تعالوا نبدأْ بالحصنِ الخامس إلى أن نصِل إلى عُقر دار النّظريّة. إذن، أنتم بأنفسكم هدَمتم حِصنَكم الرّابع، حصنَ البطء، الّذي صدّعتم رؤوسنا به. كلّما قلنا لكم: لماذا لم يحصل تطوّرٌ للكائناتِ في تاريخِ البشر المعروف؟ تقولون: التّطوّر بطيءٌ جدًا، يأخذ مئات آلاف، وملايين السّنين. فهل يوجد واسِطات في عالم التّطوّر؟ هل هناك كائناتٌ تبقى كما هي ولا تتطوّر لمئات ملايين السّنين؟ ومع ذلك... وبالمناسبة، هذه النّظريّة بشرى سارّة، لهواة الصّعود في الهواء من أتباع الخُرافة؛ إذا كان لديك معرض سيّاراتٍ، وسمعت بإعصارٍ سيضرب المدينة، فدع سياراتك في المصف، فقد تَصحو في اليوم التّالي، وقد رأيتَ إحداها -على الأقل- قد تحوّلت إلى طائرةٍ دفعةً واحدةً.. بل ويُحمّقُ بعضهم بعضًا، ويَسخَر بعضهم من بعض، بل وينْشقُّ بعضهم عن بعض، وينشئُ ديانته التّطوّريّة الخاصّة ومن أحدثها، الطّريق الثّالث للتّطوّر، والتّي فيها مجموعةٌ من عتاولة التّطوّر. ونقول هنا في عجالةٍ للّذين يريدون التّوفيق بين نصوص الوحي والتّطوّر: مع أيٍّ من هذه الأنواع تريدون توفيقها؟ ونقول أيضًا للّذين يقولون: أيَّ إسلامٍ تريدوننا أن نتّبع؟ "الحلّ في ترك الدّين، جملةً وتفصيلًا واللّجوءِ إلى العلم!" إذن، ناقَشْنا اليوم -يا إخواني- الأسلوب الحادي عشر من أساليب التّضليل، التي يستخدمها أتباع الخرافات، وهو صياغة نظريّاتٍ، مهما انهارت أركانها فهي قابلةٌ لإعادة التّشكيل، مثل أصنام العجوة، الّتي كان يصنعها أهل الجاهليّة. (الصديق) لمَ أنت منزعج؟ شباب الحيّ يتآمرون علي. (الصديق) يا رجل، لمَ تقول ذلك؟ يا رجل انظر سامر وتامر وبالتأكيد معهم صفوان وعدنان. لا يجتمع أربعتهم إلا ليتآمروا ضدّي. خصوصا آخر فترة فقد حدثت بيني وبينهم مشكلات، وهذا صفوان الماكر (رأس البلاء)، لا يزال يحرضهم علي. أصلًا، هذه الحقيقة أودّ أن أسمّيها ال.. النّظريّة التّآمريّة! (الصديق) النّظريّة التّآمريّة؟! حسنًا، تعال، تعال وانظرْ، عدنان وصفوان يمشون بالشّارع، لو أن نظريتك صحيحة، لكان الأربعة متجمعين بعضُهم مع بعض. حسنًا، لكن سامر وتامر في المنزل، ها أنا أراهم، هم يتهامسون ومعهم ولد، مؤكّد أنهم يتآمرون ويكتبون الخطّة على ورقة لئلا ينسوها. (الصديق) يا أخي، أنت أصلًا ادّعيت أنّهم يتآمرون عليك لأنهم مجتمعون، وأنا أثبتُّ لك أنهم ليسوا مجتمعين بعضهم مع بعض. نعم، هذا لأنك لا تدري، فالآن تعّدلت النّظريّة، صارت النّظريّةُ اسمُها "النّظريّة التآمريّة الانتصافيّة". النّظريّة التآمريّة الانتصافيّة تقول أن اثنين منهم يكتبون الخطّة، واثنين منهم يخرجون يطبّقونها في الّشارع. (الصديق) حسنًا انتظر.. إلى أين أنت ذاهب؟ (الصديق) انتظر، انتظر.. إلى أين أنت ذاهب؟ إلى أين أنت ذاهب؟ تعال (الصديق) انتظر، انتظر.. (الصديق يلهث) (الصديق) هذه الورقة التي كانت مع أولاد الجيران: برنامج مباريات كأس العالم! يا رجل تمويه، هذا تمويه! هذا الوضع، أصلًا أنا كنت أعلم أنهم يموّهون وعملوا هذا الشيء. أساسًا النّظريّة تعدّلت، صار اسمها "النّظريّة الّتآمريّة الانتصافيّة الّتمويهيّة". أنت لا تعرف شيئا عن النّظريّة ثم تأتي لتناقشني يا جاهل؟ بهذه الطريقة، هل يمكن في يومٍ من الأيام أن نثبتَ لصاحبنا بطلان نظريّته؟ لا طبعًاّ لأنّها -على طريقته هذه- غيرُ قابلةٍ للتّحقيق. كتاب الله تعالى -أصل العلوم النّافعة- أعلن نبوءاتٍ وخفايا جاء الزّمان بتصْديقها، وأعلن معارِضاتٍ، إن ثبتت فهو ليس من عند اللّه، وتحدّى النّاس أن يثبتوا هذه المعارِضات: ﴿فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّـهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ [القرآن 2:23] ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّـهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [القرآن 4:82] فأثبِتوا وجود تعارضٍ في القرآن أو ائتوا بسورةٍ من مثله، اختبارٌ يمكن لأحدٍ -أيّ أحدٍ- أن يجرّبه، وغيره الكثير من الاختبارات الّتي وضعها القرآن. أمّا في عالم الخُرافاتِ، فالتّنبّؤات تسقط أولًا بأول، كما رأينا في حلقة (خنفشار داروين) عن تنبّؤِه بكائناتٍ لا حصر لها، وكما رأينا في تنبّؤ أتباعه عن وجود طفراتٍ نافعةٍ، وعن إمكانية صنع الحياة مخبريًا من الجمادات، مما جعل أتباعه يفترون التنبّؤات إلى أطرافِ الكون، بل وخارجِه، كما رأينا، حتّى لا يمكن اختبارها. بقيَ السؤالُ الثّاني... هل هناك معارِضاتٌ إذا اكتشفناها، فسيعترف أتباع النّظريّة بأنّها باطلة؟ لأنَّ المعارِضاتِ لا تُبطل جزئياتٍ من الّنظريّة فحسب، بل تَهْدم أركانها، وتُفْرغها من محتواها. تعالوا نرَ! وتذَكّروا في محطّاتنا إخواني صاحبنا، وإعادةَ تشكيله لنظريته عن تآمر شباب الحيّ. خيالات داروين الّتي تحولت إلى نظريّةٍ: كائنٌ بدائيّ تطوّر عبر تغيّراتٍ عشوائيّةٍ، وانتخابٍ طبيعيٍّ أعمى، بشكلٍ تدريجيٍ، بطيء، مرورًا بكائناتٍ وسيطةٍ لا حصر لها، لينتج عندنا ما نرى من كائناتٍ حيّةٍ. احفظوا هذه الرّكائزَ الخمسة -إخواني- وهي نفسها ركائز الداروينية الحديثة، أو النّظريّة التّركيبيّة الحديثة في شكلها الأوّل. تعالوا نبدأْ بالحصن الخامس، إلى أن نصل إلى عُقر دار النّظريّة: كائناتٌ وسيطةٌ لا حَصر لها. دعونا من القصصِ البائسةِ لتزوير وسوء تفسير الحفريات. أتباع داروين يتّفقون معنا في المحصلة على أنّهم لم يجدوا كائناتٍ انتقاليّةٍ لا حصر لها في طبقات الأرض. حتّى أن التّطوريّ ستيفن جولد "Stephen Gould" من كبار علماء النّظريّة نصّ في كتابه (ذا بانداز ثامب) The Panda's Thumb بعد مرور 120 عامًا من النّظريّة على أنّ تاريخ معظم الحفريّات يتميّز بخاصيّتين، ثانيهما هي الظّهور المفاجئ، بحيث أنَّه في المنطقة الواحدة، فإن النّوع من الكائنات لا يظهر بشكل تدريجيٍّ بالتحول عن كائناتٍ سابقةٍ له، بل يظهر فجأةً، مكتملَ التّكوين. وحاول غولد تقديم حلولٍ كما سنرى. وشهاداتٌ مثلها للتّطوريّ بروفيسور التّاريخ الطّبيعي كيث تومسون "Keith Thompson" وروبرت كارول "Robert Carroll"، وغيرهما... كثيرٌ من الاعترافات التّي لا يذكرها مروّجو الخرافة شَعْبَوِيًّا بين الناس. إذن، سقط الحصن الخامس، حصنُ كائناتٍ وسيطةٍ لا حصر لها. هل اقتنعتم ببطلان النّظريّة إذن؟ قالوا: بل سنجري تعديلًا على النّظريّة لتستوعبَ حقيقةَ سقوطِ نبوءةِ كائنات وسيطة لا حصر لها، هذا التّعديل يقول أنَّ التّطور يحصل بسرعةٍ كبيرةٍ أحيانًا ريثما ينتج أنواعًا جديدةً من الكائنات، ثمّ هذه الأنواع تبقى دون تطوّر لملايين السّنين، ولذلك فالسّجل الأحفوري لم يلحق أن يحتفظ بعيّناتٍ من الكائنات الانتقاليّة التّي نتجت خلال التّطوّر السّريع، وقد سمّينا هذه النّظريّة المعدّلة على مستوى عوائل الكائنات بالتّطوّر الكمّي Quantum Evolution، وعلى مستوى أنواعِ الكائنات لدينا تعديلٌ آخر، سميناه التّوازن المتّقطّع Punctuated Equilibrium، ويُسمّى أيضا التّطوّر المتقطّع Punctuated Evolution، فبالعكس تمامًا، ظهورِ أنواعِ الكائناتِ فجأةً دون كائناتٍ انتقاليّة هو أحدُ أركانِ نظريّتنا المعدّلة! أرأيتَ أنّك لا تفهم نظرّيتنا وتريد أن تناقشها يا جاهل؟! لكن لحظة، تطوّرٌ سريع؟! إذاً أنتم بأنفسكم هدمتم حصنكم الرّابع، حصن البطء، الذّي صدّعتم رؤوسنا به. كلما قلنا لكم: لماذا لم يحصل تطوّرٌ للكائنات في تاريخ البشر المعروف؟ تقولون: التّطوّر بطيء جدًا... يأخذ مئات آلاف، ملايين السنين... ففهِّمُونا، في المحصّلة تطورُكم هذا سريعٌ جدًا أم بطيءٌ جدًا؟ قالوا: أحيانًا يكون سريعًا، ونسمّيه التطور السريع "Tachytelic"، وأحيانًا بطيئًا ونسمّيه التطور البطيء "Bradytelic". نحن لا نسألكم عن الأسماء التي اخترعتموها، ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا﴾ [القرآن 53:23] نحن نسألكم عن الحقائق. هل في عالم التّطوّر أيضًا واسِطات؟ لدينا أحافير لكائناتٍ تُقدّرون أنتم أعمارها بملايين، ومئات ملايين السنين، ومع ذلك، فهي هي، كما هي، إلى يومنا هذا، لماذا لم تتطوّر؟ (صوت عدنان إبراهيم) ثم قال لك: ها هو النّمل، هذا عمره ملايين السّنين بشهادة علماء التّطوّر، ووجدوه في الكهرمان، نمل من ملايين ملايين السنين! لماذا لم يتطوّر؟ ولم يتطوّر؟ ومن قال لك أنّه يجب أن يتطوّر؟ ومن قال لك أنّ هناك وتيرةً واحدةً للكائنات كلها يجب أن تتطوّر جميعها هكذا؟ غير صحيح. التركيبية المعاصرة تقول لك: "التّطوّر لا يحدث بسرعة واحدة" وهم يعون ذلك تمامًا! يبدو أنّك لا تدري... أنا نظريّتي تقول: أنّ نصف شباب الحيّ يكتبون المؤامرة، والنّصف الآخر خرج لتنفيذها. أنا واعٍ لذلك تمامًا. أحد أنواع نبات السّرخس تم اكتشاف أحافير له، وقدّروا عمرها بـ(180) مليون سنة على الأقل. حلَّلوا مادّتها الوراثيّة فوجدوها محفوظةً كما هي لم تتغيّر، كما في ورقةٍ في مجلة سَيَنْسْ "Science" فهل يوجد واسطات في عالمِ التّطوّر؟ هل هناك كائناتٌ تبقى كما هي ولا تتطوّر لمئات ملايينِ السّنين، ومع ذلك تريدون أن تقنعونا بأنّ الظّروف البيئيّة جعلت كائناتٍ أخرى، في نفس منطقتها، تتطوّر بسرعةٍ هائلة، كما يتطوّر بعض صغار الموظّفين؟! ألستم تقولون أن علم الوراثة هو أقوى أدلّة التطوّر؟ علم الوراثة يخبرنا -كما في حلقة (الغشّاش)- أنّ الفروقات بين الكائنات، التي تزعمون أنّ بعضها تحوّل وتطوّر إلى بعض، فروقاتها على مستوى المادة الوراثيّة هي في عشرات، أو مئات ملايين الحروف. حاولتم طويلًا إقناعنا، بأن آلياتٍ عشوائيّةً مثل: الطّفرات، التّهجين الكروموسومي، الفيروسات القهقرية، الجينات القافزة، أنّ هذه يمكنها إحداثُ هذه التّغييرات إذا أعطيناها ملايين ومئات ملايين السنين. كيف تمّ اختزال هذه المُددِ المزعومةِ إلى آلافِ السّنوات فقط؟ المهم أنّ حِصن (بطيء) هذا انهار. تعالوا إلى الحِصن الثالث، حِصنِ (تدريجيّ). علمُ الوراثةِ وعلمُ وظائفِ الأعضاءِ يكذّبان فكرة التدرجيّة، فقد بيّنّا في حلقة (خاطبهم كأطفال) أنه ليحصل تعديلٌ بسيطٌ في نفس الكائن، كاستطالةِ عنقِ الزّرافة المزعومِ، فإنّ هناك تغيّرات كثيرة لا بد وأن تحصل معًا، دفعةً واحدة. فهذه الاستطالة، ستتطلّب تضخّم القلب، وتواجد صمّامات خاصّة في الأوعية الدّمويّة، وتصميمًا خاصًّا للشّبكة الرّائعة "Rete Mirabile"، والجلد الثّخين بأطراف الزّرافة السّفلى، وحصولُ شيءٍ من هذا قبل الآخر يعطي كائنًا غيرَ متناسقٍ، ولا صالحٍ للبقاء. فإذا تضخّم القلب -قلب الزّرافة- قبل هذه الآليات، وقبل استطالة عُنقُِها، فستنفجر عروقها، وإذا استطالت الرّقبة أولًا، فلن يصل الدّم إلى الدّماغ، وكلّ هذا على مستوى الجهاز الدّموي فقط، فما بالك بالتغيّرات الكثيرة في باقي أجهزتها: الهضميّ، والّتنفسيّ، والعصبيّ، والعضليّ والعظميّ، وفقرات رقبتها، وغيرها وغيرها... لا بدّ من حصولِ تغيراتٍ، في هذه كلّها بشكلٍ متزامن، وكذلك كل الأنظمة الحيويّة، قائمةٌ على التّعقيد غير القابل للاختزال. ومن ثمّ فلا مجال للتّراكميّة، لأنّنا لا نتحدّث عن قطع ليجو "Lego" تضاف تباعًا، بل عن كائناتٍ لا بدّ أن يكون كلٌّ منها متناسقًا، متكامل الأعضاء. يعني تصوّر -للتّبسيط الشّديد- أنّ المطلوب تحويل كلمة حيوان إلى إنسان. حتّى تكون التَّغيُّرات تدريجيَّة، فالتَّغيُّر الأوَّل ينتج كلمة "إيوان"، والثَّاني "إنوان"، والثَّالث "إنسان". كلمتا "إيوان" و"إنوان" هاتان بلا معنى في عالم (بالإنجليزية) علم الأحياء، أي كائناتٌ لا وجودَ لها، ليست كائنات تصلح للبقاء ولا للتّكاثر، وبالتالي فلن نصل من خلالهما إلى إنسان. لذلك فلا مجال للتّدرجيّة في التّغيّر التّطوّريّ المزعوم من كائنٍ إلى آخر. فهل اعترف أتباع الخرافة بسقوطها؟ بل قالوا: "سنعدّل نظريّتنا، ونقول أنّه قد يحدث عددٌ كبير من الطّفرات يخرج نوعًا من الكائنات من نوعٍ آخر دفعةً واحدة، ودون حاجةٍ للتّدرُّج، وهذا يفسِّر غيابَ الكائناتِ الانتقاليَّة من السِّجل الأحفوريّ، وسنسمِّي النَّظرية المُعَدَّلة: Macromutation Theory نظريّة الطّفرات الكبرى، أو Saltation نظريّة القفزة، نوعٌ آخر من (بالإنجيلزية) التطوّر، تغيّرات عشوائيّة، وانتخابٌ طبيعيٌ أعمى. إذن، عشرات الملايين من أحرف المادَّة الوراثيَّة اللاّزمة تحديدًا تتغيَّر عشوائيًّا دفعةً واحدة، أي لو مثّلنا المادَّة الوراثيَّة لكائنٍ ما بملفات وورد "Word" مفتوحة على عشراتِ آلاف الأجهزة، أجهزة (بالإنجليزية) الحاسوب، كلّ ملفٍ يمثّل جينًا معيَّنًا كلُّها ستتعاون في بناء جسم كائنٍ واحد، والطَّفرات هي مثل تخبّط أطفالٍ رضَّع يضربون على (بالإنجليزية) لوحات المفاتيح، كما في حلقة (خاطبهم كأطفال)، فالرُّضَّع -حسب هذه النَّظريَّة- قاموا بمجموعة تخبيطات متزامنة أضافت فقراتٍ ذات معنى ومحت سطورًا، وغيَّرت حروفًا، دون أن تحدث أيَّ أخطاء في باقي المادَّة، في باقي فقرات الملفَّات، وكلُّ هذا بمحض العشوائيَّة والصُّدفة! ويسمَّون ذلك علمًا! وبالمناسبة، هذه النَّظريَّة بشرى سارَّة لهواة الصُّعود في الهواء من أتباع الخُرافة. إذا كان لديك معرض سيَّارات وسمعت بإعصار ٍسيضرب المدينة، فدع سيَّاراتك في المصفِّ، فقد تصحو في اليوم التَّالي، وقد رأيت إحداها -على الأقل- قد تحوَّلت إلى طائرةٍ دفعةً واحدة، بمجموعةٍ من التّغيّرات العشوائيَّة المتزامنة، حسب جماعتك، خاصةً وأنّهم ما عادوا يشترطون ملايين السّنين، بل يمكن بدفعةٍ واحدةٍ، حسبَ رأيهم. إذن، انهدمت تمامًا فكرة التّطوّرِ البطيء، فأصبح لا يَحتاجُ ولا حتَّى إلى آلافِ السَّنواتِ، بل دفعةً واحدة، والأهم من ذلك، أنَّه انهدم الحصن الثَّالث، حصن التَّدرجيَّة. طبعًا -إخواني- نحن عندما نقول عن أتباع الخرافة أنّهم عدّلوا من نظريّة إلى نظريّة، وقلنا لهم، وردّوا علينا... فهذا لا يعني أنّهم على قلب رجلٍ واحد، ولا ينفي أنَّهم مختلفون فيما بينهم، فبعضهم بقي متمسكًا بالتَّدرجيَّة، وآخرون ينكرون، وفكرة (بالإنجليزية) القفزة أو الطَّفرات الكبرى هذه سُخِر منها، ورُفضت بشِدَّة لفترةٍ من الزَّمن، ثم عاد عددٌ منهم يؤيِّدها، بل ويُحَمّق بعضهم بعضًا، ويَسخر بعضهم من بعض، وكلّهم معهم حقٌ في هذا التّحميق، والسّخرية بصراحة. ويصفُ أتباع التّدرّج البطيء التطوّر السّريع بأنّه تطوّر الرُّعونة والطّيش (بالإنجليزية) تطوُّر الحمقى، فيردُّ عليهم أتباع السّريع بأن تطورّهم هو التّطوّر الزّحفي البطيء، ويكفيك لترى حالتهم المزرِيَة، أن تطّلعَ على قسم النقد "Criticism" ونقولاته من هذه الصّفحة في شرح التّطوّر المتقطّع، على ويكيبيديا "Wikipedia"، بل والأخطرُ منه كلمات المشاركين في مؤتمر (اتّجاهات جديدة في البيولوجيا التّطوريّة) عام 2016، والذين اشتكوا من العداء العقديِّ الذّي يواجهونه من "أتباع المعبد النّظري التَّقليديِّ للنَّظريَّة" على حدّ تعبيرهم. بل ويَنشقّ بعضهم عن بعض ويُنشئ ديانته التّطوريّة الخاصّة، ومن أحدثها، الطَّريق الثَّالث للتَّطوُّر والتي فيها مجموعةٌ من عتاولة التَّطوُّر. نعم، يفعلون ذلك كلَّه، لكنَّهم جميعًا متَّفقون على أَنَّ الخُرافة بأحد أشكالها يجب أن تستمرّ، وكذلك كان جاهليُّو الأصنام مختلفين فيما بينهم، بل وبعضهم يصنع صنمه الخاصَّ به ليعبده و ينسب الفضل إليه، ومنهم من يعبد هُبَل، أو العُزّى، أو لات أومناة، أو ذو الشّرى، أو إسافًا، أو نائلة، وقد يقتتلون في نصرة آلهتهم، لكنهم جميعًا متفقون على خُرافة الشِّرك، وكذلك أتباع الخرافة، يصمِّم كثيرٌ منهم تعديله الخاصَّ -أي صنمه الخاص- من خرافة التَّطوُّر، وينسب إليه الخوارق، والفضل في وجوده، ووجود الأحياء كلِّها، فلديهم أشكالٌ من التَّطوُّر: (بالإنجليزية) تطوُّر تقاربيٌّ، تطوُّر تباعديٌّ، تطوُّر متواز، تطوُّر تدريجيٌّ، تطوُّر كميٌّ، تطوُّر متقطِّع، تطوُّر الطفَّرات الكبيرة، تطوُّر قافز تطوُّر ممتدٌّ، تطوُّر مشتَرك وستبقى الأصنم تُصنع... المهم أن تبقى كلمة تطوُّر "Evolution"، لتنفي الخلق عن قصدٍ وحكمةٍ وإرادة. ونقول هنا في عجالةٍ للّذين يريدون التّوفيقَ بين نصوصِ الوحي والتّطوّر: مع أيٍّ من هذه الأنواع تريدون توفيقها؟ خاصّةً وأنّ كثيرًا منها متضاربٌ متعارضٌ. ونقولُ أيضا للذّين يقولون: "أيّ إسلامٍ تريدوننا أن نتبع؟ الحلّ في ترك الدّين جملةً وتفصيلاً واللّجوء إلى العلم!" وكأنّ العلم المزعوم شيء ٌواحدٌ مجمعٌ عليه. بعيدًا عن كونه علمًا زائفًا، وعن حقيقة أنّ الإسلام والعلم الحقيقيِّ لا يتعارضان، أيًا من علمكم هذا، تريدوننا أن نتَّبع؟ (بالإنجليزية) التَّطوُّر التَّدريجيُّ، أم تطوُّر التوازن النقطيِّ، أم التطور الممتد، أم أيَّه بالضبط؟ تعالوا نعود إلى حصون نظريِّة التَّطوُّر، ماذا بقي منها؟ انهارت ثلاثة حصون، وبقي اثنان، وها نحن نقترب، من عُقر دار النَّظريِّة. وحتَّى لا نطيل عليكم -إخواني- سنؤجِّل التَّعامل مع هذين الحصنين إلى الحلقة القادمة، وهي الحلقة الأهمُّ، والأخطر، والمليئة بالمفاجآت. ختامًا، نعود إلى السُّؤال الذّي بدأنا به حلقتنا: على طريقتكم هذه يا أتباع الخرافة، هل هناك أية ظاهرةٍ أو حقيقةٍ يمكن أن تعترفوا معها في يوم من الأيام ببطلان نظريّتكم؟ إذَن ناقشنا اليوم -إخواني- الأسلوب الحادي عشر من أساليب التَّضليل الَّتي يستخدمها أتباع الخرافات، وهي صياغة نظرياتٍ، مهما انهارت أركانها، فهي قابلةٌ لإعادة التَّشكيل، مثل أصنامِ العجوة الّتي كان يصنعها أهل الجاهليَّة. والسّلام عليكم ورحمة الله.