الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على افضل الانبياء والمرسلين اما بعد فهذا لقاء جديد نتدارس فيه ايات الاحكام من سورة البقرة قال الله تعالى ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو الد الخصام يؤخذ من هذه الاية انه ليست العبرة في الحكم على الاشخاص بما يظهرونه فانه قد يوجد من يظهر الخير من افراد وتنظيمات ويتكلمون بالكلام الحسن ويكون ما يبطنونه مخالفا لما يظهرونه ومن هنا فمثل هذه التنظيمات لا ينبغي ان ننخدع بما يظهر منها وانما لابد من التحقيق فيها والتحقيق والحكم عليها يكون بخمسة امور او ستة اولها بتاريخ القائمين عليها ومعرفة مدى نصرتهم لدين الله في تاريخهم وثانيها بالنظر في شهادات اهل العلم وثالثها بالنظر في كلام من دخل معهم ثم تركهم خصوصا ممن تعرف ثقته ورابعها بالنظر في اعمالهم وسلوكياتهم ومقارنتها بالشريعة وخامسها بالنظر في الاثار المترتبة على افعالهم فهذه لابد من ملاحظتها. ومما يؤخذ منه في هذه الاية ان الحاكم والقاظي لا يعمل على ظواهر احوال الناس حتى يبحث عن بواطنهم. ويتحقق منهم واستدل الجمهور بهذه الاية على ان المجهول لا يعمل بشهادته ولا بروايته حتى تثبت تزكيته. خلافا لبعض الحنفية قال المؤلف وانا اقول انه يخاطب بذلك كل احد من حاكم وغيره. وان المراد بالاية الا يقبل احد على ان لا يقبل احد على ظاهر قول احد حتى يتحقق بالتجربة حاله ويختبر بالمخالفة امره وفي قوله وهو الد الخصام اخذ منه المنع من الجدال بالباطل وان الجدال لابد ان يكون مسبوقا بنية صحيحة يقصد صاحبها الوصول للحق لا تحقيق هدفه ومراده قال واذا تولى سعى في الارض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد في تحريم هذه الافعال والممارسات وفي تعظيد لما ذكرت قبل قليل من انه لا يحكم على الشخص او على التنظيمات الا بالنظر في سلوكهم وما يظهرونه من اعمال قال واذا قيل له اتق الله اخذته العزة بالاثم فيه دليل على وجوب قبول النصيحة. ممن اداها على وفق الطريقة الشرعية انه لا يجوز مؤاخذته ومعاقبته لان ظاهره يدل على ارادته الصلاح الا اذا قصد بذلك احداث الفتنة وجعل الناس يتنازعون. وفي قوله ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد في هذه الاية دليل على ان العبد ينبغي به ان يخلص لله في كل اعماله فيجعل مقصوده ارضاء الله من كل عمل يؤديه وهذا معنى قوله يشري نفسه وفيه ان العبد يقصد استجلاب رضا الله كما في قوله ابتغاء مرضات الله فيه وصف الله عز وجل بصفة الرظا. وقد استدل بعظ اهل العلم بهذه الاية على انه يجوز ان يقتحم الانسان في مواطن الوغى في حال القتال مع العدو. وللعلماء في ذلك خلاف كثير وفي قوله يا ايها الذين امنوا ادخلوا في السلم كافة المراد بذلك امتثلوا اوامر الله ولا يكن امتثالكم على حسب رغباتكم. فما وافق رغبتكم اخذتم به وما لم يوافقه تركتموه وفي قوله ولا تتبعوا خطوات الشيطان اي اتركوا اتباع الطرق الشيطانية التي يدعوك اليها عدوكم. وفي قوله فان زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فيه دليل على وجوب العمل بما في الكتاب والسنة لانها هي البينات التي اتي بها وفي هذه الايات ان الله قد اقام الحجج على عباده ثم قال ثم ذكر قال جل وعلا سلبني اسرائيل كم اتيناهم من اية بينة ومن يبدل الله من بعد ما جاءته فان الله شديد العقاب. فيه تحريم تبديل الاحكام الشرعية وتحريف النصوص سواء في لفظها او في معناها وفي هذه الايات ان العبد لا يعجب بالدنيا وانما يتخذها وسيلة لتعلو درجته في الاخرة. وفي هذه الايات تحريم السخرية خصوصا السخرية من اهل الحق وفي هذه الايات ان العبرة بما في الاخرة ثم قال جل وعلا كان الناس امة واحدة اي جماعة واحدة. فبعث الله النبيين تقيد بالاية الاخرى في سورة يونس فاختلفوا. فبعث الله النبيين من اجل ان يحكموا فيما بينهم من الاختلاف مبشرين من اطاع بي صلاح الاحوال دنيا واخرة. ومنذرين من عصى بسوء العاقبة في الدارين وانزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه فيه دلالة على وجوب رد الاختلافات الى الكتاب والسنة. لا يعمل الانسان فيها بهواه ولا بعصبية ولا يقدم قولا لاخر لانه قول جماعته او قرابته او حزبه او نحو ذلك ثم قال وما اختلف فيه قيل في الحق وقيل في الكتاب وقيل في محمد صلى الله عليه وسلم الا الذين اوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم. فيه تحريم البغي المراد بالبغي تجاوز الحدود المؤقتة شرعا. خصوصا اذا كان لهوى او لرغبة نفس وفي هذه الايات ان من اراد الحق واعتصم بالله فان الله يوفقه للوصول اليه وفي هذه الايات انه يحسم بالعباد ان يسألوا الله جل وعلا ان يهديهم الصراط المستقيم وفي هذه الايات ان الدنيا محل ابتلاء واختبار. وان الناس قد يعرضون لشيء مما يخالف رغباتهم واهواء نفوسهم ليختبر الله جل وعلا تمسكهم بدينهم. ولذلك يأتي المؤمنين كما اتى الامم السابقة وفي هذه الايات ذكر قصص الامم السابقة وما لحق بهم من الاقدار المؤلمة ليكون تسلية للمؤمنين وعظة وعبرة واستخلاصا للنتائج التي تجعل الناس من اثار هذه الاقدار. وفي هذه الايات انه لا لا يستحسن بالمؤمن ان يتعجل نصر الله لان لله عز وجل حكما في تأخير النصر عن المؤمنين. فانه جل وعلا يختار لنصره افضل الاوقات واحسنها وان المؤمن شأنه ان يعمل وشأنه ان يتقرب لله جل وعلا في قوله جل وعلا يسألونك ماذا ينفقون؟ قل ما انفقتم من خير فللوالدين والاقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل. فيه انه ينبغي بالانسان في كلامه وسؤاله ان يسأل عما يتعلق به عمله فليس المهم ماذا تنفق؟ ولكن المهم ان يكون النوع من الخير وان يكون من تنفق عليهم ممن امرك الله عز وجل بالنفقة عليهم وبعض اهل العلم قال بان الاية منسوخة باية الزكاة واخرون قالوا المراد بها صدقة التطوع. ولكنه في الاية قال ماذا ينفقون؟ بالتالي تشمل النفقة الواجبة والنفقة المستحبة والمراد بالنفقة التكفل بحوائج الانسان. فيه دلالة على فضيلة الصدقة والنفقة. وان عبد يؤجر عليها الاجور الكثيرة. ثم قال تعالى كتب عليكم القتال وهو كره لكم. وعسى تكرهوا شيئا وهو خير لكم كتب اي فرظ فالقتال مفروظ لكن القتال له شروط. من جعل القتال مبنيا على الشروط الشرعية كان قتاله ومن قاتل بدون ان تكون الشروط الشرعية موجودة فحينئذ يكون مخالفا للشرع كما ان الصلاة مطلوبة لكن من صلى قبل الوقت او صلى بدون وضوء او صلى الى غير جهات القبلة او صلى بغير النظم الشرعي التي وردت الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم فان صلاته باطلة عليه لا له فهكذا في هذه الفريضة. ومن حين وحينئذ ينبه على انه يحسن دراسة احكام هذه الفريضة لئلا يوقعها الناس في غير موقعها فكم سفك من دم محرم باسم الجهاد وكم انتهبت اموال يحرم انتهابها بهذا الاسم. ولذلك لابد من تنزيل الامر محله وفي هذه الايات ان ما يقدره الله عز وجل او يأمر به فهو خير وان كان قد يكون هناك شر جزئي لكننا اذا نظرنا الى الامر الكلي كان خيرا اذا نظرنا للامر الكلي كان خيرا. وفي قوله تعالى يسألونك عن الشهر الحرام تال فيه قل قتال فيه كبير. سبب هذه الاية متعلقة باشهر الاشهر الحرم وهي رجب وذو القعدة وذو الحجة ومحرم كما ذكرها جل وعلا في سورة التوبة واهل الجاهلية يمتنعون عن القتال فيه والقتال على نوعين قتال باطل فهذا يحرم في جميع الايام بجميع الايام. وان كان تحريمه في الاشهر الحرم اشد والنوع الثاني قتال بحق كما لو وجدت طائفة ممتنعة او غزا عدو كافر اهل الاسلام. فحينئذ تشرع مقاولة ومقاتلته لدفعه عن بلاد الاسلام حتى في الاشهر الحرم في قوله تعالى يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه. قل قتال فيه كبير. وصد عن سبيل الله فيه تحريم الصد عن دين الله وعن سبيله. سواء كان ذلك بالزام الناس مخالفة الشرع او كان باظهار الاعمال التي تنفر الناس من دين الله فدين الله اخلاق فاضلة وعمل صالح. فمن اظهر دين الله بخلاف ذلك فهو ممن صد عن سبيل الله وفي هذه الايات وجوب تأمين الطرق الى بيت الله الحرام. وان من اراد السوء والشر بالمسجد الحرام فانه يشرع الوقوف في طريقه وقوله واخراج اهله منه فيه التذكير بالعمل الشنيع الذي فعله اهل مكة باوائل عهد الاسلام عندما ظيقوا على المسلمين وصدوا عن دين الله واخرجوا المسلمين من مكة قال اكبر عند الله والفتنة اكبر من القتل. المراد بالفتنة جعل الناس يرون الخير شرا والشر خيرا واعظمه فتنتهم عن الالتزام بدين الله والاخذ به ثم قال تعالى ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم ان استطاعوا فهذه سنة كونية موجودة في الخلق الى قيام الساعة. ثم قال تعالى ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فاولئك حبطت اعمالهم. فيه تحريم الارتداد عن دين الله وبيان ان الردة من اسباب حبوط العمل لكن يبقى عندنا مسألة وهي هل يشترط في حبوط العمل الموت على الردة او ان هذا المرتد لو رجع الى الاسلام رجعت اليه اعماله السابقة قولان للعلماء ومن ثمرة هذا ان من حج ثم ارتد ثم عاد للاسلام هل عليه ان يحج مرة اخرى قال مالك؟ نعم لماذا قال لان الله جل وعلا قد جعل الشرك والردة محبطة للعمل كما في قوله لئن اشركت ليحبطن عملك وقال الشافعي واحمد لا يطالب بالحج مرة اخرى لان من شروط حبوط العمل بالردة والشرك موته على ذلك كما في هذه الاية. ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فاولئك حبطت اعمالهم في الدنيا والاخرة وفي قوله جل وعلا ان الذين امنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله اولئك رحمة الله فيه بيان ان من عبادات عبادة الرجاء. وان من امل في فضل الله خصوصا في امر الاخرة فانه لا يكون ناقص المرتبة بعض الطوائف يقولون عبادتك لله تكون على جهة المحبة فقط وهذا خطأ بل لا بد من ان تكون العبادة على جهة التذلل وعلى جهة الرجاء على جهة الخوف وعلى جهة المحبة. وعلى جهة الرجاء. اذا اربع صفات لابد ان تكون في العبادة. بارك الله فيكم ووفقكم لخيري الدنيا والاخرة. وجعلنا الله واياكم المهتدين هذا والله اعلم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين