هذا الكلام له نتيجتان خطيرتان: أولًا: أنَّ وجود هذه الأخلاق لا يدلُّ على خالقٍ السَّلامُ عليكم نَشرتُ حلْقةً فيها ردٌّ على (يا مَحاسِنَ الصُّدفِ) للدَّحِّيح، في الحلقات: من (3) إلى (12) من (رحلة اليقين) فلَفَتَ نظري في التَّعليقات أنَّ كثيرًا مِن متابعيه يدافعون عنه، ويقولون: "لا، لا تظلمِ الدّحيحَ، فما هوَ إلّا ناقِلٌ للعلومِ والنَّظريّاتِ، ويُمكِن أن يُصيب وأن يُخطئ، لكن ليس قَصدُه أن ينشُر الإلحاد، ولا يصحُّ أن تقيس على حلْقةٍ واحدةٍ..." ومعَ أنَّ توجُّهَ الدَّحِّيح كانَ واضحًا تمامًا في تلك الحلقةِ، إلَّا أنّي راجعتُ وتابعتُ حلَقاتٍ كثيرةً لهُ، فرأيتُ أنَّ أكثرَ هذه الحلقاتِ فيها ترويجٌ للِإلحادِ تحت سِتار العِلمِ والمادِّيَّةِ في هذه الحلقة، ساُحضر لكَ بَدَل المثالِ عشرةً مِن حلقاتِ الدَّحِّيح وبالمناسبةِ، أنا لست مصريًّا، لكنْ حريصٌ جِدًّا أن أيسِّر الخِطابَ في هذهِ الحلقةِ لكيلا تكون اللُّغةُ حاجزًا، وأحبُّ وأُجِلُّ إخواني مِن مِصرَ وغيرِها، الَّذينَ تجمعُني بهم رابطةُ الإيمان انتبهوا يا شبابُ، لتعرفوا إلى أين يتَّجه الدَّحَّيح وأمثالُه وتفهَموا الصُّورةَ كاملةً سنبدأ بمقدِّمةٍ في غايةِ الأهميَّةِ ولن نُطِيل فيها بيَّنا في (رحلةِ اليقينِ) أنَّنا آمنّا باللهِ بالعقلِ والفطرةِ والعلومِ التَّجريبيَّة الإلحادُ يبدأُ مِن الإصرارِ على نتيجةٍ محدَّدةٍ سابقًا: (إنكارِ وجودِ اللهِ) -كما بيَّنّا في (المخطوف)- لكنَّ الإلحادَ لا يَعترفُ بذلكَ؛ لأنّه سيَظهرُ جاحدًا ومُصِرًّا على النَّتيجةِ مُقَدَّمًا، لا محايدًا ولا علميًّا، فيَتَسَتَّرُ الإلحادُ بستارِ التَّفسيرِ المادِّيِّ المَحضِ للوجودِ، أي أنَّه يدَّعي أنَّه لا يَعترفُ بشيءٍ اسمُه غَيبٌ، وإنَّما بالأشياءِ المادِّيَّةِ فقط، لكنْ لمّا أصَرَّ الإلحادُ على مخالفةِ أدلَّةِ الفِطرةِ والعقلِ، والعِلْم التجريبيِّ الحقيقيِّ، واستَثنى وجودَ الخالقِ، أصبحَ الكونُ والحياةُ بلا تفسيرٍ عندَه؛ كلُّها فجواتٍ حاول الإلحادُ أن يَسُدَّ هذه الفجواتِ، كيف يَسُدُّها؟ بتفسيراتٍ هي في حقيقتِها تفسيراتٌ غَيبيَّةٌ، لكنَّها غبيَّةٌ! -كما بيَّنَّا في المرَّةِ الماضية- حسنًا، ما دمت مضطرًّا إلى الغَيبِ -يا إلحادُ- في المحصِّلةِ، يشتري أو لا يشتري، يتكلَّم أو لا يتكلَّم، فلم لا تعترف بوجودِ الخالقِ؛ الغَيبِ الحَقِّ الّذي تَدُلُّ عليهِ الأدلَّةُ كلُّها، بَدَل غَيبيَّاتِك الغبيَّةِ؟ لا، كلُّ شيءٍ إلا الخالقَ! ولكيلا يظهر الإلحادُ متزمِّتًا يتَستَّر بالعِلمِ التَّجريبيِّ "science" وحين تتحقَّقُ مِن أدلَّتهِ، تجدُ أنَّها عِلمٌ مزيَّفٌ "pseudoscience" أو علمٌ حقيقيٌّ يَدُلُّ على اللهِ، لكنَّ الإلحادَ يعكِسُ دَلالته ليجعلَهُ دليلًا على نفيِ وجودِ الله الحلقاتُ التي تابعتُها للدَّحِّيح تدورُ حَولَ هذهِ الطُّرق، ولمنْ يُتابِعُ مَعنا (رحلة اليقين)، ستكون هذه الحلقة تمرينًا تطبيقيًا على أسلوب الدّحِّيح، و(بالإنجليزية) دراسةً لحالتِه بعدما تناوَلنا أسلوبَ (عدنان إبراهيم)؛ لكي تعرف كيف تسمعُ سمعًا ناقدًا نفى الدّحِّيحُ الضّبطَ الدّقيقَ المقصودَ للكونِ بحلقة (يا محاسن الصُّدف)، واستعاضَ عنه بفكرة (بالإنجليزية) الأكوان المتعدِّدة الصُّدَفِيَّة وهو غيبٌ مفترَضٌ غبيٌّ -كما بينَّا في الحلقةِ الماضية- ثمّ نَسَبَ الدّحِّيحُ خَلْقَ الإنسانِ إلى التطوُّرِ الصُّدْفيّ، ثمّ نفى الضّبطَ الدّقيقَ في جسمِ الإنسانِ مستخدمًا أدلّةً كاذبةً في هذا كلِّه -كما سنَرى- ثمَّ نفى فطرةَ الإنسانِ بالتَّشكيكِ في وُجودِ غايةٍ مِن الحياةِ، ونزعةِ التَّديُّنِ، والضّروراتِ العقليةِ، والنَّزعةِ الأخلاقيَّةِ، والإرادةِ الحُرَّةِ، ثمّ أعطى الموتَ والحياةَ تفسيراتٍ مادّيَّةً، وادَّعى قُدرةَ الإنسانِ على إحياءِ الموتى، ثمَّ ألمَحَ الدّحِّيح إلى أنّ اللهَ لَيسَ له وجودٌ حقيقيٌ، وإنّما هو مَعنًى اخترعهُ الإنسان وللمتعجِّبين مِن قولنا إنَّ الدّحِّيح يرَوِّجُ للإلحاد، انتبهوا، الدّحِّيح طريقته مختلفةٌ عن واحدٍ مثل (شريف جابر) الذي يقولها لك مباشرةً: "أنا أريدك أن تكفُر"... لا؛ الدّحِّيح لا يتكلَّم عن الإسلام كلامًا مباشرًا، بل يهدم عندك القواعد الّتي يُبنى عليها الإسلام كالفطرة، والإيمان بالخَلق، والرُوح وهو يدَّعي أنه يَتكلّمُ في عِلْم! فلا تُحِسّ أنّه يُهاجم دينك، لكنّك ستبدأ تشكّ شيئًا فشيئًا ومصادرُ معلوماتِ الدّحِّيحِ الّتي يُفاخرُ بها في هذا كلّه هي كتبُ الملحدين، وللّذين يقولون: "الدّحِّيح ينقُل علومًا ونظرياتٍ ويذكرُ المصادر" لماذا لا ينقُلُ في هذه المجالات إلَّا عن كتبِ الملحدين المليئةِ بالعِلْم الزَّائف والغيبيَّات الغبيَّة -كما سنرى-؟ لماذا لا ينقل عن الأبحاث المحترمة الّتي تبيِّنُ أنّ هذه النّظريَّات كلامٌ فارغٌ؟ وحتّى لو أتى الدّحَّيح بأبحاثٍ حقيقيَّةٍ، فلماذا يستدلُّ بها استدلالاتٍ خاطئةً ليثْبت الأفكار الإلحاديَّة؟ تعالوا إليها -يا إخواني- واحدةً واحدةً، تكلّمنا عن الضّبطِ الدّقيقِ للكونِ، وتشكيك الدّحِّيح فيه في حلقة (يا محاسن الصُّدف)، يكتب أو لا يكتب تعالوا إلى الكائناتِ الحيّةِ؛ إن لم يكن لهذه الكائنات خالقٌ خَلَقها عن قصدٍ وعلمٍ وحكمةٍ، فكيف جاءت هذه الكائنات الحيَّة؟ يجيبك الدّحِّيح في حلقة (شاورما الدّيناصورات) بأنَّه التَّطوُّر وإنه لمن العجيب أنّ الدّحِّيح تجنّب تمامًا ذِكر داروين "Darwin" واسم كتابه، ونظريَّة التّطوّر طَوالَ الحلقة، ويقول: "كتاب عام (1859)..." [المهم أنَّه سنة (1895) نشَرَ عالمٌ لا نعرف اسمه، كتابًا لا نعرف اسمه أيضًا كان يتكلَّم عن أصل الأنواع... أمامنا هذا الدّليل المرعبُ من الحفريَّات الذي فيه هذا (بالإنجليزية) الخليط الفظيع، الذي تنبَّأ به الكتاب في سنة (1859)] هل تستحيي يا دَحِّيحُ أن تواجه جمهورَك بهذه الأسماء أم ماذا؟! على كلٍّ، هل عندك دليلٌ -يا دَحِّيح- على صحَّة كلامك عن تطوُّر الكائنات بعضِها من بعض؟ يقول لك الدَّحِّيح: أكيدٌ؛ حفريَّة (الأركيوبتركس) "Archaeopteryx" تُمثّل حلقةً انتقاليَّةً بين الزّواحف والطُّيور، أي أنَّه يمكن اعتبارها أوَّل طائرٍ ويقول الدَّحِّيح عن الدَّيناصورات: [باتّفاقٍ من المجتمع العلميِّ أنّ هؤلاء هم أجدادُ عشرةِ آلافِ نوعٍ من أنواع الطيور الموجودة اليوم] وأنا قد بيّنت في حلقة (طرزان) وبأوراقٍ من أشهر المجلَّات مثل سينس "Science" ونيتشر "Nature"، أنّ هذا ليس اتِّفاقًا من المجتمع العِلْمي ولا من غيرِه! وذكرتُ الأبحاثَ التي تنفي أن (الأركيوبتيركس) حلقة وصلٍ مع الطيور لكن الدَّحِّيح ينتقي الذي يُعجبه ويدّعِي الإجماع عليه عدا عن أنّي بيَّنتُ في حلقة (من سرق المليون؟) لماذا فكرةُ الحلقات الانتقاليَّة من أساسها فكرةٌ هزليَّةٌ تحايليَّةٌ للغاية؟ في نفس حلقة (شاورما الدَّيناصورات)، يأتيك الدَّحِّيح بدليل آخرٍ على التّطوّر، خاصةً تطوّر الإنسان [لمَّا أراد أن يرى الأشياء التي تسمى (بالإنجليزي) تأسّلًا؛ وهي الأشياء التي تكون مختبئةً في حمضنا النّووي من آثار أجدادنا، فتجد مثلًا أحيانًا أطفالًا يولدون وعندهم ذيلٌ] إذن؛ فأجدادنا حيواناتٌ لها ذيلٌ، والدليل الأولاد الذين يظهر لهم ذيلٌ! وأنا كنت قد بيّنت في حلقة (ذيلك الذي لا تعرف عنه الكثير) أنّ هذه كذبةٌ قديمةٌ جدًا بدأها داروين في كتابه (أصل الإنسان) بناءً على التَّشابهِ الخارجيِّ، وإنَّ هناكَ أبحاثًا علميَّةً لباحثينَ بعضُهم من أتباعِ نظريَّةِ التَّطوُّر في (نيتشر) وغيرِها، بيَّنتْ أنَّ ما يُسمَّى بالذَّيلِ البشريِّ هو في الواقع نُموٌّ وزوائدُ من نسيجٍ دهنيٍّ وأليافٍ، ليس فيها عظامٌ، ولا غضاريفُ، أي لا علاقة لها بذيل الحيوان وممكن أن تظهر هذه الزّوائد في أماكن عديدةٍ، عند الرَّقبةِ مثلًا كما في هذه الورقة في (نيتشر)، فما يسمِّيهِ الدَّحِّيحُ وأمثالهُ (ذيلًا) هو مرضٌ لهُ أسماءٌ علميَّةٌ: (بالإنجليزية) خلل الرفاء الشوكيّ "Spinal dysraphism, Spina bifida, lipoma" ليس ذيلا دالًّا على أصولٍ حيوانيَّة لكن الدَّحِّيح يستخدم أيَّ خرافاتٍ قديمةٍ -أي (بالإنجليزية) علمًا مزيفًا- ويتظاهر بأنَّهُ يَعرضُ علمًا محايدًا ولهُ مصادرُ حسنًا، إذا كانَ الإنسانُ قد جاءَ بالتَّطوُّرِ والصُّدفةِ -يا دَحِّيح- فكيف تفسِّر الضَّبطَ الدَّقيقَ والإتقانَ، والإحكامَ في جسم الإنسان؟ يجيبكَ الدّحيحُ في حلقةِ (ألوان زمان): "لا، من قال لك إنَّ جسم الإنسان متقنٌ؟ بل فيه عيوبٌ" تعالَ نرَى... [وبعد ذلك تحت القرنيَّة عدسةٌ تُرَكِّزُ الضوء، فعيناك تطوَّرتا كثيرًا عبر التاريخ، أي أنَّ عينيك -ما شاء الله- متعوبٌ فيهما أسمعُ من يقول لي: "عجبًا، إذن فنحن وصلنا إلى قمَّة الإعجاز، فعينُ بني آدم صارت أحسن وأعظم شيءٍ، لا أريد أن أفاجئك وأقول لك هذا، لكنَّ عينيك كابن آدم فيها بعض العيوب، ماذا؟! كيف يصحُّ هذا الكلام؟!] أؤكِّد -يا إخواني- أنَّ كذبةَ أنَّ عينَ الإنسانِ مَعيبةٌ روَّجها الكاتبُ الملحدُ الذي يستدلُّ بهِ الدَّحِّيحُ في حلقاته: ريتشارد دوكنز "Richard Dawkins" وكنَّا قد ردَدْنا عليها في حلقةِ (أحْرَجْتُك) والتي بينَّا فيها -بالتَّفصيلِ مِن الأبحاثِ العلميَّةِ- أنَّ تركيب العينِ الذي يَعِيبونه هو ضرورةٌ، وحلٌّ فائقٌ لاستغلالِ مَساحةِ العينِ، كما في مجلَّةِ فيجن ريسيرش "vision research" وأنَّ هذا التَّركيبَ يَعرِّض الضوءَ لعشراتِ أنواعِ الخلايا المختلفةِ قبلَما يصل إلى خلايا الشَّبكيَّةِ، مما يزيدُ قوَّةَ ونقاءَ الإبصارِ، كما في أبحاثِ أشهرِ المجلَّاتِ بي ناس "pnas"، ونيتشر، وغيرِها حتَّى إنَّ موقعَ فيز دوت أورج "phys.org" التَّطوُّري ينصُّ على أنَّ وجودَ الخلايا الحسَّاسةِ في مؤخِّرةِ الشَّبكيَّةِ مِيزةٌ تصميميَّةٌ، وأنَّ القولَ إنَّ العينَ ستكونُ أفضلَ لو كانتِ الخلايا في مُقدِّمةِ الشَّبكيَّةِ، هو حماقَةٌ! يترك الدَّحِّيح الأبحاثَ العلميَّةَ كلَّها، ويستشهِد بحماقاتِ ريتشارد دوكينز، الذي بيَّنَّا بالتَّفصيلِ أمثلةً مِن كذِبهِ وتزويرهِ العِلْمَ، في سبيل إقناع النَّاس أنْ (لا إله) حسنًا تعالَ -يا دَحِّيح- نتجاوز جسم الإنسان، كيف تفسِّر وجودَ الفطرة فيه؟ ماذا تعني (فطرة)؟ تعني أن الناس عندما يولَدون تكون عندهم جذورٌ لنزعةِ التَّديُّنِ، واللُّجوءِ لذي القوَّةِ العُليا، وضروراتٌ عقليَّةٌ، مثلَ: مبدأ السَّببيَّةِ؛ أنَّ لكلِّ حادثٍ سببًا، ونزعاتٌ أخلاقيةٌ: من حبِّ الخير وكراهيَّةِ الشَّر، وشعورٌ بأنَّ حياتنا لا بدَّ لها مِن غايةٍ، والذي يسمَّى بـ (الغائيَّة)، وإرادةٌ حرَّةٌ: لأن نعمل الأشياء أو لا نعملها، ونتحمَّلُ مسؤوليَّةَ اختياراتِنا هذا كلُّه من الفطرة الفطرةُ -يا إخواني- تشكِّل مأزقًا كبيرًا للملحدين؛ لأنَّ وجودها يعني لهم ضرورةَ وجودِ تدخُّل خارجيٍّ، مِن ذي قوَّةٍ مريدةٍ عليمةٍ، فهي لا تُفسَّر بمجرَّد تفاعلاتٍ بيوكيميائيَّةٍ عشوائيَّةٍ يعني تصوَّر شخصًا يقول: هذا جهاز حاسوبٍ تكوَّنَ بمحضِ الصُّدفةِ، تركَّبتْ أجزاؤهُ وتناسقتْ دونَ صانعٍ، وإنَّما ريحٌ عاصفةٌ هَوْجاءُ جمعتهُ على هذا النَّحوِ ففتحنا الحاسوب فوجدْنا فيهِ نظامَ تشغيلٍ كاملًا متناسقًا، وبرامِجَ لكلٍّ منها غايةٌ، كيفَ تفسِّرُ وجودَ هذهِ البرامجِ أيُّها الملحدُ؟ يعني إذا بلعنا أُكذوبتكَ المضحكةَ عن الجهاز "Hardware"، فكيفَ تفسِّرُ وجودَ البرمجيَّاتِ "Software" على الجهازِ؟ التفاعلاتُ البيولوجيَّةُ الكيميائيَّةُ المجرَّدةُ، والطَّفراتُ العشوائيَّةُ، والانتخابُ الطَّبيعيُّ أتباعَ (نظريَّةِ التَّطوُّر) لو سلَّمنا لكم وافترضنا أنَّها يمكنُها فعلًا خلقُ إنسانٍ، وبثُّ الحياةِ فيهِ أيضًا فمن أين لهذهِ المعاني العمياء، أنْ تودِعَ في نفسِ الإنسانِ هذهِ المكوِّناتِ الفطريَّةِ المتناسقةَ المُوجَّهة، وفي كلِّ نفسٍ جديدةٍ تُولد؟ الإلحادُ هنا يتخبَّط غايةَ التَّخبطِ، فمِن الملحدينَ مَن يبحثُ عن أسبابٍ ماديَّةٍ لهذهِ المكوِّناتِ الفطريَّة، فنقول لهم: فلنفترض جدلًا، أنَّكم وجدْتم مورِّثاتٍ لنزعةِ التَّديُّن، وأخرى للضَّرورات العقليَّة، ومجموعةً ثالثةً للأخلاقِ، وجيناتٍ للشُّعورِ بوجودِ هدفٍ للحياة ما هذهِ الحُزمةُ المتناسِقةُ الموجَّهةُ، التي تجعلُ النَّاسَ مؤمنينَ بوجودِ خالقٍ، محبِّينَ لعبادَتِهِ، ملتجئينَ إليهِ، مالكينَ ضروراتٍ عقليَّةً كالسَّببيَّةِ، يستدلُّونَ بها على وجوده، ونزعةً أخلاقيَّةً منسجمةً مع أوامره، وشعورًا بالغائيَّة، يدفعهُم إلى البحث عن مرادِه، والالتزام به إنْ وجدْتم حقًّا أسبابًا ماديَّةً للمكوِّنات الفطريَّة، فما هو إلَّا دليلٌ آخرٌ على عِظمِ هذا الخالق الذي أودعَها في البشر، وكَامَلَ بينها وجعلها مُنسجمةً مع أوامرهِ الشرعيَّة وأيضًا، لو كانتِ المسألةُ مسألةَ مورِّثاتٍ وتفاعلاتٍ بيوكيميائيَّةٍ، فكيف تفسِّرون الإرادةَ الحرَّةَ للإنسان؟! -والتي هي منَ الفطرة أيضًا- إن كانت مادَّةً وحسب، فسيكون الإنسانُ دُميةً تحرِّكهُ مُورِّثاتُه باتجاهٍ محدَّدٍ ومحسومٍ، ولا اختيارَ له أم ستقول إنَّ هناكَ مورِّثاتٍ تُجبركَ على أن تكونَ حرًّا في اختياراتِك؟! هنا وصل الإلحاد إلى طريقٍ مسدودٍ، واضطُرَّ إلى إنكار الفطرة، اضطُرَّ إلى إنكار الأشياء التي يدركها النَّاسُ عن أنفسهم بالبديهةِ أصلًا! بالمناسبةِ، كنتُ قد تكلَّمتُ بالتَّفصيلِ عن أزمةِ الإلحادِ مع الفطرة إن تابعتَها فسترى الرُّدودَ العلميَّةَ، وتفهمُ تمامًا إلى أين يذهب بنا الدَّحِّيح وأمثالُه ستجد الدَّحِّيح في حلقاته يطرح طرحًا إلحاديًّا مع واحدةٍ فواحدةٍ من مكوِّنات الفطرة التي تكلّمنا عنها الغائيَّة: أي الشُّعورُ بوجودِ غايةٍ، هدفٍ من الحياة، نَزعةِ التَّديُّن، الضَّروراتِ العقليَّة، النَّزعةِ الأخلاقيَّة، والإرادةِ الحُرَّة أمَّا عن وجود هدفٍ مِن الحياة؛ فقدِ انتشرَ مقطعٌ لشخصٍ يسألُ الدَّحِّيحَ عنِ الهدف مِن الحياة، ويريد منه نصيحةً للشَّباب كانت إجابةُ الدَّحِّيح صادمةً إلى حدٍّ جعل المخدوعينَ فيه يقولون: إنَّهُ كانَ يمزح! لكنْ إذا رأيته يستدلُّ بكُتَّابٍ معيَّنين؛ لكي يبرهن لكَ على جوابه، ولا يغيِّر كلامه بَعدَها، وإذا رأيت أنَّ جوابهُ متَّفقٌ مع نظرتهِ المادِّيَّةِ وطرحهِ الإلحاديِّ فستعلمُ أنَّهُ لم يكن يمزح كان السؤالُ... [السائل: سؤال، نريد منك إرسال رسالةٍ إلى الشباب الذين ليس لهم هدفٌ في الحياة الدحيح: حسنًا، وما المشكلة؟ هي الحياة بلا هدفٍ؛ ألم تقرأ في... السائل: لا، أنت لك أهدافٌ كثيرةٌ جِدًّا الدحيح: هذه خاصَّةٌ بـ(ألبرت كامو) و(سارتر) في كتبهم الوجوديَّة التي تفترِض أنْ ليس هناك أيُّ معنًى للحياة السائل: لا، من المؤكَّد أنَّ للحياة معنًى؛ الإنسان في الوجود على سطح الأرض تكون له متطلَّباتٌ وله مثلًا أهدافٌ معيَّنةٌ الدحيح: حسنًا، الأهداف كلُّها موجودةٌ؛ نحن نريد أن نأكل ونشرب ونتكاثر...] "نأكل ونشرب ونتكاثر"! ﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ﴾ [القرآن 45: 24] يقول لك: إنَّ الحياة بلا هدفٍ إذن، لا يوجد مكانٌ لقولهِ تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون﴾ [القرآن 51: 56] ولا لعَمارةِ الأرضِ بما يُرضي اللهَ، ولا لدخولِ الجنَّةِ والنَّجاةِ مِن النَّار وما زال بعض الناس عندهم شكٌّ أنَّ الدَّحِّيح ينشر الإلحاد، والعَدَميَّة، والعَبَثيَّة! أمَّا بالنِّسبة لنزعة التَّديُّن، فيكفيكَ مثلًا أن ترى حلقته (مؤمنٌ في المريخ) لترى الاستخفافَ بالدِّين والتَّديُّن ومع ذلكَ، فالدَّحِّيحُ لا يُكثِر مِن الحديث عنِ التَّديُّن، بل يتكلَّم في أمورٍ لله فيها قولٌ فصلٌ ومع ذلكَ، يأتي الدَّحِّيحُ بأقوالٍ مصادمةٍ على أنَّها عِلمٌ، وكأنَّ الوحي لا قيمةَ له أيْ دُميةٌ كيميائيَّةٌ حيويَّةٌ، ومع الأسف الشديدِ، ترى البعضَ يعلِّقُ: "يا أخي لماذا تُدخِلون الدَّين في كلِّ شيءٍ؟" وهؤلاءِ لا يفهمونَ العلاقةَ بينَ مصادر العِلم مِن عقلٍ، وفطرةٍ، وخبرٍ صادقٍ كالوحيِ، والعلم التجريبيِّ الوحيُ عِلمٌ، الآياتُ والأحاديثُ الصَّحيحةُ عِلمٌ، ولا يمكنُ أنْ تُعارِضَ العلمَ التجريبيَّ الحقيقيَّ من الوحيِ ما هوَ قَطعيُّ الدَّلالةِ؛ تفسيرهُ واضحٌ تمامًا، فإذا عارضَ العلمَ التَّجريبيَّ فلا بدَّ أنْ يكونَ هذا العلمُ زائفًا، كما بيَّنتُ كثيرًا في (رحلة اليقين) وإذا ظنَّنا أنَّ هناكَ تَعارضًا بينَ العِلم التَّجريبيِّ -علمٍ تجريبيٍّ حقيقيٍّ- والوحي، فقد يكون الخلل في فَهمنا للوحي، وهذا التَّوفيق كلُّه بين الوحي والعِلم له قواعدُ وأصولٌ أمَّا أن نقول: "لا تدخِلوا الدِّين في العِلم" فهذا جهلٌ شديدٌ والذين يقولون ذلك يحتاجون بشِدَّة إلى أن يراجعوا حلقة (المخطوف) أمَّا الضَّرورات العقليَّة، فهي التي يُبنى عليها العِلم الشَّرعيُّ والعِلم الدُّنيويُّ، مثلًا: علاقة السببيَّة؛ أنَّ كلَّ شيءٍ حادثٍ له سببٌ، وبالتالي الكون والإنسان لا بدَّ لوجودهما من سببٍ والعلوم قائمةٌ على رصد العلاقات السَّببيَّة في حلقة (السَّبب) يُشكِّكُ الدَّحِّيح في السَّببيّة من أساسها، ويذكر رأي ديفيد هيوم"David Hume" الذي يُشكِّك في وجود علاقةٍ سببيَّةٍ بين الأشياء، سيقول قائلٌ: "يا أخي هو يطرح كلام (ديفيد هيوم) ولم يقل إنَّه يؤيِّده" مرَّةً أخرى، لم الأطروحات المُؤديَّة إلى الإلحاد بالذات؟ وما فائدة طرحها دون أن يردُّ عليها؟! أمَّا النَّزعة الأخلاقية؛ ففي حلقة (أخلاق الأطفال) يُقِرّ الدَّحِّيح بأنَّ عندنا نزعةً أخلاقيَّةً لحبّ العدل وكره الظّلم، موجودَةً فينا، لكنَّه يشكِّك في صلاحيَتها وعدالتها؛ لأنه يدّعي -حسب الأبحاث المزعومة- أن هذه النَّزعةَ الأخلاقية موجَّهةٌ فقط لمن هم مثلُنا أي أنَّها مُنحازةٌ "biased" فيقول الدَّحِّيح: [ملخَّص هذه الأبحاث -كما فهمتُ منها- أنَّ هذه الأبحاث تُرينا أنَّنا نوعًا ما مولودون وفي عقلِنا أخلاقٌ متأصِّلةٌ نولدُ ونأتي إلى هذا الكون بأخلاقٍ معيَّنةٍ، منها ما هو حسنٌ جدًا ونبيلٌ جدًا، لكن الحسن والنبيل منها غالبًا ما يُوجَّه إلى مَن يشبهنا؛ فنحن نحبُّ من يُشبهنا، ومستعدُّون لأن نرضى بالظلم ونرضى بالعرقلة لمن لا يشبِهنا ويختلف عنَّا...] لاحظ أن الدَّحِّيح لا يتكلَّم عن أنَّ الشخص منَّا يألَفُ من يشبهه أكثر، ولا يتكلَّم عن تلوُّث أخلاق بعضنا حينما نكبر، وتَغَيُّرِ معاييرنا الأخلاقيَّة حتى نرضى بالظلم لا؛ بل هو يقنعك أنَّ المعاييرَ الأخلاقيَّة مُعْطَبَةٌ مُنحازةٌ أساسًا منذ الطفولة، ما معنى هذا الكلام؟ أنا -يا إخواني- قد شرحتُ كيف أنَّ وجود الأخلاق في فِطرتنا هو من الأدلَّة على وجود خالقٍ يُحبِّبُ الخير والعدل إلى النَّاس، ويكرِّه إليهم الشَّرَّ والظُّلمَ لكنْ حسبَ الدَّحِّيح فهذه الأخلاق منحازةٌ؛ فنرضى بالظُّلم والشَّر لمن هم مختلفون منَّا؛ لمجرَّد أنَّهم مختلفون منَّا، وبالتالي فهذه النَّزعة الأخلاقيَّة لا هي عادلةٌ ولا حكيمةٌ، فليست دليلًا على خالقٍ حكيمٍ، ولا غيرِه، بدليل أنَّها نسبيَّةٌ ومنحازةٌ النَّتيجة الخطيرة الثَّانية: أنَّ هذه الأخلاق لا يُعتمد عليها؛ لأنَّها ليست حقًّا مطلقًا، بل نسبيّةٌ ومنحازةٌ نعم، انتبه إلى أنَّ الدَّحِّيح يقول هذا الكلام في ختام حلقةٍ بدأ فيها بالسؤال التالي: [لو أحضرنا طفلًا ورميناه في جزيرةٍ، فعندما يكبر قليلًا ويعود لنا، فبم سيخبرنا؟ ما الأفعال التي ستزعجه؟ هل سيرضى بالظلم؟ هل سيرضى بالأذى؟ هل سيخون؟ هل سيحترم أباه وأمه؟ هل سيحبُّ المِثليِّين؟ هذه كلُّها أسئلةٌ مهمةٌ جدًا... ] [هل سيحبُّ المثليِّين؟] "هل سيحبُّ المِثليِّين؟" آها، إذن أنت يا دَحِّيح تريدنا أن نفهم أنَّنا إن لم نحبَّ المثليِّين؛ فببساطةٍ لأنَّهم لا يشبهوننا ومختلفون عنَّا، ليس لأن الشُّذوذَ شيءٌ خبيثٌ ولا لغيره، فسنرضى بالظُّلم والعَرقَلة لهم، ومنعِهم من ممارسة شذوذهم وطَبَعًا ستفهم هذا الكلام عندما نرى كيف ينكر الدَّحيح الإرادةَ الحرَّة وبالتالي فالشّاذ -بحسب الدَّحِّيح- إنسان مُجْبَر على أفعاله الشَّاذة فالأخلاق -حسب الدَّحِّيح- ليست قيمًا حقيقيةً مطلقةً، لا حقَّ فيها ولا باطل، وإنَّما لمَّا أراد الدَّحِّيح أن يُعَرِّف الشَّر عرَّفه كالتالي: [أنَّه يمكن في يومٍ من الأيام أن نقدر على معالجة الشَّر يمكن أن نعالج أيّ صفةٍ ينبذها المجتمع] وطبعًا هذا تعريفٌ قابلٌ للتّغير، وتوجد مجتمعاتٌ كثيرةٌ لا تنبذ المثليَّة ولا الشذوذ، وبالتالي فليس بالضّرورة أن تكون شرًّا -حسب الدَّحِّيح- غير إنَّ الدَّحِّيح يتكلَّم أيضًا في حلقة (فيلمٍ وثائقيٍّ) عن فوائد الأفلام الإباحيَّة، وكيف أنّها وصَلت العالم بعضه ببعض ويقول عن البورن "Porn" أي الصُّور الجنسيَّة [عزيزي المشاهد، البورن هو الذي كان وراء الكابلات "Cables" و(بالإنجليزية) البنية التحتية الَّلتَين صنعتا الإنترنت، الإنترنت الذي أقلُّ ما يُقال في حقِّه اليوم أنَّه فتح بيوتَ ناسٍ كثيرةٍ] بل وينسب الدَّحِّيحُ الفضلَ إلى الصّور الإباحيَّة في انتشار الطّباعة والميكروفيلم "Microfilm" وغيرِها... ولن أتعجَّب إذا بدأ الدَّحِّيح يروِّج بصراحةٍ أكثر للشُّذوذ الجنسيِّ، بعدما مهَّد له بحلقة (هو وهي ودوائر الهويّة)، وسيكون رفضك للشّذوذ ظلمًا وعرقلةً لهم؛ لأنهم ببساطةٍ مختلفون عنك -حسب الدَّحِّيح- وليس لأنَّ الشُّذوذ في نفسه شيءٌ خبيثٌ حسنًا، على أيّ أساسٍ بنى الدَّحِّيح هذا الكلام كلَّه؟ على تجارب بول بلوم "Paul Bloom" من (بول بلوم) هذا؟ [وهنا يأتي دور عالم النَّفس الشَّهير (بول بلوم) الذي أكثرْتُ ذِكره في 500 حلقةٍ من قبل، لكنّي صراحةً أحبُّ هذا الرجل، محاضراته عظيمةٌ حَقًّا، موجودةٌ على الإنترنت مجانًا...] (بول بلوم) هو ملحدٌ، صاحب مقال (هل الإله صدفةٌ؟) والذي يقول فيه: إنَّ الأطروحات الدينيَّة العامَّة تنتج بالصُّدفة كناتجٍ ثانويٍِّ لنُظُمِنا العقليَّة، ويمثِّل الملحدين في المناظرات هذا هو (بول بلوم) الذي يحبُّه الدَّحِّيح، ويدلُّك على محاضراته المجانيَّة على الإنترنت فـ(بول بلوم) ليس طفلًا، وليس في جزيرةٍ، بل ملحدٌ يريد أن يجد تفسيرًا إلحاديًا للأخلاق حسنًا، وماذا في ذلك؟ حتى لو كان ملحدًا، فهذا لن يؤثِّر على صدق وأمانة أبحاثه لا؛ إن كنت تعتقد هذا الكلام، فأنت بحاجةٍ شديدةٍ إلى أن تحضر حلقة (تزييفُ العلم، الشذوذ مثالًا)؛ لكي تعرف أنَّ هذه الحياديَّة في مجال الأبحاث التي تُوظَّف توظيفًا عقديًّا هي خُرافةٌ مضحكةٌ مجرَّدةٌ هذا، عدا خيبة الاستدلال بتجربة (بلوم) [المفاجأة كانت أنَّ هؤلاء الأطفال الجميلين الطاهرين الذين رأيناهم من قبل يحبُّون الذي يساعد، لأنَّهم يستطيعون التفريق بين الظلم والعدل، فكانوا يختاونر ويحبون الذي يعرقِل مَن اختار نوعًا مختلفًا من الشوكولاتة] الأطفال اختاروا الآليَّ الذي يعرقِل فتح الشوكولاتة المختلفة عن النوع الذي يحبُّونه، فالدَّحِّيح يبني على هذه التجربة -التي لا يعلم صحَّتها إلا الله- لرجلٍ ملحدٍ مثل (بلوم) نتائج خطيرةً كالتي رأيناها، ويُشعِر الشَّباب بأنَّه يروِّج العِلم إذن فالدَّحِّيح تعامل مع المكوِّنات الفطريَّة الأربعة السابقة بالطرائق المختلفة التي ذكرناها والتي اعتدناها تمامًا في الطرح الإلحاديِّ بقي الأمر الخامس: الإرادة الحرَّة وهي أكثر ما ركَّز عليه الدَّحِّيح؛ لأنَّها مِن أكثر ما يزعج الملحدين ويبيِّن سُخف أطروحاتهم لو كان الإنسان مادَّةً مجردةً محكومةً بقوانين بيولوجيَّةٍ وكيميائيَّةٍ، وقليلٍ من الكهرباء في الخلايا العصبيَّة، فنحن لسنا إلا آليَّاتٍ مُسيَّرةً لأعمالٍ معيَّنةٍ بلا اختيارٍ، فكيف تفسِّر وجود إرادةٍ حرَّةٍ يا إلحاد؟! هذه حقيقةٌ لا يقدر أحدٌ على إنكارها؛ أنَّ الإنسان يختار في أفعاله، كاهن الإلحاد (ريتشارد دوكينز) لما سُئل إن كان هناك أيُّ تفسيرٍ مادِّيٍّ تطوُّريٍّ للإرادة الحرَّة أجاب كالتالي: (بالإنجليزية) [إنَّه سؤالٌ مفزِعٌ بالنسبة لي، وهذا في الواقع، لأنّي ليس لديَّ رأيٌ مدروسٌ حول هذا الموضوع، نظرتي للعالم ماديَّةٌ، وأعتقد أنَّ الأمور تتحدَّد بطريقةٍ عقلانيَّةٍ من خلال أحداث مسبقةٍ، وهذا يجعلني ألتزم برأيٍ مفادُه أنَّني عندما أظنُّ أنَّ لديَّ إرادةً حرَّةً وعندما أظنُّ أنِّي أمارس حريَّة الاختيار فأنا أخدع نفسي، فإن كانت حالاتي العقليَّة تحدِّدها الأحداثُ الماديَّة، فهذا يبدو أنَّه يتناقض ويتعارض مع الانطباع الذاتيِّ القويِّ للغاية الذي يقول إنَّ لدينا جميعًا إرادةً حرَّةً...] ومع ذلك فالملحدون اختاروا أن يخدعوا أنفسهم، ويقنعوا الناس بخلاف ما يَعْلَمونه حقيقةً من الإرادة الحرَّة، وزوَّروا في سبيل ذلك الأبحاث، أو حرَّفوا دلالتها والدَّحِّيح مَهمَّته أن يُعيد كلامهم لكن بالعربيَّة [السؤال الأهمُّ: هل هذا حقًا ما تريدُه المُورِّثات؟ طبعًا سيسألني أحدٌ ما: وما للمُورِّثات ولهذا الموضوع، فهذا الذي أريده أنا؟! في كتابه (الجين الأنانيِّ) "The Selfish Gene" عالم الأحياء الشهير (ريتشارد دوكينز)...]. إذن، فشيءٌ مضحكٌ أن تتصوَّر أنَّ عندك حرِّيةَ اختيارٍ ثم يُقْنعك الدَّحِّيح بكتاب (الجين الأنانيِّ) لكاهن الإلحاد (دوكينز) الذي اعترف بنفسه أنَّ الإرادة الحرَّة مأزقٌ الأخ رضا زيدان نشر كتابًا فيه نقدٌ علميٌّ لخُرافة الجين الأناني [نقد الأخلاق التطوّريَّة] وتِبيانٌ لتبعاتِها الأخلاقيَّة القذرة والمجتمعُ البيولوجيُّ يتكلُّم عن الجين الأنانيِّ بازدراءٍ كما في هذه المقابلة مع الأستاذ إدوارد ويلسون"Edward Wilson" (بالإنجليزية) [- فقط حتى لا يكون هناك أيُّ مجالٍ للشكِّ، فهذه الفكرة الكاملة الخاصَّة بالجين الأنانيِّ هل تعتقد أنَّ هذه تعتبر الآن رؤيةً عتيقةً أو نسخةً قديمةً لنظريَّة الانتقاء الطبيعيِّ؟ - لقد تخلَّيت عن هذه الفكرة، وأعتقد أنَّ أهمَّ العلماء الذين يعملون عليها تخلَّوا عنها كذلك، ربَّما لم يزل هناك بعض المدافعين عنها ولكنهم ظلُّوا صامتين نسبيًّا أو كليًّا تقريبًا، تقريبًا منذ صدور ورقتنا البحثيَّة الأساسيَّة هذه...] يشير (ويلسون) إلى ورقته المنشورة في (نيتشر) "nature" ومع ذلك لا يزال الدَّحِّيح يستشهِدُ بالجين الأنانيِّ الدَّحِّيح يقلِّد الملحدين حتى في الصُّور التي يستخدمونها، فلمَّا ألَّف الملحد سام هاريس"Sam Harris" كتاب (الإرادة الحرَّة) وقال في أوَّله: "الإرادة الحرَّة وهْمٌ" ووصف الإنسانَ فيه بأنَّه "Biochemical Puppet" أعاد الدَّحِّيح نفس الكلام في حلقة (السَّيطرة على المخِّ) بل واستخدم نفس فكرة غلاف كتاب سام هاريس ويقول في الحلقة: [وفي النهاية، الانطباعُ الحالي عند العلماء أنَّ حركاتك وذكرياتك وأحاسيسك ومشاعرك وخيالك، مكوَّنةٌ من شيء من الكهرباء والكيمياء وخلايا عصبية... ولماذا لسنا قادرين على أن نتحكَّم في مخِّنا؟ لمذا لا نتحكَّم في إدماننا؟ لماذا لا نتحكَّم في عواطفنا؟ ولما قلتُ هذه الأشياء، لماذا لا يكون هو الذي يتحكَّم فينا؟] "لا نتحكَّم في إدماننا، دماغنا هو الذي يتحكَّم فينا" في حلقة (نصفك الملحد) يقول الدَّحِّيح: [أيْ أنَّا نرجع بأسئلةٍ مثل هذه إلى أحد أهم المعضلات الفكريَّة في التاريخ، هل الإنسان مُسيَّرٌ أم مُخيَّرٌ؟ وفي هذه الحالة ألا يمكن أن يكون مُسيَّرًا، لكن في هذه الحالة يؤلِّف نصف العقل الأيسرُ قصَّةً جيِّدةً تقنعه أنه مُخيَّرٌ بعد أن يتَّخذ القرار...] أيْ أنَّ نصف دماغك الأيمن قد يُجبرك على فعلٍ، ثم يصطنِع نصف عقلك الأيسرُ قصَّةً تقنعك بأنَّك مخيَّرٌ، ولستَ كذلك أؤكِّد -يا إخواننا- أنَّ الملحدين يركِّزون على نفي الإرادة الحرَّة ليس للتخلُّص من مأزق الفطرة فقط؛ بل لتبرير كل الرَّذائل الأخلاقيَّة كالشُّذوذ الجنسيِّ أيضًا، بل ودعوتُهم هذه تُنتج تبريًرا للإجرام في حلقة (السَّفاح)، يقول الدَّحِّيح: [الجانب البيولوجيُّ مهمٌ جدًّا في صناعة السَّفاح، مورِّثاتُ، هرموناتٌ، تغيُّراتٌ في المخِّ] وفي نفس الحلقة [مجموعة اكتشافاتٍ مثل هذه مرعبةٌ بقَدْر ما، فهي تجعلنا ننظر إلى الإنسان ككائنٍ حيويٍّ، عنده مورِّثاتٌ تلعب مع الطبيعة، كلاهما خياراتُه فيها محدودةٌ] أيْ أنَّ مادَّتِك الوراثية أنت لا تتحكَّم بها، والبيئة -الطبيعة- أنت لا تتحكَّم بها، وهذان الشيئان هُما اللذان يُسيِّرانك وبالتالي أنت مُسيَّرٌ لا مُخيَّرٌ وفي حلقة (السيطرة على المخِّ) يقول: [نحن جعلنا -عن طريق تغيير كهرباء معيَّنةٍ فقط في المخّ- أناسًا معيَّنين يَقبلون بالظلم] في حلقة (مُخيَّرٌ أم مُخيَّرٌ؟) ينسب الدَّحِّيح التَّحرُّش بالأطفال لالتهابٍ في منطقةٍ بالدماغ، ويقول: [قصَّةٌ مثل هذه -إن فكَّرت فيها- مرعبةٌ؛ تبيِّن أن تَغَيُّراتٍ بسيطةً في المخِّ كما في حلقة (مؤمنٍ في المريخ) قد تُغيّر شهواتِنا، ميولَنا، تصرُّفاتِنا، وتغيّر قدرتنا على التحكم في هذه الأشياء...] طبعًا الدَّحِّيح سيأتي بها في قالَب تَفَهُّم هذه الفئة مِن الناس، ومحاولةِ مساعدتهم بدلَ الانتقامِ منهم بالعقوبات هل هذه هي الرِّسالة التي تصل إلى الشَّباب؟ أم التَّطبيعُ مع الرَّذائلِ بحجَّة أنَّنا مُجبرون؟! ويا تُرى لمصلحة مَن هذا؟ لمصلحة مَنْ يُشاع في مجتمعات المسلمين أنَّ الإنسان مُجبَرٌ على الرَّذائل الأخلاقيَّة والجرائم؟ ومؤكَّدٌ أنَّ الشَّباب الذين سيقتنعون بكلام الدَّحِّيح سيصبح عندهم شكٌّ عَقَديٌّ؛ لماذا سيُحسابنا ربُّنا على أفعالنا إنْ كنا مُسيَّرين؟ حسنًا، انتهينا من الحديث عن طرح الدَّحِّيح الإلحاديِّ فيما يتعلَّق بالفطرة تعال إلى الأفعال الإلهيَّة مثل: إحياء الموتى ﴿إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ [القرآن 2: 258] يقول لك الدَّحِّيح: لا، ونحن أيضًا نُحيي ونُميت في حلقة (إحياء الموتى) يدَّعي الدَّحِّيح أنَّ العِلم يقترب من إحياء الموتى [أنا أريد منك أن ترفع سقف طموحاتك أكثر، خذ هذه، لماذا لا نُحيي الموتى أساسًا؟] كيف يا دحيح؟ يُجيبك: [الحمض النووي "DNA" فيه كلُّ المعلومات عنك، كلُّ الصفات الموجودة فيك موجودةٌ في حمضك النوويِّ] انتبه إلى "كلِّ المعلومات" و"كلِّ الصِّفات" يقول: وبالتالي لو أخذنا الحمض النوويَّ "DNA" من ناسٍ ميِّتين وخلاياهم مُجمَّدةٌ، وحقنَّاها في خلايا جِذعيَّةٍ، ووضعنا الخلايا في رَحِم امرأةٍ، فسينتُج طفلٌ مطابقٌ، فمن الممكن أنْ ننتج نسخةً مطابقة من آينشتاين "Einstein" مثلًا بدايةً، مع أنَّ هذا الكلام فارغٌ تمامًا؛ لأنَّه حتى لو كان فلا يُسمى إحياءً لهذا الميِّت، ومع أنَّ الدَّحِّيح يستخدم نفسَ اعتِباطِ المَلك الذي قال له إبراهيم -عليه السلام- ﴿رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [القرآن 2: 258] مع هذا كلِّه، فالمعلومة الأساسيَّة التي انطلق منها الدَّحِّيح أصلًا كاذبةٌ؛ "أنَّ الحمض النوويَّ "DNA" الخاصَّ بك فيه كلُّ المعلومات عنك، وكلُّ الصِّفات الموجودة فيك حتى الصِّفات الأخلاقيَّة، والنَّفسيَّة، والشَّخصيَّة، والذَّكاء" أمَّا من المشاهدات البَدَهيَّة؛ فمعروفٌ أنَّ التوائم السِّياميَّة لها نفس "DNA" تمامًا وكثيرٌ منهم ينشأ في نفس الظُّروف ومع ذلك كثيرًا ما تختلف شخصيَّاتُهم اختلافًا كبيرًا وأمَّا كتفسيرٍ علميٍّ: فبعلومِ التَّخلُّق "Epigenetics" استطعنا أن نفهم أنَّ نفس شريط الحمض النوويِّ "DNA" يُمكن أن يُقرأ بطرائق مختلفةٍ، فتَنتُج عنه أشياءُ مختلفةٌ، والأهمُّ من ذلك، أنَّ وجود مورِّثٍ معيَّنٍ لصفةٍ سلوكيَّةٍ معيَّنةٍ أمرٌ يكذِّبُه عِلم المورِّثات الحديث، كما في هذا البحث المنشور عام (2008) في مجلة (نيتشر) "nature" والذي يبيِّن أنّه حتى الصِّفات الجسميَّة البسيطة، تظهر بعد فكِّ الشفرة الوراثية أنّه لا يمكن حصرها في مورِّثٍ معيَّنٍ، أو حتى في مجموعةٍ محدَدَةٍ من المورِّثات فكيف بالصِّفات السُّلوكية التي هي أعقدُ كثيرًا من الجسميَّة؟ صفاتك السُّلوكية تتأثر بالحمض النوويّ، وبالتخلُّق، وبالبيئة، وهذا كلُّه جسمٌ، وأنت لست جسمًا وحسب، لكَ نَفْسٌ، ولك روحٌ، وهذا هو الذي يحاول الإلحادُ والماديَّة أن ينفياهُ أمَّا في حلقة (لماذا نموت)، يسخر الدَّحِّيح من أنَّ هناك مَلَكَ موتٍ تحت ستار السُّخرية من الموت ويبني الحلقة كلَّها على خرافة جين (دوكينز) الأنانيِّ مؤكَّدٌ أنَّه نفى عندك -دون أن تشعر- شيئًا اسمه روحٌ، فيُحِلُّ مَحَلَّ الغيبِ الحقِّ -الذي هو الروحُ- خرافةَ الجين الأنانيِّ وسأختم لكم بمثالٍ أخيرٍ من ترويج الدَّحِّيح للإلحاد في حلقة (تجارة الأفكار)، يقول الدَّحِّيح: [هذا هو الذي يميِّز الإنسانيَّة، أنَّها تقدِر على اختراع أفكارٍ لا وجود لها موضوعيًا نقدر على إمساكها واللعب بها، وتقدِر مع الوقت على أن تطوِّر هذه الأفكار وتزيدها تعقيدًا، أفكارٌ مهمَّةٌ تُسَهِّل التعاون فيما بيننا، أفكارٌ مثل: النقود، والدولة، والقانون، والوطنيَّة، مع أنَّها تستمِدُّ قيمتَها منَّا نحن، لكنَّها تؤثِّر فينا...] إذن أفكارٌ لا وجودَ حقيقيَّ لها، أفكارٌ تستمدُّ قيمتها منَّا نحن هل تخبرُني -يا دَحِّيح- إذا أردتُ أن أعرف أكثر عن هذه الأفكار فلِمَن أقرأ؟ يُجيبك الدَّحِّيح: [في كتابه Homo Deus) (A Brief History Of Tomorrow (موجز تاريخ الغد)، الكاتب يوفال نواه هراري"Yuval Noah Harari" يستغلُّ هذه التَّجارب وهذه القصص في أنْ يسأل سؤالًا: ما الفرق بيننا نحن البشرَ وبين بقيَّة الحيوانات؟] ويُبيِّن لك الدَّحِّيح جوابَ (هراري) عن السؤال: [لكن لماذا يستطيع بنو آدم وحدَهم أن يتعاونوا بعضهم مع بعض بهذا الشكل، دون بقيَّة الحيوانات؟ أقول لك: لأنَّ الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يقدر على أن يخترع أفكارًا] حسنًا، تعالوا نر (هراريَّ) الدَّحِّيحِ هذا، ما قصدك يا (هراري) بالأفكار التي يخترعها الإنسان؟ تعالوا نسمع لـ(هراري) الكاتبِ الإسرائيليِّ الملحد: (بالإنجليزية) [وفي المقابل يستخدم البشر لغتهم ليس لوصف الواقع فحسب بل لخلق حقائقَ جديدةٍ أيضًا حقائق خياليَّةٍ فالإنسان يقول مثلًا: انظر فوق هذه الغيوم إلهٌ، وإن لم تفعل ما آمُركَ به فسيُعاقبك الله بعد موتك، ويُدخلك النار ولو صدَّقتم جميعًا هذه القصَّة التي اخترعتُها فستتبِعون جميعًا نفس المعايير والقوانين والقيم، وهنا يمكننا أن نتعاون... البشر يتعاونون من خلال الإيمان بنفس القصص الخياليَّةِ، فيجتمع الملايين منهم لبناءِ كنيسةٍ، أو مسجدٍ، أو للقتالِ، أو لشنِّ حملةٍ صليبيَّةٍ أو للجهادِ؛ لأنَّهم جميعًا يؤمنون بنفسِ القصصِ عن الإلهِ والجنَّة والنَّارِ] الدَّحِّيح في حلقته ذكَر كلَّ ما ذكَره (هراري) إلا الإله والجنَّة والنَّار الدَّحِّيح تكلَّم عن مبدأ أنَّ الإنسان يخترع أفكارًا لا وجودَ حقيقيَّ لها، وأحالك إلى كتابٍ وكاتبٍ يعتبر (الله، والجنَّة، والنَّار) من هذه الأفكار هؤلاء هم العلماء الذين يستدلُّ بهم الدَّحِّيح، (هراري) الذي يتنبَّأ باحتماليَّةِ أن يتحوَّل الأغنياءُ مستقبلًا إلى آلهةٍ، والفقراء إلى أناسٍ عديمي القيمة و(دوكينز) الذي بيَّنتُ أمثلةً من دَجَلِه الإلحاديِّ و(سارتر) و(كامو) اللَّذين يقولان: إنَّ الحياة بلا هدفٍ و(بول بلوم) الذي يمثِّل الطَّرف الملحد في المناظرات، والذي يقول عنه الدَّحِّيح: [لكن أنا صراحةً أحبُّ هذا الرجل] هؤلاء هم أحباب الدَّحيح وتذكَّروا أن الدَّحِّيح يقول: "إنَّ مشاعرنا النبيلة تذهبُ إلى الذي يُشبِهُنا" أفليس ممكنًا أنك -يا دَحِّيح- تحبُّ هؤلاء لأنَّهم شبهك، وأنت أيضًا شبههم؟! هذا ما رأيتُه في الحلقات التي تابعتها للدَّحِّيح كلُّ حلقةٍ منها -بلا استثناءٍ- فيها مشكلةٌ وأكثرُها تركِّز مفاهيمَ إلحاديَّةً متستِّرةً بالماديَّة واللهُ أعلم بالموجود في الحلقات الأخرى الكثيرة التي لم أتابعها وأنا أقول للشَّباب الذين اعترضوا عليَّ المرَّة الماضية، وقالوا: "لا، الدَّحِّيح لا يُرَوِّجُ الإلحاد" بصراحةٍ يا شباب إذا كنتم قد تابعتم حلقات الدحيح المذكورة، أو بعضها، ولا ترون فيها دعوةً إلحاديَّةً، فأظنُّ أنَّ كلامنا اليوم لا بدَّ أن يجعلكم تُعيدون النظر، هل تفهمون دينكم جيدًا؟ هل عندكم حصانةٌ فكريَّةٌ كافيةٌ؟ هل رأيتم في حلقات الدَّحِّيح حلقةً فيها كشفٌ لأكاذيب الملحدين وبناءٌ للإيمان على أساسٍ علميٍّ؟ ألم تلاحظوا أن الدَّحِّيح حينما يَتعرَّض للدين يَتعرَّض بنوعٍ من الاستهتار [تقول له: لو سمحت، فنحن نريد توكيلًا للحرم المكيِّ في المريخ حقُّك، ما المشكلة؟ حقُّ الامتياز لن نكون ضدَّ التطوُّر وإن لم تذهب إلى الحجِّ فخذ توكيلَ عرفاتٍ والمزدلفة، هذه تجارةٌ لن تبور] ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ﴾ [القرآن 35: 29] [هذه تجارةٌ لن تبور] "لا، ليس قصده أن يستهزئ بالآية..." ليس قصده! حسنًا، في المقابل هل شاهدتم له حلقةً فيها استدلالٌ بآيةٍ، أو ذِكرٌ لها على سبيل التعظيم؟ يا تُرى أينشر الدَّحِّيح عِلمًا زائفًا عمدًا أم أنَّه لا يعلم؟ ما الذي يعتقده الدَّحِّيح بالضبط؟ هذا كلُّه لا يهمُّنا؛ المهمُّ أن نبيِّن أنَّ الذي ينشره إلحادٌ وخرافاتٌ ختامًا، حلقات الدَّحِّيح وأطروحاته الإلحاديَّة تُبَث على قناة اي جي بلس "+AJ" التي هي من حزمة (الجزيرة)، والتي بَثّت -قبل شهورٍ- وثائقيةَ (في سبع سنين) والتي كان فيها تطبيعٌ مع الإلحاد كما بينَّا هذا ونحن لم نتكلَّم بعد عن البرامج الأخرى التي تُعرض في اي جي بلس "+AJ" والتي فيها سخريةٌ من شعائرَ إسلاميَّةٍ، تحت ستار المزاح، ونقد الواقع وفي نفس البلد تفتتح قناة (العربي الجديد) بإشراف عزمي بشارة وتبدأ القناة من البداية تتهجَّمُ على الخلفاء الراشدين، وتضعُ كلَّ إجماعات الإسلام تحت الشَّك وهذه القنوات -مع الأسف الشديد- مموَّلةٌ بثروات المسلمين الأمم في العادة تستغلُّ ثرواتها لترويج مبادئها وأفكارها وأديانها، والأمة الإسلامية تُستغَلُّ الثروات التي بأيدي أغنى دُولها لهدم الدين، ونشر الإلحاد، وتحويلِ الشباب إلى مسوخٍ بلا غايةٍ ولا هدفٍ ولا عقيدةٍ، وتتنافس هذه الدول في هذه العمليَّة، ولا حول ولا قوَّة إلا بالله نريد -يا إخواننا- خطواتٍ عمليَّةً أولًا: أصدقاؤك، أولادك الذين تابعوا حلقات الدَّحِّيح، ليتك تجعلهم يشاهدون هذه الحلقة والحلقةَ الماضية (الرد على الدَّحِّيح) ثانيًا: ننشر هذا المقطع في الأماكن المناسبة على الشبكة؛ لكي نُفَتِّح عيون الناس ثالثًا: أدعوكم إلى متابعة حلقات (رحلة اليقين) التي هدفها مخاطبة العقل والفطرةِ بلغةٍ عِلميَّةٍ بالفعل، وبناءُ الإيمان على أُسسٍ قويةٍ مُحَصَّنةٍ وتذكَّروا يا أحبَّة (وَاللهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [القرآن 12: 21] أسأل اللهَ أن يستعملني وإيَّاكم في نصرة دينه وكشف الدجل...