على كل حال يعرفون نعمة الله اي يعرفون نعم الله على هذا التفسير تقول اشكر نعمة الله يعني اشكر نعم الله هذه اسمه جنس مفرد اضيف الى معرفة فهو للعموم وكذلك في قوله ولا الضالين فنفي الضلال هنا او نفي ارادة طريق الضالين يدل على ثبوت اعلن لصراط المنعم عليهم وهو انها صراط اهل الجادة السوية الذين ساروا على بصيرة وعلى هدى يسر اخوانكم في الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ الدكتور خالد بن عثمان السبت ان يقدموا لكم هذه المادة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. اما بعد كان اخر ما تحدثنا عنه هو قول الله تبارك وتعالى في سورة الفاتحة. اهدنا الصراط المستقيم يوم في هذا المجلس الذي هو الاخير في تفسير هذه السورة. نتحدث عن قول الله تبارك وتعالى صراط الذين انعمت عليهم. فهذه الجملة صراط الذين انعمت عليهم يمكن ان تكون بدلا مما قبلها. اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين انعمت او تكون من قبيل عطف البيان. ومعلوم ان الفرق بينهما ان عطف البيان يكون اوضح من البدل فحينما تقول مثلا رأيت ابا حفص عمر فعمر عطف بيان من ابي حفص لانه اعرف واشهر فلا يخفى على احد. تقول اعدل الناس ابو حفص عمر. فعمر عطف بيان. ولكن لو انك قلت اعدل اخي عمر ابو حفص فان ذلك يكون من قبيل البدل. واشرت لكم في بعض المرات السابقة الى ان البدل ينقسم الى ثلاثة اقسام بدلوا بعض من كل كالمثال السابق. وبذلوا كل من كل كالمثال السابق وبذلوا بعض من كل وهو الله عز وجل فتقول انبت الله الزرع. تقول فلان افناه كر الليل والنهار الذي افناه الله عز وجل لكن كر الليل والنهار كان سببا في هرمه وضعفه وتلاشي ايامه فاضفته الى السبب فقط كقولك مثلا اعجبني زيد وجهه فوجهه بعض منه واما بدل الاشتمال فكقولك مثلا اعجبني زيد وقاره اعجبني زيد سمته اعجبني زيد خلقه اعجبني زيد حياؤه فهذه صفة يشتمل عليها وليست بعضا من اعاضه وليست جزءا من اجزائه التي ركب منها. فعلى كل حال قوله هنا صراط الذين انعمت عليهم يمكن ان يكون بدلا من قوله الصراط في التي قبلها اهدنا الصراط صراط الذين انعمت عليهم او يكون من قبيل عطف البيان باعتبار انه اوضح اهدنا الصراط المستقيم ثم ذكره بما هو به اعرف فقال صراط الذين انعمت غير المغضوب عليهم ولا الضالين. وقد يسأل سائل هنا اذا قلنا انه من قبيل البدل. قد يقول قائل ان البدل يكون ما بعده وهو المبدل منه مقصودا الاستغناء عنه وتركه كيف يقال انه من قبيل البدن يعني في قوله تبارك وتعالى ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا. من استطاع اليه سبيلا. هؤلاء بعض من من الناس فليس كل الناس من المستطيعين كانه يقول ولله على المستطيعين حج البيت ان يحجوا ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا. فالمستطيع هم بعض من الناس. فكأنه استغنى عن ما قبله وهو الناس فجعل ذلك في خاصة المستطيعين. هذا في بدل البعظ من الكل. وكذلك في قولك اعجبني زيد وقاره قد لا يعجبك شيء اخر فيه كلباسه ونحو ذلك. فالمقصود ان هذا السؤال قد يسأله بعضكم فيقول كيف قيل انه او كيف صح او كيف جاز لقائل ان يقول انه من قبيل البدل مع ان البدل قصد به قصد بالمبدل قصد به الاستغناء عن المبدل منه او ان المبدل منه قصد الاستغناء عنه فيقال هذا في بدل البعض من الكل وفي بدل الاشتمال كما في الامثلة السابقة. واما في بدل الكل من الكل فانه لا يقال فيه ذلك. لان قود هو الثاني والثاني هو هو الاول بعينه لان المقصود هو حقيقة الشيء والثاني هو الاول بخلاف بدل الاشتمال وبدل البعض من الكل فان المقصود هو الثاني فحسب دون الاول فيكون ذلك في مثالنا هذا كأنه من قبيل توكيد والتذكير وتقوية النسبة فانه لما قال اهدنا الصراط المستقيم فكان الذهن طلب معرفة ما اذا ان هذا الصراط مختصا بنا ام سلكه غيرنا ممن هداه الله عز وجل فقال صراط الذين انعمت عليهم فلستم وحدكم على هذا الصراط وانما سلكه سالكون قبلكم. وهذا كما اذا دللت رجلا على طريق ليسلكها ثم قلت له بعد ذلك لتؤكد له صحة هذه الطريق وتحرضه على سلوكها فتقول لهذا الانسان هذه الطريق الموصلة الى مقصودك ثم وزدته توكيدا فقلت وهي الطريق التي سلكها الناس والمسافرون واهل النجاة ومعلوم ان النفوس في طبيعتها مجهولة على التأسي والمتابعة. ولذلك قيل ان الناس كاسراب القطا جبلوا على تشبه بعضهم على تشبه بعضهم ببعض. فاذا عرف الانسان ان هذا الطريق والمسلك او ان هذا العمل ولو كان فيه ما فيه من المشقات قد عمله اناس قبل وسلكه سالكون قبله حتى قطعوه وبلغوا غايتهم ومقصودهم فان ذلك يخفف عليه ويتسلى به بل حتى الاوجاع والامراض قد يتسلى الانسان بما يصيب الاخرين. فيقال هذا المرض بعينه قد اصاب فلانا. وهذا الاذى بعينه قد وقع لفلان فيخف عليه وطأة ذلك ويتسرى به مع انه لا يناله شيء من جراء هذا الخبر او من اصابة فلان من الناس بهذا المرض والعلة لكن النفوس شبلت على ذلك فيتعزى به كما قالت الخنساء ولولا كثرة الباكين حولي على اخوانهم لقتلت نفسي. فالنفس تأنس بذلك وتتأسى به. وهذه الاية على كل حال صراط الذين انعمت عليهم تفصيل بعد الاجمال السابق في الاية التي قبلها. فالاية التي قبلها اهدنا الصراط المستقيم. ما هذا الصراط مستقيم قال صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم فاجمل اولا ثم فصل ولا شك ان تفصيل بعد الاجمال انه ادعى لحظور الذهن فيتشوف السامع الى هذا البيان الذي يحصل به ويتلقاه قلب مشغوف بمعرفته وسماعه. وهنا سؤال وهو ان يقال لماذا اضاف الصراط الى الموصول المبهم صراط الذين فالذين اسم موصول فلماذا اضافه اليه؟ فقال صراط الذين انعمت عليهم ولم يقل مثلا اهدهم الصراط المستقيم صراط النبيين مثلا من هم هؤلاء المنعم عليهم؟ هم كما جاء في قوله تبارك وتعالى ومن يطع الله رسول فاولئك مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا. فهؤلاء اي هم المنعم عليهم في هذه الاية فلماذا لم يقل مثلا اهدنا الصراط المستقيم صراط النبيين والصديقين والشهداء والصالحين مثلا او يختصر ذلك فيقول اهدنا الصراط المستقيم صراط النبيين فلماذا ربطه بهذا الاسم الموصول صراط الذين فذكر الصفة صراط الذين انعمت عليهم فيقال في الجواب عن ذلك انه من ثلاثة اوجه الاول لاحضار الذهن عند سماع هذا وذلك بان استحقاق كونهم من المنعم عليهم انما هو بهدايتهم الى هذا الصراط ليفهم السامع لماذا انعم عليهم؟ ما وجه هذا الانعام؟ لماذا استحقوا هذا الوصف؟ لانهم سلكوا الصراط المستقيم لسلوكهم المستقيم لا لنسب بينهم وبين الله ولا محاباة لهم وانما ذلك لكونهم ممن سلكوا الطريق المستقيمة الصحيحة واعرضوا عن الطريق المعوجة. والامر الثاني ان فيه اشارة الى نبذ التقليد. فالله عز وجل لم يربطهم بالافراد بالاشخاص بالاسماء وانما ربطهم بالاوصاف. صراط الذين انعمت عليهم. وهم السالكون على الصراط المستقيم وهذا هو الواجب على كل مسلم الا يعلق قلبه ونفسه ونظره لفلان من الناس فيفعل ما فعل ويمتثل ما امر بقول بقوله ثم بعد ذلك قد يتغير هذا الانسان وقد يختم له بخاتمة غير حسنة فيكون ذلك سببا لضلال هذا الانسان التابع او يكون سببا لاحباط يقع في نفسه. فلربما ينكسر وييأس ويبتأس من الوصول الى غايته ومطلوبه هذا الانسان القدوة الكبير الذي اقتدى به وصار يتبعه حصل له انحراف لانه ارتبط بذاته. واذا ارتبط الانسان فانه ينحرف بانحرافها ويكون تعلقه بها تعلقا غير متزن. ومن ثم فان ذلك يصاحبه التعصب لها دافع عنها بالحق والباطل وكانما خلق من اجل ذلك. فيستميت في هذا فهو في كل مجلس وفي كل ناد ليس له هم شغل الا ان فلانا مصيب او مخطئ او هو يحب فلانا او يبغضه او رأيه كذا وقوله كذا فهو يعتذر له في الواضحة ويؤول ذلك ويحمل ذلك على المحامل الصعبة من اجل ان لا يوصف بخطأ او انحراف كأن هذا خطأ وانما العبرة بسلوك الصراط. فمن كان سالكا للصراط المستقيم فهو على هدى. ومن انحرف عنه فهو منحرف. سواء ان كان ذلك الانحراف قليلا او كثيرا. فمن حاد عنه لم يتبع. هذا مع العلم ان الانبياء عليهم الصلاة والسلام عصمهم الله عز من الانحراف عن الصراط المستقيم فهم ائمة الهدى وهم القدوات الكاملة التي يجب الاقتداء بهم ظاهرا قولا وعملا يقتدى بهم في سمتهم واخلاقهم واعمالهم وفي كل شأن من شؤونهم عليهم الصلاة والسلام فهم اكملوا الذوات واخلاقهم اكمل الاخلاق وافعالهم اكمل الافعال. ولكن يمكن ان يؤخذ من هذا هذا الملحظ التربوي وهو اننا لا نرتبط بالاشخاص لذاتهم وانما نرتبط بهم لمعنى قام بهم وهو سلوك الصراط المستقيم. فالانبياء عليهم الصلاة سلام هم الزم الناس بجادة الصواب وللصراط المستقيم فالله هو الذي يسددهم ويهديهم ويقوموا سلوكهم على هذا الطريق فهم ائمة السالكين عليهم الصلاة والسلام. والامر الثالث مما يستفاد من هذه الاظافة الى الاسم الموصول صراط الذين هو ان الاية بهذا الاعتبار تكون عامة في جميع المنعم عليهم وليسوا الانبياء فقط. فلو قال اهدنا الصراط المستقيم صراط النبيين مثلا فان ذلك يكون مختصا بهم. لكن حينما قال الذين انعمت عليهم فيدخل في ذلك جميع الاتباع اتباع الانبياء باختلاف احوالهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. فيدخل فيه اهل الصلاح كل بحسبه وكل بما فتح عليه في باب الانفاق والصدقات وفي باب الجهاد في سبيل الله وفي باب العلم وفي باب الحسبة والامر بالمعروف والنهي عن المنكر وما الى ذلك فهؤلاء هم اهل الصراط المستقيم وهم بكلهم وجماعتهم يمثلون الفرقة ناجية والطائفة المنصورة التي فيها هذه الطوائف جميعا ففيها اهل الحسبة وفيها اهل الجهاد والنصرة وفيها من يقومون على الفقراء والمساكين والارامل والعجزة وفيها من يقومون على العلم وفيها من يقومون بالتعبد قيام الليل وصيام النهار وما الى ذلك فكل بما فتح الله عز وجل بما فتح الله عليه ومنهم من يبلغون دعوة الله عز وجل الى العالمين. وهنا وهي ان الله عز وجل في هذه الاية اضاف الصراط هنا الى من؟ اضافه الى السالكين فقال صراط الذين انعمت فعليهم ومعلوم ان الصراط تارة يضاف الى الله في القرآن وذلك لانه هو الذي نصبه ورسمه وامر بسلوكه كقوله تبارك وتعالى وان هذا صراطي. فاضافه الى الياء ياء المتكلم اضافه اليه سبحانه وتعالى. وكقوله صراط الله وتارة يضاف الى العباد لانهم السالكون له. كقوله صراط الذين انعمت عليهم في هذه الاية وهنا سؤال وهو ان يقال ما الحكمة من ذكر الرفيق على الصراط؟ لماذا لم نقل اهدنا الصراط المستقيم دون ان نحتاج الى ان نقول صراط الذين انعمت عليهم. ما الحكمة؟ في ذكر هؤلاء الرفقاء الذين سلكوا هذا الصراط. ما حكمة ذلك وما وجهه يمكن ان يقال كما اشرت في الكلام السابق لما كان طالب الصراط المستقيم طالب امر اكثر الناس عنهم ناكبون وهو مريد لسلوك طريق مرافقه فيها في غاية القلة والنفوس مجهولة على الاستيحاش من التفرد وعلى الانس بالرفيق نبه تبارك وتعالى على الرفيق في هذا الطريق وهو نعم الرفيق. كانه يقول لا تستوحش يا عبدي من قلة السالفين ومن كثرة اعراض المعرضين عن هذه الصراط وما اكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ولكن هذا طريق يسير فيه او قد سار فيه معك اقوام هم خيار الناس وهم فضلاء البشر من الانبياء الصلاة والسلام واتباعهم فهم الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا. فهم الذين انعم الله عليهم من الانبياء واتباعهم وهم كثير على مختلف الاعصار والازمان قد يقلون في وقت وفي زمن ويكثرون في اخر. ولكنهم بمجموعهم كثير. فاذا عرف العبد انه يسلك طريقه هؤلاء الاخيار هم السالكون فيها فانه لا يتردد ولا يستوحش ويقول نحن قلة نحن في هذه الطريق واكثر الناس عنها ناكبون فانه يجترئ على مواصلة السير فيها والصبر على الوحشة وما يصيبه من الاذى في سلوكه هذا وبالتالي فانه لا يكترث بهؤلاء من المخالفين والمعرضين فهم الاقلون قدرا وان كانوا والاكثرين عددا كما قال بعض السلف رضي الله تعالى عنهم عليك بطريق الحق ولا تستوحش لقلة السالكين واياك طريق الباطل ولا تغتر بكثرة الهالكين. والذي ينبغي على العبد انه كلما وقع في قلبه وحشة في سلوكه لهذا الصراط وفي تفرده في جزئي من جزئياته او في بعض تفاصيله فانه يتذكر دائما هذا رفيق السابق ويحرص ان يلحق بهم ويغض الطرف عما سواهم. وكما ذكرت لكم من قبل ايها الاخوان بان الصراط المستقيم طريق رسمه الله عز وجل وهو كثير التفصيلات فهو طريق واحد مستقيم فيه تفاصيل كثيرة هي تفاصيل الشريعة فقد كثير من الناس عن سلوك هذه الطريق اصلا. كما قال الله عز وجل وما اكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين. وقد يسلكها اخرون ولكنهم يعرضون عن كثير من تفصيلاتها بل لربما قد لا تجد في بعض تفصيلاتها من يسلك ذلك الا الواحد بعد واحد اما لكثرة اهل البدع في بعض الاماكن او في بعض الازمان. واما لهجر بعض السنن السنن المهجورة يعني بعض عبادات قد يهجرها الناس فلا يعمل بذلك الا الواحد بعد الواحد. فيكون من اراد ان يعمل بهذا يكون مستوحشا اي انه في غربة حتى بين اخوانه. لانهم لا يفعلون ذلك. وهذا كثير في باب السلوك والاخلاق وفي باب العمل والتعبد وفي غير ذلك من الامور التي تكون من قبيل لزوم السنن ومجانبة البدع على سبيل المثال لو اراد الانسان ان اجعل لنفسه مسلكا في الزهد والتقلل من الدنيا فانه سيستوحش مع اخص اخوانه من السالكين على هذا الصراط في عصر ما هذا؟ اليس كذلك؟ لو اراد الانسان ان يحمل نفسه على ميزان منضبط في باب الورع فيتورع من كثير من الاشياء التي لا يتورع منها الناس. فان هذا الانسان سيكون غريبا مع اخص الناس الذين يسلكون هذا الصراط في عصرنا بل لربما عابوه ولربما رأوا ان ذلك من قبيل التكلف. ولذلك نحن نشاهد حال كثير من الخيرين فضلا عن غيرهم اذا حدثوا باخبار السلف في باب التعبد او في باب الورع او في باب الاخلاص ومراقبة او في باب اليقين او غير ذلك استغربه السامع ولربما رأى ان ذلك من قبيل المبالغة وان هذا لا يمكن ان حقق ويقع. اليس هذا لغربة الزمان ولكثرة الاعراض عن مثل هذه الامور. في باب التعبد لو اراد الانسان ان يجعل لنفسه عبادة يسير عليها فمثلا لو اراد الانسان ان يصوم يوم ان يفطر يوما وان يقوم ثلث الليل في كل ليلة وان يختم في كل ثلاث ما يكون ذلك غريبا بين الناس في زماننا هذا؟ بل حتى في ترك المنكرات لو اراد الانسان ان يترك الغيبة وكثيرها بتأويل وبغير تأويل. ومن اغتاب عنده احدا قام عنه او اسكته وانكر عليه كيف تكون حاله؟ بين اخص اخوانه اما يكون غريبا فتفاصيل الصراط ايها الاخوان قد يستوحش الانسان من سلوكها للغربة التي يلاحقه عند فعل ذلك او تركه. وهذه غربة محمودة ينبغي عليه ان يتأسى بالانبياء عليهم الصلاة والسلام وبالصديقين والشهداء والصالحين فقد سلكوا هذا الطريق قبله ولا يكترث بالغافلين فالغفلة على مراتب كما لا يخفى. وهنا فائدة وهي انه في هذه الاية صراط الذين انعمت عليهم اسند النعمة الى الله وحده. صراط الذين انعمت وذلك لان الهداية هداية التوفيق. هي انعام محض من الله عز وجل وهي شيء مختص به لا يملكه احد سواه انك لا تهدي من احببت ولكن الله يهدي من يشاء فمن هداه الله عز وجل فهذا محض تفضل منه. لان الهداية ملكه. يعطيها من يشاء. ومن حرمه الله عز وجل الهدى فان هذا بمحض بعدله جل جلاله اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم انعمت عليهم بسلوكها ولزومها والهداية اليها. واما الانعام فمعناه ايصال النعمة والنعمة هي الحالة التي يستلذها الانسان من لين العيش والدعة والمال وكل ما تطيبه الانسان ويستلذه فانه يكون من قبيل الانعام اذا كان ذلك لا غائلة فيه ولا ضرر اما اذا كان ضارا ولو استلذه الانسان فانه لا يكون نعمة بل يكون نقمة فباب الرزق اوسع من باب الانعام. الرزق ما يفتيه الله عز وجل ويفيضه على خلقه وما حصل في ايديهم فهو من رزق الله ولكن منه ما هو حرام ومنه ما هو حلال. ويجب على العبد ان يترك الحرام. لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها واجلها. فكل ما حصله الانسان فهو رزق حصل في يده لكن عليه ان يجتنب ما حرم الله عز وجل واما النعمة فانها لا تكون نعمة الا اذا تجردت من الغوائل. فهذا الذي يسرق لا يقال هذه السرقة نعمة وانما ما هو رفق حرام وليس بنعمة بل هو نقمة هذا المال الذي حصل في يده ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم انما هي قطعة من نار حينما قال قد يكون بعضكم الحن بحجتهم قال انما هي قطعة من نار فليأخذها او ليدعها او كما قال عليه الصلاة والسلام. فما حصله الانسان باحتياله وبغير وجه شرعي فهو نقمة عليه وهو قطعة من النار يأخذها ولهذا قال الله عز وجل عن الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله لا يخرجون زكاتها. يقول فبشرهم باب اليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباه وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لانفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون. فعلى كل حال النعمة اسم جنس يقع على القليل والكثير واذا اضيفت الى معرفة كقولك مثلا يعرفون نعمة الله فاضفنا النعمة الى لفظ الجلالة اذا اضيفت الى معرفة دلت على الانعام المطلق التام عند بعض اهل العلم يعني يعرفون نعمة الله على وجه يعني يعرفون نعم الله ثم ينكرونها. وبعضهم فسر النعمة هنا بمعنى خاص وهو النبوة. يعرفونها ثم ينكرونها فبعض اهل العلم يقولون اذا اضيفت الى معرفة دلت على الاطلاق اي النعم الظاهرة والباطنة الكبار والصغار الخفية والجلية الدنيوية والدينية الوان الهدايات والوان النعم ايضا دنيوية وكذلك الاخروية من دخول الجنة والنعيم الذي يحصل فيها كما قال الله عز وجل اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي اتممت عليكم نعمتي نعمة هنا مفرد اضيفت الى الياء جاء المتكلم وهو معرفة اتممت عليكم نعمتي اي اتممت عليكم نعمي. وكذلك في قوله اذكروا نعمة الله. يعني اذكروا نعم الله فهي مفرد لكنها المعنى الجمع نعمة الله اي نعم الله وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها ما معنى؟ هل هي نعمة واحدة؟ لا معنى الاية وان تعدوا نعم الله لا تحصوها من السمع والبصر نعم الحواس ونعم كثيرة جدا في بدن الانسان وكذلك ما يحصل له من الوان الملذات والمسرات والرزق وكذلك من الوان الهدايات وكذلك ما يحصل له من التجاوز عن السيئات والامهال وكذلك ما يحصل له ايضا من النعم في الدار الاخرة. وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها وعلى كل حال النعمة كما سبق تختص بايصال الخير الى الغير وبعضهم يخصص ذلك بابن ادم ايصال الخير الى الغير من الادميين. ويقولون ان الاحسان الى غير الناطقين لا يقال له نعمة. ما يعطى للدواب من العلف او نحو ذلك بعضهم لا يعتبر ذلك من قبيل الانعام على هذه الاشياء وهذا يحتاج الى نظر والله تعالى اعلم. وهنا قد يسأل مسائل فيقول من هؤلاء المنعم عليهم؟ فانا اقول تفسروا بالاية السابقة. وهذا من قبيل تفسير القرآن بالقرآن وتفسير القرآن بالقرآن هو اعلى انواع التفسير يعني من حيث الجنس وان كان قد لا يوفق المفسر في ربط بعظ الايات ببعظها لكن من حيث الجنس تفسير القرآن بالقرآن يعتبر اعلى انواع التفسير واجود انواع التفسير. فهذه الاية من سورة الفاتحة صراط الذين انعمت عليهم تفسر بقوله فاولئك مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ثم اولئك رفيقا وتفسر بقوله ايضا اولئك الذين انعم الله عليهم من النبيين من ذرية ادم وممن عملنا مع نوح ومن ذرية ابراهيم واسرائيل وممن هدينا واجتبينا اذا تتلى عليهم ايات الرحمن خروا سجدا وبكيا. صراط الذين انعمت عليهم وفي قوله عليهم فيها عشر ولغات في كلام العرب وقد قرأ بعامتها باكثرها وقد استدل بهذه الاية بعض العلماء واستنبطوا منها صحة امامة ابي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وما وجه ذلك؟ كيف يستنبط من هذه الاية ضحت امامة ابي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه ما وجه ذلك؟ يقال نحن مأمورون بسؤال الله عز وجل ان يسلك بنا طريق هؤلاء وقد شهد الله عز وجل لهم بالاستقامة ولزوم الصراط المستقيم وقرنهم بالانبياء والشهداء فابو بكر رضي الله عنه اذا ذكر الصديق ينصرف اليه مباشرة. ونحن نسأل ربنا ان يسلك بنا طريق النبيين والصديقين وابو بكر رضي الله تعالى عنه هو رأس في الصديقين فهذا يدل على صحة مسلكه وعمله وانه ممن هداهم الله عز وجل الى الصراط المستقيم ثم بعد ذلك قال غير المغضوب عليهم وقوله غير فيها قراءتان متواترتان القراءة الاولى بالجر غير المغضوب عليهم. وبها قرأ الجمهور من القراء. وبهذا الاعتبار يمكن ان تكون منعتا للذين اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين انعتهم بانهم غير المغضوب عليهم ويمكن ان تكون بدلا من الذين اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين ثم قال غير المغضوب عليهم. صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم فتكون بدلا وهذا فيه نظر او تكون بدلا من قوله عليهم من الهاء في قوله عليهم صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم. والقراءة الثانية بالنص فدنا الصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم غير بالنصب. وهي قراءة متواترة وهي رواية عن ابن كثير طير وهو قارئ اهل مكة على انها حال من الضمير في عليهم او حال من الاسم الموصول الذين ومعلوم ان الحال تكون منصوبة. والحاصل ان اعراب فهو على البدلية من الذين انعمت عليهم على معنى ان المنعم عليهم هم الذين سلموا من غضب الله والضلال. واذا اعرضناه انه صفة فانه يكون بمعنى انهم جمعوا بين النعمتين نعمة الايمان والسلامة من طريق الغضب والضلال وقوله ولا الضالين لا نافية وقد حذف الموصوف قال ولا الضالين ما قال ولا طريق الضالين مثلا او قال ولا السالكين الضالين مثلا ولا طريق الضالين حذف الموصوف ايا كان تقديره ولا الضالين غير المغضوب عليهم ولا الضالين. ويمكن ان يقال غير صراط المغضوب عليهم ولا الضالين ولا صراط الضالين وليسوا على ضلال فهذا فيه اثبات كمال هداية اهل الصراط المستقيم. وفيه اثبات كمال هداية اهل الصراط المستقيم وفيه اثبات ان هذه الطريق هي الطريق التي يرضاها الله عز وجل تمام الرضا ويرضى عن سالكيها ومن جانبها وقد جاء في قراءة عمر في كتاب الفضائل لابي عبيدة القاسم ابن سلام وهي قراءة غير متواترة انه كان يقرأ غير المغضوب عليهم وغير الضالين وهذا حمله بعض اهل العلم على انه من قبيل التفسير وليس من قبيل القراءة. وعلى كل حال لا هذه غير المغضوب عليهم ولا الضالين تفيد توكيد النفي لئلا يتوهم انه معطوف على الذين انعمت عليهم. والحاصل ان فائدة مجيء لا تأكيد النفي وبيان ان المراد المغايرة الواقعة بين النوعين وبين كل نوع بمفرده ايضا فلو لم يذكر لا وقال غير المغضوب عليهم والضالين لاوهم ان المراد ما غاير المجموع المركب من النوعين لا ما غاير كل نوع بمفرده وامر ثالث في فائدة مجيء لا هو رفع توهم ان الضالين وصف للمغضوب عليهم يعني لو قال غير المغضوب عليهم ولا الضالين فيمكن ان يفهم احد ان الضالين صفة للمغضوب عليهم غير المغضوب عليهم والضالين انهم اتصفوا بالغضب والضلال وليس هذا هو المراد وانما المراد غير المغضوب عليهم وهم طائفة ولا الضالين فهم طائفة اخرى والضالين هنا ما معنى الضلال؟ الضلال هو الذهاب عن حقيقة الشيء مطلقا. في اصل معناه اللغوي. وبالتالي فالناس يقال له ضال كما قال الله عز وجل ان تضل احداهما فتذكر احداهما الاخرى تضل عن الشيء بمعنى انها تسهو عنه ويغيب عن ذهنها. يذهب المعلوم النسيان هو ذهاب المعلوم. من الذهن هذا هو النسيان والسهو يكون للعلم في الذهن اكتنان فهو موجود لكن يحتاج الى مجرد تنبيه اما النسيان فهو ذهاب ما علم وارتفاعه من الذهن وتلاشيه يقال له النسيان ويطلق على غياب الشيء فاذا غيبت شيئا في وسط الارض مثلا دفنته يقال انك قد اضللته كما قال الله عز وجل وقالوا ائذا ضللنا في الارض يعني اذ ذهبنا وتلاشينا وفنيت اجسادنا وابعاظنا ثم حلت الأرض اكلتها الأرض فسموا ذلك ضلالا. الم تسأل فتخبرك الديار عن الحي المضلل اين ساروا؟ الديار هي ما بقي من مساكن القوم والاماكن التي كانوا يرجعون اليها يقال لها دار يذهبون وينتشرون ثم يرجعون الى مساكنهم يقال لها دار فهذه تلاشت ذهب اهلها واضمحلوا وماتوا وافناهم الله عز وجل فهذا يقول الم تسأل فتخبرك الديار عن الحي المضلل الحي اهل هذه البلدة مثلا عن الحي المضلل اين ثاروا؟ ويتساءل يقول اين فنوا؟ وذهبوا وتلاشوا واضمحلوا من الوجود اين هم؟ وكذلك يقال للدفن يقال له ضلال كما قال الشاعر فآبى مضلوه بعين جلية وغودر بالجولان حزم ونائل هذا رجل كريم شهم جواد دفن في منطقة الجولان المعروفة بالشام فهذا يخبر عن موته وانه موت محقق ليس مجرد اشاعة يقول فآبى مضلوه اي دافنوه رجعوا فآبى مضلوه بعين جلية وغودر بالجولان حزم يعني رجل من الاجواد الذين يصل نوالهم الى الناس يعني عطاؤهم وكرمهم وافظالهم وسخاؤهم مضلوه يعني رجع دافنوه. هذا معناها. وهذه الاية نأخذ منها بعض الفوائد. الاولى ان الله فرق بين الطريقين غير المغضوب عليهم ولا الضالين. ليجتنب كل واحد منهما. فان طريق اهل الايمان مشتملة على العلم بالحق والعمل به لا بد من العلم ولابد من العمل. لا يمكن للانسان ان يسلك الصراط المستقيم وهو لا يعرفها. وقد يعرف الصراط المستقيم ولا يعمل بها لا يكون سالكا لها فلا يكون من اهلها. فاليهود نقصهم العمل كانوا يعلمون لم ينقصهم العلم. فصاروا من اهل الغضب واذا ذكر الغضب اتجه لليهود مباشرة. واما النصارى فانه نقصهم العلم ومن ثم عملوا على باطل وخطأ. من غير بصيرة فعبدوا الله عز وجل على جهل فصاروا اهل ابتداع وضلال. الفائدة الثانية وهي ان الله وصف صراط المنعم عليهم بقوله غير المغضوب عليهم لتأكيد كمال صراط المنعم عليهم. وذلك لان الصفات السلبية يعني التي تكون من قبيل النفي يؤتى بها لاثبات ما لضدها. فما معنى هذا الكلام؟ الان صراط الذين انعمت عليهم. هذا متحقق لهم كمال الانعام بهذا الاثبات. غير المغضوب عليهم نفى عنهم طريق او هو وبدعائه هذا ينفي طريق او ارادة طريق اهل الغضب واهل الضلال. فاذا كان هذا من سبيل النفي غير المغضوب عليهم فان هذا يتضمن ثبوت الرضا لاهل الصراط المستقيم وهم المنعم عليهم. فاهل الانعام من اهل الصراط المستقيم هم اهل اهل الرضا لان غيرهم ممن عرفوه ولم يسلكوه هم اهل الغضب ودائر بين الغضب والضلال نسأل الله العافية. والفائدة الثالثة وهي ما المراد بالمغضوب عليهم وبالضالين في الاية؟ فسرها النبي صلى الله عليه واذا فسر النبي صلى الله عليه وسلم شيئا من القرآن فلا حاجة لقول قائل معه. فالنبي صلى الله عليه وسلم بين لنا ان المغضوب هم اليهود وان الضالين هم النصارى. فقد اخرج الامام احمد والترمذي باسناد صحيح من حديث علي بن حاتم رضي الله عنه انه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى غير المغضوب عليهم ولا الضالين. قال في قوله غير المغضوب عليهم قال هم اليهود ولا الضالين قال هم النصارى وجاء نحوه من حديث ابي ذر مرفوعا وقد رواه الامام احمد رحمه الله في بمسنده وحسن اسناده الحافظ ابن حجر. وقد اخرج البخاري في صحيحه من حديث ابن عمر ان زيد ابن عمر ابن نفيل خرج الى الشام يسأل عن الدين فلقي عالما من اليهود فسأله عن دينهم فقال اني لعلي ان ادين دينكم برمي فقال لا تكونوا على ديننا حتى تأخذ نصيبك من غضب الله. هذا عالم من علماء اليهود. قال ما افر الا من غضب الله ولا احمل من غضب الله شيئا ابدا. وانا استطيعه. فهل تدلني على غيره؟ قال ما اعلمه الا ان يكون حنيفا. قال زيد وما الحنيف؟ قال دين ابراهيم لم يكن يهوديا ولا نصرانيا ولا يعبد الا الله فخرج فلقي عالما من النصارى فذكر مثله فقال لن على ديننا حتى تأخذ نصيبك من لعنة الله. قال ما افر الا من لعنة الله الى اخر الحديث. فاذا الرابعة طبعا قبل ان اجاوز هذه اليهود غضب والنصارى اهل ضلال وبعد بعث النبي صلى الله عليه وسلم وتحققهم من نبوته صاروا يجمعون بين الغضب وبين الضلال فليسوا على بصيرة في دينهم اصلا فهم يعبدون عيسى عليه الصلاة والسلام ويقولون الله ثالث ثلاثة ويقولون ان عيسى قد صلب ويعبدون الصليب ويقدسونه وجعلوا ذلك شعارا لهم. والله عز وجل يقول وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم. شبه لهم اي شبه عيسى برجل اخر فظن اليهود انه عيسى فقتلوه. والمعنى الثاني ولكن شبه لهم وهو اختيار ابن حزم شبه لهم اي شبه للنصارى ولبس عليهم باشاعة اطلقها اليهود انهم قتلوا عيسى فما تحقق النصارى من ذلك وما قتلوه يقينا ما قتلوا المسألة درسا وبحثا وتحريا وتثبتا والمعنى الاول ارجح والمقصود ان النصارى اهل ضلال وانهم اهل غضب بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم. فلا يظن ظن ان الغضب مختص باليهود بل حتى هؤلاء هؤلاء النصارى. والفائدة الرابعة وهي انه جاء وصف اليهود بالغضب في مواضع من كتاب الله عز وجل كقوله وباءوا بغضب من الله وكقوله فباءوا بغضب على غضب وكقوله قل هل انبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت وقال ان الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة وقال الم تر الى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم يعني ان المنافقين تولوا قوما من اليهود غضب الله ان ما هم منكم ولا منهم يعني تولوا بني النظير تولوا قوما غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم. الفائدة الخامسة وهي ان الناس بالنسبة لمعرفة الحق والعمل به على ثلاثة اقسام. قسم عرفوا الحق وعملوا به. فهؤلاء هم اهل الصراط المستقيم. وقسم عرفوا الحق ولم يعملوا به فهؤلاء هم اهل الغضب. وقسم لم يعرفوا الحق وضلوا عنه فهؤلاء هم اهل الضلال. والعبد لا يخرج عن واحد من هذه الاقسام وقد يكون في بعض شؤونه يصدق عليه هذا الوصف بمعنى ان الانسان لغلبة هوى او شهوة او رئاسة او معيشة من هذا الباطل قد يعرف الحق ولا يتبعه فيكون ذلك تلك المعرفة وهذا العلم يكون شاهدا عليه. وقد يكون الانسان جاهلا يعمل بجهل ولا يرفع رأسا للعلم ولا يسأل بل لربما انكر على من يسأل بالا يتورط كما يزعم. فهو يحب ان يعمل كيفما اتفق. فهذا يخشى عليه ان يكون من اهل الضلال. فالواجب على العبد ان يتعلم وان يعرف الحق بدليله وان يعمل بما علم ونحن في مجالس العلم نتعلم ولكن ينبغي علينا ان نعمل بما علمنا فهذا هو الكمال وانما يقصد بالعلم العمل. ولهذا لو نفع العلم بلا عمل لما ذم الله احبار اليهود. ولو نفع العمل بلا لما ذم الله رهبان النصارى وعالم بعلمه لم يعملن معذب من قبل اصحاب الوثن. فالله عز وجل سيحاسب الانسان وليس الحل كما يظن بعض الجهلة انه يبقى جاهلا لان لا يحاسب على العلم. لا سيعمل على ضلال فلا بد من العلم لا بد من العمل. ومن اراد المراتب عالية عند الله عز وجل فعليه ان يجمع بين الامرين ان يتعلم وان يعمل الفائدة السادسة وهي ما قاله ابن القيم رحمه الله يقول والغضب نتيجة فساد القصد. والضلال نتيجة فساد العلم. بمعنى ان هذا الانسان الذي علم ان هذا هو الحق لم يتبعه لماذا؟ لانه له في الباطل شهرة ومعيشة كما يقول المعلمي رحمه الله في كتاب التمكين يكون له في الباطل شهرة ومعيشة او يكون له رئاسة او غير ذلك من الاهواء في ترك الحق الذي عرفه ويأبى الا ان يتبع الباطل. يقول ابن القيم رحمه الله والضلال نتيجة فساد العلم فاعتلال القلوب ومرضها نتيجة لاحد هذين الفسادين. وبالهداية الى الصراط المستقيم الشفاء من مرض ضلال وبالتحقق من اياك نعبد واياك نستعين علما ومعرفة وعملا وحالا الشفاء من مرض فساد القصد فائدة ثامنة وهي ان وجه اضافة النعمة الى الله سبحانه وتعالى انعمت وحذف فاعل الغضب قال غير المغضوب عليهم. ما قال غير الذين غضبت عليهم. يمكن ان يقال في توجيهه ان الرحمة تغلب الغضب. فاضافها اليه قال صراط الذين انعمت ان رحمتي سبقت غضبي. فناسب ان تنسب اليه وان يضيفها الى نفسه لانها اكمل الامرين وهذه طريقة القرآن ان يضيف الاكمل كما قال الله عز وجل عن الجن وانا لا ندري اشر اريد بمن في الارض ما قال اراده الله باهل الارض لا ندري اشر اريد بمن في الارض بالفعل المبني المجهول ام اراد بهم ربهم رشدا الفرق في الشر قال اريد بمن في الارض من اراده بهم؟ لما منعوا من اشتراق السمع لا ندري اشر اريد بمن في الارض يعني عذاب ينزل عليهم ام اراد بهم ربهم رشدا؟ وكذلك في قول الخضر في سورة الكهف اما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت ان اعيبها. ارادة العيب نسبها الى نفسه. واما في الغلام الذي كان كنزهما تحت ذلك الجدار الذي ابتدى ان يقع وينهار فقال فيه حينما اقامه قال واما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته انزل لهما فاراد ربك ان يبلغا اشدهما. ما قال فاردت ان يبلغا اشدهما. بينما في خرق السفينة قال فاردت ان اعيبها وكذلك ابراهيم صلى الله عليه وسلم قال الذي خلقني فهو يهدين ولما ذكر المرض قال واذا مرضت قال واذا امرضني فهو يشفين. مع ان الله عز وجل هو الممرض. ولذلك فان ابا بكر الصديق رضي الله عنه حينما كان في مرضه الذي مات فيه قيل له ندعو لك الطبيب قال الطبيب امرظني ويمكن ان يقال ان افتاء النعم يكون من الله واما الغظب واللعن فيكون من الله ومن ملائكته صراط الذين انعمت فالله هو المنعم. انعمت عليهم غير المغضوب عليهم فالغضب واللعن يكون من الله ويكون من الملائكة هو من المؤمنين فانهم يلعنون ويغضبون ويدعون على الكافرين خلافا للعلمانيين الذين تضيق صدورهم بالدعاء على اعداء الله عز عز وجل من اليهود والنصارى ويكتبون في الصحف يدافعون عنهم ويتباكون على الدعاء عليهم ويقولون لماذا لا تدعون لهم بداية فهل نصر الاسلام يتحقق بكثرهم؟ وباهلاكهم؟ نقول نعم نصر الاسلام لا يتحقق الا باهلاكهم وتدميرهم ونحن ندعو الله عز وجل صباح مساء عليهم بذلك. وجبريل صلى الله عليه وسلم كان يأخذ من وحل البحر ويضع في فم فرعون مخافة ان تدركه الرحمة. وقد تكلمت على هذا المعنى في بعض المناسبات ردا على بعض الكتاب. الذين يكتبون في بعض الصحف وقد كثرت هذه الكتابات وتكررت في هذه الايام. فعلى كل حال ويمكن ان يقال ان في فاعل الغضب غير المغضوب ما ذكر فاعل. من الذي غضب فيه اشعار باهانة المغضوب عليهم. ويمكن ان يقال ان الانعام بالهداية يستلزم شكر المنعم واصل الشكر هو ذكر المنعم والعمل بطاعته. وكان من شكره ابراز الضمير المتضمن لذكره. انعمت ما تغفله. فاذا اغفلته فان ذلك لا تناسب مع انعامه. والقاعدة ان العرب تضيف الفعل الى من وجد منه وان كان مسببه غير الذي وجد منه احيانا واحيانا الى مسببه وان كان الذي وجد منه الفعل غيره. مثل لما تقول مثلا انبت المطر الزرع فالمطر سبب. والمنبت هو من هو الله فاضفت الانبات الى المطر وهو سبب والمسبب هو الله عز وجل. واحيانا تضيفه الى الفاعل حقيقة وعلى كل حال فائدة تاسعة. الاية اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين. فهذه الايات لاحظ الاوصاف الاربعة الهداية اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم الانعام وغير المغضوب عليهم الغضب ولا الضالين اهل الضلال. فعندنا اهل هدى وانعام واهل ضلال وغضب. فقابل بين هؤلاء وبين هؤلاء. فاهل الانعام قد جانبوا طريق اهل الغضب واهل الضلال. وتخلصوا من ذلك كله فليسوا باهل ضلال وليسوا باهل غضب. وهذا الاقتران والتقابل كثير في القرآن. فالله عز وجل يقابل احيانا بين اوصاف اهل الجنة واوصاف اهل النار. ويقارن ايضا بين نعيم هؤلاء وبين هؤلاء ويقابلوا بين ذلك. وتارة يقرن الله عز وجل بعض الاوصاف مع بعضها. فكما قرن الله عز وجل بين الهدى والفلاح بقوله اولئك على هدى من ربهم واولئك هم المفلحون سورة البقرة وقرن ايضا بين الهدى والامن كما في قوله اولئك لهم الامن وهم مهتدون. وقرن بين الضلال والشقاء ان المجرمين في ضلال وسعر وقال ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى ابصارهم غشاوة ولهم عذاب وجمع بينهم الاربعة بقوله فاما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا يضل ولا يشقى. ومن اعرض عن ذكري فان له معيشة ونحشره يوم القيامة اعمى. وفي الاية الاخرى فاما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى. ومن اعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا. وفي الاية الاخرى فاما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. الفائدة العاشرة في وجه تقديم المغضوب عليهم على الضالين. لماذا قدم المغضوب عليهم على الضالين؟ يمكن ان يقال لانه من اقدم زمنا فاليهود قبل النصارى ويمكن للقرب المكاني اليهود اقرب الى المسلمين النصارى كانوا في نجران وفي الشام وفي الحبشة ابان مبعث النبي صلى الله عليه وسلم واما اليهود فكانوا جيرانا لهم في المدينة ويمكن ان يكون قدم اليهود لانهم اغلظ كفرا فكفرهم على علم ويمكن ان يكون قدمهم لانه قدم المنعم عليهم والغضب يقابل الانعام. هذا اخر الكلام على سورة الفاتحة. واسأل الله عز وجل ان ينفعني واياكم بما وان يجعلنا واياكم هداة مهتدين للمزيد من مواد فضيلة الشيخ الدكتور خالد بن عثمان السبت يرجى زيارة الموقع الرسمي لفضيلته على الرابط دبليو دبليو دبليو دوت خالد السبت دوت كوم