هلْ ليقولُوا كما قالَ قومُ إبراهيمَ من قبلُ: في كِتابهِ (صانعُ السَّاعاتِ الأعمى) طبعةُ عامِ 2015 والَّذي اسْتهزأَ فيهِ بهذا التَّركيبِ للشَّبكيَّةِ ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ وسبحانَ اللهِ [البائعُ: سيَّدي، هذه سيَّارةٌ من نوعِ "جيب"، من إصدارِ هذا العامِ كما طلبْتَ، وسنُراعيكَ في ثَمَنِها تفضَّل، يُمكِنُك أن تجرِّبَها العَميلُ: صحيحٌ، تبدو مريحةً بالفعلِ ولكن، قبلَ أن أقودها، قل لي: ما هذه الدَّوَّاسة؟ تبدو دون فائدةٍ! البائعُ: لا سيِّدي، هذه دوَّاسةُ الوقودِ، هذه هي التي تسيِّر السيارةَ هل هذه المرةُ الأولى لكَ في قيادةِ السَّياراتِ؟ العميلُ: أوَّلُ مرَّةٍ أقودُ سيَّارةً؟! أنا لُعبتي السَّيَّاراتُ! ما لك يا رجل؟! لكنَّني أشعرُ بأنَّ هذهِ الدَّوَّاسةَ بلا فائدةٍ ما هذه أيضًا؟ هذه بلا فائدةٍ... هذه السَّيارةُ بلا فائدةٍ ولم تُصنَّع وإنَّما وُجدَتْ صُدفةً البائعُ: سيَّدي، هذه الدَّوَّاسةَ لتثبيت السرعة العميلُ: تثبيتُ السُّرعةِ؟! البائع: نعم العميلُ: حسنٌ، هذه القطعة لا فائدة لها قطعًا... هذه السَّيَّارةُ وُجدَتْ صُدفةً، وليست مُصنَّعةً ابدًا البائعُ: يا رجل! ألا تستحي من جهلك؟ كلُّ شيءٍ صُدفةٌ بصُدفةٍ، وليس له فائدةٌ! لو سمحت، انزِل من السَّيَّارة لن أبيعك السيارة، تفضَّل بالنُّزول العميل: لكنَّ هذا الزرَ صدفةٌ البائع: لو سمحت أنا لا أريد أن أبيعك السَّيَّارة العميل: حسنٌ، ما وظيفة هذا الزر؟ قبل أن تقول أي شيءٍ، قل لي ما وظيفته؟ البائع: لن أقول لك! تفضَّل انزل من السيارة العميل: فقط قل لي ما وظيفتها؟ أنت لا تعرف ما وظيفتها البائع: انتهى الأمر، لن أبيعك السيارة، تفضَّل العميل: ولكن ليس له وظيفةٌ، لقد أحرجتُك.. أترى، أفحمتُك!] هذا حالُنا معَ أتباعِ الخُرافةِ، فإنَّهم لمَّا فشلُوا في أن يجدوا بصماتٍ للصُّدفةِ من حولِهم؛ رجَعُوا إلى أنفُسِهم... ﴿فَرَجَعُوا إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [القرآن 21: 64]؟ هل ليُراجعوا أنفُسَهم ويدْرِكوا زَيْفَ خُرافتِهم؟ بلْ رجَعوا إلى أنفُسِهم لِيبحثُوا فيها عنْ خطأٍ! (مؤثرات صوتيه) هذا حالُنا معَ أتباعِ الخُرافةِ فهمْ يتكلَّمونَ عن ما يسمُّونَهُ: أخطاءَ في تصميمِ الإنسانِ! كشَبَكِيَّةِ العينِ، وقناةِ السَّائلِ المَنَوِيِّ أو عمَّا يَعتَبِرونهُ أعضاءَ زائدةً: كالزَّائِدةِ الدُّوديةِ، وعِظامِ العُصْعُصِ، وغيرها كُلُّها أدلَّةٌ بديعةٌ على خلقِ اللهِ المُحكَمِ، يُحوِّلُها هؤلاءِ -بجهلٍ حينًا وبتجاهلٍ أحيانًا- إلى أدلَّةٍ على الصُّدَفِيَّةِ والعشوائيَّةِ هل سنُبَيِّنُ أنَّ هذهِ كلُّها أمثلةُ خَلْقٍ حكيمٍ بالفعلِ؟ نعم لكنْ قبلَ ذلكَ... ماذا أخِي وأختِي لو لمْ تَحضُر هذهِ الحلقةَ؟ وماذا لو لمْ تعرفِ الجوابَ عنِ الأمثلةِ الَّتي يَذْكرونَها؟ هل يكونُ أتباعُ الخرافةِ قدْ أحرجوكَ إلى أن تأتيَ بالجوابِ؟ هل أنتَ المُطالَبُ بالإجابةِ عن هذهِ الأمثلةِ؟ أم مُؤيِّدُ الخرافةِ هوَ المُطالَبُ بأن يفسِّرَ الإتْقانَ والإحْكامَ في الكونِ وكائناتِهِ تفسيرًا مُقنِعًا؟ طريقةُ أتباعِ الخرافةِ هذهِ تُسمَّى في علمِِِ المُغالطاتِ المنطقيَّةِ: (تحويلَ عبءِ الإثبات) الخصمُ يقولُ كلامًا سخيفًا فيَضعُهُ في وضعٍ مُحرِجٍ لأنَّهُ يُناقضُ الحقائقَ الواضحةَ لكلِّ أحدٍ فإذا بهِ يثيرُ معركةً جانبيَّةً، بمطالبتِكَ بالإجابةِ عن أمرٍ فرعيٍّ فيُحَوِّلُ الأضواءَ عنهُ وتتوجَّهُ الأنظارُ إليكَ بانتظارِ أن تَرُدَّ على سؤالِهِ! معَ أنَّ حقيقةَ الأمرِ أنَّكَ إنْ رددْتَ أمْ لمْ ترُدَّ، فإنَّ ذلكَ لا يغيِِّرُ شيئًا من حقيقةِ أنَّ كلامَهُ سخيفٌ وعدمُ امتلاكِكَ لجوابٍ عن سؤالِهِ لا يُعطي كلامَهُ هو أيَّةَ قيمةٍ لذلكَ أخي فليسَ صحيحًا عندما يُواجِهُكَ أتباعُ الخرافةِ بمثلِ هذهِ الأسئلةِ على سبيلِ التَّحدِّي أن تبحثَ حثيثًا عن وظيفةٍ لهذهِ الأعضاءِ، كأنَّكَ مُلزَمٌ بالجوابِ وإلَّا أفحمَكَ! بلْ، قُلْ لهم: اشْرَحوا لي بِدايةً عملَ الجهازِ الَّذي تتحدَّثونَ عن هذهِ الجزئيَّةِ فيهِ مثلًا: حينَ يقولُ لكَ عرَّابُو الخرافةِ: ترتيبُ خلايا شبكيَّةِ العينِ خطأٌ، الخلايا الحسَّاسةُ للضَّوءِ هيَ المخروطيَّةُ والعَصَوِيَّةُ فكانَ يجبُ أن تكونَ إلى الأمامِ ليقعَ الضَّوءُ عليها مباشرةً لكنَّها في الواقعِ إلى الخلفِ، وعلى الضَّوءِ أن يمُرَّ بخلايا لا علاقةَ لها باستقبالهِ وهذا يدلُّ على أنَّ العينَ جاءتْ بالعشوائيَّةِ والصُّدَفِ مُكرِّرينَ بذلكَ كالببَّغاواتِ ما قالَهُ ريتشارد دوكنز "Richard Dawkins" وقالَ: "إنَّ أيَّ مهندسٍ سيضحكُ، ويشعرُ بالاستفزازِ من هكذا تركيبٍ معكوسٍ" حينَ تسمعُ هذا الكلامَ أخي فقبلَ أنْ تضيعَ الصُّورةُ الكلِّيَّةُ في التَّفاصيلِ وقبلَ أن تكلِّفَ نفسكَ بالبحثِ عن جوابٍ قُلْ لهم: اشْرحوا لي بدايةً عملَ الجهازِ الإبصاريِّ الَّذي تعْترِضونَ على جزئيَّةٍ فيه (ترتيبِ شبكيَّتِهِ) فلا شكَّ أنَّكم لم تعْترِضوا إلَّا وأنتم تعلمونَ بتفاصيلِ هذا الجهازِ الإبصاريِّ ولذلكَ اعْتَبرتُم أنَّ هذهِ الجزئيَّةَ فيهِ زائدةٌ أو فيها خللٌ وأنَّ الصَّحيحَ أن تكونَ على نحوٍ آخرَ معيَّنٍ دعهم يشرحونَ إنْ كانوا يعلمونَ دعهم يحدِّثونكَ عنِ العينِ عضلاتِها الَّتي تتحكَّمُ بِعَدَسَتِها بما يناسِبُ المرئيَّاتِ القريبةِ والبعيدةِ والتَّغذيةِ العصبيَّةِ لهذهِ العضلاتِ نوْعَي السَّائلِ اللَّازمَيْن فيها خلايا الشبكيَّةِ المتنوِّعةِ (بالإنجليزية) العُصَيَّات والمخاريط الَّتي يوجدُ منها في كلِّ عينٍ أكثرُ من 100 مليونِ خليَّةٍ والَّتي عَلِقَ في ذاكِرتي من أيَّامِ دراسةِ الدُّكتوراه بحثٌ يقولُ: إنَّ تركيبَ أحدِها أعقدُ مِن أعقدِ مصنعٍ شيَّدهُ الإنسانُ! دعهم يفسِّرونَ لكَ كيفَ يمكنُ للعشوائيَّةِ أن تُجمِّعَ ذرَّاتِ مركَّبِ 11-سيس ريتينال "11-cis-retinal" بالشَّكلِ المناسبِ بحيثُ يتغيَّرُ شكلُ هذا المركَّبِ عندَ اصطدامِ فوتوناتِ الضَّوءِ بهِ؟ ثمَّ كيفَ وضَعَتِ العشوائيَّةُ هذا المُركَّبَ بالنِّسَبِ المناسبةِ في الرودوبسين "Rhodopsin" الصِّبغةِ الحسَّاسةِ للضَّوءِ في العينِ؟ دَعْهُم يحدِّثونكَ عن تهيئةِ العينِ لِتلتقِطَ المجالَ المرئيَّ تحديدًا منَ الطَّيفِ الكهرومغناطيسيِّ بما مَكَّنَها من رؤيةِ الكائناتِ دَعْهُم يُحدِّثونكَ عنِ: الُحزَمِ العصبيَّةِ المنبعثةِ منَ الشَّبكيَّةِ النَّقلِ العصبيِّ، مراكزِ تفسيرِ الصُّورةِ في الدِّماغِ، تخزينُ الصُّورةِ في الذَّاكرةِ، أداءِ الجهازِ الإبصاريِّ لوظيفتهِ الَّتي يحتاجُها الإنسانُ على أكملِ وجهٍ حتَّى بلغتِ العينُ منَ الحساسيةِ أنَّها تستطيعُ الاستجابةَ لفوتونٍ واحدٍ كما تذكرُ مجلَّةُ نيتشر "Nature" دعْهم يَشرحونَ إنْ كانوا يعلمونَ وانظر كيفَ يردُّونَ على أنفسِهم بأنفسِهم! فإنِ انتبهوا لجهلهم وإلَّا فذَرهُم في طُغيانهم يعمَهونَ ففي أدلَّةِ التَّصميمِ من نفسِ الأجهزةِ الَّتي ادَّعَوا فيها خللًا كفايةٌ لِمَن أرادَ الهِدايةَ لكن، من سُنَّةِ اللهِ تعالى أنَّهُ يجعلُ في ثنايا أدلَّةِ الحقِّ الواضحةِ مُتشابهاتٍ لِمَن أرادَ أن يتمسَّكَ بها ويَحرِمَ نَفْسَهُ بها من رحمةِ اللهِ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ﴾ [القرآن 7:3] هيَ نفسُها النَّفسِيَّةُ التي تبحثُ عنِ متشابهاتٍ في الآياتِ المقروءةِ، تبحثُ عن متشابهاتٍ في الآياتِ الكونيَّةِ كما تركَ صاحبُنا السَّيارةَ بكلِّ ما فيها من أدلَّةِ التَّصميمِ والإتقانِ، وتمسَّكَ بزِرٍّ لا يعلمُ وظيفتهُ جَهِلَ سَببَ وجودِ زرٍّ مُعيَّنٍ، فجعلَ جَهلَهُ سببًا لإنكارِ تصميمِ السَّيَّارةِ! معَ أنَّهُ أمرٌ واضحٌ قطْعِيٌّ تدلُّ عليهِ كلُّ قطعةٍ في السَّيارةِ، ويدلُّ عليهِ تناسقُ عملِها، ثمَّ حوَّلَ عِبءَ الإثباتِ على بائعِ السَّيَّارةِ قائلًا لهُ متحدِّيًا: أخبرنِي بوظيفتِها؟ الَّتي تنصُّ على أنَّ الزَّائدةَ الدُّوديَّةَ قد تُنقذُ حياتَكَ كان يكفيكَ أخي أن تقولَ هذا لِمَن يدَّعِي أنَّ شبكيَّةَ العينِ تدلُّ على العشوائيَّةِ فكيفَ إذا عَلِمتَ أنَّ ادِّعاءَهُم هذا نُكتةٌ قديمةٌ يضحكونَ بها على الجُهَّال وأنَّ العلمَ الصَّحيحَ -كالعادةِ- حوَّلَ هذهِ الشُّبهةَ إلى آيةٍ جديدةٍ على القدرةِ والحكمةِ وأنَّ أبحاثَ المجلَّاتِ التَّطوُّريَّةِ نفسِها تنصُّ -منذ سنواتٍ طويلةٍ- على ضرورةِ أن تكونَ خلايا الشَّبكيَّةِ بهذا التَّرتيبِ -الذي هيَ عليهِ- لأنَّ ذلكَ يُوفَّرُ حلًّا فائقًا "Superior Solution" لاستغلالِ مساحةِ العينِ كما في مجلَّةِ فيجن ريسيرش "Vision Research" ولأنَّ هذا التَّرتيبَ يسمحُ بمرورِ الضَّوءِ أوَّلًا بخلايا مولر "Muller cells" بحيثُ تزيدُ حساسيةُ الخلايا المخروطيَّةِ في الشَّبكيَّةِ كما في أبحاثِ بيناس "PNAS" ونيتشر كوميونيكيشن "Nature Communication" حتَّى أنَّ موقعَ فيز دوت أورغ "Phys.Org" -التطوُّريَّ أيضًا- ينصُّ على أنَّ وجودَ الخلايا الحسَّاسةِ في مؤخِّرةِ الشَّبكيَّةِ ليسَ عيبًا تصميميًّا، بل مِيزةٌ تصميميَّةٌ ديزاين فيتشر "Design feature" وأنَّ القولَ بأنَّ العينَ ستكونُ أفضلَ لو كانتِ الخلايا في مُقدِّمةِ الشَّبكيَّةِ، هو حماقةٌ! فهنيئًا لكم يا من يُعلِّمُكم عرَّابو الخُرافةِ العربُ ما صرَّحَ كثيرٌ من عرَّابيها الأجانبِ منذ سنواتٍ بأنَّهُ حماقةٌ وأنتم تحسبونَ أنَّكم تسمعونَ لأُناسٍ (بالإنجليزية) عقلاء يخاطبون عقولَكم! هذا في أحدِ أنواعِ الخلايا؛ خلايا مولر الَّتي يمرُّ بها الضَّوءُ بفضلِ هذا التَّرتيبِ للشَّبكيَّةِ اقرأ كذلكَ -إنْ شئتَ- في مجلَّةِ نيتشر "Nature" التَّطوُّريَّةِ أيضًا عن الـ (13) نوعًا من (بالإنجليزية) الخلايا ثنائية القطب الموجودةِ في هذهِ الطَّبقاتِ، ووظيفةِ كلٍّ منها كيفَ يساعدُ ترتيبُها في الشَّبكيةِ بهذا الشَّكلِ على الإبصارِ واقرأ عن خلايا أماكْرين "Amacrine cells" في هذهِ الطَّبقاتِ وغيرِها وغيرِها اقرأ أخي ثمَّ عُدْ واستمِعْ لعرَّابي الخرافةِ وهُم يقولونَ: "ترتيبُ الشَّبكيَّةِ خطأ! اسْألْ أيَّ خَلْقَوِيٍّ عن تفسيرٍ لهذهِ الظَّاهرةِ ولن يجدَ" استمعْ إليهم لِتَعلمَ معنى كوميديا الجهلِ والتَّجاهلِ كما أنَّ الشُّبهاتِ الَّتي يُثيرها السُّفهاءُ ضدَّ التَّشريعاتِ الإسلاميَّةِ تنقلبُ هيَ نفسُها بالعلمِ الصَّحيحِ آياتٍ جديدةً على علمِ اللهِ وحكمتهِ، فكذلكَ الشُّبهاتُ في خَلْقِ اللهِ؛ يَقلِبُها العلمُ الصَّحيحُ حُجَّةً جديدةً على علمِ اللهِ وحكمتهِ أراكَ تقولُ: لكن، أنتَ تستدلُّ بأبحاثِ مجلَّاتٍ تطوُّريَّةٍ! نعم؛ لأنَّني -أخي- كما بيَّنتُ في حلقةِ (أجِّرني عقلكَ) لم نؤجِّر عقولنا لِعُلماءِ الغربِ بل نستفيدُ من عُلومِهم، ولا نُقلِّدُهم في استنتاجاتِهم ولسنا من أتباعِ حكمةِ آغا أوغلي أحمد -أحدِ عَلمانيِّي تُركيا- القائلِ: "إنَّا عَزَمنا على أن نأخذَ كلَّ ما عندَ الغربيِّينَ حتى الالتهاباتِ في رئتِهم، والنَّجاساتِ الَّتي في أمعائِهم"! بل نحنُ نأخذُ ما صحَّ، ونتركُ النَّجاساتِ الفكريَّةَ لأصحابِها هذا الكلامُ الَّذي ذكرناهُ يقولُ بهِ أتباعُ الخرافةِ ورافِضوها من علماءِ الطَّبيعةِ، لكنَّنا نُلزِمُ أتباعَ الخرافةِ بكلامِ عُلمائِهمُ الَّذينَ يُقدِّسونَ، ليكونَ ذلكَ أقوى في الحجَّةِ، نأخذُ منهم العلمَ إذا صحَّتْ منهجيَّتهُ البحثيَّةُ، ولا نقلِّدُهم في الاستنتاجِ إذا فسدَتْ منهجيَّتهُ وامتلأَتْ بالمُغالطاتِ المنطقيَّةِ ولنا أن نتساءلَ: لو أنَّ شخصًا رأى طائرةَ السُّوخوي "Sukhoi Su47" بأجنحتِها المقلوبةِ تحلِّقُ في السَّماءِ بشكلٍ مُبهرٍ فضحكَ مِن أجنحتِها وقالَ: "هذا سوءُ تصميمٍ يدلُّ على أنَّ هذهِ الطَّائرةَ جاءَت بمجموعِ الصُّدَفِ" هل كان لمثلِ هذا الشَّخصِ مكانٌ مناسبٌ غيرُ المصحَّاتِ العقليَّةِ؟! حتَّى لو لم نطَّلِع على حقيقةِ أنَّ هذا التَّصميمَ المعكوسَ يُعزى إليهِ رشاقةُ الطَّائرةِ وسهولةُ مُناورتِها فكيفَ إذن يُصبحُ حديثُ أتباعِ الخرافةِ عن تركيبِ شبكيَّةِ العينِ وأنَّهُ دليلٌ على الصُّدَفيَّةِ وانعدامِ التَّصميمِ؛ عِلمًا مُحترمًا في نظرِ البعضِ؟ معَ أنَّنا نَراهم وهُم يقولونَ هذا الهُراءَ بأعيُنِنا تلكَ الَّتي يَعيبونَ تصميمَها، والَّتي تعملُ على أتمِّ وجهٍ وبأدقِّ وأكفأِ ما يكونُ حتَّى لو لم نطَّلع على حقيقةِ أنَّ هذا التَّّرتيبَ للشَّبكيَّةِ لهُ الفضلُ في هذهِ الرَّؤيةِ الدَّقيقةِ عندما يقولُ لكَ متَّّبعُ الخرافةِ: "الزَّائدةُ الدُّوديَّةُ زائدةٌ؛ بقايا من حيواناتٍ لم يتخلص منها التَّطوُّرُ فَلَو كان خلقًا بتصميمٍ، فلماذا يضعُ الخالقُ زائدةً بلا فائدةٍ؟" كما يقولُ جيري كوين "Jerry Coyne" وغيرهُ من علماءِ الخرافةِ إذا قالَ لكَ ذلكَ فافترض أخي أنَّكَ لم تطَّلعْ على هذا البحثِ المنشورِ قبلَ شهرينِ لدكاترةٍ مِن أتباعِ الخرافةِ أيضًا والَّذي يَذكُرُ أهميَّةَ الزَّائدةِ الدُّوديَّةِ، وأنَّها ليست زائدةً كما كانَ يُظَنُّ، بل وأنَّ فيها كلَّ أنواعِ البكتيريا النَّافعةِ الموجودةِ في الجهازِِ الهضميِّ بحيثُ إذا تعرَّضْتَ لمَرضٍ يُتلِفُ بكتيريا الأمعاءِ، فإنَّ الزَّائدةَ تقومُ بتعويضِها وأنَّها تُنتجُ الغلُوبولين المَناعِيَّ أ الأساسيَّ لتنظيمِ البكتيريا النَّافعةِ في الجهازِ الهضميِّ وأنَّ استِئْصالها يزيدُ الإصابةَ بالعديدِ منَ الأمراضِ وللعلمِ، فبعضُ هذهِ المعلوماتِ معروفةٌ منذ سنواتٍ طويلةٍ افترض أنَّكَ لم تطَّلعْ على مقالاتِ المواقعِ العلميَّةِ حتَّى لو لم تطَّلعْ على هذا كلِّهِ أخي فلا تَدَع مُتَّبِعَ الخرافةِ يُحوِّلُ عِبءَ الإثباتِ عليكَ فلستَ أنتَ المكلَّفَ بالتَّفسيرِ وليسَ عدمُ العلمِ بوظيفةِ جزءٍ منَ الجهازِ الهضميِّ دليلًا على أنَّهُ كلُّه بلا تصميمٍ بل دَعهُم يُحدِّثونكَ كيفَ يمكنُ للعشوائيةِ والصُّدفِ العمياءِ أن تأتيَ بالجهازِ الهضميِّ، ترتيبِ أسنانِكَ، أنواعِ الحُليماتِ الذَّوقيةِ، أنواعِ الأنزيماتِ المُفرَزَةِ في كلِّ محطَّةٍ، العضلاتِ المحيطةِ بهِ لتحريكِ الطَّعامِ، الصَّمَّاماتِ الَّتي تعملُ بتناسقٍ، الأهدابِ والهُدَيْباتِ في الأمعاءِ والَّتي تعطي مساحةً مُسطَّحةً تُعادِلُ شُقَّةً سكنيَّةً على أقلِّ تقديرٍ لتزيدَ قدرةَ الأمعاءِ على الامتصاصِ! دَعهُم يُحدِّثونكَ عن تريليوناتِ البكتيريا النافعةِ بأشكالِها المتنوِّعةِ في أمعائِكَ وعن وظائفِها عن الجهازِ العصبيِّ المعويِّ وتعقيداتهِ كلُّ ما ذَكرْنا من بدائعِ الخلقِ لا يراها أعمى البصيرةِ ولا تعني له شيئًا بل يترُكُها ويتمسَّكُ بما يُسَمُّونَهُ: الزَّائدةَ الدُّوديَّةَ جَهِلَ أو تجاهلَ وظيفتَها، فجعل جَهْلَهُ حُجَّةً إذا كرَّرَ لكَ ببَّغاواتُ العَربِ ما يقولهُ ريتشارد دوكنز في كتابهِ: (أعظمُ استعراضٍ على الأرضِ: أدلةَ التَّطوُّرِ) مِن أنَّ قناةَ السَّائلِ المنويِّ لدى الرَّجُلِ كانَ يجبُ أن تكونَ أقصرَ، وأنَّ هذا عيبٌ ينفي التَّصميمَ، ويدلُّ على الصُّدَفيَّةِ فافترِض أخي أنَّكَ لم تطَّلعْ على مَراجعَ مُفصَّلةٍ تُبيِّنُ ضرورةَ هذا الطُّولِ للحفاظِ على الفروقاتِ الحراريَّةِ بينَ الخصيتينِ وباقي الجسمِ، وغيرهِ منَ الفوائدِ لستَ مُلزَمًا بالاطِّلاعِ أخي ولا بالبحثِ بل، لا تسمحْ بتحويلِ عبءِ التَّفسيرِ عليكَ وإنَّما دعهم يُفَسِّرون لكَ: كيفَ يمكنُ لعشوائيَّتِهم المُضحِكةِ أن تأتيَ بالذَّكرِ والأنثى من أكثرَ من 8 ملايينِ نوعٍ منَ الكائناتِ بتزامنٍ؟ دَعهُم يحدِّثونكَ عنِ الميلِ الجنسيِّ الفِطريِّ بينَ الأزواجِ وعن إلهامِ الكائناتِ الصَّغيرةِ -الَّتي لا عقلَ لها- كالحشراتِ لتتزاوجَ دَعهُم يُحدِّثونكَ عن حقيقةِ الزَّوجيةِ الَّتي يُباهي بها اللهُ تعالى لأنَّها دالَّةٌ على خالقٍ عليمٍ حكيمٍ ﴿وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فَفِرُّوا إِلَى اللَّـهِ ۖ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾ [القرآن 51 :50،49] لكنَّ هؤلاءِ بدلَ أن يفرُّوا إلى اللهِ، تراهُم يفِرُّونَ إلى الجهلِ والتَّجاهُلِ فيترُكُ متَّبِعُ الخرافةِ كلَّ ما ذكرْنا من دلائلِ الحكمةِ في الزَّوجيَّةِ ليقولَ بغرورٍ: "قناةُ السَّائلِ المنويِّ كانَ يجبُ أن تكونَ أقصرَ! ولو كانَ مُصمَّمًا بعلمٍ وإرادةٍ ما وُجِدَتْ فيه هذهِ العُيوبُ!" فيقترحُ تعديلاتٍ على تصميمِ الإنسانِ وكأنَّه إلهٌ أحاطَ بكلِّ شيءٍ عِلمًا، يعلمُ ما كانَ وما سيكونُ وما لم يَكُنْ، لو كانَ كيفَ كانَ يكونُ ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ﴾ [القرآن 10: 39] أليسَ عيبًا عليك أن تُكذِّبَ بشيءٍ لمجرَّدِ أنَّكَ تجهلهُ، أو لم تطَّلِع على تأويلهِ وتفسيرِهِ بعدُ؟ نحن ُهنا -إخواني- لا نتعاملُ معَ مُغالطاتٍ منطقيَّةٍ فحسبُ بل معَ مشكلةٍ أخلاقيَّةٍ تتمثَّلُ في عنجهيَّةٍ مفرطةٍ، اجتمعت معَ جهلٍ مدقعٍ أو تجاهلٍ مُتعمَّدٍ، قادتِ الملحدينَ إلى سوءِ أدبٍ معَ الظَّواهرِ الكونيَّةِ التي كانَ عليهم -من بابِ احترامِ العلمِ- أن يحترموها، وقادتِ المنبهرينَ بهم -منَ المنتسبينَ إلى الإسلامِ- إلى سوءِ أدبٍ شديدٍ معَ اللهِ بأن يعِيبوا خَلقَهُ وهم يحاولونَ عبثًا أن يُوَفِّقوا بينَ الخرافةِ والإسلامِ الجرَّاحُ مهما كانَ مقدِّسًا لخرافةِ التَّطوُّرِ ومهما تكلَّمَ عن بصماتِ الصُّدفةِ المزعومةِ في جسمِ الإنسانِ فإنَّه يدخلُ العمليَّةَ الَّتي سيُجريها وأكبرُ حرصِهِ على أن لا يُخِلَّ بالنِّظامِ الموجودِ في الجسمِ لعِلمِهِ الضِّمنيِّ بأنَّهُ أفضلُ نظامٍ وختامًا، لعلَّ البعضَ يظنُّ أنَّ المقطعَ التَّمثيليَّ فيهِ مبالغةٌ إذ جَهِلَ صاحِبُنا وظيفةَ دوَّاسة الوقود الَّتي تُسَيِّرُ السيَّارةَ فنقولُ: بل أتباعُ الخرافةِ فعلوا مِثلها كثيرًا مثلما فعلَ وايدرزهايم "Wiedersheim" حينَ وضعَ ضمنَ قائمةِ الأعضاءِ الَّتي لا فائدةَ منها: الغُدَّةَ النُّخاميَّةَ! والَّتي لم يكونوا يعرفونَ وقتَها أنَّها بمثابةِ زرِّ التَّشغيلِ لكلِّ هرموناتِ الجسمِ كانت هذهِ نماذجَ -إخواني- بإيجازٍ شديدٍ عندما يريدُ تابعُ الخرافةِ أن ينتقلَ بكَ بعدَها إلى شُبهةٍ جديدةٍ يُلقي عليكَ فيها عبءَ الإثباتِ، فقُل لهُ: ألا تستحي مِن تَتابُعِ دلائلِ جهلِكَ وخيباتِ أملِكَ؟! أتتوقَّعُ أَن أُمضيَ حياتِي في الرَّدِّ عليكَ؟ بل، فيما مضى كِفايةٌ لِمَن أرادَ الهِدايةَ ونُعيدُ ونؤكِّدُ مرَّةً أُخرى على شُكرِ إخواننا في موقعِ: (الباحثون المسلمونَ) والَّذينَ استفدنا مِن أبحاثِهم في هذا الموقعِ كثيرًا والسَّلامُ عليكم.