ثم ذكر الله بعض صفات الفاسقين الذين فسقوا فاضلهم الله على فسقهم فقال الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما امر الله به ان يوصل ويفسدون في الارض اولئك هم الخاسرون فهذه صفات الكفار المباينون لاهل الايمان والمؤمن يحذر كل صفة سيئة فان الذنوب عدو الايمان وبريد الكفر وسبب الشقاء والحرمان فالفاسقون الخارجون عن طاعة الله ينقضون عهد الله وعهد الله هو وصية الله الى خلقه وامره اياهم بما امرهم به من طاعته ونهيه اياهم عما نهاهم عنه من معصيته في كتبه وعلى لسان رسله ونقضهم ذلك هو تركهم العمل وكل علم علمه الله عباده من الشرائع فهو عهد الله اليهم وكل تبليغ من الدعاة توكيد لهذا العهد والميثاق وبعض الناس يعاهد الله على فعل خير او ترك ذنب فليحذر المرء اخلاف العهد مع الله فقد اخرج الطبري باسناده الى قتادة قوله الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه قال قتادة فاياكم ونقض هذا الميثاق فان الله قد كره نقضه واوعد فيه وقدم فيه في اي القرآن حجة وموعظة ونصيحة وانا لا نعلم الله جل ذكره اوعد في ذنب ما اوعد في نقض الميثاق فمن اعطى عهد الله وميثاقه من ثمرة قلبه فليفي به لله فعهد الله يكون على وجهين عهد خلقة بما يشهد خلقه كل احد على وحدانية الرب كقوله وفي انفسكم افلا تبصرون وفي قوله او لم يتفكروا في انفسهم الاية انه ان نظر في نفسه وتأمل عرف ان له خالقا وانه واحد لا شريك له لم يخلقنا عبثا ولن يتركنا سدى وعهد رسالة على السنة الانبياء والرسل عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام كقوله وقال الله اني معكم لان اقمتم الصلاة واتيتم الزكاة وامنتم برسلي. الاية وكقوله واذ اخذ الله ميثاق الذين اوتوا الكتاب الاية فالمؤمن يحذر نقض الميثاق وهو في الصلاة يكرر اياك نعبد واياك نستعين وهو عهد من العبد لربه في تحقيق العبودية والاخلاص والتوكل على الله وحده والميثاق ما يوثق به الشيء ويكون محكما يعسر نقضه وميثاق العهد توكيده فعهد الله ما اخذه على عباده من فهم السنن الكونية بالنظر والاعتبار وهو ما اوصاهم به في الكتب السابقة من الايمان بمحمد صلى الله عليه وسلم اذا ظهر وطليق الايمان استخدام نعمة العقل والحواس المرشد الى فهمه فكل نعمة لا تقرب الى الله فهي بلية ومن نقض الميثاق عدم استعمال تلك المواهب فيما خلقت له حتى كأنهم فقدوها او عطلوها فالمراد بقوله من بعد ميثاقه توكيد عليهم والمأمور بوصله هو الايمان بالنبي صلى الله عليه وسلم وصلة الرحم وغير ذلك مما امر الله به والافساد في الارض بالمعاصي والتعويق عن الايمان وكل من عصى الله فقد افسد في الارض وعبر بقوله ويفسدون في الارض للاشعار بان فسادهم لا يقتصر عليهم وانما يتعداهم الى غيرهم وفيه تهييج الى الدعوة الى الله فقوله ويقطعون ما امر الله به ان يوصل يعني الرحم. ومن ذلك ان قريشا قطعوا رحم النبي صلى الله عليه وسلم بالمعاداة له ومن قطع ما امر الله به ان يوصل الاعراض عن موالاة المؤمنين وعدم نصرة من يجب نصرته من المستضعفين وترك الجماعات المفروضة وترك التواصي بالبر والتقوى وعدم وصف الاقوال الطيبة بالاعمال الصالحة فيجب على المؤمن ان يتواصل مع ارحامه بالصلة والاحسان والاصلاح وتفقد احوالهم ونصحهم ففي ذلك صلاح المجتمع. والا حل الفساد. لذا قال تعالى ويفسدون في الارض واذا افسدوا في الارض خسروا فاصحاب هذه الصفات هم الخاسرون في الدنيا والاخرة قال الطبري والخاسرون جمع خاسر. وهم الناقصون انفسهم حظوظهم من رحمة الله بسبب معصيتهم له كما يخسر الرجل في تجارته بان يوضع من رأس ماله في بيعه وكذلك المنافق والكافر قد خسرا بحرمان الله لهما من رحمته التي خلقها لعباده فالخسر والخسران هو النقص ومن نقض عهد الله وقطع ما امر الله بوصله وافسد في الارض لا شك انه قد نقص نفسه حظها من الفلاح والفوز وكانت عاقبته الخزي في الدنيا والعذاب في الاخرة وكل تفريط في العمل الصالح او المستحب من الخسران