واذ ابتلاه ابراهيم ربه بكلمات فاتمهن مم قال اني جاعلك للناس اماما. قال ومن قال لا ينال عهدي الظالمين. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى اله وصحبه ومن تبعه باحسان الى يوم الدين اما بعد قال الله تعالى اعوذ بالله من الشيطان الرجيم واذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فاتمهن قال اني جاعلك للناس اماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين قوله تعالى واذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فاتمهن فيه محذوف وتقديره واذكر اذ ابتلى ابراهيم ربه والامر بالذكر والتذكير لاجل الائتمان لما في ذلك من اخذ العبرة والامتثال بحال القدوة وقد قدم المفعول ابراهيم للاهتمام بمن وقع عليه الابتلاء ولتشريف ابراهيم باضافة اسم الرب اليه واذ ظرف زمان يدل على الماضي متعلق بمحذوف تقديره اذكر الوقت الذي ابتلى الله فيه ابراهيم بكلمات فاتمهن وذكر الوقت ليس ذكرا للزمن المجرد انما هو ذكر للوقائع في هذا الزمن للعبرة بها والابتعاظ في مثلها ونحن نعيش في الزمن الذي هو كالشيء السيال لا يوقفه احد ولا يعود ابدا ولا يدبره الا الله سبحانه وتعالى وكما ان الليل والنهار يأخذان منا فيجب ان نأخذ منهما فهما خزائن للعمل الصالح واذ ابتلى ابراهيم ربه فربه هو المبتلي سبحانه وتعالى وهذا الابتلاء ليظهر علمه تعالى في الواقع وتظهر منزلة الخليل واحوال الخليل فيحصل الاقتداء به ولذلك فنحن نذكره في كل صلاة واذ ابتلى ابراهيم ربه اي اختبره وكان اختبار الله تعالى لابراهيم اختبارا بفرائض فرضها عليه واوامر امره بها وذلك هو الكلمات التي اوحاهن اليه وكلفه العمل بهن امتحانا منه له واختبارا له وعبر بعضهم عن ذلك فقال هي ان الله ابتلاه في ماله. وولده ونفسه فسلم ما له الى الظيفان وولده الى القربان ونفسه الى النيران وقلبه الى الرحمن فاتخذه خليلا وهذا المعنى يدل على امتثال ابراهيم اوامر ربه. وقد قال تعالى وابراهيم الذي وفى فربنا يخبر عباده انه اختبر ابراهيم خليله بكلمات اوحىهن اليه وامره ان يعمل بهن واتمهن. كما اخبر الله جل ثناؤه عنهم انه فعل قال ابن العربي المالكي مفسرا الكلمات هي جمع كلمة ويرجع تحقيقها الى كلام الباري سبحانه لكنه تعالى عبر بها عن الوظائف التي كلفها ابراهيم عليه السلام ولما كان تكليفها بالكلام سميت به كما يسمى عيسى عليه السلام كلمة. لانه صدر عن الكلمة وهي كلمة كنت فاتمهن عمل بهن فقال الله تبارك وتعالى اني جاعلك للناس اماما يهتدى بهديك ويستن بك انتهى كلام ابن العربي علينا وعليه رحمة الله. فقوله تعالى بكلمات هي كلمات من شرع كلفه الله بها اوامر ونواهي وقدريا كتبها عليه فقام بالكلمات الشرعية حق قيام واتمها ووفاها وصبر على القدرية واحتسب ورضى وشكر. فمن الامور الشرعية ما صح عن ابن عباس في تفسيره لهذه الاية قال ابتلاه الله بالطهارة خمس في الرأس وخمس في الجسد في الرأس قص الشارب والمضمضة والاستنشاق والسواك وفرق الرأس وفي الجسد تقليم الاظفار وحلق العانة والختام ونتف الابط وغسل اثر الغائط والبول بالماء وكذلك من الامور الشرعية الاسلام والحج والاحرام والطواف والسعي ورمي الجمار وبناء البيت اما الابتلاء القدري فما كتبه الله وقدره عليه كمخالفة ابيه وقومه ومناظرته قومه ومحاجية النمرود والقائه في النار. والهجرة من بلاد العراق الى الشام وايضا الابتلاء بذبح ولده وترك زوجه وولده بواد غير ديزر فاتمهن ربنا قال عن ابراهيم عليه السلام فاتمهن اي اداهن احسن التأدية وقام بهن حق القيام من غير تفريط ولا افراط ولا تقديم ولا تأخير وصبر على الامور القدرية واحتسب ولذلك رفع الله منزلته وكافئه على ذلك في الدنيا والاخرة وتأمل قول الباري جل ثناؤه اني جاعلك للناس اماما فقال الله يا ابراهيم اني مصيرك للناس اماما يؤتم به ويقتدى به اي يقتدي بك من في عصرك ومن يأتي بعدك اي يأتمون بك في خصال الخير ويقتدي بك الصالحون الى يوم القيامة فتكون قدوة لهم في الدين يهتدون بهديك ويستنون بسنتك. فالامام من يقتدى به وقد حقق له هذا حتى خاطب جميع الخلائق الى يوم القيامة بالاقتداء به فقال ملة ابيكم ابراهيم اي اتبعوا ملة ابراهيم يعني التوحيد واداء حق الله دينا خالصا كما انزله الله من السماء والامام ايها الاخوة من يؤتم به في امور الدين عن طريق النبوة وشدان في سائر الانبياء ائمة عليهم الصلاة والسلام لما الزم الله تعالى الناس من اتباعهم والاهتمام بهم في امور دينهم فالخلفاء ائمة لانهم رتبوا في المحل الذي يلزم الناس اتباعهم وقبول قولهم واحكامهم وعلى الاباء ايها الاخوة على الاباء ان يقتدوا بابراهيم في تمني خير الاخرة للابناء وعليهم العمل على ذلك فابراهيم لما رأى ما في ذلك من الخير في امر الامامة بالدين ولما فيه من الثواب العظيم رغب ان يكون هذا في ذريته ايضا وهذا من محبة الخير لهم. فقال طالبا من ربه ومن ذريتي اي اجعل منهما ائمة فاستجاب الله دعاء ابراهيم مقيدا مشروطا فقال لا ينال عهدي اي لا يصيب ولا يحصل على عهدي اي النبوة والايمان في الدين الظالمين لانفسهم لغيرهم لان الانسان يكون ظالما لنفسه بتقصيره ظالما لغيره وهناك الظلم الاكبر ظلم العبد فيما بينه وبين ربه وهو الشرك عياذا بالله اذا فقوله تعالى قال لا ينال عهدي الظالمين هذا خبر من الله جل ثناؤه مفاده ان الظالم لا يكون اماما يقتدي به اهل الخير فلا يكون منارا للفضل وهذا من الله جل ثناؤه جواب اللي ما توهم في مسألته اياه ان يجعل من ذريته ائمة مثله. فاخبر انه يؤتي فضله من يشاء ولا يؤتي ذلك من كان من اهل الظلم منهم الجفاء. ولا يجعله في محل اوليائه عنده التكرمة والامام بالدين لان الامامة انما هي لاوليائه واهل طاعته دون اعدائه ومن خالف امره عهدي معهودي اليك وامانتي وهو الامام. تسمى الامانة عهدا لانها تعاهد بالحفظ اذ لا يصلح للامام الا البرر الاتقياء لانها امانة من الله وعهد والظالم لا يصلح لها. ومعنى العهد في هذا الموضع ايضا الامان. اي لا ينال اماني اعدائي واهل الظلم لعبادي بمعنى لا اؤمنهم من عذابي في الاخرة قال قتادة قال لا ينال عهدي الظالمين هذا عند الله يوم القيامة. لا ينال عهده ظالم. فاما في الدنيا فقد عهد الله فوارثوا به المسلمين وغزوهم وناطحوهم به فلما كان يوم القيامة قصر الله عهده وكرامته على اوليائه وعهد الله يشمل معنى اوامره فهذا يدل ايضا على ان ائمة الصلاة ينبغي ان يكونوا صالحين غير فساق ولا ظالمين لدلالة الاية على شرط العدالة لمن نصب منصب الائتمان به في امور الدين لان عهد الله اوامره فلم يجعل قبوله عن الظالمين منهم ويستفاد من الاية ان الخير لا يحصل في الدنيا والاخرة الا بترك التمرد والعناد والانقياد بحكم الله تعالى قال ابن الجوزي اعلم انه سبحانه بين ان له معك عهدا ولك معه عهده وبين انك متى تفي بعهدك فانه سبحانه يفي ايضا بعهده فقال واوفوا بعهدي اوفوا بعهدكم ثم في سائر الايات فانه افرد عهدك بالذكر وافرد عهد نفسه ايضا بالذكر اما عهدك فقال والموفون بعهدهم اذا عاهدوا وقال والذين هم لاماناتهم وعهدهم راعون وقال يا ايها الذين امنوا اوفوا بالعقود وقال لما تقولون ما لا تفعلون؟ كبر مقتا عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون واما عهده سبحانه وتعالى فقال فيه ومن اوفى بعهده من الله ثم بين كيفية ثم بين كيفية عهده الى ابينا ادم فقال ولقد عهدنا الى ادم من قبل فنسي ولم نجد له عزما. ثم بين كيفية عهده الينا فقال الم اعهد اليكم يا بني ادم؟ ثم بين كيفية عهده مع بني اسرائيل فقال ان الله عهد الينا ان لا نؤمن للرسول ثم بين كيفية عهده مع الانبياء عليهم الصلاة والسلام فقال وعهدنا الى واسماعيل ثم بين في هذه الاية ان عهده لا يصل الى الظالمين فقال لا ينال عهدي الظالمين وهذه المبالغة الشديدة في هذه المعاهدة تقتضي البحث عن حقيقة هذه المعاهدة فنقول العهد المأخوذ عليك ليس الا عهد الخدمة والعبودية والعهد الذي التزمه الله تعالى من جهته ليس الا عهد الرحمة والربوبية ثمان العاقل اذا تأمل في في حال هذه المعاهدة لم يجد من نفسه الا نقض هذا العهد ومن ربه الا الوفاء بالعهد فلنشرع في معاقد هذا الباب فنقول اول انعامه عليك انعام الخلق والايجاد والاحياء واعطاء العقل والالم والمقصود من كل ذلك اشتغالك بالطاعة والخدمة والعبودية على ما قال وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون ونزه نفسه عن ان يكون هذا الخلق والايجاد منه على سبيل العبث فقال وما خلقنا السماء والارض وما بينهما لاعبين وقال ما خلقناهما الا بالحق. وقال وما خلقنا السماء والارض وما بينهما باطلا. ذلك ظن الذين كفروا وقال افحسبتم انما خلقناكم عبثا وانكم الينا لا ترجعون ثم بين على سبيل التفصيل ما هو الحكمة في الخلق والايجاد؟ فقال وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون فهو سبحانه وفا بعهد الربوبية حيث خلقك واحياك وانعم عليك بوجوه النعم وجعلك عاقلا مميزا فاذا لم تشتغل بخدمته وطاعته وعبوديته فقد نقضت عهد عبوديتك مع ان الله تعالى وفى بعهد ربوبيته وثانيها ان عهد الربوبية يقتضي اعطاء التوفيق والهداية وعهد العبودية منك يقتضي الجد اجتهاد في العمل ثم انه وفى بعهد الربوبية فانه ما ترك ذرة من ذرات فانه ما ترك ذرة من الذرات الا وجعلها هادية لك الى سبيل الحق انتهى فلان ابن الجوزي علينا وعليه رحمة الله ايها الاخوة الانسان لما يعلم من ان بقاء ولده بقاء له. يجب ان تكون ذريته على احسن حال ويحرص الانسان على ذلك ليكون له حظا من البقاء جسدا وروحا فكما ان الصفات الوراثية تنتقل في الابناء فيجب على المرء ان ينقل طاعته لربه في ابنائه وابناء ابنائه فالابن من البناء ويجب علينا ان نجعل ابنائنا امتدادا لعملنا الصالح والخلاصة ان الامامة والنبوة لا ينالها من دنس نفسه ودساها بالظلم قبيح الخلال وانما ينالها من شرفت خلاله وكملت اخلاقه وصفت نفسه لان اهم اعمال الامام رفع الظلم والفساد حتى ينتظم العمران وتسود السكينة بين الناس ويكون الدين لله فالسعيد من عمل ليكون اماما في الخير اما من يتخذه الناس قدوة ويقودهم الى الله ويقدمهم الى الخير ويكونون له تبعا وتكون لهم فيه قيادة ولما جعل الله ابراهيم اماما احب ان يكون الصلاح في ذريته قال ومن ذريتي وجاءه الرد من ربه الذي ابتلاه واصطفاه يقرر القاعدة الكبرى التي مرت وهي ان الامام لمن يستحقونها بالعمل والشعور وبالصلاح والايمان وليست وراثة اصلاب وانساب فالقربى هنا ليست وشيجة لحم ودم انما هي وشية دينا وعقيدة ودعوى الغرابة والدم والجنس والقومية انما هي دعوة الجاهلية. التي تصطدم اصطداما اساسيا بالتصور الايمان الصحيح والدين الخالص وليعلم ان الامام مشتق من الامن بفتح الهمزة وهو القصد وهو وزن فعال من صيغ الالة سماعا كالعماد والنقاب والازار والرداء فاصله ما يحصل به الامن اي القصد ولما كان الدال على الطريق يقتدي به السائر دل الامام على القدوة والهادي والمراد بالامام هنا الرسالة. فان الرسالة اكمل انواع الامامة والرسول اكمل افراد هذا النوع وانما عدل عن التعبير رسولا الى امامة ليكون ذلك دالا على ان رسالته تنفع الامة المرسل اليها بطريق التبليغ وتنفع غيرهم من الامم بطريق الاقتداء فان ابراهيم عليه السلام رحل الى افاق كثيرة فتنقل من بلاد الكلدان الى العراق والى الشام والحجاز ومصر وكان في جميع منازله محل التبجيل ولا شك ان التبديل يبعث على الاقتداء وجاء النص هنا لا ينال عهدي الظالمين اي لا يصيب عهدي الظالمين اي لا يشملهم فالعهد هنا بمعنى الوعد المؤكد وسمي وعد الله عهدا لان الله لا يخلف وعده كما اخبر بذلك فصار وعده عهدا ولذلك سماه النبي صلى الله عليه وسلم عهدا في قوله انشدك عهدك ووعدك فيكون تفسير الاية الى ينال وعدي باجابة دعوتك الظالمين منهم قال الشيخ ابن عثيمين علينا وعليه رحمة الله. انما قال ابراهيم ومن ذرية ولم يقل وذريتي لانه يعلم ان حكمته تعالى في هذا العالم لم تجري بان يكون جميع نسج احد ممن يصلحون لان لان يقتدى بهم فلم يسأل ما هو غير مألوف عادة لان السؤال ذلك لان السؤال ذلك ليس من اداب الدعاء تم تفسير الاية بحمد الله وليعلم ان الامامة قمة مفاخر ابراهيم من فوائد الاية وقد ذكر اهل العلم فوائد من الاية. وهي اولا منزلة ابراهيم الخليل ثانيا وفيها انه بالصبر واليقين والعمل بالشرع المتين الامامة في الدين. التي هي من غايات المتقين وفيها انه ينبغي للانسان ان يدعو لذريته بالصلاح والهداية وان يكون منهم قادة في الخير رابعا وفيها ان الظالم لا يصح ان يكون خليفة ولا حاكما ولا مفتيا ولا امام صلاة ولا راويا للعلم والحديث خامسا وفيها انه ليس كل ذرية ابراهيم عليه السلام على الحق بل منهم ظالم كما قال تعالى وباركنا عليه وعلى اسحاق. ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين سادسا قد استجاب الله بعض دعوة ابراهيم عليه السلام كما في قوله وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب سابعا وفيها فضل الخليل ابراهيم عليه السلام وعلو منزلته حتى اجتمع اهل الاديان على تعظيمه. ثامنا وفيها مكافأة الله لاهل الصبر واليقين بابواب الاجر التي يكتبها لهم يجعلهم ائمة يقتدي بهم الناس تاسعا وفيها عاقبة الظلم الوخيمة وان الظلم ينزل باهله الى اسفل سافلين عاشرا وفيها انه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق هذي عشر وفيها ان النسب لا ينفع الظالم ولا يرفعه فاستثنى الله من الخير الظلمة ولو كانوا من ذرية الخليل عليه السلام انتهى هذا وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه ومن تبعه باحسان الى يوم الدين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته