القرآن وهو فرض محال لاستحال تصور وجود العالم الكوني كله الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام الاتمان الاكملان على سيد المرسلين سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. اما بعد فلي الشرف العظيم مولاي امير المؤمنين ان اجلس اليوم بمجلسكم المهيب هذا. لمدارسة قرآنية ندخل ابوابها متعبدين تدبر القرآن العظيم. وذلك انطلاقا من قوله تعالى وما كان لبشر ان يكلمه الله الا وحيا ومن وراء حجاب او يرسل رسولا فيوحي باذنه ما يشاء. انه علي حكيم وكذلك اوحينا اليك روحا من امرنا. ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان. ولكن جعلناه نورا نهدي به وانك لتهدي الى صراط مستقيم. صراط الله الذي له ما في السماء السماوات وما في الارض. الا الى الله تصير الامور. مولاي امير المؤمنين ان هذا الكتاب الموسوم بالقرآن كتاب غير عاد تماما. انه كلام من طبيعة اخرى. وخطاب من عالم اخر. ولكن السعادة تضعف الحس البشري. فيفقد القدرة على ابصار حقائقه الوجودية. وابعاده الكونية وامتداده اللا نهائي الضارب في عمق الغيب بما لا قدرة للانسان مهما كان على السباحة في محيطاته. بل ها ان يحيط الاحاطة الكاملة بحدوده. فليس لنا معشر البشر الا الوقوف على ضفافه الفسيحة. وتلقي امواجه بصدورنا نتذوق من خلالها مواجيد الايمان. ونشاهد سبحات الجلال والجمال. ان هذا القرآن الكريم عن نفسه ويعرف بطبيعته وماهيته. انه يتكلم الى الانسان من خلال بعده الكوني ومصدره الرباني الروحي ومن هنا فانه اعمق من ان يحيط به الادراك المادي المجرد وما كان لبشر ان يكلمه الله الله الا وحيا. ومن وراء حجاب. ولذلك فان اياته ترتبط اسرارها جميعا بحقائق الكون فهو فيه ريست الوجود والكشاف الجامع لكل موجود. اذ هو ينتمي الى عالم الامر. وكذلك اوحينا اليك روحا من امرنا انه يمثل في حقيقته وفي وجدان المتبصر ببصائره روح الحقائق كلها فلا حياة لها الا به الخالق لكل شيء. فالقرآن يمثل من حيث حقائقه حقائق الكون كله. بدءا بقصة الخلق الى غاية من يوم القيامة كما بدأنا اول خلق نعيده. ثم البعث والنشور فالمصير فلو تصور عدم حقائق ان عظمة القرآن تتمثل اساسا في انه كلام الله رب العالمين. انما يبهر الانسان من ذلك ويفيض مشاعره ان القضية هي من العظمة والرهبة. بحيث يستحيل على القلب البشري تحمل مواجدها بدءا بالتفكر في هذا كوني الشاسع الممتد من فضاءات لا يحدها بصر ولا تصور ولا خيال وما يسبح فيه من نجوم وكواكب ومجرات وسدم غائرة بعيدة بملايين السنوات الضوئية وما يحيطها من من سماوات بعضها فوق بعض وما يعمرها من خلائق نورانية مما لا يدرك له شكل ولا صورة الى ما بين هذا وذاك من طبقات في الزمان المختلفة عدا وتقديرا من الأيام والسنوات. قد يختزل اليوم الواحد منها الف سنة مما تعدون الى خمسين الف سنة. ورب هذه العوالم جميعا الخالق لها والمحيط بازمنتها وامكنتها كلها دبروا شؤون حياتها ومماتها وارزاقها لقيوميته الممتدة من الازل الى الابد. المالك زمام احوالها بانوار اسمائه الحسنى وصفاته العلى سبحانه وتعالى. هذا الرب الرحمان الرحيم والملك العظيم المتنبي في مطلق علوه وسموه وجلاله وكبريائه. يقدر برحمانيته ورحمته ان يكرم الانسان. هذا مخلوق الضعيف القابع في الارض هذا الكوكب الضئيل السابح في بحر عظيم زاخر بامواج السدم والمجرات فيكون من اعظم مقامات هذا التكريم ان يخاطبه بهذا الكلام الالهي العظيم القرآن الكريم. فكيف لنسبي اذا ان تتحمل مواجده كلام المطلق الباقي. كيف للقلب المحكوم للزمان والمكان؟ ان تستوعب خفقاته معدودة وانفاسه المحدودة وقع الكلام الخارق للزمان والمكان. وان الله اذا تكلم سبحانه تكلم من الو اي من فوق لانه العلي العظيم سبحانه وتعالى. فهو فوق كل شيء محيط بكل شيء علما وقدرة انه رب الكون. الا انهم في مرية من لقاء ربهم الا انه بكل شيء محيط. ومن هنا جاء القرآن محيطا بالكون كله. متحدثا عن كثير من عجائبه. قال تعالى في سياق الكلام عن عظمة القرآن. فلا اقسم بمواقع النجوم وانه لقسم لو تعلمون عظيم. انه لقرآن كريم. ومن هنا فان البحث يا امير المؤمنين يرمي كما هو واضح من عنوانه الى ابراز قضيتين اثنتين. الاولى كون القرآن خطابا كونيا بما هو روح من امر الله. والثانية بيان انه بذلك معراج للتعرف الى الله جل علاه. القضية الاولى كونية القرآن الكريم ان معنى كونية القرآن لازم من لوازم كونه كلام الله رب العالمين القضية قضية بكل معاني الشمول والامتلاك والسلطنة. ذلك ان القرآن من حيث هو كلام رب العالمين. متضمن لمعنى ربوبية الجامعة لكل عناصر الكون امتلاكا وقهرا. كما ان الكائنات من خلاله تدور جميعها حول هذا المعنى سالكة الى الله خالقها. منجذبة الى نوره تعالى. ولذلك كان القرآن وهو خطاب الله الى الانسان. خطابا كونيا ايضا. ويمكن بيان كونية القرآن من خلال الخصائص الثلاثة الاتية. الخاصية الاولى القرآن قراءة لكتاب الكون وكشف لاسراره ومعنى ذلك انه كتاب كاشف للغز الحياة بصورة بسيطة فهو يقدم الصعب معقد تقديما سهلا ميسرا. فسهل على العامة والخاصة قراءة مقاصده من خلال ابعاده الكونية اذ يلفت الانتباه الانساني الى مظاهر الكون وحقائقه ليتفكر في خلق السماوات والارض كل على حسب في طاقته وسعة ادراكه فيكون القرآن الكريم بكونيته هذه خطابا لجميع الناس بجميع مستوياتهم الثقافية واختلافاتهم اللغوية والعرقية. وهو درب من دروب الاعجاز. ومن هنا كان القرآن بحق مفسر كتاب العالم الخاصية الثانية القرآن رح الكون. ومعنى ذلك انه ما دام المتكلم به هو الله رب العالمين. بالاعتبار الذي كيذكرنا اي خالق كل شيء سبحانه فانه لا شيء الا وهو راجع في حقيقة وجوده الى حقائق القرآن وانما القرآن نور صابر من الرب العظيم الذي هو الله نور السماوات والارض. واذا فلا شيء بعد نور به الا الظلام ولا شيء بعد وجوده الا العدم. وانما حقيقة المخلوقات انها موجودة باسمه تعالى. اي بسم الله الرحمن الرحيم. فوجودها رهين بوجوده سبحانه. وتجليها رهين بتجلي نوره جل علاه. فكان الكون بذلك دالا على وجوب وجود رب الكون العظيم. وما علمنا ذلك كله الا من خلال القرآن الكريم. الذي هو كلام رب العالمين