وظللنا عليكم الغمام وانزلنا عليكم المن والسلوك وكلوا من طيبات ما رزقناكم. وما ظلمونا ولكن كانوا انفسهم يظلمون وضللنا عليكم الغمام وانزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا. ولكن كانوا انفسهم يظلمون لما ذكر تعالى ما دفعه عنهم من النقم شرع سبحانه يذكرهم بما اسبغ عليهم من النعم نعم وظللنا عليكم الغمام وجعلنا الغمام تظلكم. اي سترناكم عن الشمس في التيه بالسحاب الرقيق وجيء بظمير العظمة لا اشارة الى عظم النعمة والظل من الحر من النعم على العباد والعرب كانت تقول انظر الشمس اذا سترتها تلك السحب الا ننتفع بها بل ننعم بالضوء والهواء البارد. ونحيا ونسير في الصحارى القاحلة ولو لم تستر فيك السحب الشمس لاحرقت الرمال اقدامنا. واذابت حرارة الشمس الوعي من رؤوس دفن وعطلت مصالحنا والغمام هو السحاب الابيض. وربنا فعل هذا بهم ليقيهم حر الشمس نهارا. وينجلي في اخره ليستضيئوا بالقمر ليلا فالغمام من الغم واصله التغطية والستر ومنه يقارن القلب الحزين مغموم. لان الحزن غطى قلبه وللسحاب غمام لانه يغطي وجه الشمس وقيل للسحاب سحاب لانه ينسحب بمسيره وانزلنا عليكم المن كل ما امتن الله به عليهم من طعام وشراب وغير ذلك مما ليس لهم فيه عمل ولا كره فالمن المشهور ان اكل وحده كان طعاما وحلاوة وان مزج مع الماء صار شرابا ضيفا وان ركب مع غيره صار نوعا اخر ولكن ليس هو المراد من الاية وحده. والدليل ما روى البخاري من حديث سعيد بن زيد رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين ومعنى من المن اي مما من الله به على خلقه بلا زرع ولا تكلف ثقيل بل من اسم جنس لا واحد من لفظه ومنه مادة صمغية تسقط على الشجر تشبه حلاوة العسل والسلوى هي طائر امثال السماني وهو طائر بري لذيذ اللهب سهل الصيد كانت تسوقه لهم ريح الجنوب كل مساء فيمسكونه قبره وربما دخل العسل في معنى الدلوة كلوا من طيبات اي قلنا لهم كلوا من حلالات وهو امر اباحة وارشاد وامتنان فالطيب الحلال بانه طاب والحرام يكون خبيثا واصل الطيب الطاهر فسمي الحلال طيبا لانه طاهر لم يتدنس بكونه حراما. فالطيب هو المباح الذي تطيبه الطبع وتتلذذ به النفس واكل الطيبات يورث الرضا عن الله وما ظلمونا بايبائهم على موسى عليه السلام وعصيانهم امر الله فمعصية الرسول معصية الله ولكن كانوا انفسهم يظلمون لان وباله عليهم ولانهم قابلوا النعم بالمعاصي وفي ذلك تقرير لقاعدة مهمة وهي ان كل ما يطلبه الدين من العبد فهو لمنفعته وكل ما ينهاه عنه فانما يقصد به دفع الضر عنه وما ظلمونا يعني بتلك الافعال المخالفة لاوامرنا لان الله تعالى لا تضره معصية العاصين كما لا تنفعه طاعة الطائعين فالله هو الغني بذاته القائم على كل نفس وكل نفس غير مستغنية عنده. بل مفتقرة اليه وفي هذا كما قلنا دليل على ان كل ما يطلبه الله من عباده فانما نفعه لهم وما ينهاهم عنه فانما ذلك لدفع ضر يقع عليهم فوجب على الانسان ان يمتثل لاوامر الله تعالى