الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون هذه الاية جمعت بين ثلاثة من مواضع التقوى وهي الايمان بالغيب وجزؤه الاكبر حظ القلب واقام الصلاة وفيه حظ البدن ومما رزقناهم ينفقون حظ المال يؤمنون بالغيب اي موصوفون بالايمان بالغيب قولا واعتقادا وعمل واصل الغيب المكان المنخفض المطمئن الذي يستتر فيه لنزوله عما حوله فسمي كل مستتر غيب ويؤمنون اي يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر وجنته وناره ولقائه ويؤمنون بالحياة بعد الموت وبالبعث والنشر وهذا غيب كله والايمان قول وعمل يزيد وينقص وسمي المؤمن مؤمنا لانه اذا حقق الايمان يأمن من عذاب الله قال ابن ابي حاتم اخبرني محمود ابن ادم المروزي فيما كتب اليه قال سمعت النظرة ابن سمير يقول تفسير المؤمن انه امن من عذاب الله وربنا جل جلاله من اسمائه المؤمن فهو المؤمن لاوليائه من عقابه والايمان في دين الاسلام يشتمل على الاعتقاد بالقلب والاضرار باللسان والعمل بالاركان ويقيمون الصلاة فعل الصلاة سمي اقامة لما فيه من القيام فلذلك يقال قد قامت الصلاة ومعلوم ان افضل القيام طول القانون واقامة الصلاة اقامتها ظاهرا باتمام اركانها وشرائطها وسننها مع اقامة باطنها باقامة روحها وهو حضور القلب فيها مع تدبر ما يقوله بلسانه ويفعله ببدنه والاقامة من تقويم الشيء. من قولهم قام بالامر اذا احكمه وحافظ عليه وكثيرا ما يرد في القرآن قرن الصلاة مع الزكاة وذلك لان الصلاة حق الله وهي مشتملة على توحيده وذكره والثناء عليه وتمجيده والخضوع له والابتهال اليه ودعائه دعاء العبادة ودعاء المسألة مع التوكل عليه اما الزكاة والانفاق فهو من الاحسان الى المخلوقين ومعلوم ان سعادة المرء تكمن في اخلاصه لربه واحسانه لعبيد ربه ومما رزقناهم ينفقون قد جاءت العبارة بصيغة منه الدالة على التبعير لينبههم انه لم يرد منهم الا جزءا يسيرا مما رزقهم الله منه بحيث لا يكون ضارا لهم اخراجهم ولا مثقل بل ينتفعون هم بانفاقه وينتفع به اخوانهم وقد المحت الاية الكريمة في قوله رزقناهم ان هذه الاموال التي بين ايديكم ليست حاصلة لكم بقوتكم وملككم بل هي رزق ساقه الله اليكم ومهد لكم حتى صرتم اغنياء وخولكم التصرف به وقد انعم عليكم به فاشكروا الله باخراجه العفو منه. اي الزائل واصل الانفاق الافراج عن اليد واخراج عن الملك ومنه نفاق السوء لانه تخرج فيه السلعة عن اليد ويقال نفقة الدابة اذا خرجت روحها ويقال حاجة نافقة في السوق اي قليلة وفي ترتيب الانفاق بعد الايمان بالغيب في قوله الذين يؤمنون بما انزل اليك وما انزل من قبلك وبالاخرة هم يوقنون سر لطيف وهو ان المنفق يأمل العوظ من الله وهو من الغيب فمن ايقن بالخلف جاد بالعطية