كيف تستطيع أن تنزل بجسمك المليء بالشُّحوم والتي ستجعلكَ تطفو على الماء؟ أجابني: أرأيت هذه الأجنحة التي قالوا أنّها بلا فائدةٍ؟ تعال نر ماذا أصنع بها وبما أنّ البطريق لا يطير والنّعامة لا تطير إذن أجنحتها بلا فائدةٍ لكن يا بطريق! ختامًا -إخواني- السلام عليكم ورحمة الله ناقشنا في حلقةِ (أحْرجتُك) مقولة: "ولذلك، ولذلك توجَد عُيوبٌ في الخَليقة، ستجد حتى في تركيب الإنسان عيوبًا تركيب الحيوانات فيه عيوب، تقول: أستغفر الله، فيه، فيه عيوب، وإلى الآن لم يثبت إلاّ أنّها عيوب" وذكرنا ما يتضمّنُه هذا الادّعاء من أسلوبٍ يُسمّى في عِلْم المُغالَطات المنطقيّة: (تحويلَ عِبء الإثبات) هُم يقع عليهِم عِبء التَّدليل على أنَّ العشوائيّة واللّاقَصْدِيّة يُمكن أنْ تأتيَ بكلِّ هذا الإتقان والتّصميم في الكائنات ويتمسّكون بأشياءَ يدّعون أنّها عيوبٌ، ثمّ يُطالبونك بإثباتِ أنّها ليست عُيوبًا وبيّنّا مع ذلك بالتّفصيل كيف يتّضِح أكثرَ وأكثر -بالعِلم الصّحيح- أنّ ما يدّعون أنّه عيوب، كشَبَكِيّة العين والزّائدة الدّوديّة، وقناة السَّائل المنويّ هي في الحقيقة أدلَّةٌ بديعةٌ على الإتقان والإحكام أمثلتنا اليوم -إخواني- هي من عالَم الحيوان ومُفاجآتها أكبر من مفاجآت الحلقة الماضية يقولون لك: "في الحيوانات أخطاء وأعضاء زائدةٌ تدلُّ على أَنّها لم تأتِ بِتصميم خالقٍ عليمٍ فما فائدة أجْنِحة الطُّيور التي لا تطير؟ ما فائدة العظام الخلفيّة في الحوت؟ ما فائدة الطّول الزّائد للعَصَب الحُنجريِّ الرّاجع لدى الزّرافة؟ تعالوا نتناولْ إحدى هذه النِّقاط اليوم ونؤجِّل الثّانية وقِصّتَها الفريدة الصّادِمة للحلقة القادمة أولًا: أجنحة الطّيور التي لا تطير قالوا: "ما مكان هذه الأجنحة؟ نعامةٌ بأجنحةٍ ولا تطير، أليس كذلك؟ الإيمّو بأجنحةٍ ولا تطير الرِّيّا لا تطير، ولماذا؟ والبطريق أيضًا، بأجنحة ولا يطير، وهذا جالاباجس بأجنحةٍ ولا يطير، لماذا؟ طبعًا سيسكت، ويَحُكُّ رأسه الواحد لماذا فعلًا؟ التَّّطور يقول لك: الجواب سهلٌ" لا، عفوًا قبل أن نسمع الجواب التَّطوريّ أنا حكَكْت رأسي فعلًا وكلّفتُ نفسي أن أبحث، وسألتُ البطريق: أصحيحٌ ما رواه بعضُهم عنّي وعنك؟ أَنّ فينا عيوبًا وأعضاءَ بلا فائدةٍ؟ أم ترى ما زعموا زُورًا، وبهتانًا، وإفْكًا؟ أمّا عنِّي، فقد رأيت في الحلقة الماضية ما زعَموه مِن أخطاء وزيادة أعضاء في جسمي البشريّ زورًا، وبهتانًا، وإفْكًا فماذا عنك؟ لم يُجبني البطريق بـ"لست أدري" على طريقة إيليا أبو ماضي بل قال لي بلسان حاله: اصْحَبني في رحلةٍ في هذا المقطع من إنتاج "البي بي سي" لتعرف الجواب قال ليَ البطريق: حتى أعيش في الأجواء القطبيّة شديدة البرودة فإن جسمي مليءٌ بالدُّهون وحتى أحافظ على هذه الدُّهون فلا بُدَّ لي مِن أنْ أنزل في الماء لأصطاد انظُر إليّ وأنا أضربُ بها الماء فأغوصُ بسرعةٍ عاليةٍ عميقًا عميقًا في البحر، تمامًا كما الطّائرِ في جوِّ السّماء انظر إليّ وأنا أستخدم أجنحتي لأتوجّه يَمنةً ويَسرًة كما أريد لكنْ، كيف استطعت أن تَخرجَ من الماء بهذه السّرعة الصّاروخيّة؟ أجابني البطريق: أرأيت هذه الأجنحة نفسها التي زعموا أنّها بلا فائدة؟ إنّها مصمَّمةٌ بشكلٍ عجيبٍ انظر إليّ ماذا سأفعل سأصعد لأسبحَ وأتقلّب عند سطح البحر أوّلًا أتدري لماذا؟ لأملأ ريش أجنحتي بفُقاعات الهواء، يساعدها على ذلك أنّ لديّ غُددًا تُفرز عليها مادّةً دهنيّة عازلَةً للماء انظر إلى فُقاعات الهواء وهي تَتجمّع بين الرّيش ثُمّ سأنزل في الماء مرة أخرى حتّى يقومَ الماء بضغْطِ أجنحتي وما حَوَته من هذه الفُقاعات وهذا يقلِّل كثافة جسمي فالآن، أستطيع أن أصعد إلى سطح البحر بسرعةٍ هائلةٍ مطلقًا فُقاعات الهواء كأنِّي طائرةٌ نفّاثةٌ وهذه الفُقاعات تُقلِّل احتكاك جسمي بالماء فتُسهِّل خروجي فبأجنحتي نزَلتُ لأكسب عيْشي، وبأجنحتي أصعد ولولا أجنحتي -التي زعموا أنّها بلا فائدةٍ- لما عِشت أصلًا! ﴿هَٰذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبينٍ﴾ [القرآن11:31] هذا، ونحن لم نتكلّم عن تصميم الجهاز الدّمويِّ الذي يُمدُّ جناحيِ البطريق بالطّاقة، عن المواصفات الخاصّة لصِبغة الهيموغلوبين والميوغلوبين اللّتين تساعدان البطريق على البقاء 20 دقيقةً تحت الماء بشكلٍ متواصلٍ، عن كثافة عِظامه وعِظام جناحيْه التي تمكنُّه مِن هذا الغَوْص والصعود وانظروا -إخواني- كيف أنّ ما يجعل منه البعض شُبهةً يَتحوّل بالعِلم إلى دليلٍ جديدٍ على عظمة الله تعالى رأينا ذلك في شبكيّة العين وغيرها -الحلقةَ الماضيةَ- وها نحن نراه في جناحي البطريق الذي اتّخذ منه أتباع الخُرافة شُبهةً وهو مليءٌ بآيات العَظَمة، والحِكمة، والقُدرة ماذا عن النّعام؟ لديه أجنحةٌ ولا يَطير أيضًا كلِّفْ نفسك أيّها السّائل أن تتابع برنامجًا وثائقيًا لترى هذا الطّائر الذي تصل سرعته إلى 80 كيلومترًا في الساعة ولا مفيدةً لهذه الطُّيور فحسب بل تبلغُ أنْ تكون أساسيّةً لحياتها كيف يَستخدم أجنحته كمَكابح لتخفيف سرعته والدّوران المُفاجئ أثناء المطاردات أو الهربَ من الافتراس كيف يَستخدم أجنِحته لتخويف الحيوانات التي تعتدي على بيوضه وللاستعراض عند التّزاوج، وغيرِها، وغيرها ثمّ عُد بعد ذلك كلِّه واسمعهم يقولون: "فالآن، الخَلْقَويُّ أو التّكوينيُّ لا يستطيع أن يفسِّر لنا، لماذا هذه الطُّيور لها أجنحةٌ ولا تطير؟" بالإضافة إلى هذا كلِّه -إخواني- لاحِظوا مغالطةَ (الاستدلال الدّائريِّ) في الحديث عن أجنِحة الطّيور الاستدلال الدّائريُّ مغالطةٌ معروفةٌ في عِلم المغالطات المنطقيَّة يجعل فيها المدّعي برهانه مِن نفس الدّعوى التي يُريد بَرْهَنتَها أي أنَّ الدّعوى هي نفسُها النّتيجة حين يقولُ هؤلاء أنّ هذه الأجنحة بلا فائدةٍ ما الذي يجعلكم تحكمون أنّها بفائدةٍ أو بلا فائدةٍ؟ سيقولون: مساعدتُها للحيوان على البقاء حسب مفهوم الانتخاب الطبيعيِّ هذه الأجنحة لا تساعد الحيوان وبالتّالي فليس لها فائدةٌ وبالتّالي فقد جاءت بها الصُّدف العمياء، لا بتصميمٍ حكيمٍ يعني افتَرَضوا أنّ خُرافة التّطوُّر صحيحةٌ وبالتّالي فمِعيارها فيما له فائدةٌ وما ليس له فائدةٌ معيارٌ صحيحٌ وهو مساعدته على البقاء فحَكموا بأنّ هذه الأجنحةَ بلا فائدةٍ لأنّها لا تُساعد على البقاء بزعمهم وبالتّالي فلا خَلْقَ عن قَصْدٍ إذَنْ فالتّطوُّر صحيحٌ هذا هو الاستدلال الدّائري وهو يشبه أنْ أقول لك: أنا صادقٌ، وبما أنّي صادقٌ فإنْ قلتُ لك أنّي لا أكذب فأنا صادقٌ في هذه الدَّعوى، وبالتّالي فأنا صادقٌ الدّليل مأخوذٌ من الدعوى نفسِها فنقولُ لهم: المنظومة الإيمانيّة المُنسجمة المتوافقة مع العلم الصحيح الخاليةُ مِن مغالطاتكم تقول: أنَّ الخالق يخلق أشياء للجمال، فقال في أصنافٍ من الحيوانات: ﴿ولكُمْ فيهَا جمَالٌ حينَ ترِيحُونَ وحينَ تسْرَحُونَ﴾ [القرآن6:16] فحتى لو افترضنا أنّ أجنحة وذيولَ الطُّيور الجميلة كالطّواويس وغيرها لا تُساعد على البقاء وحتّى لو افترضنا أنّكم اطَّلَعتم على أحاسيس هذه الطّيور ومُيولها الجنسيّة وأثبتُّم أنّها لا تُساعد في التّزاوج فيكفي أنّها تدلُّ العقلاءَ على أنَّ لهذا الجمال خالقًا فكيف عندما نرى أنّ هذه الأجنحة ليست مفيدةً جماليًّا لنا -نحن عباد الله- فحسب كما رأينا في البطريق والنّعام أنا احترتُ حقيقةً في إعطاء عنوانٍ لهذه الحلقة فنحن اعتدنا أنْ نذكر مغالطةً منطقيَّة أو حيلةً نفسيَّةً، ثم نُعطي أمثلة عليها ذكرنا في الحلقات السّابقة أسلوبَ (خلطِ الخرافة بالحقائق) وأسلوبَ (أجِّرني عقلك) و(خاطِبهم كأطفال) و(تحويلَ عبء الإثبات) ماذا نسمي اليوم قولهم: الجناح للطيران وهذا يدلُّ على أنّ الكائنات الحيّة جاءت بالتّطور الصُّدَفيّ ماذا نسمّي كلامهم هذا بعدما رأينا الذي رأيناه؟ هل هو مثالٌ آخر على (خاطِبهم كأطفال) يحتقِرون به عقول أتباعهم؟ أم هي مغالطة (الاحتجاج بالجهل) إذ يَجهلون أو يَتجاهلون وظيفة جُزءٍ من جِسم الكائن الحيّ فيجعلون جهلهم هذا حُجّة؟ أم هي مُغالطة (آلهةِ الفجَوات)؟ لديهم فجَواتٌ معرفيَّةٌ فيسدُّونها بنسبة الأفعال إلى الخرافة أي بما أنّه لا فائدة للأجنحة فمَن غيره؟ لا بُدَّ أنَّه التَّطور هو الذي جاء بهذه الأجنحة! أم هي مغالطة (التّضليل بالمقدِّمات الخاطئة)؟ حيث بدأوا بمقدِّمةِ أنّها أجنحةٌ بلا فائدةٍ وانتقلوا بالمستمِع إلى نتائج رتّبوها على هذه المقدِّمة دون أن يُعطوه فرصةً لمحاكمة صحّةِ المقدِّمة أصلًا؟ أم هي مغالطةُ (الاستدلال الدّائريِّ) كما شرحنا؟ أم أنّها مغالطةُ (تحويل عبء الإثبات)؟ إذ تعامَوا عن كلِّ أمثلة الإتقان والإحكام لا أقول في الكائنات الحيَّة بشكلٍ عامّ فحسب، بل وفي نفس الحيوانات التي اتّخذوا من أجنحتها شُبُهات وبدلَ إثباتهم قدرة العشوائيّة، والصُّدَفيَّة، والانتخاب الأعمى على الإتيان بهذا كله حوّلوا عِبء إثبات وظيفةِ أجنحة الطُّيور علينا أم أنّها ظُلماتٌ بعضُها فوق بعض؟ احترت حقيقةً - إخواني - ماذا أسمّيها وأترك الجواب لكم والسَّلام عليكم