فإنَّهُ يقعُ -ولا بُدَّ- في مشكلةٍ أُخرى أنا أصدِّقُ العلمَ" السَّلامُ عليكُم إخوتي الكرامَ، في هذهِ الحلقةِ نلخِّصُ أهمَّ محاورِ الحلقاتِ التِّسعةِ عن الأدلَّةِ الفطريَّةِ على وجودِ اللهِ -تعالى- ضمنَ سلسلةِ رحلةِ اليقينِ، ونجيبُ عنْ بعضِ الاعتراضاتِ الَّتي وردَتْ على هذهِ الحلقاتِ. بيَّنَّا أنَّ هناكَ فِطْرةً موجودةً في الإنسانِ وشرحْنا بعضَ مُكوِّناتِ هذهِ الفطرةِ كنزعةِ التَّديُّنِ، والبدَهِيّاتِ العقليَّةِ، والنَّزعةِ الأخلاقيَّةِ، والشُّعورِ بوجودِ غايةٍ للحياةِ، والشُّعورِ بالإرادةِ الحرَّةِ وبيَّنَّا دلالةَ كلٍّ منْ هذهِ المُكوِّناتِ على وجودِ اللهِ -تعالى-، وكيفَ أنَّ الموقفَ الإسلاميَّ منْ كلِّ مُكوِّنٍ فطريٍّ هو موقفٌ منسجمٌ وعقلي. وبيَّنّا أنَّ الإلحادَ -في المقابلِ- يقعُ في مأزقٍ معَ كلِّ مُكوِّنٍ فِطريٍّ، وأنَّ أساسَ هذا المأزقِ هو إصرارُ الإلحادِ على تفسيرِ الوجودِ تفسيرًا مادِّيًّا يرفضُ فكرةَ وجودِ إلهٍ فَطَرَ الإنسانَ على هذهِ المكوِّناتِ الفطريَّةِ. فرأينا كيفَ يتَّسِمُ الموقفُ الإلحاديُّ بما يلي: إنكارِ الأشياءِ المسلَّمةِ والمعلومةِ منَ الواقعِ بالضَّرورةِ، التَّناقُضِ وعدمِ الانسجامِ، الخروجِ بنتائجَ تَنفِرُ منها النُّفوسُ بَداهةً، تحقيرِ قيمةِ الإنسانِ وكرامتِهِ، وإسقاطِ مِصداقِيَّةِ عقلِهِ ومشاعرِهِ. وبيَّنَّا أنَّ الإلحادَ إذا حاولَ أنْ يَفِرَّ منْ مُشكلةٍ منْ هذهِ المشكلات، فإذا حاولَ -مثلًا- أنْ يعترِفَ بالبدَهيَّاتِ العقليَّةِ، فإنَّهُ يقعُ في التَّناقضِ معَ رؤيتِهِ المادِّيَّةِ وإذا حاولَ الانسجامَ معَ رؤيتِهِ المادِّيَّةِ، فإنَّهُ يقعُ في إنكارِ البدَهيَّاتِ العقليَّةِ وإذا حاولَ الإلحادُ أنْ يفِرَّ منَ اللَّاأخلاقيَّةِ الَّتي يؤدِّي إليها، فإنَّهُ يقعُ في التَّناقضِ معَ رؤيتِهِ المادِّيَّةِ وإذا أرادَ أنْ ينسجمَ معَ الرُّؤيةِ المادِّيَّةِ، فإنَّهُ يؤدِّي حتمًا إلى نتائجَ لاأخلاقيَّةٍ تَنفرُ منها النُّفوسَ بداهةً لِذا، فإنَّهُ لا ينفعُ الملحدَ أنْ يقولَ: "أنا أرفضُ المقولاتِ اللَّاأخلاقيَّةَ الَّتي يتكلَّمُ بها بعضُ الملحدينَ وأرفضُ إنكارَهُم لمبادِئَ عقليَّةٍ كالسَّببيَّةِ"؛ لأنَّ رفْضَهُ هذا يُوقِعُهُ في التَّناقُضِ معَ إلحادِهِ. ومعَ ذلكَ، قدْ كُنَّا في كثيرٍ منَ المواضعِ نستخدمُ عبارةَ: "لا يجدُ (الإلحادُ) مشكلةً في كذا" أوْ "منْ أخلاقِ (الإلحادِ) كذا" و"يقولُ (الإلحادُ) كذا"؛ حتَّى لا يُعتَرَضَ علينا بأنَّهُ ليسَ كلُّ الملحدينَ يقولونَ بهذا، فالمواقفُ الَّتي ذكرناها هيَ النَّتائِجُ المُتوقَّعَةُ للإلحادِ وإنْ لم يقلْ بها بعضُ الملحدينَ. وبيَّنَّا في السِّلسلة ِأيضًا كيفَ أنَّ إنكارَ الإلحادِ للفطرةِ يوقِعُه في هدمِ الشِّعاراتِ الَّتي يرفعُها، فشِعاراتُ الملحدينَ: "أنا أحترمُ عقلي، أنا إنسانَيٌّ -أُومِنُ بالإنسانِ-، وقدْ بيَّنَّا في الحلقةِ الخامسةِ إهانةَ الإلحادِ للعقلِ وإسقاطَه لهُ، وبيَّنَّا في الحلقةِ السَّادسةِ والسَّابعةِ والثَّامنةِ إهانةَ الإلحادِ للإنسانِ وأخلاقِهِ، وبيَّنَّا في الحلقاتِ الخامسةِ والعاشرةِ والحادِيةَ عشرةَ إهانةَ الإلحادِ للعِلْمِ التَّجريبيِّ؛ فهوَ هدمٌ للشِّعاراتِ. وبيَّنّا كذلكَ كيفَ أنَّ الملحدينَ يقعونَ في نفسِ ما يَعيبونَ المؤمنينَ بوجودِ اللهِ له، فَهُمْ يَعيبُونَ المؤمنينَ لإيمانهم بالغيبِ، معَ أنَّ المؤمنينَ لديهمْ أدلَّةٌ على هذا الغيبِ، في حين يقع الملحدونَ في الإيمانِ بغيبٍ لا دليلَ عليهِ كإيمانِهم بتفسيراتٍ مادِّيَّةٍ للمكوِّناتِ الفطريَّةِ معَ انعدامِ الأدلَّةِ عليها، ويَعيبونَ على المؤمنينَ قولَ: "لا نعلمُ لماذا" جوابًا عنْ بعضِ الأسئلةِ، معَ أنَّهُ تسليمٌ مَبْنيٌّ على إيمانٍ عقليٍّ، في حين يقولُ الملحدون العبارةَ ذاتهَا: "لا نعلمُ لماذا"ّ جوابًا عنْ بعضِ الأسئلةِ، مثلَ السُّؤالِ عنْ تفسيرِ وجودِ إرادةٍ حُرَّةٍ للإنسانِ بخلافِ ما تُحتِّمُهُ النَّظرةُ الإلحاديَّةُ المادِّيَّةُ، ويدَّعي الملحدونَ أنَّ المؤمنينَ بوجودِ اللهِ يخادِعونَ أنفُسَهم، في حين أن الملحدينَ هُمْ -في الحقيقةِ- مَنْ يخادِعونَ أنفُسَهم، كما بيَّنَّا في حلقةِ: (لماذا نحنُ هنا في هذهِ الحياةِ؟) في المُحَصِّلةِ، إنَّ بعضَ المسلمينَ لديهِم تساؤلاتٌ، وشكوكٌ، وشُبُهاتٌ لم يحصِّلْ إجاباتٍ شافيةً عليها؛ وذلكَ إمّا لتقصيرِهِ في البحثِ عنْ إجاباتٍ منَ المصادرِ المُناسبةِ، أو لأنَّهُ لم يَبْنِ إيمانَه على أُسُسٍ متينةٍ أصلًا، أوْ لِخَللٍ منهجيٍّ كبيرٍ لديهِ، وهو: أنَّه لا يرُدُّ المُتشابهاتِ إلى تلكَ الأسُسِ المُحْكماتِ، أي: لا يُفسِّرُ الجزئيَّاتِ الَّتي تخفى عليهِ في ضَوءِ الأُسسِ العَقَديَّةِ الكبرى الَّتي يمتلِكُ الدَّليلَ عليها؛ فيبقى في قلقٍ واضْطرابٍ. مثلُ هذا الشَّخصِ قدْ تتَراكمُ عليهِ الشُّبهاتُ حتّى ينكِرَ وجودَ اللهِ، ويَظُنُّ أنَّهُ حينَ يُلحدُ فإنَّهُ يخرُجُ منْ هذهِ الإشكالات. ولا يدري أنَّ إنكارَهُ لوجودِ اللهِ إنَّما هوَ مُبتَدَأُ طريقٍ مُتَسلسِلٍ منَ الإنكارِ المتواصِلِ الَّذي يُؤدِّي إلى العدَمِيَّةِ والتَّناقُضِ. ففي ظِلِّ التَّصوُّرِ الإلحاديِّ الَّذي يقولُ أنَّ وجودَ اللهِ وهمٌ يقودُ ذلكَ حتمًا إلى انعدامِ كلِّ معنًى وكلِّ قيمةٍ؛ إذ سينتهي إلى نتيجةِ أنَّ المبادِئَ العقليَّةَ وهْمٌ، والقِيَمَ الأخلاقيَّةَ وهْمٌ، ومعنى الوجودِ وغايتَهُ وهْمٌ، والإرادةَ البشريَّةَ الحرَّةَ وهْمٌ، بل الإنسانُ بمكوِّناتِهِ الرُّوحِيَّةِ اللَّامادِّيَّةِ والمُشَكِّلةِ لحقيقةِ إنسانيَّتِهِ وهْمٌ مجرّد. وكما عبَّر الملحدُ وِلْيم بروفاين "William Provine" بروفيسورُ تاريخِ علمِ الأحياءِ من جامعةِ كورنيل "Cornell": يبدأُ الأمرُ بالتَّخلِّي عنْ أنَّ هناك إلهًا فاعلًا، ثمَّ التَّخلي عنِ الأملِ بوجودِ أيِّ حياةٍ بعدَ الموتِ، وحينَ تتخلّى عنْ هاتينِ الفكرتينِ، فإنَّ بقيَّةَ الأمورِ تأتي بطريقةٍ سهلةٍ نسبِيًّا؛ إذ تفقدُ الأملَ أنَّ هناكَ مبادئَ أخلاقيَّةً مُطْلَقَةً، وأخيرًا لا وجودَ لإرادةٍ إنسانيَّةٍ حُرَّةٍ، ليسَ هناكَ أدنى أملٍ في وجودِ أيِّ معنًى عميقٍ في الحياةِ الإنسانيَّةِ؛ نعيشُ ونموتُ ونَفْنَى! نَفْنَى بشكلٍ نهائيٍّ حينَ نموتُ. فاعلمْ أيُّها الشّابُّ الَّذي تخلَّيْتَ عنْ دينِكَ وأعلنْتَ ذلكَ لأصحابِكَ محتفلًا بأنَّكَ قدْ تخلَّصْت منْ مجموعةِ التَّساؤلاتِ والشُّكوكِ الَّتي كانتْ تؤرِّقُكَ يومَ كُنْتَ مُسلمًا، اِعلمْ أنَّكَ دخلْتَ محيطًا عميقًا متلاطمَ الأمواجِ منَ الشُّكوكِ والتَّساؤلاتِ والتَّناقضاتِ، وتركْتَ العُروةَ الوُثْقى لتَهوِيَ في وادٍ سحيقٍ، ولنْ تجدَ مَفَرًّا منْ هذهِ الحقيقةِ إلّا أنْ تتَعامى عنها. تعالَوُا الآنَ -إخواني- نجبْ عنْ بعضِ الاعتراضاتِ الَّتي وردَتْ على الحلقاتِ! أوَّلًا: كنتُ في الحلقاتِ أذكرُ بعضَ الآياتِ، فاعترضَ بعض بأنَّ الآياتِ لا يخاطَبُ بها الملحدُ. بدايةً هذهِ السِّلسلةُ ليستْ لمخاطبةِ الملحدِ والمتشكِّكِ فحسبْ، بلْ والمؤمنِ ليزدادَ يقينًا كما بيَّنتُ، ومعَ ذلكَ فحتى في مخاطبةِ الملحدِ لا نعابُ للاستشهادُ بهذهِ الآياتِ؛ لوْ كنتُ أذكُرُها على سبيلِ أنَّهُ: "يا ملحدُ، اللهُ يقولُ كذا؛ فعليكَ أنْ تسلِّمَ لأنَّ اللهَ قالَ" لصحَّ حينئذٍ أنْ يُقَالَ أنَّ هذا غيرُ عقليّ؛ لأنَّ الملحدَ لا يُسلِّمُ بوجودِ إلهٍ أصلًا، لكنَّ استشهادَنا بها هوَ لبيانِ انسجامِ المنظومةِ الإسلاميَّةِ، وتناسُقِ ما يَنسِبُهُ الإسلامُ إلى الإلهِ الَّذي يؤمنُ بهِ، تناسقِ ذلكَ معَ الواقعِ في مقابلِ تناقضِ الإلحادِ، فالانسجامُ منْ أدلَّةِ الحقِّ، والتَّناقضُ منْ أدلَّةِ البُطلانِ ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [القرآن 4: 82] والأهمُّ من هذا -إخواني- أنَّهُ لا يصحُّ قولُ أنَّ الملحِدَ لا يخاطَبُ بالقرآنِ هكذا بإطلاقٍ، بلْ كثيرٌ منَ الآياتِ تتضمَّنُ أدلَّةً عقليَّةً يخاطَبُ بها الملحدُ، كقولِهِ تعالى: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ﴾ [القرآن 52: 35] فنحنُ نُحَاجُّ الملحدَ بالدَّليلِ العقليِّ الَّذي تضمَّنَتْهُ الآيةُ، لا نُلزِمُه بخبرٍ لمجرَّدِ أنَّ القرآنَ جاءَ بهِ. فنحنُ لمْ نقُلْ مثلًا: "يا ملحدُ، القرآنُ يقولُ أنَّ اللهَ موجودٌ، فعليكَ أنْ تصدِّقَ أنَّ اللهَ موجودٌ"، لم نقلْ هذا. ثانيًا: اعتَرضَ بعضٌ بقولِهِ: "أنتَ استنتجْتَ منْ مناقشاتِكَ وجودَ اللهِ، و(اللهُ) اسمٌ للإلهِ في المنظورِ الإسلاميِّ، في حين أن غايةَ ما تُثْبِتُهُ الحلقاتُ هوَ: وجودُ إلهٍ فحسبُ" اِدِّعاؤُكَ أنَّكَ أثبَتَّ وجودَ الإلهِ الإسلاميِّ -حسْبَ تعبيرِ المعترِضِ- هو قفزٌ إلى استنتاجٍ تحكُّمِيٍّ زائدٍ عنِ المقدارِ المثبَتِ. والجوابُ -إخواني- أنَّ الحلقاتِ تدلُّ على الأمرَيْنِ معًا: وجودِ خالقٍ مدبِّرٍ للكونِ، وبعضِ صفاتِ هذا الخالقِ الَّتي يدُلُّ عليها خلقُهُ. والإسلامُ هوَ وحدَهُ الَّذي يُعطي تصوُّرًا صحيحًا عنْ صفاتِ هذا الخالقِ المدبِّرِ، ففي الكتبِ المحرَّفةِ -كالكتابِ المسمّى بالكتابِ المقدَّسِ مثلًا- وصفٌ لهذا الخالقِ بما لا يليقُ كوصفِه أنَّه صارعَ يعقوبَ حتّى كادَ يعقوبُ أنْ يصرعَهُ، وأنَّهُ استراحَ بعدَ خلقِ السَّماواتِ والأرضِ، وغيرِها... وهيَ أوصافٌ لا تُناسِبُ صفاتِ القدرةِ والحكمةِ الإلهيَّةِ الَّتي تكلَّمْنا عنْها في السِّلسلةِ. كما أنَّني أذكُرُ في الحلقةِ السّادسةِ مثلًا أنَّ وجودَ إلهٍ بصفاتِ كمالٍ مطلَقٍ يؤسِّسُ لوجودِ القيَمِ المعنويَّةِ كالخيرِ والحقِّ، ويضعُ أساسًا مطلقًا للأخلاقِ. فالدَّلائلُ تنتهي حقًّا إلى أنَّه عندَ إثباتِ وجودِ ربٍّ، فلا بدَّ أنْ يكونَ الرَّبَّ بالوصفِ الإسلاميِّ الَّذي يصِفُهُ بما يليقُ بمظاهرِ قدرتِهِ وعلمِهِ وحكمتِهِ ورحمتِهِ، والَّتي تستَوجبُ إلهيَّتَهُ، وأنْ يكونَ مُستحِقًّا للعبادةِ بصفاتِه هذهِ. لذا، فليسَ في ذكرِ اسمِ اللهِ قفزٌ ولا تجاوزٌ للحَدِّ الَّذي أُثْبِت. ثالثًا: اعترضَ بعضٌ بقولِه: "أنتَ تُقِيمُ دَعْوَى صحَّةِ الإسلامِ على بيانِ بطلانِ الإلحادِ، معَ أنَّ بطلانَ الإلحادِ لا يستلزِمُ بالضَّرورةِ صحَّةَ الإسلامِ" والحقيقةُ أنَّني لم أدَّعِ ذلكَ في هذهِ الحلقاتِ؛ لمْ أُقِمْ صحَّةَ الإسلامِ على إبطالِ الإلحادِ، فالحلقاتُ الإحدى عشرَة الماضيةُ إنَّما هيَ بدايةُ السِّلسلةِ الَّتي ستطولُ -إنْ شاءَ اللهُ-، والمقدارُ الَّذي نُوقِشَ هوَ الأدلَّةُ الفطريَّةُ فقط على وجودِ اللهِ معَ بعضِ الفوائدِ هنا وهناكَ. والأدلَّةُ الفطريَّةُ هيَ جُزْءٌ فقطْ منَ الأدلَّةِ على وجودِ اللهِ، أمَّا مُناقشةُ باقي عناصرِ صحَّةِ الإسلامِ، كنُبُوَّةِ محمَّدٍ -صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- وأنَّ القرآنَ كلامُ اللهِ، والتَّشريعاتِ الإسلاميَّةِ، فهذا كلُّهُ لمْ نناقشْهُ بعد. رابعًا: اعترضَ بعضٌ على ذكرِ بعضِ المُصطلحاتِ والاقتباسات باللُّغةِ الإنجليزيَّةِ، والحقيقةُ -إخواني- أنَّه كانَ لنا أسبابٌ في ذلكَ، منها: إعطاءُ موثوقيَّةٍ لدِقَّةِ بعضِ النُّقولاتِ؛ فهناكَ نُقولاتٌ عنِ الملحدينَ والدَّاروينيِّينَ غريبةٌ صادمةٌ لا تكادُ تصدَّقُ، مِمَّا قدْ يجعلُ بعضًا يعتقدُ أنَّ النَّصَّ الأصلِيَّ لا يمكنُ أنْ يكونَ كما ذكرْنا، وإنَّما هوَ تصرُّفٌ أو عدمُ دِقَّةٍ في التَّرجمةِ، فأوردْنا النَّصَّ كما هوَ منْ مرجعِه زِيادةً في التَّوثيقِ، وأحيانًا، نذكرُ عنوانَ المرجعِ باللُّغةِ الإنجليزيَّةِ؛ لنُسَهِّلَ على المُتابعِ الرُّجوعَ إليهِ للتَّحقُّق والتَّوسُّعِ إنْ رغبَ، وخاصَّةً أنَّ كثيرًا منَ المراجعِ المذكورةِ غيرُ مترجمةٍ، وأحيانًا نذكرُ مصطلحاتٍ ليسَ لها تعريبٌ مألوفٌ في المجتمعِ العِلْميِّ، فنذكُرُها على أصلِها ليفهمَ المُتابعُ عمَّ نتكلَّمُ. خامسًا: إخواني، ما يُسمّى بنظريةِ داروين، تعرَّضتُ لِجُزئيَّةٍ محدَّدةٍ متعلِّقةٍ بها، ألا وهيَ: التَّبِعاتُ الأخلاقيَّةُ للتَّطوُّرِ الدَّاروينِيِّ، وتفسيرُها للمكوِّناتِ الفِطريّةِ وبعضِ السُّلوكيَّاتِ، فظنَّ بعضٌ أنَّني أناقشُ النَّظريَّةَ نفسَها بذلك، وراحَ يدافعُ عنها، ويحاولُ إثباتَ صِحَّتِها، ويتوقَّعُ منّي أنْ أردَّ على كلامِهِ. فأُحِبُّ أنْ أشيرَ هنا إلى أنَّ منهجِيَّتي في هذهِ السِّلسلةِ هيَ: التَّحديدُ، والدِّقَّةُ، وفرزُ الأُمورِ بعضِها عنْ بعضٍ. فأنا حتّى الآنَ لمْ أُناقشِ التَّطوُّرَ الدَّاروينيَّ نفسَهُ، بلْ مناقشَتُهُ العلميَّةُ بالتَّفصيلِ ستأتي -إنْ شاءَ اللهُ- بعدَ مناقشةِ الأدلَّةِ العقليَّةِ على وجودِ اللهِ -تعالى-. كان هذا ختامَ الأدلَّةِ الفطريَّةِ على وجودِ اللهِ. ننتقلُ بعدَها إلى الأدلَّةِ العقليَّةِ، وفيها الكثيرُ منَ الإجاباتِ والمُناقشاتِ المُقنِعَةِ المفيدةِ بإذنِ اللهِ -تعالى-. فتابعونا، والسَّلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ