الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين وبعد سم بالله اعوذ بالله من الشيطان الرجيم ما قطعتم من لينة او تركتموها قائمة على اصولها وباذن الله وليخزي الفاسقين وما شاء الله على رسوله منهم فما اوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء. والله على كل شيء قدير بركة بركة اتان الايتان الكريمتان من سورة الحشر جاءت بعد قوله جل وعلا هو الذي اخرج الذين كفروا من اهل الكتاب من ديارهم لاول الحشر ما ظننتم ان يخرجوا وظنوا انهم مانعتهم حصونهم من الله فاتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرهب يخربون بيوتهم بايديهم وايدي المؤمنين فاعتبروا يا اولي الابصار ولولا ان كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا ولهم في الاخرة عذاب النار ذلك بانهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاق الله فان الله شديد العقاب ما قطعتم من لينة او تركتموها قائمة على اصولها فباذن الله وليخزي الفاسقين الاية تقدم لنا الكلام على صدر هذه السورة وانها نزلت في بني النظير طائفة من اليهود عاهدهم النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة لانهم كانوا فيها وسبق ان عرفنا انهم جاؤوا جاء اباؤهم ينتظرون النبي الذي سيبعث لما حصل الخلاف الشديد بين اليهود نزحت هذه الطائفة من بني اسرائيل واستقروا بالمدينة ينتظرون مبعث النبي الخاتم الذي هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم ولما بعث عليه الصلاة والسلام في مكة وهاجر الى المدينة غلبهم طبعهم الخبيث الحسد والبغظاء وما هم عليه من الصفات الذميمة القبيحة فلم يقبلوا ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم عاهد كل طائفة من طوائف اليهود على حدة لانه يعرف عليه الصلاة والسلام انهم لن يفوا بالعهد ولن يصدقوا فاحب صلى الله عليه وسلم اذا انتقض عهد طائفة لا ينتقض عهد الطائفة الاخرى ويتحزبون عليه لاجل ان يتمكن منهم ممن نقض العهد وكان ممن نقض العهد بنو النظير كما تقدم فحاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم في حصونهم ولهم حصون عظيمة يظنون انه لا يستطيع احد ان يصل اليهم وهم فيها وكذلك المسلمون يظنون انهم لن يستطيعوا الوصول الى حصون هؤلاء القوم ولن يصلوا اليهم الا بمعونة الله جل وعلا كما قال الله جل وعلا ما ظننتم ان يخرجوا وظنوا انهم مانعتهم حصونهم من الله فاتاهم الله من حيث لم يحتسبوا جاهم البلاء من قلوبهم من انفسهم الرسول عليه الصلاة والسلام والصحابة حاصروهم وهم كانوا خرجوا اليهم على الاقدام ما كان منهم راتب الا النبي صلى الله عليه وسلم قال الرواة كان راكبا على جمل والا فالصحابة رضي الله عنهم خرجوا على اقدامهم لانها بناحية من نواحي المدينة يعني في حدود ثلاثة كيلو بينها وبين المدينة والمسجد النبوي. يعني في طرف المدينة وخرجوا اليهم على الاقدام لكن الله جل وعلا القى الرعب في قلوبهم فنزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم واصطلح معهم النبي صلى الله عليه وسلم صلحا على ان يسلموا بانفسهم فقط بنسائهم واطفالهم وانفسهم ويخرجون ويأخذون معهم ما حملة الابل دون السلاح لا يأخذون منه شيء فلما نقضوا العهد حاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم كما عرفنا ونزلوا على حكمه فخرجوا صلحا فجاءت هذه الايات في بيان كمال قدرة الله جل وعلا وانه قادر على الانتقام ممن عصاه بما شاء ما يقال ان المسلمين فيهم ضعف وقلة عدد وقلة وقلة متاع واسلحة ولا يستطيعون التغلب عليهم والله جل وعلا من نصره فهو منصور كما نشر جل وعلا الصحابة مع الرسول صلى الله عليه وسلم يوم بدر النصر المؤزر يوم بدر وهم كانوا الثلاثة والاربعة يعتقدون البعير واولئك كفار قريش معهم الخيول والابل والمتاع والعتاد والخمر والغنى ومعهم ما ارادوا من ملذات الدنيا فانهزموا واسر منهم كما عرفنا اسر منهم سبعون وقتل سبعون من صناديدهم ومن كبرائهم فالرسول صلى الله عليه وسلم لما حاصر هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم رأى بعض الصحابة رضي الله عنه عنهم ان يغيظ اليهود وان يؤذيهم بما استطاع فقام بعض الصحابة بقطع بعض الاشجار والنخيل لانها خارج الحصون وهم متحصنون في الحصون يريدون ان يتأثروا من هذا ليخرجوا اليهم وقطعوا بعضا وتركوا بعضا فعند ذلك تأثر اليهود وتأثرا شديدا وغابهم ذلك لانه كما يقال الحلال شعرة القلب وهم تأثروا بقطع نخيلهم وخاصة النخيل الجيدة الحسنة لانه كما قيل عنهم ان النخلة الواحدة تساوي عندهم اكثر من قيمة الرقيق فهم يغلونها فتأثروا من هذا وارسلوا الى النبي صلى الله عليه وسلم قالوا هل فيما بعثت فيه الافساد الست تنهى عن الفساد والشر فما بال قومك واصحابك يعملون كذا في النخيل فعند ذلك صار في انفس بعض الصحابة رضي الله عنهم شيء قالوا لا نكون اذينا او عملنا شيئا لم يرض الله جل وعلا وخشي طائفة منهم انهم حينما قطعوا انهم اساءوا وخشي طائفة اخرى توقفوا عن التقطيع لانهم اساءوا لان المؤمن دائما يكون على خوف وعلى وجل من الله جل وعلا ما يتبجح بعمله. فالصحابة رضي الله عنهم طائفة منهم عملوا قطعوا وطائفة لم يقطعوا فما قال بعضه لبعض انتم المخطئون. كل واحد رجع الخطأ الى نفسه قال انا اللي قطعت مثلا اخشى ان يكون غضبت الله افسدت والذي لم يقطع قال اخشى اني انا الذي اسأت قصرت هؤلاء اقدموا وانا قصرت وكل واحد منهم رضي الله عنهم وارضاهم يرجع باللوم على نفسه. فانزل الله جل وعلا تطمينا لخواطرهم واخبارا لهم بانهم غير ملومين فيما فعلوا. فقال جل وعلا ما قطعتم من لينة او واكتبوها قائمة على اصولها فباذن الله الذين قطعوا باذن الله والذين تركوا باذن الله والله جل وعلا اراد ان يخزي الفاسقين الاخزى لليهود فاصابهم الخزي واصابهم الذل والهوان بالحصار من ناحية وما في قلوبهم من الخوف والوجل وخشية القتل لانهم يعرفون انهم اساءوا وما يرونه باعينهم من تقطيع نخيلهم وما فعلوه بانفسهم من تخريب بيوتهم وافسادها وما يرون من بعض المسلمين من تهديم اسوارهم اسوار الحصون كانوا يحجمونها لاجل ان يدخلوا عليهم وكل هذا التصرف باذن الله جل وعلا وفيه خزي للفاسقين وهم اليهود والفسق هو الخروج عن الطاعة كما يقال للفويس الفأرة فويسقة يعني تحاول الافساد والفسق منه ما هو مخرج من الملة ومنه ما هو غير مخرج من الملة وصاحب الكبيرة مثلا يقال فاسق ولا يقال له كافر الواقع في كبيرة غير مستحل لها يقال له فاسق والمشرك بالله يقال له فاسق وهو خروج من الملة فالفسق منه ما هو خروج من الملة ومنه ما هو ليس بخروج ثم ان الفسق منه ما يكون بكبيرة من كبائر الذنوب. ومنه ما يكون دون ذلك. فيقال له فاسق. يعني خارج عن الطاعة ما التزم الطاعة كما ينبغي له ما تركتم من لينة اللينة النخلة واختلف العلماء رحمهم الله في المراد بها كل نخلة من النخلات يقال له يقال لها لينة ويقال انه في كل النخل قال يا مالك وسعيد بن جبير والخليل انها النخل كله كل النخل يقال له لينة وقال بعضهم الا العجوة العجوة لا يقال لها لينة وسائر النخيل يقال لها يا لينة وقيل انها نوع من انواع النخل مخصوص متميز عن غيره بالحسن والطيب وهو كسره وثمره اصفر صفاء صافيا ترى عبسته من ظاهر من شدة صفائه وتغيص فيه السن والضرس يعني انه لين وطيب ولذيذ فاغاظهم الصحابة باخذ وقطع هذا اللون من النخل وعن ابن عمر رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم حرق نخل بني النظير وقطع وهي البويرة. يعني نوع من انواع النخل فانزل الله جل وعلا ما قطعتم من لينة الاية وعن ابن عباس رضي الله عنهما في الاية قال اللينة النخلة قال استنزلوهم من حصونهم وامروا بقطع النخل فحك في صدورهم. وقال المسلمون قد قطعنا بعضا وتركنا بعضا ولنسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم هل لنا فيما قطعنا من اجر؟ وهل علينا فيما تركنا من وزر فانزل الله جل وعلا ما قطعتم من لينة او تركتموها الاية وفي هذه الاية الكريمة بيان عذر الصحابة رضي الله عنهم وانه لا اثم عليهم في القطع ولا في الترك ويؤخذ من هذا كما استنتج بعض العلماء الاجتهاد ان المرء اذا اجتهد وبذل جهده فيما يوصله الى الحق فانه مأجور سواء اصاب الحق او لم يصبه وكما قال عليه الصلاة والسلام اذا اجتهد الحاكم فاصاب فله اجران. وان اجتهد فاخطأ فله اجر اذا كان مجرد عن الهوى وقصد الحق واراده ورغب فيه لكن ما وفق له فانه مأجور لانه بذل جهده وان بذل جهده ووفق للحق فله اجران. اجر الاجتهاد واجر الاصابة قال الزجاج وليخزي الفاسقين بان يريهم اموالهم يتحكم فيها المؤمنون احب من قطع وترك وقد استدل بعض العلماء بهذه الاية على ان حصون الكفار وديارهم لا بأس ان تهدم وتحرق وترمى بالمجانيق وكذلك قطع اشجارهم ونحوها وعلى جواز الاجتهاد وعلى تصويب المجتهدين ما دام انه اجتهد وحرص على الحق انه لا لوم عليه والنبي صلى الله عليه وسلم موافقة على ما اجاب به معاذ رضي الله عنه لما اراد النبي صلى الله عليه وسلم ارساله الى اليمن قال له بما تحكم؟ قال بكتاب الله قال فان لم تجد قال فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فان لم تجد قال اجتهد رأيي ولا الو. فظرب صدره وقال الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله بما يرضي رسول الله وهو رضي الله عنه اخبر بانه سيحكم بالكتاب العزيز فان لم يجد فبالسنة المطهرة ما تعلمه من النبي صلى الله عليه وسلم فان لم يجد في هذا ولا هذا نص اجتهد وحرص رضي الله عنه وارضاه فهذه الاية الكريمة فيها تصويب فعل الصحابة رضي الله عنهم فيما فعلوه من قطع النخيل وتهديم الحصون وغيرها ثم قال جل وعلا وما افاء الله على رسوله منهم كما اوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير ما وما افاء الله على رسوله بعدما بين جل وعلا ان ما فعلوه لا لوم عليهم فيه بين جل وعلا مصرف هذا المال الذي جلى عنه اهله وتركوه للمسلمين فهم خرجوا وتركوا اموالهم ومزارعهم واراضيهم تركوا خيرا كثيرا لانهم كانوا من اقوى فرق اليهود ومن اغناهم حتى انه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم معهم انه شرط عليهم ان يعينوا النبي صلى الله عليه وسلم اذا احتاج لسداد ديات او نحوها وكانوا ملتزمين بهذا لانهم اغنياء وهم تركوا خيرا كثيرا. فلما جلوا عنه رغب بعض الصحابة رضي الله عنهم الى النبي صلى الله عليه وسلم ان يقسم عليهم اموال بني سعادته صلى الله عليه وسلم في الغنائم وقال جل وعلا وما افاء الله على رسوله منهم فما اوجفتم عليه من خيل ولا ركاب. منهم لا شك الظمير يعود الى الكلام عن اليهود عن بني النظير في صدر الاية في قوله هو الذي اخرج الذين كفروا من اهل الكتاب من ديارهم لاول الحشر ما ظننتم ان يخرجوا الايات الى ان قال ولولا ان كتب الله عليهم الذين هم بنو النظير الجلاء لعذبهم في الدنيا ولهم في الاخرة عذاب النار قال وما افاء الله على رسوله منهم اولا كلمة افاء وافاء والفيئ هذا يقال له الراجع الرجوع رجع. رجع لمن رجع للمسلمين وهل كان لهم من الاول؟ نعم كان له وكيف كان لهم وهو بايدي اليهود كان لهم لان الله جل وعلا خلق الخلق لعبادته وطاعته والعمل بما امرهم الله جل وعلا به واعطاهم الماء اعطاهم يتقوون به على ذلك فالمال مال الله جل وعلا اعطاه لعباده ليقوموا بعبادته اذا فالمال حق للمسلمين لانها هم الذين قاموا بطاعة الله وعبادته واولئك بمثابة المغتصبة فهم لا مال لهم ولا يستحقون وهم مغتصبة عاد المال ممن اغتصبه الى من يستحقه وهذا وجه تسميته فيع والله اعلم الفريق والغنيمة نوع اخر ما صلح عليه الكفار او تركوه او هربوا عنه والغنيمة ما اخذ بالقوة من الكفار فالغنيمة لها مصارف والفي له مصارف وكان بعض الصحابة رضي الله عنهم يظنون ان المصرف واحد فلما حصلت اموال بني النظير الكثيرة رغبوا في قسمتها فانزل الله جل وعلا بيان ذلك في قوله وما افاء الله على رسوله منهم يعني من اولئك على الكتاب الكفار فما اوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ما اوجبتم الايجاف الاسراع وسرعة السير بالخيل وهي الفرس والخيول المعروفة والركاب الابل المرتحلة المركوبة فالشيء الذي لم توقفوا عليه ايها المسلمون بالخيل ولا بالركاب فليس كالغنيمة التي اخذتموها في الحرب والظرب والقتال وما افاء الله على رسوله منهم اي ما رده عليهم من اموال الكفار يقال فاء يفيء اذا رجع والضمير في منهم راجع الى بني النظير فما اوجفتم عليه من خيل ولا ركاب يقال وجف الفرس والبعير يجف وجفا وهو سرعة السير واوجفه صاحبه اذا حمله على السير السريع يعني دكة وضربة لاجل ان يسرع من هذه يقال عنها مؤكدة ويعبر عنها بعض المفسرين ابي زائدة يعني انها ليست جيء بها لاجل الجر او ان ما بعدها يستحق الجر. وانما جيء بها للتأكيد فاخبر جل وعلا في هذا كما سيأتي في الاية التي بعد هذا انه للرسول صلى الله عليه وسلم ولمن ذكر معه يعني ان هذا الميل المال الفيء هو خاص بالرسول صلى الله عليه وسلم يصرفه ويوجهه كيفما شاء صلى الله عليه عليه وسلم فهو اخذ منه ما اخذ لنفسه ولنفقة اهله عليه الصلاة والسلام وقسم ما قسم منه بين المهاجرين ولم يعط من الانصار الا كما قيل ثلاثة او اثنان والانصار رضي الله عنهم لهم اموال في المدينة والمهاجرون جاءوا الى المدينة مهاجرين الى الله ورسوله لنصرة دين الله وتركوا اموالهم وما يملكونه في مكة فعوضهم الله جل وعلا باموال وديار ونخيل بني النظير وقد روى البخاري ومسلم رحمهم الله عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال كانت اموال بني النظير مما افاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم ومما لم يوجب عليه المسلمون بخيل ولا ركاب وكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة فكان ينفق على اهله منها نفقة سنة ثم يجعل ما بقي في السلاح والكراع السلاح الاسلحة التي يقاتل بها المسلمون والكراع الخيل والمركوب عدة في سبيل الله وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال جعل ما اصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكم فيه ما اراد ولم يكن يومئذ خيل ولا ركاب يوجف بها يقول ما كان المسلمون في ذلك اليوم عندهم خير وليس عندهم ركاب وانما هم فقراء الله جل وعلا اخبر ان ما اصابه المسلمون بدون قتال قال والايجاب ان يوظع ان يوظع السير وكان من ذلك خيبر وفدت وقرى عرينة امر رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يعمد لينبع فعتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحتواها كلها فقال ناس هلا قسمها الله فانزل الله عذره فقال ما افاء الله على رسوله من اهل القرى الاية فبين الله جل وعلا في هذه الاية ان ما افاءه الله لرسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين فانه لا يقسم كما يقسم مال المغنم وانما هو يقسم كما بين الله جل وعلا في اخرها في الاية الاخرى كما سيأتي ان شاء الله غدا واما مال الغنيمة فقد بينه الله جل وعلا في سورة الانفال والله اعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين