سواءٌ كانَ يمارسُ ذلكَ لا شعوريًّا، السَّلامُ عليكمُ، ماذا يعني (لا يُنتجُ الملحدُ عِلمًا وهو ملحدٌ)؟ حسنًا، يمكن أن آتيكَ بقائمةٍ طويلةٍ مِن علماءَ مُلحدينَ أو مادِّيِّينَ، ولهمُ اكتشافاتٌ مفيدةٌ. ليسَ المهمُّ يا إخوانَنا مَا يقولهُ هذا العالِمُ عن نفسهِ بلسانهِ، المهمُّ، هلْ عندما أنتجَ علمًا نافعًا، أنتجهُ مِن مُنطلقاتٍ ماديَّةٍ أم مِن مُنطلقاتٍ إيمانيَّةٍ، وهوَ يعلمُ أو لا يعلمُ؟ لو أنَّ مجموعةً مِن الأشخاصِ يذُمُّونَ برنامجَ حاسوبٍ ليلَ نهارَ، ويَصفونهُ بأنَّه عديمُ النَّفعِ، ثمَّ أثبتْنا أنَّهم يعتمدونَ اعتمادًا كليًَّا على هذا البرنامَجِ في حساباتِهم، وهم يعلمونَ، أو لا يعلمونَ فهل نقولُ إنَّهُ لا عَلاقةَ للبرنامَجِ بحساباتِهم لأنَّهم يتنكَّرونَ لهُ بألسنتِهم؟ كذلكَ العالِمُ المادِّيُّ، أتُرى يُشغِّلُ في نفسهِ نظامَ التَّشغيلِ المادِّيِّ أم الإيمانيِّ، لكي يستطيع أن ينتج علمًا نافعًا؟ نحنُ بيَّنَّا في الحلقةِ الماضيةِ أنَّ مصادرَ العلمِ التَّجريبيِّ الأرْبعةِ، لا قيمةَ لها إلَّا في مَنهجِ الإيمانِ بالخلق، وأنَّ هذهِ المصادرَ تنهارُ في المادِّيَّةِ، لذلكَ فالباحث المادِّيُّ كأنَّهُ يقولُ: أنا سأسْتثني وجودَ الخالقِ من نشاطيَ العلميِّ، وسأنطلقُ مِن العقلِ -الذي لا قيمةَ لهُ إلّا بوجودِ الخالقِ-، ومن مسلَّماتٍ كالسَّببيَّةِ -لا قيمةَ لها إلَّا بوجودِ الخالقِ- وسننٍ كونيَّةٍ ثابتةٍ، ونظامٍ، وقوانينَ -لا يمكنُ افتراضُها إلَّا بوجودِ الخالقِ-، وحسٍّ يشمَلُ رصدَ آثارِ الأشياءِ، فيدُلُّ أعظمَ ما يدلُّ على وجودِ الخالقِ، وبالتَّالي، فالباحثُ المادِّيُّ يحتاجُ إلى أنْ ينسلِخَ عن مادِّيَّتهِ وهوَ يشعُرُ أو لا يشعُرُ، وينطلقَ مِن أُسسٍ إيمانيَّةٍ حتَّى يستطيعَ أنْ يُنتِجَ أيَّ علمٍ نافعٍ أي فعَّلَ نِظامَ التَّشغيلِ المؤمِنِ بالخلق في نفْسهِ، وليسَ آفة المادِّيَّةِ الذي ينطِقُ بهِ بلسانهِ لذلكَ، لا يهِمُّنا ما يقولهُ هذا الباحثُ هوَ عن نفسِهِ وقناعاتِهِ ما دامتْ مُنطلقاتُهُ كلُّها هي مِن مَنهجِ الإيمانِ بالخلق رَغْمًا عنهُ شعرَ أم لَم يشعُر ونحنُ لا يلزمُنا في هذهِ الحلقةِ أنْ نُفرِّقَ بينَ المادِّيِّ الملحدِ الذي يُنكرُ وجودَ الخالقِ، والمادِّيِّ الذي لا يُنكرُ وجودَهُ، لكنَّهُ يقولُ بصُدفيَّةِ الكونِ والحياةِ، واستثناءِ الخالقِ مِن تفسيرِهما؛ فخلافُنا معهُم واحدٌ الباحثُ المادِّيُّ يظُنُّ، أو يدَّعي أنَّ العلمَ التَّجريبيَّ يُغني عن الإيمانِ بوجودِ خالقٍ، أي أنَّهُ لا حاجةَ إلى الخالقِ في تفسيرِ الكونِ والحياةِ هلْ تعلمونَ يا أحِبَّةُ ماذا يفعلُ هذا المادِّيُّ؟ إنَّهُ يقع في مغالَطتينِ: المغالطةُ الأولى تُسمَّى (مُغالطةَ المفهومِ المسروقِ) Stolen Concept Fallacy تُعرَّفُ على أنَّها: مغالطةُ استخدامِكَ لمفهومٍ ما، بينما أنتَ تُنكرُ صحَّةَ الأصولِ التي يُبنَى عليها هذا المفهومُ بحثتُ كثيرًا لأجِدَ لكُم مثالًا يوضِّحُ هذهِ المغالطةَ، فلم أجِدْ أوضحَ ممَّا يفعلُهُ الباحثُ المادِّيُّ، فهوَ حينَ يسْتكشفُ الكونَ، باحثًا عن أسبابِ الظَّواهرِ، واثقًا بعقلهِ في ذلكَ، متَّخذًا السَّببيَّةَ مُسلّمةً لا يشُكُّ فيها، واثقًا بوجودِ نظامٍ وقوانينَ، مستدلًّا على الأشياءِ برصدِ آثارِها، فإنَّ مُنطلقاتِهِ هذهِ كلَّها تكتسبُ قيمتَها من وجودِ خالقٍ، فاضطُرَّ لسرقتِها مِن مَنهجِ الإيمانِ بالخلق أدركَ أم لَم يُدركْ تعالَوا نعُدْ للتَّعريفِ ... مُغالطةُ استخدامِكَ لمفهومٍ ما، بينما أنتَ تُنكرُ صِحَّةَ الأصولِ التي يُبنى عليها هذا المفهومُ المادِّيُّ استخدمَ هذهِ المنطلَقاتِ وهو يُنكِرُ الأصلَ الذي تقومُ عليهِ هذهِ المنطلَقاتُ ألَا وهوَ الإيمانُ بالخلق حتَّى إذا ما عرفَ هذا الباحثُ أسبابَ الظَّواهرِ، وقعَ في مُغالطةٍ أُخرى، فقالَ: عرفتُ السَّببَ فلا حاجةَ لخالقٍ في تفسيرِ الكونِ والحياةِ فجعلَ الأسبابَ بديلةً عنِ المسبِّبِ الأوَّلِ الذي لا غِنى عنهُ بالدَّليلِ العقليِّ الذي يمنعُ تسلسُلَ الأسبابِ إلى ما لا بدايةٍ كما بيَّنَّا في حلقةِ (لماذا لا بُدَّ مِن خالقٍ) فهذا المادِّيُّ كأنَّهُ عمليًَّا يقولُ في المحصِّلةِ: لا خالقَ لأنَّهُ لا بُدَّ من خالقٍ! منطلقاتُهُ تستندُ إلى وجودِ خالقٍ، ثمَّ وَظَّفَ نتيجةَ استكشافِهِ لنفيِ وجودِ خالقٍ لذلكَ عندَما يَستدِلُّ عليكَ المادِّيُّونَ بنِسَبِ الباحثينَ الملحدينَ والمادِّيِّينَ؛ فمِن الخطأِ أنْ تستدِلَّ عليهِم في المُقابلِ بنِسَبِ المؤمنينَ بوجودِ خالقٍ، أو أنْ تقولَ لهُم: نِسبةُ العُلماءِ المؤمنينَ بالخالقِ الحائِزينَ على جائزةِ نوبلَ كذا وكذا.. يا جماعة، ما لنَا وهذهِ الأرقامِ؟ الطَّريقةُ الصَّحيحةُ هيَ أنْ تبحثَ عن مُنطلقاتِ العلمِ الحقيقيَّةِ التي انطلقَ منها أيُّ بحثٍ نافعٍ سواءٌ في الشَّخصِ المادِّيِّ، أو الشَّخصِ المُقرِّ بالخلق وحينَئذٍ، ستجِدُ أنَّ النِّسبةَ هيَ 100% مِن مَنهجِ الإقرارِ بالخلق مهما قالَ الباحثونَ بألسِنتهم. ربما ما زلتَ تحسُّ أنَّنا نبالغُ حينَ نقولُ: أنَّ مُنطلقاتِ العلمِ كلَّها هي مِن مَنهجِ الإيمانِ بالخلق وأنَّ المادِّيَّةَ آفةٌ لا تُنتِجُ شيئًا؟ حسنًا، هاتِ لنا اكتشافًا واحِدًا انطلقَ ممَّا تُحتِّمهُ المادِّيَّةُ مِن إلغاءِ قيْمةِ العقلِ، والضَّروراتِ العقليَّةِ، وادِّعاءِ الصُدَفيَّةِ، والعَشوائيَّةِ، وإلغاءِ الاستدلالِ على الأشياءِ بآثارِها هاتِ اختراعًا واحِدًا، اكتشافًا واحِدًا بُنِيَ على هذهِ الأُسسِ الباحثُ المادِّيُّ إذا أجرى تجرِبةً وخرجتِ النَّتائُج بِخلافِ ما تؤكِّدهُ عشراتُ الأبحاثِ قبلهُ، ثمَّ تأكَّدَ له أنَّ ظروفَ تجربتِهِ هي نفسُها ظروفُ تجاربِ مَن قبلهُ، فإنَّهُ لنْ يقولَ: إذن، ليسَ هناكَ نظامٌ في الكونِ؛ بلْ سيقولُ: هناكَ خلَلٌ في التَّجرِبةِ، فلا يَنسِبُ المشكلةَ إلى الطَّبيعةِ الصُّدَفيَّةِ في الكونِ حَسبَ أصولهِ المادِّيَّةِ عندَما انفجرَ مكُّوك ُالفضاءِ المُتحدِّي جالينجر "Challenger"، لم يكُنِ الاستنتاجُ أنَّ الكونَ إذن بلا قوانينَ يُعتَمدُ علَيها، ولم يتوقَّفوا عن إطلاقِ مكُّوكاتٍ بعدهُ إلى الفضاءِ، بلْ أيقَنوا أنَّ في تصميمِهِ خَللًا، وشُكِّلَتْ لَجنةٌ لمعرفةِ السَّببِ، وكذلكَ الحالُ إذا تحطَّمتْ أيُّ طائرةٍ كلُّ هذا يا إخواني، إقرارٌ عمليٌّ بأنَّ هذا الكونَ يسيرُ بنظامٍ وانضباطٍ شديدَينِ، وهذا لا يكونُ بالصُّدَفِ العَمياءِ التي تُحتِّمها المادِّيَّةُ سيقولُ قائلٌ: كيفَ تدَّعي أنَّ المادِّيَّةَ تُلغي قيمةَ العقلِ، وتُلغي الاعتمادَ على وجودِ نظامٍ للكونِ؟ العُلماءُ المادِّيُّونَ لا يقولونَ ذلكَ، ولا يُلغونَ العقلَ بلْ يُقدِّسونَهُ، ولا يُلغونَ القوانينَ بلْ على العكسِ، يكشِفونَها وينطلقونَ مِنها حسنًا، إذن أنتَ حتى الآنَ لم تفهمني! لم تُفرِّقْ بعدُ بينَ المادِّيَّةِ مبدأً، وبينَ مَن يَقولونَ عن أنفُسهم إنَّهم مادِّيُّونَ. ما أقولهُ ببساطةٍ هو أنَّ المادِّيَّ الذي يحترمُ العقلَ ويؤمنُ بالنِّظامِ في الكونِ تَنكَّرَ لمادِّيَّتهِ؛ حتَّى يستطيعَ أنْ يفعلَ ذلكَ، أدركَ أم لَم يدركْ، أم كان ممن ينطبق عليه: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾ [القرآن 27:14] تصور أنّ أحدًا يقولُ لكَ: هناكَ أطبَّاءُ مُدخِّنونَ وهناكَ أطبَّاءُ غيرُ مدخِّنينَ، وهذا يدلُّ على أنَّ التَّدخينَ لا عَلاقةَ لهُ بالأمراضِ إذ، لو كانَ لهُ عَلاقةٌ لما دَخَّنَ هؤلاءِ الأطبَّاءُ نقولُ لهُ: هؤلاءِ ببساطةٍ، لا يتصرَّفونَ بقناعاتِهم، وكذلكَ الباحِثونَ المادِّيُّونَ ليسَ شرطًا أبدًا أنَّهم ينسجِمونَ مع مُنطلقاتِهم، فما نُثبِتهُ هنا هو أنَّ العِلمَ التَّجريبيَّ لا غِنى لهُ عن مَنهجِ الخلق أمَّا الأشخاصُ إن كانوا ينسجمونَ معَ قناعاتِهم ومُنطلقاتِهم أو لا ينسجِمونَ فهذا أمرٌ آخرُ يتبعُ النَّاسَ، وأماناتِهم، وأمراضَ قُلوبِهم إذا حاولَ الباحثُ المادِّيُّ أنْ ينسجِمَ مع مُنطلقاتِ المادِّيّةَ فإنَّهُ سيُضطرُّ إلى أنْ يُشكِّكَ في المُسلَّماتِ، وأنْ يقولَ لكَ: العقلُ ليسَ مُصمَّمًا لمعرفةِ الحقيقةِ، وبالتَّالي يهدِمُ أُسسَ العلمِ التَّجريبيِّ كالأمثلةِ الّتي رأيناها في الحلقةِ الماضيَةِ ولذلكَ، عندما يأتي ملحدُ ويقولُ لكَ لا تحتجَّ عليَّ بكلامِ دوكينزَ، وكراوسَ، وأمثالهِم، هؤلاءِ لا يُمثِّلونَ إلّا أنفُسهم، الإلحادُ ليس َلهُ كتابٌ مقدَّسٌ ولا مرجِعياتٌ، أنتم المؤمنينَ عِندكم أقوالٌ شاذَّةٌ لشيوخِكم، وبإمكاني أنْ أجمعَها لكُم فقلْ لهُ: هذهِ الأقوالُ التي نحشُدها للمادِّيِّينَ هي النِّتاجُ الطَّبيعيُّ لمادِّيَّتهم، فهي ليست شُذوذًا عن مَنهجهم بل تجسيدٌ لهُ بينما ما ستحشِده لي مِن أقوالِ بعضِ المُنتسبينَ للمَنهجِ [الإيمانيِّ] هو شذوذٌ عن هذا المنهجِ، فيُمثِّلهم ولا يمثِّل المنهجَ الإيمانيَّ لا مَهرب للمادِّيَّةِ -إخواني- مِن أحدِ هذَين الخِيارَين: إمَّا أنْ يتنكَّرَ لمادِّيَّتهِ ليُنتِجَ علمًا نافعًا، وإما أنْ يحاولَ الانسجامَ معَ المادِّيَّةِ، فيَصِلَ إلى هذهِ الأقوالِ التي تهدِم العلمَ من أساسِهِ تصوَّروا يا أحبَّةُ، بعدَ هذا كلِّهِ حجمَ المهزلةِ عندما يأتي شخص لا يريد فقط أن يثبت لكَ، أنَّ الإيمانَ بالخلق لا علاقةَ لهُ بالعلمِ التَّجريبيِّ لا، بلْ ويريدُ أنْ يُثبتَ لكَ أنَّ الإيمانَ بالخلق سببٌ للتَّخلُّفِ في العلومِ التَّجريبيَّةِ! فيأتي لنا نحن المسلمينَ مثلًا ويقولُ: الإسلامُ سببُ تخلُّفِ المسلمينَ في العلومِ التَّجريبيَّةِ، بدليلِ أنَّ أكثرَ العلماءِ في العالمِ حاليًّا مِن غيرِ المسلمينَ يعني مرَّةً أخرى، خَلطُ المنهجِ بالأشخاصِ هذا القائلُ، لو أنَّهُ عاشَ في العصرِ الذي كانَ فيهِ المسلمونَ هم سادَةَ العلمِ التَّجريبيِّ، لكانَ مُلزَمًا -بمنطِقهِ- هذا أنْ يقولَ وقتَها: الإسلامُ، سببٌ للتَّقدُّمِ في العُلومِ التَّجريبيَّةِ، بدليلِ أنَّ أكثرَ العلماءِ مسلمونَ. طيبٌ سؤال، متى اِنقطعَ الوحيُ واكتملَ الإسلامُ؟ قبل (14) قرنًا استتبَّ الأمرُ للمسلمينَ الذينَ كانوا مشغولينَ بالفتوحاتِ، والفِتنِ الدَّاخليَّةِ، وتلقّي العلومِ، وترجَمتِها، وتشرُّبها، وبعدَ أن اِستقرَّتِ الأمورُ في بعضِ الحواضرِ، بدأتِ القرائحُ تُنتِجُ، وجاءَ العصرُ الذَّهبيُّ للعلومِ التَّجريبيَّةِ على أيدي المسلمينَ؛ استمرَّ قرونً طويلةً، ثمَّ بدأَ التَّراجعُ التَّدريجيُّ إلى العصرِ الذي نعيشُهُ. سؤال، هلْ نزلتْ آياتٌ جديدَةٌ بعدَ العصر ِالذَّهبيِّ للعلومِ التَّجريبيَّةِ غيَّرتْ مِن الواقعِ؛ فأصبحَ الإسلامُ سببًا للتَّخلُّفِ بعدَ أنْ كانَ سببًا للتَّقدُّمِ؟ هلْ هناكَ إسلامانِ: إسلامُ العُصورِ الوُسطى؛ الذي هوَ سببُ التَّقدُّمِ في العلمِ التَّجريبيِّ، ثمَّ الإسلامُ الحاليُّ الّذي هوَ سببُ التَّخلُّفِ في العلمِ التَّجريبيِّ؟ أم أنَّ الإسلامَ كما هو، والأشخاصُ هم مَن يبتعدونَ عنهُ أو يقتربونَ؛ فيتخلَّفونَ، أو يتقدَّمونَ. أترون يا إخواننا بؤسَ وسذاجةَ هذا الاستدلالِ بالأشخاصِ! بدلًا من أن يُستَدلَّ بالمنطلقاتِ الحقيقيَّةِ للعلمِ والتي انطلقوا مِنها. طبعًا، بعضُ أبناءِ المسلمينَ لكثرة ما غُسِلَ عقلُهُ، قد يظُنُّ أنَّ سيادةَ المسلمينَ للعلومِ المادِّيَّةِ قرونًا، ليست حقيقةً بل مبالغةٌ مِن مبالغاتِ بعضِ الشُّيوخِ. تعالَوا نستمعُ لبعضِ المعلوماتِ التي ينقُلها أخونا الأستاذ الطَّبيبُ، والباحثُ هيثم طلعت؛ ينقلُها عن مُنظَّماتٍ دُوليَّةٍ كاليونسكو، وصُحفٍ بَريطانيَّةٍ؛ كالغارديان والتّلغراف د. هيثم طلعت: [السَّلامُ عليكُم، أقدمُ جامعةٍ مازالتْ تعملُ بحسَبِ اليونيسكو، هيَ جامعةُ القَرويِّينَ؛ التي أنشأَها المسلمونَ في القرنِ الثَّالثِ الهجريِّ (245هـ). أقدمُ مكتبةٍ في العالمِ ما زالتْ موجودةً، بها كتبٌ ومراجِعٌ علميَّةٌ تعودُ إلى لقرنِ التَّاسعِ الميلاديِّ؛ هيَ مكتبةٌ إِسلاميَّةٌ. على مدى (7) قرونٍ كاملةٍ (700) عامٍ، كانتِ اللُّغةُ الدَّوليَّةُ للعلومِ في العالمِ هيَ اللُّغةُ العربيَّةُ، وكانت بغدادُ مركزًا للثَّقافةِ، والعلمِ، والتَّجرِبةِ، والمعملِ، والفيزياءِ، والفَلكِ]. لا يعلمُ كثيرٌ مِن أبناءِ المسلمينَ، أنَّ المكتبةَ الأمريكيَّةَ الوطنيَّةَ للطِّبِّ ناشيونال لايبراري أوف ميديسن "National Library of Medicine" وهيَ أشهرُ مكتبةٍ إلكترونيَّةٍ، أستخدِمُها ويستخدمُها كثيرٌ من الباحثينَ، لتحصيلِ العلومِ، ونشرِ الأبحاثِ في تفرُّعاتِها مثلَ: بوب ميد "Pub Med"، أنَّ هذهِ المكتبةَ لديها رُكنٌ خاصٌّ بعُنوانِ: المخطوطاتُ الطِّبِّيَّةُ الإسلاميَّةُ إسلامك ميديكال مانيوسكربتس "Islamic Medical Manuscripts" إذا دخلتَهُ، تجدُ مخطوطاتٍ في مُختلِفِ العلومِ مِن طبٍّ، وصيدليةٍ، وكيمياءَ، وعلومِ فضاءٍ، وغيرِها. اكتُب: "nlm.nih.gov" ثم في محرِّكِ البحثِ: إسلامك ميديكال مانوسكربتس "Islamic Medical Manuscripts" ثمَّ اختَرْ كاتالوغ "Catalogue"، ثمَّ تصفَّحِ المخطوطاتِ مِن الحضارةِ الإسلاميَّةِ، والتي استفادتْ منها الحضارةُ الغربيَّةُ، وبنتْ عليها، إلى أنْ وصلتْ إلى مَا وصلتْ إليهِ الآنَ. هلْ سمعتُم بمعرَضِ "ألفُ اختراعٍ واختراعٍ" الذي يجوبُ دُولَ العالمِ، والذي يعرِضُ اكتشافاتِ الحضارةِ الإسلاميَّةِ، وكيفَ بُنيتْ عليها العلومُ التَّجريبيَّةُ، والاكتشافاتُ المعاصِرةُ؟ أسَّسهُ الأستاذ الباحث في الهندسةِ الميكانيكيَّةِ بجامعةِ مانشستر سليم الحسْني، والذي أسَّسَ أيضًا مَوقعًا بعُنوانِ: الميراثُ الإسلاميُّ مسلم هيريتج "Muslim Heritage" تصفَّحِ الموقعَ، وانظرْ إلى تاريخِ الحضارةِ الإسلاميَّةِ. يقولُ الطَّبيبُ المختصُّ في الأنثروبيولوجي "Anthropology" روبرت بريفو "Robert Breevo" في كتابهِ صناعةُ الإنسانيَّةِ: إنَّ ما نسمِّيهِ ساينس "Science" قد برزَ في أوروبا نتيجةً لروحٍ جديدةٍ مِن التساؤلِ، واستخدامِ طرائقَ جديدةٍ للبحثِ، واستخدامِ طريقةِ التَّجريبِ، والرَّصدِ، والمشاهدةِ، والقياسِ، وتطويرِ حساباتٍ بشكلٍ غيرِ معروفٍ للإغريقيِّينَ هذهِ الرُّوحُ وهذهِ الطُّرقُ، أدخلها إلى العالمِ الأوروبيِّ العربُ. وينقلُ الأستاذ سامي العامري في كتابهِ براهينُ النُّبوَّةِ، في فصلِ العلمِ التَّجريبيِّ، شهاداتٍ مشابهةً عن جورج سارتون "George Sarton" الذي يُعَدُّ مؤسِّسَ علمِ تاريخِ العلومِ، وكذلكَ عالمِ الدِّراساتِ الكتابيَّةِ هيرفك هيرش فيلد "Herfic Herrish Field"، والفيلسوفِ الفيزيائيِّ الملحدِ فيكتور ستينغر "Victor Stinger" الأستاذ الباحث في تاريِخ العلومِ الطَّبيعيَّةِ سابقًا في جامعةِ فرانكفورت فؤاد سزكين "Fuat Sezgin" لهُ مؤلَّفاتٌ عظيمةُ الأهميَّةِ يبيِّنُ فيها إسهاماتِ المسلمينَ، وكانَ مؤسِّسَ، ومديرَ معهدِ تاريخِ العلومِ العربيَّةِ الإسلاميَّةِ في فرانكفورت بألمانيا، والذي يعرِضُ مئاتِ العيِّناتِ مِن الاختراعاتِ والنَّماذجِ لعلماءِ المسلمينَ، ثمَّ أسَّسَ مُتحفًا في إسطنبولَ بنفسِ الفكرةِ، وتُوفِّيَ العامَ الماضي تاريُخكم مسروقٌ يا شبابُ! تاريُخكم مسروقٌ تمامًا كما أنَّ هناكَ سرِقةً فكريَّةً مِن منهجِ الخلق المسلمونَ، هم مَن أسّسَ العلمَ التَّجريبيَّ، وهم كانوا سادَتهُ وواضِعي القواعدِ التي بُنِي عليها ما تَرونَ الآنَ وإذا كانتِ المناهجُ المدرسيَّةُ في بلادِ المسلمينَ لا تذكُرُ شيئًا مِن ذلكَ، فلأنَّها ببساطةٍ مَا وُجدَتْ لتعليمِ أجيالِنا! ما وُجدَتْ لتعليمِ أجيالِنا بل لِتجهيلِها، بينما الطَّالبُ ووالداهُ يظنُّونَ أنَّها تُعلِّم شيئًا إسهامُ المسلمينَ ليسَ في الماضي فقط، بل في الحاضِر ِكذلكَ مِن أكثرِ العباراتِ التي يردِّدُها المنهزمونَ نَفسيًا، بِبَبَّغاويَّةٍ: أنتم تنتقدونَ المادِّيِّينَ معَ أنَّهم صنعوا لكُم كلَّ شيءٍ، حتَّى الشبكة العنكبوتية الذي تستخدِمونهُ في نشرِ أفكاركِم. حسنًا، ما رأيكَ إنْ علمتَ بأنَّ أحدَ أهمِّ من ساهمَ في هذا الإنترنت هو العالمُ المسلمُ الأستاذ حاتم زغلول الذي ساهمَ في إنتاجِ التِّقْنيةِ، التي بُنِي عليها الواي فاي "Wi-Fi" وتِقْنيةٍ أخرى ساهمت في الجيل الرابع "4G"، وله براءاتُ اختراعٍ كثيرةٌ منشورةٌ، وأبحاثٌ أُحيلَ عليها آلافَ المرَّاتِ، وتلقَّى العديدَ مِن الجوائزِ. الأستاذ حاتم زغلول يؤمنُ باللهِ ويعتزُّ بإيمانهِ هذا: [يعني، -والحمدُ لله- طَوَال عمري ملتزم، فالدين كان طَوال عمره الثابت الحقيقي في حياتي، يعني الواحد سافر غيّر بلده، وغيّر البيئة غيّر أشياء كثيرة جدًّا، ولكن ظل يصلي، وظل يحضر الجمعة، وما شابه، ثانيًا- مع التقدم الاقتصادي بالنسبة لي والاجتماعي بدأت أحاول أعطي المجتمع المسلم في كندا، والمجتمع الكندي عامةً، وهذا بلا شك يمنح المرء راحة نفسية أي أنك تحس أنك تَرْجِع شيئًا مما أخذت من المجتمع، ووفقني ربي فصرت رئيس الجالية الإسلامية في كالغاري لفترة طويلة]. هذا مثالٌ واحدٌ من الأمثلةِ المهمَّشةِ عن وعيِ شبابنا وإخوانُنا في "الباحثونَ المسلمونَ" لهم قائمةٌ من العلماءِ المسلمينَ المعاصرينَ الأحياءِ بيننَا، ونبذةٌ عن كلٍّ منهم، وعن إنجازاتهِ، ومع هذا كلِّهِ، فأنا لم أورِدْ هذهِ المعلوماتِ لأُثبِتَ حاجةَ العلمِ التَّجريبيِّ إلى الإيمانِ. لكي لا يأت أحد ما يقولُ لي: حتَّى لو نشأَ العلمُ التَّجريبيُّ وازدهرَ على أيدي المسلمينَ، فهذا لا يعني بالضَّرورةِ أنَّ إسلامَهُم هوَ سببُ تفوُّقهِم أنا أُورِدُ هذهِ المعلوماتِ فقط؛ لِتعلمَ أنَّ هناكَ مَن يُهمِّشُ عمدًا الجانبَ المشرقَ من الحضارةِ الإسلاميَّةِ ومِن إنجازاتِ المسلمينَ الحاليَّةِ، ثمَّ بعدَ ذلكَ يقولُ لكَ: انظر كيف أن المسلمينَ متخلِّفونَ في العلومِ المادِّيَّةِ، إذن فالإسلامُ سببُ التَّخلُّفِ! ﴿ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ﴾ [القرآن 40:24]. جهلٌ بالتَّاريخِ، وجهلٌ بالواقعِ، وضلالٌ في الاستدلالِ، وتراكمٌ للمُغالطاتِ المنطقيَّةِ. وإلّا فحجَّتُنا التي نتمسَّكُ بها ونفاخرُ بها، هيَ إثباتُ أنَّ كلَّ المصادرِ، التي يقومُ عليها العلمُ التَّجريبيُّ مستندةٌ إلى الإيمانِ بالخلق. الّذينَ يستدلُّونَ اليومَ بالتَّقدُّمِ المادِّيِّ للغربِ على صِحَّةِ منهجهِمُ المادِّيِّ المعلَنِ، يمارسونَ مغالطةَ فرعونَ، إذِ اسْتدلَّ بالتَّقدُّمِ المادِّيِّ على صِحَّةِ دعواهُ فقالَ: ﴿أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي ۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ [القرآن 51:43]. إذن، ما الذي يجعلُ الباحثينَ المادِّيَّينَ لا يلاحظونَ ولا يُلاحِظُ مَن حولهُم، أنَّهم ينطلقونَ مِن مُنطلقاتٍ إيمانيَّةٍ؟ التفسيرُ إخواني، هو أنَّ المنطلقاتِ الإيمانيَّةَ مركوزةٌ في نفوسهم فطرةً كما بيّنّا في الحلقاتِ عن الفِطرةِ. هذهِ المنطلقاتُ الإيمانيَّةُ، هيَ برنامجُ التَّشغيلِ الموجودُ أصلًا في نُفوسِهم. المادِّيَّةُ، تشبِهُ الآفة تمامًا كما بيَّنَّا في (المخطوف)، فالذي ينظرُ إلى هذا الباحثِ المصابِ بآفة المادِّيَّةِ، ويسمعُه يتكلَّمُ بالأفكارِ المادِّيَّةِ، قد يتوهَّمُ أنَّ ما يُنتجُهُ هذا الباحثُ من عِلْمٍ إنَّما هوَ مِن نِتاج آفة المادِّيَّةِ، بينما هوَ في الحقيقةِ مِن نِتاجِ منهجِ الإقرارِ بالخلق، والمركوزِ أصالةً في النُّفوسِ. ختامًا يا كرامُ، لأجلِ ما سبقَ؛ لا يُنتجُ الملحدُ علمًا وهو ملحدٌ، ولا يُنتجُ المادِّيُّ علمًا وهو َمادِّيٌّ لا بدَّ لهُ من أنْ ينسلِخَ شعوريًّا، أو لا شعوريًّا عن إلحادِهِ، أو مادِّيَّتهِ؛ ليُنتِجَ أيَّ شيءٍ نافعٍ، فكلُّ منطلقاتِ العلمِ هيَ مِن مَنهجِ الإقرارِ بالخلق رغمًا عنه وليقلْ بعدَ ذلكَ بلسانهِ ما شاءَ انتبهوا يا إخواننا، هل قلتُ في هذهِ الحلقةِ "لا يُنتجُ الملحدُ علمًا" يعني: أنَّ أكثرَ العلماءِ مؤمنونَ بوجودِ خالقٍ خلقَ الكونَ والحياةَ، وأن نسبة الملحدين أو المادِّيِّين قليلةٌ؟ لا؛ لم أقل ذلكَ ولا تُهمُّنا النِسَبُ، ومعَ ذلكَ، سترون أُناسًا مِن الملحدينَ يخدعونَ جمهورَهمُ المستغفَلَ بعُنوانِ الحلقةِ، وهم مُطمئنُّونَ إلى أنَّ جمهورَهم لا يُدقِّقُ، ولا يُحقِّقُ في الحلقةِ القادِمةِ، سنُبيِّنُ بُطْلانَ عبارةٍ تتكرَّرُ حتَّى على ألسِنَةِ بعضِ المنتسبينَ إلى الفِكرِ الإسلاميِّ مع الأسف، وهيَ عبارةُ: "العلمُ التَّجريبيُّ محايدٌ لا يثبتُ وجودَ اللهِ ولا ينفي وجودَ اللهِ" حلقةٌ مِن أهمِّ الحلقاتِ، فتابعونا والسَّلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ