الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على افضل الانبياء والمرسلين اما بعد ففي قول الله تعالى ولا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها الى الحكام دلالة على تحريم الرشوة وانها من الذنوب والمعاصي. وقد ورد في الحديث ان النبي صلى الله عليه وسلم لعن الراشي والمرتشي الرشوة من كبائر الذنوب وفي قوله وتدلوا بها الى الحكام دلالة على ان حكم القاضي لا يغير حكم الله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم انما انا بشر وانكم تختصمون الي فلعل بعظكم ان يكون الحن بحجته من بعظ فمن قظيت له من حق اخيه بشيء من حق اخيه فانما اقضي له بقطعة من النار فليأخذها او بيداها وحكم القاضي بخلاف الحق على ثلاثة انواع الاول خالف فيه الدليل القاطع فحينئذ يكون حكمه باطلا ويجب نقضه باتفاق اهل العلم والساني اذا خالف حكم القاضي ما يراه احد الخصوم راجحا في مسألة وقع الاختلاف فيها وليس فيها دليل قاطع فحينئذ نقول حكم القاضي يرفع الخلاف النوع الثالث اذا كان الخطأ في حكم القاضي ناشئا من تحقيق مناط الحكم كما لو جاء احد الخصوم بشهود زور فحينئذ حكم القاضي لا يغير الحق واذا علم المقضي له بان الشهود شهود زور ما يجوز له ان يأخذ ما حكم به القاضي. وبهذا قال جماهير اهل العلم خلافا لاحد القولين عن الامام ابي حنيفة رحمه الله تعالى وفي هذا دلالة على ان حكم القاضي يكون بناء على ما يظهر له من الادلة والقرائن وفي هذا دلالة على ان القاضي قد يصيب وقد يخطئ بل فيه دلالة على ان المجتهد قد يصيب ويخطئ. فحكم الله في احد الاقوال. وما عداها فانه باطل ثم قال تعالى يسألونك عن الاهلة قل هي مواقيت للناس والحج هذه الاية فيها عدد من الاحكام منها ان السائل اذا سأل عما لا منفعة له فيه فينبغي نقله في قبل ما ينتفع به اذا سئلت او سئل المفتي عن مسألة لا ينتفع بها السائل فينقله الى ما ينتفع به. سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الهلال ما له يبدو صغيرا في اول الشهر ثم يكبر فنزلت هذه الى ايات نقول لا تلتفتوا الى قضية الشكل وانتفتوا الى الاثر فان هذا الهلال جعل مواقيت للحج والناس وفي هذا دلالة على انه ينبغي اعتماد التاريخ القمري لان الله قد جعل الهلال مواقيت للناس والحج وفي قوله مواقيت للناس اي في صيامهم وفي حجهم وفي اجالهم وفي العدد التي تكون على المرأة وفيما يتعلق ايضا عدد من الاحكام الشرعية كصيام التطوع صلوات العيد ونحو ذلك وقال هنا مواقيت للناس والحج وخص الحج لان اهل الجاهلية كانوا ينسئون في الاجال فاراد ان يبطل طريقتهم في ذلك وفي هذا دلالة على ان الصوم يجب ان يرتبط بالهلال من حيث رؤيته بهذا دلالة على انه لا يلتفت الى كبر حجم الهلال او صغره وانه لا يعول عليه وقد يرى الهلال كبيرا في بعض الشهور ويرى صغيرا. ولذلك صح عن عمر انه قال الاهلة بعضها اكبر من بعض وفي هذه الاية دلالة على الرد او في هذه الاية رد على من قال بانه يعتمد على الحساب واستدل بهذه الاية على ان الاحرام للحج لا يكون الا في اشهر الحج. كما قال الشافعي وغيره وقال مالك وابو حنيفة يجوز الاحرام للحج قبل اشهر الحج وفي قوله وليس البر بان تأتوا البيوت من ظهورها رد على من اراد ان تكون المواقيت بغير اهلة كانه اتى البيت من غير محله وفي هذه الايات دلالة على ان بيوت الاخرين لا يجوز دخولها الا باذن منهم ويكون دخولها من ابوابها وفي هذه الاية استدل بعضهم بهذه الاية على ان الوطء للنساء ما يكون لله في القبل دون الدبر وفي هذه الاية دلالة على ان من التمس عن حكم الشرعي من غير طريقه فانه مخطئ. كمن اتى البيوت من ظهورها وفي هذه الاية دلالة على ان النية نية الطاعة لا تكون الا في المندوبات والواجبات ثم قال تعالى وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا. فيه مشروعية القتال في سبيل الله فيه دلالة على ان القتال المحمود هو الذي يكون في سبيل الله وطاعة لله واستدل به جماهير اهل العلم استدلوا بهذه الاية على ان مصرف الزكاة في سبيل الله انما هو في الجهاد وهذا قول الجماهير وقد اختلف في هذه الاية في قوله الذين يقاتلونكم هل هي لا زالت باقية بحيث يختص القتال بمن يقاتلنا او ان الحكم هذا نسخ لقوله تعالى وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة موطن خلاف بين العلماء في هذه الاية تحريم الاعتداء على الاخرين وانه من المعاصي وفي هذه الاية اثبات صفة المحبة لله جل وعلا فهو يحب ويحب ومحبته قد تكون للطاعة وتكون لفاعله ويختلف العلماء بوجوب تبليغ الشرع قبل القتال وقال مالك لا يلزم واستدل بادلة من هذه الاية والجمهور قالوا لا يجوز غزو احد حتى يدعى الى دين الاسلام لعله يسلم كما في حديث بريدة رضي الله عنه قال اذا اتيت قوما فادعهم الى شهادة ان لا اله الا الله فجعل الدعوة مقدمة على القتال وفي قوله ولا تعتدوا كما تقدم تحريم الاعتداء ومن ذلك اخذ اموال الاخرين ومن ذلك القتال على غير الدين او قتال من اجل امر غير ديني هذا من الاعتداء وفي هذه الايات ايظا تحريم مقاتلة من نهى الشرع عن مقاتلته كالنساء والصبيان والرهبان ونحوهم فالرهبان لا يجوز قتلهم بل ورد ذلك بنصوص ومن ذلك يظاء اجزمنا الذين عندهم عاهات لا تمكنهم من القيام بامورهم ومن ذلك كبار السن بمذهب مالك وقد خالف المؤلف ابن العربي الامام مالك في هذه المسألة وهكذا وقع الاختلاف بين مالك وابن عربي في الاجراء العزفاء ثم قال تعالى واقتلوهم حيث ثكفتموهم واخرجوهم من حيث اخرجوكم. والفتنة اشد من القتل استدل بهذه الاية على تحريم قتل الاسرى تدل بالاية على تحريم قتل الاسرى وقوله واقتلوهم حيث ثقفتموهم اي حيث وجدتموهم او حيث اخذتموهم واخرجوكم واخرجوهم من حيث اخرجوكم. اي ابعدوهم عن بلدانهم والفتنة اشد من القتل. المراد بالفتنة تحيير الانسان في دينه وجعله يزيغ ويترك دينه فهذه اشد من القتل كانه يقول ما فعله اهل مكة بالمسلمين حينما كانوا يفتنونهم ليتركوا دينهم هذا اشد من القتل فاذا حرم القتل في اشهر الحج فالفتنة اشد حرمة منها وفي قوله ولا تقتلوهم عند المسجد ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه في تحريم بيت المقدس وانه ينهى عن القتال فيه ومن فظل الله جعل الله مكة وبيت اه ان هذا نهي عن القتال عند المسجد الحرام ليس المسجد الاقصى ومن فظل الله عز وجل ان جعل المسجد الحرام محلا للاسلام والايمان ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لا هجرة بعد الفتح. الى هجرة من مكة وستبقى دار اسلام وقوله فان قاتلوكم فاقتلوهم استدل به على ان الكافر اذا قاتل قوتل وقتل بخلاف الباغي المسلم يعني لا يقاتل الا اذا قاتل وبالتالي لا يتبع مدبر لا يقتل بعد ان يدبر نخشه منه مسك وحبس وقوله فان انتهوا فان الله غفور رحيم قد يراد به ان انتهوا عن الكفر لان دخلوا في دين الله فان الله يغفر لهم ما سبق قد يراد به ان انتهوا عن قتال المسلمين فحينئذ لا تبادروا الى مقاتلتهم وقوله وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله. فان انتهوا فلا عدوان الا على الظالمين. وقاتلوا حتى لا تكون فتنة قيل في تفسيرها بقولين الاول ان المراد قاتلوهم ما داموا على الكفر. حتى يسلموا فجعل الكفر من اسباب القتال والقول الثاني قاتلوهم حتى لا يتمكنوا من فتنة المسلمين عن دينهم فاذا كانوا يمكنون المسلمين من دينهم ولا يفتنونهم فيه لا تقاتلوهم وهذان قولان للمفسرين وقوله وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله الدين قد يراد بها معنيان اللي هو الاول العبادة بان ينتفي الشرك عن الناس والمعنى الثاني الطاعة بان تكون الغلبة والولاية لاهل دين الله فليس المراد ابعاد الكفر بالكلية وانما المراد الا يكون للكفر قوة وقدرة تكون من اسباب فتنة الناس وصدهم عن دين الله وقول بعض الفقهاء بان سبب القتل هو الكفر ليس بظاهر بدلالة ان اليهود والنصارى يعيشون مع المسلمين وتؤخذ منهم الجزية والان يقتلون وقد اختلف العلماء في من يجوز ابقاؤهم مع اخذ الجزية منهم. فالجمهور قالوا يقتصر هذا على ثلاث طوائف. اليهود والنصارى المجوس واستثنى بعضهم العرب وقال الامام ما لك بان كل كافر يجوز دخوله في الولاية المسلمة بشرط دفعه للجزية مهما كان دينه ولعله ارجح قال المؤلف قوله وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة قال ابن المادشون لا تقبل من مشرك العرب الجزية وقال سائر علمائنا تؤخذ الجزية من كل كافر سواء كان يهوديا او نصرانيا او مجوسيا وهو الصحيح وهو الصحيح هذا اختيار المؤلف وفي قوله تعالى الشهر الحرام بالشهر الحرام المعنى انه كما جاز لكم ايها المشركون ان تقاتلوا المسلمين في الشهر الحرام جاز للمسلمين ان يقاتلوكم في الشهر الحرام وسبب نزول هذه الاية انه في سنة سبع لما قضى النبي صلى الله عليه وسلم عمرته في ذي القعدة دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة وقد اخلتها قريش فقضى نسكه ونزلت هذه الاية وبعضهم قال بان بعضا من المسلمين شاهدوا قافلة للعدو تترددوا هل اليوم من شهر جمادى يوم ثلاثين من جمادى او يوم واحد من رجب شهر رجب شهر حرام فقاتلوا هؤلاء المشركين في ذلك اليوم. فتبين انه من رجب فنزلت هذه الايات الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا ان الله ومع المتقين وفيه جواز مقابلة العدوان بعدوان يماثله وفيه معية الله لاهل التقوى اسأل الله جل وعلا ان يوفقنا واياكم لخيري الدنيا والاخرة وان يجعلنا واياكم الهداة المهتدين هذا والله اعلم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين