن وانتم عاكفون في المساجد. في مشروعية الاعتكاف وانه قربة يتقرب بها لله والاعتكاف اللبس في المسجد للتقرب تقربا لله وفي دلالة على ان الاعتكاف يجوز في اي مسجد. لقوله في المساجد وجمع معرف باهل الاستغراقية يفيد العموم. وهذا مذهب جماهير اهل العلم. هناك من قال لا يجوز الاعتكاف الا في مسجد فيه جمعة واخرون قالوا لا يجوز الاعتكاف الا في مسجد فيه جماعة اشتراط الجماعة هذا هو الارجح بان لا يخرج كل وقت صلاة وفي هذا منع المعتكف من مباشرة النساء سواء بجماع في دلالة على ان الجماع مفسد للاعتكاف او كان بما دون الجماع. لان المعتكف يشتغل بطاعة الله وبلبسه في المسجد وحينئذ الاعتكاف لا بد فيه من ترك مباشرة النساء وفي هذه في قوله ولا تباشروهن وانتم عاكفون في المساجد فيه دلالة على تحريم مباشرة النساء في المسجد ولو لم يكن الانسان معتكفا. لان المساجد انما بنيت لاقامة الصلاة ولذكر الله جل وعلا على وفي هذه في قول تلك حدود الله فلا تقربوها. فيه دليل على حجية سد الذرائع فانه لم يكتفي بالنهي عن تجاوز الحدود وانما نهى عن قربانها وفي هذا ان الله عز وجل قد بين احكامه وان احكام الشريعة واضحة. قال كذلك يبين الله اياته للناس لعلهم يتقون قوله ولا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل فيه تحريم الاحتيال لاكل اموال الاخرين. فكل معاملة فيها حيلة لأكل اموال الاخرين فهي محرمة وفي هذه الايات ايضا تحريم الرشوة وانها من عظائم الذنوب وفي هذه الايات ان تحريم اكل اموال الاخرين عام يشمل القريب والبعيد الموالي والمخالف وكل كلهم لا يجوز التجاوز اكل اموالهم. وفيه دلالة على انه لا يجوز بناء المعاملات المالية على امر باطل سواء كان كذبا او غشا او تدريسا بدلالة على تحريم الغش بهذه الايات. وفيها دلالة على تحريم اكل الرشوة ولعلنا ان شاء الله ان نأتي لبيان بعض الاحكام المتعلقة بهذه الاية فيما يأتي اسأل الله جل وعلا ان يوفقنا واياكم لخيري الدنيا والاخرة وان يجعلنا واياكم الهداة المهتدين هذا والله اعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله