ان يحرص على تعلم احكام دينه لكي يكون كسبه مالا حلالا مباركا فيه وان يبتعد عن الحرام وان يتقي الشبهات وقد بين اهل العلم رحمهم الله تعالى طريقي الكسب طريق الحل والسبب الثاني للمحرم لوصفه وهي العقود المحرمة وقد بين اهل العلم رحمهم الله تعالى ان جميع العقود مباحة الا عقدان العقد الاول ما كان من باب الربا وهو من اشد العقود تحريما بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه. كما يحب ربنا ويرضى واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى اله واصحابه وسلم تسليما كثيرا الى يوم الدين ثم اما بعد ايها الاخوة الاكارم فان الله عز وجل قد جبل الانسان على محبته للمال ورغبته في جمعه والمكاثرة له كما قال الله سبحانه وتعالى الهاكم التكاثر اي شغلكم التكاثر وجمع الاموال التكاثر في الاموال والتكاثر في الاولاد والتكاثر الى ذائة الدنيا ويقول الله سبحانه وتعالى وانه لحب الخير لشديد اي ان الانسان محب للخير الذي يجلبه لنفسه ومن ذلك الخير الذي يحبه الادميون لانفسهم هذه الاموال التي يجمعونها وقال الله جل وعلا زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة فقول الله عز وجل والقناطير المقنطرة يدل على ان الادميين مجبولون على جمع الاموال ومحبة المكاثرة فيها وانهم لا يكتفون بحاجتهم فحسب بل يزيدون على ذلك شيئا كثيرا ولذا قال الله عز وجل والقناطير المقنطرة وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى فقد ذكر عليه الصلاة والسلام ان ابن ادم لو كان له واديان من ذهب لابتغى لهما ثالثا ولا يملأ عين ابن ادم الا التراب ولذلك فان هذه الاموال المملوكة للادميين لها طريقان لا ثالث لهما اما ان يكون الطريق طريق الحل والاباحة واما ان يكون الطريق طريق التحريم نعم ان بين الطريقين طرقا مشتبهة وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ان من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ولذا فانه وجب على الادمي المسلم عموما وطالب العلم خصوصا وطريق الحرمة فاما طريق الحل في كسب الاموال فقد ذكر اهل العلم انها ثلاثة طرق لا رابع لها اما ان يكون بالارث واما ان يكون بالتعاقد واما ان يكون بحيازة المباحات فالارث قد قسمه الله عز وجل وفصله في كتابه تفصيلا مبينا والتعاقد هو البيع وقد قال الله عز وجل واحل الله البيع وحرم الربا البيع وما في حكمه من صور التعاقد كالهبات سائر التبرعات والاجارة التي تكون بيعا للمنافع وغير ذلك من العقوق واما النوع الثالث وهو حيازة المباحات ان النبي صلى الله عليه وسلم بين بين ان الناس شركاء في ثلاثة فهذه المباحات التي هي منفكة عن الملك والاختصاص اذا حازها امرؤ فانه يملكها كالحطب والصيد والحشيش والماء وغير ذلك من الامور المعروفة المبينة في تفصيلها في كتب اهل العلم واما المال الحرام فقد بين اهل العلم ان المال الحرام نوعان اما ان يكون محرما لجنسه واما ان يكون محرما لوصفه بل محرم لجنسه وهو الذي يسمونه المحرم لعينه هو ما حرم الله عز وجل امتلاكه اما لكونه نجس العين او لكونه عموم التحريم فالخنز فالخمر ولحم الخنزير وسائر النجاسات كلها محرمة لعينها لا يقع عليها ملك ولا يقع فيها ولا ولا يتحقق منها انتفاع للادمي وان كان وضع اليد عليها في بعض الصور له اثر واما المحرم لوصفه وقد بين اهل العلم ان المحرم لوصفه معناه ان يكون المال المملوك جنسه مباح الذهب والفضة وسائر النقد ولكن المرء اكتسبه بطريق محرم وقد بين اهل العلم رحمهم الله تعالى ان المحرم لوصفه يشمل ثلاثة اسباب فقط دون ما عداها اول هذه الامور ان يكون المحرم اكتسبه المرء ثمنا لمحرم لعينه فمن باع خمرا او مخدرات او نجاسات او خنزيرا ونحو ذلك فان ثمن محرم لوصفه لا لعينه ان العين قد باعها ويدخل في ذلك ايضا ثمن المنافع المحرمة كحلوان الكاهن ومهر البغي والرشوة وغيرها انها جميعا اثمان لمنافع محرمة ولذا فلا يحل قليله ولا كثيره والنوع الثاني وما كان النهي فيه لاجل الغرر واما الغرر فانه يجوز قليله للحاجة واما كثيره فمحرم باتفاق وقد ورد فيه الحديث في صحيح مسلم نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرق والسبب الثالث للمحرمات لوصفها ان يكون المال مستحقا كالمال المسروق والمغصوب والمنهوب والمجحود وغير ذلك من الاموال الكثيرة التي تكون ملكا لغيره من الناس ثم ان المرء يضع يده عليها بطريق الغصب والتعدي فيكون كسبه لها محرما اذا عرف المسلم ذلك انه يكون قد عرف اسباب المال الحلال واسباب المال الحرام وعرف طريقة كسبها فحينئذ يتمايز المالان وقبل الحديث عن احكام المالين فانه لا بد من الحديث عن اسباب كسبهما الذي ذكرتها قبل قليل على سبيل الايجاز ومعرفة هذه الاسباب على سبيل التفصيل مهم لعموم الناس قد جاء عن عمر رضي الله عنه انه قال لقد هممت ان امنع الصراف ان يدخلوا السوق حتى يتعلموا احكام البيع والشراء وهذا حق منه رضي الله عنه فان ما لا يتم الواجب الا به فهو واجب فانه اذا كان المرء لا يستطيع ان يعرف الحلال من الحرام الا بمعرفة الاحكام فانه يجب عليه معرفة احكامها وهي في الغالب لا تخرج عن الاحكام التي ذكرتها على سبيل الاجمال في مقدمة الحديث ايها الاخوة الاكارم ان المرء اذا كسب مالا حلالا ان الله عز وجل يثيبه على كسبه ويجعل مع اثابته له على كسبه يجعل له بركة الدنيا ولذلك فان البركة في المال غاية عظيمة ما من امرئ الا ويرجوها وما من شخص الا وينشدها ولذلك فان الله عز وجل قد يجعل البركة في المال القليل فيكون نفعه كثيرا وضده بضده قد ينزع الله عز وجل النفقة من المال الكثير فيكون نفعه كنفع المال القليل بل ربما كان اقل وهذه البركة ما من نبي من انبياء الله عز وجل الا سألها الله الا سألها الله عز وجل قال سبحانه وتعالى وقل ربي انزلني منزلا مباركا وانت خير المنزلين هذا قالها نوح عليه السلام وكان من دعاء نبينا صلى الله عليه وسلم اللهم بارك لنا فيما رزقتنا فالبركة في المال هي امر يضعه الله عز وجل في المال يكون سببه كسبه الحلال فاذا كانت البركة في البيع فان صاحبه يربح فيه في الجملة وتسعد نفسه ويقنع بما رزقه الله عز وجل ويرظى بعطاء الله سبحانه وتعالى عليه ومن اثار المال الحلال ان الله عز وجل يجعل صاحبه مستجاب الدعوة فكم من امرئ يمد يديه الى السماء يسأل الله عز وجل يا رب يا رب ومطعمه حرام ومكسبه حرام وغذي بالحرام انى يستجاب لذلك ولذلك بين النبي صلى الله عليه وسلم ان المرء يحرص على قدر الاستطاعة ان يبحث عن المال الحلال ويبتعد عن المال الحرام فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم انه قال ان الدنيا علوة خظرة فمن اخذها بحقها بارك الله له فيها اوروبا متخوض في مال الله ورسوله له النار يوم يلقاه الله فان عناية المرء بطريق كسبه وابتعاده عن الكسب الحرام وعنايته بالكسب الحلال سبب لي كل خير في الدنيا وفي الاخرة وهذا السبب هو الذي ذكره الله عز وجل في كتابه حينما قال يمحق الله الربا ويربي الصدقات فالمال الحرام منزوع البركة ممحوق الكسب سواء كان من الربا او كل كسب محرم غيره حتى ولو كان في الطريق للكسب فالحلف في البيع برفع السعر هو من الغرر وقد ثبت في الصحيحين ان النبي صلى الله عليه وسلم قال الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة وكذلك الغش الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وكل بلد يمشوا فيها التطفيف انه لا يبارك في ربحها ولا في ربح سوقها وقد كان السلف رحمهم الله تعالى ينهون عن دخول السوق الذي فيه غش قال سعيد بن المسيب اذا جئت ارضا يوفون المكيال والميزان فاطل المقام بها وان جئت ارضا ينقصون المكيال والميزان فقل المقام بها لان شؤم المال الحرام يعم كل من دخل في ذلك السوق ولذلك كلما كان المرء اعنى بمكسبه الحلال مبتعدا عن المال الحرام فان الله عز وجل يبارك له في ماله ويستجيب له في دعائه يصلح له في اهله كذلك فان من صلاح الاهل من اسباب صلاح الاهل ان يكون المال مالا حلالا وقد تقدم معنا في حديث ان اسباب كسب المال الحرام متعددة وانها اما ان تكون بسبب العقد واما ان تكون بسبب عين المال واما ان تكون بسبب الاستحقاق وساذكر بعضا من الصور التي يقع فيها بعض الناس وهي من اخطر صور الكسب المحرم ان من اخطر صور الكسب المحرم الربا وقد فصله الله عز وجل في كتابه وحذر منه وبين ان الذين يأكلون الربا لا يقومون الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس وبين النبي صلى الله عليه وسلم ان في اخر الزمان يتساهل الناس في الربا حتى ان الذي لا يأكله يصيبه غباره ومن صور اكل المال الحرام الرشوة اذ الرشوة هي بيع لمنفعة محرمة فلا يجوز لامرئ ان يبذل منفعة محرمة مقابل عوظ فيكون المال مالا حراما وقد بين الله عز وجل ان اكل الرشوة سبب لهلاك الناس واذا تأذن الله لهم بالهلاك وبامرهم بالدبر ولحالهم بالذلة والهوان فان الله عز وجل يسلط اهل السطوة فيتسلطون على ظعفائهم فيأخذون الرشا ويأكلون السحت كما قال الله جل وعلا واذا اردنا ان نهلك قرية امرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا وكم اهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا ومن اراد الاخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فاولئك كان سعيهم مشكورا قل لن نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا فاذا تجرأ الظلمة فاكلوا اموال الناس بالباطل ظلما وعلوا وتسلطا وبغيا اخذوا المال بالغصب ومال المحتاج بالرشوة ان ذلك يكون سببا لحلول غضب الله عز وجل قل هل انبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت اولئك شر مكانا واضلوا عن سواء السبيل قد بين الله عز وجل سبب غضبه وسبب لعنته لاولئك القوم فقال وترى كثيرا منهم يسارعون في الاثم والعدوان واكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون واكل السحت المراد به اكل الربا الرشوة وانما سمي اكل الرشوة اكلا للسحت تشبيها لاكلها بالكلب الجائع فكأن المرتشي من شره الى اخذ ما يعطاه من مال حرام مثل مسحوت المعدة من الشره الى الطعام ولذلك كان اكل الرشوة سببا للعن الامم السابقة قبلنا وقد نهى الله عز وجل اهل العلم عن السكوت عن ذلك وعاتبهم على عدم الانكار عليهم وعدم نهيهم عن ذلك المنكر فقال سبحانه لولا ينهاهم الربانيون والاحبار عن قولهم الاثم واكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون ولذلك فان طالب العلم يلزمه ان يعنى بتبيين الاحكام الشرعية على وجهها وان ينبه الغافل من المسلمين لذلك اذا كان ذلك كذلك في شرع من قبلنا فان في شرعنا مثل ذلك وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم دب اليكم داء الامم قبلكم وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم اثم الرشوة اكلها وموكلها فثبت في السنن باسناد صحيح ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لعن الله الراشي والمرتشي وبين ان اكل الرشا محكوم عليه بدخول النار فروى الطبراني ان النبي صلى الله عليه وسلم قال الراشي والمرتشي في النار وجاء ان معاذ بن جبل حينما قدم من اليمن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم توافى السنة التي حج فيها عمر رضي الله عنه بالناس حينما انابه ابو بكر فالتقم معاذ مع عمر في يوم التروية بمنى فاعتنقا وعزى كل واحد منهما صاحبه بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جلس على الأرض يتحادثان فرأى عمر عند معاذ غلانا فقال له ما هؤلاء يا ابا عبدالرحمن فقال معاذ اصبتهم في وجهي اي في سفري هذا فقال عمر من اي وجه فقال معاذ اهدوا الي واكرمت بهم فقال عمر رضي الله عنه اذكرهم لابي بكر فقال معاذ ما ذكري هذا لابي بكر ثمان معاذا رضي الله عنه نام فرأى معاذ في النوم انه كانه على شفير النار وان عمر رظي الله عنه اخذ بحجزته من ورائه يمنعه ان يقع في النار ففزع معاذ فقال هذا ما امرني به عمر فقدم معاذ فذكر امر الغلمان لابي بكر فصوغه ابو بكر فصوغ له ابو بكر ذلك ثم ان معاذ رضي الله عنه اعتقه وهذا يدلنا على ان طالب العلم يلزمه ان يؤكد على غيره في قضية المال الحلال والمال الحرام وان يبتعد عنه قدر استطاعته ان المال الحرام وخاصة الرشوة ايها الافاضل من اعظم الاسباب التي ترمي صاحبها في النار على صورة خبيثة وهيئة مستقبحة فقد روى الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من ولي على عشرة فحكم بينهم بما احبوا او كرهوا جيء به يوم القيامة مغلولة يداه الى عنقه فان حكم بما انزل الله ولم يرتشي في حكمه ولم يحف فك الله عنه يوم القيامة يوم لا غل الا غله وان حكم بغير ما انزل الله وارتشى في حكمه وحاب شدت يساره الى يمينه ورمي به في جهنم فلم يبلغ قعرها خمسمائة عام. نسأل الله عز وجل السلامة والعافية المرتشي يوم القيامة يأتي وقد حمل على ظهره ما ارتشاه من ارض او مال او حيوان فيزداد همه هما وتزداد شدته شدة ويفضح على الملأ ويهتك ستره حينما ظن في الدنيا انه مستور روى الشيخان من حديث ابي حميد الساعدي قال استعمل النبي صلى الله عليه رجلا صلى الله عليه وسلم رجلا من الاسدي يقال له ابن اللتبية على صدقات بني سليم فلما جاء حاسبه فقال هذا لي وهذا لكم وهذا اهدي لي قال ابو حميد رضي الله عنه فقام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر فحمد الله واثنى عليه ثم قال ما بال عامل ابعثه فيقول هذا لكم وهذا اهدي لي افلا قعد في بيت ابيه او في بيت امه حتى ينظر ايهدى اليه ام لا والذي نفس محمد بيده لا ينال احد منكم منها شيئا بغير حقه الا جيء به يوم القيامة يحمله على عنقه بعير له رغاء او بقرة لها خوار او شاة تيعر ثم رفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه قال ابو حميد حتى رأينا بياض ابطيه ثم قال اللهم هل بلغت اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت ثلاثا ولذلك فان هذا الحديث يدلنا على ان اهل العلم يجب عليهم ان يعلموا وان يبلغوا ويجب ان يظهروا ذلك لما في هذا الفعل الشنيع من الاثم الخطير هذه الرشوة التي قد تنتشر في بعض فئام من المسلمين في كثير من الاوقات هي سبب لغلبة عدوهم وسبب لهزيمتهم وخذلانهم ونزول الرعب في قلوبهم وهوانهم عند الناس روى الامام احمد من حديث عمرو بن العاص ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من قوم يظهر فيهم الربا الا اخذوا بالسنة اي بالجوع ونقص الاموال وما من قوم يظهر فيهم الرشا الا اخذوا بالرعب ولذلك فان سلف هذه الامة والصالحون منها لما عرفوا خطورة الرشوة ابوها واجتنبوها وعلموا شؤمها عليهم وعلى اهلهم وعلى الناس جميعا فتركوا طريقها واجتنبوا ما يقرب اليها فهذا واحد من اولئك القوم يترك الولاية خشية الوقوع في الحرام وخشية المظنة روى الامام احمد وابو داوود من حديث علي ابن عميرة الكندي قال قال النبي صلى الله عليه وسلم يا ايها الناس من عمل منكم لنا عملا فكتمنا منه مخيطا فما فوقه فهو غال ياتي به يوم القيامة قال عدي رضي الله عنه فقام رجل من الانصار اسود كاني انظر اليه وهو سعد بن عبادة فقال يا رسول الله اقبل عني عملك قال النبي صلى الله عليه وسلم وما ذاك قال سمعتك تقول كذا وكذا فقال النبي صلى الله عليه وسلم وانا اقول ذلك الان من استعملناه على عمل فليجئ بقليله وكثيره فما اوتي منه اخذه وما نهي عنه انتهى ولذلك فان بعضا من الصحابة لما رأى كثرة الرشا عند بعض الناس في وقته تمنى الموت بعلمه بشؤمها وقد روى الامام احمد والحاكم من حديث عليم قال كنا جلوسا على سطح على سطح ومعنا رجل من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو عبس الغفاري والناس يخرجون في الطاعون فقال عبس رضي الله عنه يا طاعون خذني اليك قال عليم فقلت له بما تقول ذلك الم يقل النبي صلى الله عليه وسلم لا يتمنى احدكم الموت فانه عند انقطاع عمله ولا يرد ولا يرد ولا يرد فيستعتب فقال رضي الله عنه اني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول بادروا بالموت ستا امرة السفهاء وكثرة الشرط وبيع الحكم واستخفافا بالدم وقطيعة الرحم ونشوا اي نشأ يتخذون القرآن مزامير يقدمون الرجل يغنيهم وان كان اقل منهم فقها فقوله وبيع الحكم هذا هو اخذ الرشا وهذا هو الذي كان السلف رحمهم الله تعالى يخافونه ولذلك فان عمر ابن عبد العزيز رضي الله عنه ورحمه لما ولي الخلافة بالغ في سد باب الرشا فلم يقبل الهدية مطلقا. وكان يقول الهدية في زمن النبي صلى الله عليه وسلم هدية. وهي في وقتنا الان رشوة وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان في مجلس يحدث القوم اجاء رجل وقال يا رسول الله متى الساعة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لما قضى حديثه اين السائل عن الساعة فقال ها انا يا رسول الله فقال اذا ضيعت الامانة فانتظر الساعة فقال الاعرابي كيف اضاعتها قال اذا وسد الامر الى غير اهله فانتظر الساعة فاذا وسد الامر الى من كسب به رشوة انه من باب علامات الساعة وانتظارها وقد بين اهل العلم رحمهم الله تعالى ان الرشوة درجات وتكون في بعضها اشد من بعض فاشد درجات الرشوة اذا كان فيها ظلم لاحد فمن منع امرأ حقا ليعطيه اخر بمال فان هذا قد جمع بين الرشوة وبين الظلم ودون ذلك وهو داخل في الرشوة ويكون ملعونا كذلك من اخذ مالا على عمله وان لم يظلم احدا فانه داخل في الرشوة وقد جاء ان ابا سلمة ابن عبد الرحمن ابن عوف رضي الله عنه لما اراد ان يدخل على والي المدينة اوقفه الحاجب ولم يدخله فقيل له ضع ضع في يد الحاجب مالا واعطه مالا ليدخلك فقال اني سمعت عبدالله بن مسعود رضي الله عنه يقول لعن الله الراشي والمرتشي قيل له ان هذا الحاجب لم يظلم احدا قال ان ظلم احدا فانه كفر لانه حكم بغير ما انزل الله واما هذا فانه لم يظلم احدا فيكون مرتشيا فلذلك يجب على المسلم اذا ولي عملا وكان موظفا في وظيفة عامة للناس وقطاع حكومي ان يتقي الله عز وجل وان يحتاط فلا يكتسب ولو شيئا يسيرا. كما جاء عن عمر ابن عبد العزيز ويحتاط في الهدايا فلا يأخذ منها شيئا ومن صور المال الكسب الحرام الذي يقع فيه بعض الناس الاعتداء على المال الحر عام الاعتداء على المال العام وقد شدد الله عز وجل على ذلك في كتابه وجاءت احاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فان من اخذ من المال العام ومن اموال المسلمين العامة من غير حق ووجه حق فانه يكون غالا يقول الله سبحانه وتعالى وما كان لنبي ان يغل ومن يغلل يأتي بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون وجاء في الاثر عند البيهقي في الشعب ان الحجر يرمى في جهنم فيهوي سبعين خريفا ما يبلغ قعرها ويؤتى بالغلول او يؤتى بالغال فيقذف معه ثم يقال لمن غل به ائت به يعني بهذا الذي غللته من المال الذي غله قال فذلك قول الله عز وجل ومن يغلل يأتي بما غل يوم القيامة ان اخذ المال العام والاعتداء عليه من غير وجه الذي سماه الله عز وجل غلولا هو جريمة عظيمة وفعلة شنيعة نفاها الله عز وجل عن انبيائه واصفيائه وبرأهم منها وفي المقابل ورد فيها من التهديد الشديد والوعيد الاكيد لمن غل ولو كان ذلك الغلول شيئا يسيرا روى الامام احمد ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول اياكم والغلول فان الغلول خزي على صاحبه يوم القيامة ادوا الخيط والمخيط وما فوق ذلك وجاء في لفظ عند ابن ماجه ان الغلول عار ونار وشنار على اهله يوم القيامة فالغلول هو اخذ شيء من بيت مال المسلمين العام واخذ شيء من خزينة الدولة من غير وجه حق سواء كان نقدا او حيوانا او كان عينا او كان ارضا او نحو ذلك. من غير موجب الاستحقاق وهو من كبائر الذنوب وقد جاء عن ابن عباس انه قال كباء الكبائر الاشراك بالله والامن من مكر الله وعقوق الوالدين واكل الربا والسحر والغلول فقرن الغلول بهذه الكبائر لعظم شأنه وخطورته عند الله عز وجل من شؤم الغلول والاعتداء على المال الحرام ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يصلي على ذلك قال الامام على الغال قال الامام احمد ما نعلم ان النبي صلى الله عليه وسلم امتنع من الصلاة على احد الا الغال وقاتل نفسه وقد ثبت عن زيد بن خالد ان النبي صلى الله عليه وسلم امتنع من الصلاة على رجل في غزوة خيبر وقال ان صاحبكم غل في سبيل الله قال زيد ففتشنا متاعه فوجدنا فيه خرزا من خرز يهود لا يساوي درهمين فانظر لهذا الشؤم العظيم على غلول شيء يسير لا يساوي درهمين فكيف بمن اخذ اكثر من ذلك فاين ذلك ممن يتولى منصبا او سلطة فيستغل ذلك المكان لاغراضه الشخصية واهدافه الذاتية ليحقق اثراء سريعا من مال عموم الناس المسلمين ويزين له الشيطان فعلته فيلتمس المعاذير ويبحث عن المخارج فيعمي حب المال بصيرته ويغري سهولة الحصول على ذلك شهوته وحينئذ ويؤكد على ذلك اذا كان الرقيب عليه ضعيفا فترى ذلك الرجل يغل ويأخذ من المال العام ويسمي هذا الفعل والغلول بغير اسمه بل ربما عده من اطيب الحلال وايسره وهو عند الله شديد العقوبة روى مسلم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال يا ايها الناس من عمد لنا منكم في عمل فكتمنا منه مخيطا فما فوقه فهو غلول يأتي به يوم القيامة وفي الصحيح ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده فان كان سارق البيضة والحبل تقطع يده عقوبة ونكالا وملعون على لسان رسول الله فان سارق المال العام قل او كثر حري باللعن والنكال والعقوبة وهو اشد اثما واعظم جرما عند الجبار جل وعلا من السرقة لان المستحقين والذين سرق منهم فئام كثير. لا يعلمهم الا الله منهم الشيخ الهرم والعبد الصالح المنقطع واليتيم والارملة وذو الحاجة ممن لا حيلة له ولا شكوى الا لله سبحانه وتعالى فهؤلاء خصماءه يوم القيامة وقد تأذن الله عز وجل بعذاب من غل من مال المسلمين شيئا في النار يوم القيامة وبانه مهان في القبر والبرزخ الى حين العرض روى ابن خزيمة وصححه من حديث ابي رافع ان النبي صلى الله عليه وسلم مر بالبقيع وهو مسرع لصلاة المغرب. فقال اف لك اف لك. قال ابو رافع فكبر ذلك في ذرعي فاستخرت وظننت انه فاستأخرت اي تأخرت وظننت انه يريدني فقال ما لك امشي لم اردك ولكن هذا قبر فلان بعثته ساعيا على ال فلان اغل نمرة تدر فدرع فيها او فدرع الان مثلها في نار جهنم هذا عذابه في البرزخ واما يوم القيامة فانه مفظوح على رؤوس الاشهاد روى البخاري عن ابي هريرة قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فذكر الغلول فعظمه وعظم امره ثم قال لا الفين احدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء. يقول يا رسول الله اغثني فاقول لا املك لك شيئا قد ابلغتك ثم ذكر مثل ذلك في سائر الاموال ان صور الغلول المعاصرة في وقتنا واشكال الاعتداء على المال العام عام متنوعة حتى اصبحت عند بعض الناس اسهل من شرب الماء الزلال فالوظائف الوهمية واقتطاع الاراضي من غير وجه والتلاعب باسعار المشتريات والصفقات والعقود الوهمية وتخصيص المرء نفسه او صديقه بمشروع دون باقي الناس ونحو ذلك من التصرفات الكثيرة التي تتعدد هيئتها وتتنوع مسمياتها وتتفق جميعا بانها غلول واعتداء على المال العام كلها داخلة فيما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وحذر منه ربنا جل وعلا وان هذه الهدية بصورها المختلفة واسمائها المتنوعة التي تعطى للموظف هي من الغلول والرشا المحرم ولو لم يغش في عمله او يحابي فيه ويداري فيه روى الامام احمد من حديث ابي حميد ان النبي صلى الله عليه وسلم قال هدايا العمال غلول وفي الصحيحين ان النبي صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا من الازد فلما عاد قال هذا لكم وهذا لي اهدي لي فقام النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما بال عامل ابعثه؟ فيقول هذا لكم وهذا لي افلا قعد في بيت ابيه او بيت امه حتى ينظر ايهدى اليه ام لا والذي نفس محمد بيده لا ينال احد منكم فيها شيئا ان اي من الاعمال التي وكلت وكل بها الا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه فنسأل الله السلامة ولذلك فان كثيرا من الامور يتساهل الناس فيها وهي عند الله عظيمة وهذا معنى قول عبد الله ابن عمرو ابن العاص رضي الله عنه لو كنت مستحلا من الغلول القليل لاستحللت منه الكثير ما من احد يغلولا الا كلف ان يأتي به من اسفل درك جهنم وهذه الامور المهمة يجب ان يعنى بها المرء. وان يبتعد عنها قدر استطاعته وقد كان للسلف في ذلك اروع الامثلة ويضربون في ذلك اجل التجارب واذكر بعضا من ذلك بحسب ما يسمح به الوقت لقرب انتهائه فقد روى ابن ابي الدنيا ان عمر رضي الله عنه كان يدفع الى امرأته طيبا للمسلمين تبيعه ثم يأخذ اجره او قيمة الطيب ويجعلها للمسلمين فعلق باصبعي زوجته رضي الله عنها شيء من ذلك الطيب فمسحت به خمارها فجاء عمر فقال ما هذه الريح؟ فاخبرته خبرها فقال تتطيبين بطيب المسلمين فانتزع خمارها ثم جعل يقول بخمارها في التراب ثم يشمه ثم يصب عليه الماء ثم يقول به في التراب حتى ظن ان ريحه قد ذهبت ثمان المرأة العطارة جاءت مرة اخرى لزوجة عمر رضي الله عنه فاشترت منها ووزنت لها فعلق باصبع زوجة عمر من الطيب شيئا فمسحت اصبعها في التراب فقالت العطارة ما هكذا صنعت اول مرة فقالت زوجة عمر اوما علمت ما لقيت منه لقيت منه كذا وكذا رضي الله عنه ورحمه وجمعنا به مع نبينا صلى الله عليه وسلم في جنات النعيم ومثل ذلك جاء عن حفيده فقد جاء في الحلية ان عمر ابن عبد العزيز جيء له بطيب من اليمن فوضع يده على انفه بثوبه فقال له وزيره مزاحم انما هو ريح طيب الطيب يا امير المؤمنين فقال رضي الله عنه ورحمه ويحك يا مزاحم هل ينتفع من الطيب الا بريح فما زالت يده على انفه حتى رفعت الطيب وجاء ان عمر ابن عبد العزيز كانت تسرج له شمعة ما كان في حوائج المسلمين وعملهم فاذا فرغ من حوائجهم اطفأها واسرج عليه سراجا من ماله هؤلاء قوم سبقوا غيرهم بهذه الاعمال العظيمة. وهذا الورع الجليل الذي لا يستطيع اكثر الناس ان يقاربهم فيه ورعا وجاء ان بعض السلف ممن بعدهم على هذه الطريقة فجاء ان ابا خزيمة الرعين قاضي مصر وكان في القرن الثاني كان اذا غسل ثيابه او شهد جنازة او اشتغل بشغل يختص به لم يأخذ من رزقه من بيت المال بقدر ما اشتغل في ذلك الشغل ثم يعيد الى بيت المال ما يقابل ذلك ويقول انما انا عامل للمسلمين فاذا اشتغلت بشيء غير عملهم فلا يحل لي اخذ مالهم هذا الامر المهم العظيم به اولئك علت درجتهم وبه ذكروا في من بعدهم وبه جعلهم الله عز وجل ائمة يقتدى بهم اسأل الله عز وجل ان يرزقنا الفقه في الدين وان يعلمنا الكتاب والسنة واسأله جل وعلا ان يرزقنا وان يرينا واسأله جل وعلا ان يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه. وان يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه واسأله جل وعلا ان يصلح لنا بكسبنا وان يطيب لنا ما لنا وان يصلح لنا نياتنا وذرياتنا واموالنا واسأله سبحانه وتعالى ان يبعد عنا الحرام كسبه وعينه واسأله جل وعلا ان يعصمنا من مظلات الفتن ما ظهر منها وما بطن وان يحفظ بلادنا من كل سوء وان يوفق ولاة امرنا لكل خير وان يحفظهم ويبارك في اعمارهم ويسدد اقوالهم واعمالهم وان يريهم الحق حقا ويرزقهم اتباعه وان يريهم الباطل باطلا ويرزقهم اجتنابه وصلى الله وسلم وبارك على نبينا ورسولنا وامامنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين