هو الأقربُ إلينا على الإطلاقِ والـ(جي) "G" ليستْ كـ(آي) "A"، فتحصُلَ على النتيجةِ. فلِمَ الغشُّ؟! فروقاتٌ في رقمٍ واحدٍ في كلِّ عددٍ. السَّلامُ عليكُم أُستاذُ! الأُستاذُ: أنيسُ، أهلًا! أنيس: حَضْرَتُكَ أرْسلْتَ في طلبِي، ما الأمرُ يا أُستاذُ؟ الأُستاذُ: أنيسُ، أنت متّهمٌ بالغشِّ في كتابةِ تقاريرِ المختَبَرِ، غششْتَهَا مِنْ زميلِكَ شمْشُونَ. أنيس: أنا؟! الأُستاذُ: نعم، لا تُنْكِرْ؛ فالأدلَّةُ كُلُّهَا تُدينُكَ! غشٌّ بنسبةِ 98.8%! أنيس: كيفَ ذلكَ يا أُستاذُ؟! الأستاذُ: أحضرتُ تقاريرَكَ وتقارِيرَه، وقارنتُ بينها الأرقامُ نفسُها معَ تغْييرَاتٍ لَا تُذْكَرُ يَا غشّاشُ! لماذا... لماذا يا بُنَيَّ؟! كانَ المطلوبُ أنْ تأخُذَ الرَّقَمَ منَ الجهازِ، وتضربهُ في معكوسِه، أنيسٌ: صبرًا يا أُستاذُ! قبل أنْ تتَّهمني بالغشِّ، أرِني بَمَ غَششْتُ؟ لا! وبنسْبَةِ 98.8 أيضًا! الأُستاذُ: تعال.َ.. تعالَ... استرِحْ، إليكَ هذينِ التَّقريرينِ مثلًا. أنيسُ: أين الغشُّ في هذه الأرقامِ يا أُستاذُ؟ الأُستاذُ: هذا التَّطابقُ كلُّه، و لا ترَى أينَ الغشُّ؟! أنيسٌ: حسناً، تعالَ نُراجِعْهُما سطرًا سطرًا، وننظُرْ أينَ الغشُّ. الأُستاذُ: بالنِّسبةِ إلى هذهِ الأرقامِ فهي معقَّدَةٌ، وليْسَ منَ السَّهْلِ معرفةُ الغشِّ الحاصلِ فيها. أنيس: يا أستاذُ... الأستاذ: اُسكتْ! دعْنا من هذهِ الأرقامِ، سأحذفُها. اُنظُر ههُنا، هذا الرَّقمُ هنَا 58 وبما أنَّكَ غَششْتَ، فيمكنُ اعتبارُ هذا الرَّقمِ 5858 هُوَ نَفْسَهُ، لكنَّه مكرَّرٌ. أنيس: أُستاذُ، كيْف غششْتُه؟! لقد ضربتُ رقمِي في معكوسِهِ والنَّاتجُ صحيحٌ.. مختلفٌ تمامًاعن ناتجِ شمشونَ! لَو كُنْتُ غششتُ منه وأخطأتُ في النَّقلِ لما وجدتَ نَّاتجَ الضَّربِ مختلفًا عنهُ، فضْلًا عن كونِهِ صحيحًا! أَرأيْتَ يَا أُستاذُ! الأُستاذُ: صُدْفةً صُدْفةً... أنيس: كيف يكون صُدفةً؟! الأستاذ: بل هو صدفةٌ يا غشَّاشُ! أنا لن أظلمَكَ، احْتياطًا... فلْنُلغِها من الحسابِ هي الأخرى... تأمَّلْ أيضًا 992... تأمَّلْ! أنيس: حسنًا، ما علاقتُها بـ 2262؟! الأستاذ: لِأنَّك غششْتَ، فمنْ هذا المنطلَقِ يُمْكِنُ اعتبارُ هذِه الـ 92 هيَ نفسَها لديك إلّا أنَّها في سطرٍ آخرَ. ولكنَّك -معَ العجلَةِ- نقلتَها خطأً، فأسقطْتَ الرقمَ 9. أنيس: يا أستاذُ، كيفَ نقلتُها بالخطأ؟ مكانُها عندي ليسَ كمكانِها عندَ شمشُونَ! ناتجُ الضَّربِ بالمعكوسِ صحيحٌ؛ لو كنتُ غششتُها من شمشونَ، لما كانتْ مختلفةً وصحيحةً.. الأستاذ: صُدفةٌ صُدفةٌ... أنيس: يا أستاذ، كيف تكون صُدْفةً؟! الأستاذ: بل صُدْفةٌ يا غشَّاشُ! لكنْ مع ذلكَ لن أظلمَكَ، سأعتبِرُها لا لكَ ولا عليكَ... أَلْغِها من الحسبانِ. اُنظُرْ... ههُنَا... 222، بما أنَّك غششْتَ، فيُمكنُ اعتبارُها 2262 نفسَها، لكنَّكَ أضفْتَ 6 خطأً. أنيس: يا أستاذُ،... الأستاذ: اُسكُتْ اسكُتْ اسكُتْ! لا داعِيَ للمناقشةِ، فهمتُ ما ترمي إليْهِ، صدفةٌ... وسنُلغِيهَا! لا لَكَ ولا عليْكَ. تعالَ انْظُرْ هُنَا: نفس الأرقام تمامًا، 25، 25، 75، 75، و125، 125؛ تطابق تامّ! غشّ ما بعده غشّ! أنيس: أستاذ، هذه أرقامٌ لا بدَّ منها، مُشترَكَةٌ بيني وبين زملائِي كلِّهم؛ نستخدِمُها في إعداداتِ الأجهزَةِ لدينَا. الأستاذ: لا لا أنت غشَّاشٌ. اُنْظرْ، هذانِ الرَّقمانِ سأعتبرُهُمَا مختلفَيْنِ. 105، 101، 225، 255 مع أنَّهمَا متشابهانِ كثيرًا، اختلافٌ في رقمٍ واحدٍ فقط، لكنْ لا بأْسَ، لا أحبُّ الظُّلمَ وسأوفِّيكَ حقَّكَ. بالطريقةِ نفسِهَا، راجعْتُ تقاريرَكَ السابقةَ كلَّها يا أنيسُ. بأيِّ حقٍّ اعتبرتُم أنَّ هذا حصلَ؟! فوجدتُ تطابقًا بينَها وبينَ تقاريرِ شمشونَ بنسبةِ 98.8%، نسبةٌ تُدينُكَ مئةً بالمئةِ. أَلَا تتّقِي اللهَ يا بُنَيَّ؟! لِماذا لا تريدُون أنْ تتعلَّمُوا؟! لِمَ الغِشُّ؟! لِمَ الخيانةُ؟! أنَا أريدُ مصلحتَكُم يا أنيسُ... أنيس: على رِسلِكَ يا أستاذُ! قبلَ أنْ تشغِّلَ اِسطوانةَ: أنا أُريدُ مصلحتَكُمْ... ولِمَ... ولستُ أدرِي ماذَا... كم مرَّةً حضرتُكَ قلتَ لِي: (بِمَا أنَّك غششْتَ) ؟! أعنِي أنَّكَ شطبتَ أرقاماً كثيرةً على اعتبارِ أنَّنِي غششْتُ، ولمَّا بانتْ لكَ نسبةُ الـ98.8، استنتجتَ أنِّي غششْتُ. أَلَا يُسَمَّى هذَا: استدلالًا دَائِريًّا؟ الأستاذ: اِستدلالٌ ماذَا يَا حبيبِي؟! أنيس: استدلالٌ دائريٌّ، أيْ أنَّ الدَّليلَ والنَّتيجَةَ لَا فرْقَ بينَهُما. بِمَا أنَّني غششْتُ -كمَا تزْعُمُ- فنسبةُ التَّطابُقِ بينَ تقريرِي و تقريرِ شمشونَ هيَ 98.8. و بما أنَّ هذهِ النِّسبةَ متطابقة فهذا دليلٌ على أنِّي غششْتُ! بِالطَّريقةِ نفسِها، وصلَ أتباعُ الخرافةِ إلى أنَّ نِسبةَ التَّطابقِ بينَ المادَّةِ الوِراثيَّةِ لدى الإنسانِ والشَّمبانْزِي هيَ 98.8%، في واحدةٍ من أكثَرِ نِكاتِهم فُكاهَةً وانتشارًا. قِصَّةٌ مشوقةٌ من قِصصِ صناعةِ العِلمِ الزَّائفِ، فتابعوا معَنا. كيفَ وصلوا إلى هذهِ النِّسبةِ: 98.8%؟ بما أنَّ الإنسانَ والشَّمبانْزِي تطوَّرَا عن أصلٍ مُشتركٍ، فبإمكانِنا مقارنةُ مادَّتِهما الوراثيَّةِ بطُرُقٍ تَفترِضُ أنَّهما من أصلٍ مُشترَكٍ. ومعَ إضافةِ بعضِ الفبركاتِ أيضًا، نَصِلُ إلى أنَّ نسبةَ التَّشابُهِ بينَهما 98.8%. وبما أنَّ النِّسبةَ عاليةٌ بهذا الشَّكلِ، فلا بُدَّ أنَّهما تطوَّرا عن أصلٍ مُشترَكٍ. أي أنّ الدَّليلُ مبنيٌّ على الدَّعوى؛ هذا هوَ الاستِدلالُ الدائريُّ. تعالَوا نر كيفَ تمَّ هذا مِن خلالِ خَمسِ خُطُواتٍ تتلخَّصُ في: أوَّلًا- تشطيبِ جُزءٍ كبيرٍ منَ المادَّةِ الوراثيَّةِ لا يوجَدُ فيهِ شبهٌ بينَ الإنسانِ والشَّمبانْزِي، ثُمَّ استخدامِ برمجيَّاتٍ تَفترِضُ -أصلًا- صحَّةَ التَّطوُّرِ، ثمَّ تفسيرِ النَّتائجِ بافتِراضِ صحَّةِ التَّطوُّرِ، ثمَّ اختيارِ نَوعٍ واحدٍ من الفُروقاتِ في المادَّةِ الوراثيَّةِ وتَجاهُلِ الفُروقاتِ الأُخرى، ثمَّ تَجاهُلِ الدِّراساتِ الَّتي تخرجُ بنتائجَ مختلفةٍ عنِ النِّسبةِ المُرادَةِ سلفًا. الخُطُواتُ الثَّلاثةُ الأُولى تتمُّ في المُختبَراتِ، والخُطْوتانِ الأَخيرتانِ تتمّانِ في الدّعاية الإعلاميَّةِ. سنُوضِّح بدايةً أمرًا مُتعلِّقًا بالخُطوةِ الثَّانيةِ، ثمَّ نسيرُ مع الخُطواتِ بالتَّرتيبِ، معَ التَّذكيرِ بأنَّ كَلمةَ (جِينُوم) "Genome" تعني المادَّةَ الوِراثيَّةَ لكائنٍ حيٍّ. في كتابِ بيوإنفورماتكس آند فانكشنال جينومكس "Bioinformatics and Functional Genomics" الطَّبعةِ الثَّالثةِ سنةَ 2015، وهو كتابٌ مُعتمَدٌ عالميًّا في علمِ الجيناتِ، ويُدرَّسُ في الجامعاتِ، تجدُ في مقدِّمةِ الفصلِ الثَّالثِ منهُ الجملةَ التَّلخيصيَّةَ التالية بكلِّ وضوحٍ: الجينان أو البروتينان متشابهان إذا اعتبرناهما قد تطورا من أصل مشترك أي أنّهم في مُقارناتِهم للمادَّةِ الوراثيَّةِ يَستخدمونَ برامجَ حاسوبٍ. الَّذين صمَّموا هذهِ البرامجَ افترضوا في تصميمِها صحَّةَ التَّطوُّرِ، وأنَّ الإنسانَ والشَّمبانْزِي تطوَّرا عن أصلٍ مُشترَكٍ، ولولا هذا الافتراضُ لما خرجتْ نِسبُ التَّشابهِ الَّتي يتكلَّمونَ عنها. ويبيِّنُ الكتابُ أنَّ عامَّةَ برمجيّاتِ المقارنةِ بين الموادِّ الوراثيَّةِ مثل بلاست (BLAST) و(HMMER)، هي بالطَّريقةِ نفسِها مُصمَّمةٌ على أساسِ صَّحةِ التَّطوُّرِ. فما تقولُه الأبحاثُ إذنْ: جينومُ الإنسانِ والشَّمبانْزِي مُتشابهانِ إذا اعتبرناهُما تطوَّرا منْ أصلٍ مُشتركٍ. في حين حرفت الدّعايةُ الإعلاميّة للخُرافةِ نتيجةَ الأبحاثِ لتُصبحَ: جينومُ الإنسانِ والشَّمبانزي مُتشابهانِ، وبالتَّالي فقدْ تطوَّرا من أصلٍ مُشترَكٍ. لمسةٌ سحريةٌ من لمَساتِ أتباعِ الخُرافةِ كالمعتادِ؛ غيَّرتْ "إذا" إلى "وبالتَّالي". تعالَوا الآنَ نَدخلْ مَطبخَ صناعةِ الخُرافةِ لِنرى خُطُواتِها بالتَّرتيبِ. سنبدأُ بواحدةٍ من أشهرِ دراساتِهم، وهيَ المنشورة عامَ 2002 في المجلَّةِ الأميركيَّةِ لعلمِ الجيناتِ البشريِّ. ما الَّذي جرى في هذهِ الدِّراسةِ؟ تَّم أخذُ عيِّنةٍ جُزئيَّةٍ من جينومِ الشمبانزي: 3 ملايينَ زوجًا منَ القَواعدِ النّيتروجينيَّةِ وللتيسير، سنُعبِّرُ عن كلِّ زوجٍ بحرفِ. إذن، أخذوا 3 ملايينَ حرفٍ، من أصلِ حوالي 3 ملياراتِ حرفٍ "3Giga Base Pairs" -وهو عددُ حروفِ جينومِ الشمبانزي كاملًا-، وعليهِ فالعيِّنةُ الَّتي أخذوها هيَ حَوالي 0.001 من جينومِ الشَّمبانْزِي. قارَنوا هذهِ العيِّنةَ بجينومِ الإنسانِ. الخُطوةُ الأولى: حذفُ جُزءٍ من هذهِ العيِّنةِ لعدمِ وُجودِ تشابهٍ أصلًا. لاحظَ الباحثونَ أنَّ ثُلُثَيْ هذهِ العيِّنةِ فيها شبهٌ من جينومِ الإنسانِ، بينمَا 28% منَ العيِّنةِ تمَّ استِثناؤُها؛ (بالإنجليزية) مُستَثناةٌ منَ الدِّراسةِ، لم يُقارِنوهَا بالإنسانِ لأسبابٍ تُصعِّبُ مُقارنتها، واستثنَوا أيضًا 7%، لماذا؟ no region with similarity could be detected لا توجد مناطقُ تشابهٍ بين الجينومَينِ، أي أنّهم شطبوا مَا مجموعُهُ 35% من عيِّنةِ الشَّمبانْزِي الـ0.001 الَّتي اختارُوها. تصوَّروا -إخواني! %35 مختلفةٌ، ومشطوبةٌ سلفًا، ثمَّ يتكلَّم لكَ أتباعُ الُخرافةِ عن 99% تشابُه. وتذكَّروا كيفَ شطبَ الأستاذ أجزاءً كبيرةً من التَّقريرينِ من البدايةِ، نفسُ الطَّريقةِ. الخُطوةُ الثَّانيةُ هيَ مُقارنةُ ما تبقَّى من عيِّنةِ الشَّمبانْزِي بالإنسانِ. كيفَ قارَنوها؟ باستخدامِ برمجيَّاتٍ تَفترضُ أصلًا صحَّةَ التَّطوُّرِ وأنَّ الإنسانَ والشَّمبانْزِي منْ أصلٍ مُشترَكٍ. يظُنُّ بعضٌ -إخواني- أنَّه عندما يُقالُ أنَّ هناكَ تشابُهًا بنسبةٍ معيَّنةٍ بينَ جينومِ الإنسانِ والشَّمبانْزِي، فإنَّ هذا يعني أنَّهم أخذوا جيناتِ الشَّمبانْزِي، وقارَنوها مُقارنةً مُباشِرةً بجيناتِ الإنسانِ واحدًا واحدًا. الجينُ المسؤولَ عن إنتاجِ صبغةِ الدَّمِ بمثلِه في الشَّمبانزي، الجينُ المسؤولَ عن إنتاجِ إِنزيمٍ منَ الإنزيماتِ الهاضِمةِ بمثلِه في الشَّمبانزي، وهكذا... وهذا ليسَ صحيحًا. بلْ هُم يُجزِّئونَ المادَّةَ الوراثيَّةَ للإنسانِ والشَّمبانزي، ويُقارِنونَهما بمَصفُوفاتٍ مَبنيَّةٍ على مُعادلاتٍ رياضيَّةٍ. هذهِ المصفوفاتُ والمعادلاتُ تفترضُ صحَّةَ التَّطوُّرِ كما بيَّنَّا من كتاب (بيوإنفورماتكس). مثلًا، هذا البحثُ الَّذي نُناقِشهُ، قارَنَ المادَّةَ الوراثيَّةَ بناءً على برمجيَّةِ (بلات) "Blat" الشَّبيهةِ بـ(بلاست)، والَّتي ذَكر َكتابُ (بيوإنفورماتكس) أنَّها مُعتمدَةٌ على صِحَّةِ التَّطوُّرِ. فالمُقارَنةُ ليستْ مُباشِرةً، بلْ فيها تفاصيلُ مُعقَّدةٌ مشروحةٌ في كتابِ (بيوإنفورماتكس)، وفي الدِّراساتِ الأصليَّةِ الَّتي استَندتْ عليها هذهِ البرمَجيَّاتُ. وفي هذهِ التَّفاصيلِ، يَفترضونَ صِحَّةَ التَّطوُّرِ. الآنَ تَخرجُ النَّتائِجُ من هذهِ البرمجيَّاتِ فَتأْتي الخُطوةُ الثَّالثةُ، ألَا وهيَ تفسيرُ النَّتائِج على أساسِ افتراضِ صِحَّةِ التَّطوُّرِ. أي أنّ أجزاءَ جينومِ الشَّمبانزي تَظهرُ مختلفةً عن الإنسانِ، ومعَ ذلكَ، يفسِّرونَ الاختلافَ على أساسٍ تطوُّريٍّ. مثلًا: هاتانِ السِّلسِلتانِ منَ الحُروفِ مختلف بعضهما عن بعضِهِما، لا علاقةَ لهُما ببعضِهِما. يقولُ لكَ التَّطوُّريُّونَ: لا، بلْ الَّذي حصلَ هوَ أنَّهما جاءا من سَلفٍ مُشترَكٍ، وهو الَّذي ورَّثَ السَّلسلةَ كما هيَ للشَّمبانزي. لكن في حالةِ الإنسانِ، هناكَ حرفانِ حَشَرا نَفسيهِما بالغلطِ بطفرةٍ عشوائيَّةٍ، في هذا المَوضِعِ المُشارِ له بالسَّهمِ الأحمرِ، وسنُسمِّي هذا الانحشارَ الَّذي حصلَ "Insertion" حشرًا. أي كما اتَّهم الأستاذ أنيسًا بأنَّه غشَّ من زميلِه الرَّقمَ 222، وأضافَ 6 بالغلط فأصبحَ الرَّقمُ 2262. لكنْ لحظةً... حتَّى لو اِفترضْتُم ذلكَ، فما زالَ هناكَ اختلافاتٌ بينَ السِّلسِلَتَينِ في بعضِ الحروفِ؛ فالـ(تي) "T" ليستْ كـ(سي) "C"، قالوا: بِما أنَّهما تطوَّرا عن أصلٍ مُشترَكٍ، فالَّذي حصلَ أنَّ هذَينِ الحرفينِ تغيَّرا، في حالةِ الإنسانِ، بعمليَّةٍ سنُسمِّيها "Substitution" استبدالًا حوَّلَت الـ(تي) "T" إلى الـ(سي) "C"، و(بالانجليزيّة) عمليَّةِ استبدالٍ أخرى حوَّلتْ الـ(جي) "G" إلى (آي) "A". أي: كما قارَن الأستاذ الأرقامَ 105 مع 101، و225 مع 255 بينَ تقريرَي أنيسٍ وشمشونَ؛ كيفَ أعطيتُم لأنفُسكمُ الحقَّ في بناءِ هذهِ الحبكةِ ؟! يقولونَ لكَ: لأنَّهما تطوَّرا عن أصلٍ مُشترَكٍ! لكنْ لحظةً، إذا كانَ هذا هوَ الَّذي حصلَ حقًّا، فستكونُ هذهِ العمليَّاتُ العشوائيَّةُ قد خرَّبتْ وظيفةَ هذا الجزءِ من جينومِ الإنسانِ، وقدْ أصبحَ محلَّ اتفاقٍ أنَّ السَّلاسلَ الطَّويلةَ من الحمضِ النَّوويِّ "DNA" ليستْ خردةً كما كانَ أتباعُ الخرافةِ يُروِّجونَ قبلَ نتائجِ مشروعِ (التَّرميزِ) "Encode" عامَ 2012، فالتَّخريبُ في المادَّةِ الوراثيَّةِ بشكلٍ عامٍّ سيُفسدُ وظيفتَها. مثلًا، إذا كانتْ هاتانِ السِّلسلتانِ اللَّتانِ قارَنَّاهُما عبارةً عن جِينَيْنِ مختلفينِ في الشَّمبانزي والإنسانِ، فكلُّ جينٍ، يُنتجُ بروتينًا مختلفًا وصحيحًا وله وظيفةٌ مختلفةٌ عنِ الآخرِ، مِثْلَما حاصلُ ضربِ الأرقامِ في حالةِ صاحبِنا أنيسٍ كانتْ مختلفةً عن شمونَ وصحيحةً في الوقتِ نفسهِ (صوتُ أنيسٍ) أُستاذُ، كيف غششتُ فيهِ؟ (صوتُ أنيسٍ) لقد ضربتُ رقمِي بمعكوسِهِ والنَّاتجُ صحيحٌ مختلفٌ تمامًا عن ناتجِ شمشونَ! (صوتُ أنيسٍ) لَو كُنْتُ نقلتُ منه و أخطأتُ في النَّقلِ، (صوتُ أنيسٍ) لما وجدتُ هذا النَّاتجَ للضَّربِ المختلفَ عنهُ... فضْلًا عن كونِهِ صحيحًا! يقولونَ لكَ : بالصُّدفةِ... بالصُّدفةِ! بنفسِ الطَّريقةِ، قارنَ الباحثونَ أجزاءَ أُخرى من جينوم ِالإنسانِ والشَّمبانزي، وفسَّروا الاختلافاتِ بتفسيراتٍ متنوِّعةٍ تفترضُ كلُّها السَّلفَ المُشترَكَ، تمامًا كما بنى الأُستاذُ تفسيراتهِ على افتراضِ أنَّ أنيسًا غشَّ من شمشونَ، فمرَّةً يقولونَ: سقطَ حرفٌ أو أكثرُ أثناءَ التَّحدُّرِ من السَّلفِ المُشترَكِ، وسمَّوا هذهِ العمليَّةَ "Deletion" حذفًا أي عكسَ الحشرِ. أي كما اعتبرَ الدكتور أنَّ 92 حاصلَ عمليّةِ الغشِّ في نقلِ الـ992 مع سقوطِ 9 خطأً، حتَّى لو كانتْ أماكنُ هذهِ الحروفِ مختلفةً على الكروموسوماتِ، كما أماكنُ الأرقامِ مختلفةٌ في التَّقريريْنِ. ومرَّةً يفسِّرونَ الاختلافَ بوقوعِ تَكرارٍ لبعضِ الأحرفِ، وسمَّوا هذهِ العمليَّةَ مضاعفةً "Duplication"، كما اعتبرَ الأُستاذُ أنَّ 5858 حاصلَ عمليّةِ الغشِّ في نقلِ الـ58 مُكررةً. بهذهِ الطَّريقةِ خرجتِ الدِّراسةُ بنتيجةِ أنَّ هناكَ آلافَ طفراتِ الاستبدالِ العشوائيَّةَ، وآلافَ طفراتِ الحشْرِ والحذفِ العشوائيَّةِ. طفراتُ الحشرِ والحذفِ المزعومةُ هذهِ، كلٌّ منها يتراوحُ في الطُّولِ بينَ حرفٍ إلى 65 حرفًا، ولكَ أنْ تتصوَّرَ -أخي- كيفَ يَعتبرونَ أنَّ 65 حرفًا انحشرتْ في سلسلةٍ بالخطأِ، ومعَ ذلكَ يكونُ لهذهِ السِّلسلةِ المخرَّبةِ وظيفتُها المناسبةُ. هنا -وعندَ الُخطوةِ الثَّالثةِ في مطبخِ الخُرافةِ- انتهى دورُ الأبحاثِ الَمخبريَّةِ، وجاءَ دورُ الدّعايةُ الإعلاميّةُ. لاحِظوا -إخواني-... الأبحاثُ العلميَّةُ -كهذا البحثِ الَّذي تكلَّمنا عنُه- لم يكُنْ موضوعُها إثباتَ التَّطوُّرِ من خلالِ نسبةِ التَّشابهِ، بل هُم يَنطلقونَ من افتراضِ صِحَّةِ التَّطوُّرِ، وَهُمْ يَعُونَ ذلكَ، ويَعُونَ أنَّهم يَستخدمونَ برمجيَّاتٍ تفترضُ ذلكَ. أبحاثُهم كانتْ عن أنواعِ الطَّفراتِ الَّتي يدَّعونَ حُصولها، والَّتي فرَّقتِ الإنسانَ -بزعمهِم- عنِ الشَّمبانزي، فسؤالهُمُ البحثيُّ لم يكنْ: هلْ حصلَ التَّطوُّرُ أم لا؟ وإنَّما: كيفَ حصلَ التَّطوُّرُ؟ أي كيفَ تطوَّرَ الإنسانُ والشَّمبانزي عن أصلٍ مُشترَكٍ؟ مشكلتُنا مع هذهِ الأبحاثِ هيَ مع هذا الافتراضِ الباطلِ الَّذي انطلَقُوا منهُ: افتراضِ صِحَّةِ التَّطوُّرِ، والَّذي بيَّنَّا ونُبيِّنُ بطلانهُ علميًّا. أمَّا صُنَّاعُ دِعايةِ الخُرافةِ، فمشكلتهُم أنَّهم حرَّفوا الدِّراساتِ، وجعلُوا الافتراضاتِ نتائجَ، وأوصلوا الرِّسالةَ الكاذبةَ أنَّه ودونَ أيَّة افتراضاتٍ، فإنَّ الفرقَ بينَ الإنسانِ والشمبانزي 1.2%، وعليهِ، فالتَّطوُّرُ حقيقةٌ. تعالَوا نر كيفَ فعلَ صُنَّاعُ الدِّعايةِ ذلكَ، وننتقلْ معًا إلى الخُطوةِ الرَّابعةِ في مَطبخِ الخرافةِ. جاء صُنَّاعُ الدِّعايةِ إلى نتائِج البحثِ المذكورِ، وقالوا: ما هيَ نسبةُ الاختلافاتِ النَّاتجةِ عن طفراتِ الاستبدالِ المزعومِ أنَّها فرَّقتْ الإِنسانَ عنِ الشَّمبانزي، بالنِّسبةِ لعيِّنةِ الجينومِ المأخوذةِ منَ الشَّمبانزي بعدَ تشطيبِ قسمٍ كبيرٍ منها؟ النسبةُ هي 1.24%، أي (بالإنجليزية) 1.24% حسنًا، ماذا عنِ اختلافاتِ الحشرِ والحذفِ المزعومةِ؟ صُنَّاعُ الدِّعايةِ -وبكلِّ يُسر- تغافلوا عن هذهِ الاختلافاتِ؛ فَهُمْ إذا شملوها، فلن تَخرُجَ معهم نسبةُ 98.8% ذاتُ الطَّنينِ والرَّنينِ، لذلكَ، فبكلَّ بساطةٍ استثنَوها، وسلَّطوا الضوءَ على النِّسبةِ الَّتي تُمثِّلُ اختلافاتِ الاستبدالِ المزعومةِ فقط، كما استثنى الأُستاذُ كلَّ أنواعِ الاختلافاتِ بينَ تقريري أنيسٍ وشمشونَ، وعدَّ فقط ما يُشْبِهُ الاستبدالَ. ماهيَ نِسبةُ اختلافاتِ الاستبدالِ في الدِّراسةِ؟ قلنا أنَّها 1.2%... آها... 1.2% اختلافٌ. 100% ناقصٌ 1.2% يساوي 98.8% تَشابُه! إذن جينومُ الإنسانِ والشّمبانزي مُتشابهانِ بنسبةِ 98.8%. وهكذا أصبحتِ الخرافةُ جاهِزةً للتَّقديمِ على مَوائدِ العلمِ الزَّائِفِ، و هنيئًا مريئًا لِلعُقولِ المؤجَّرةِ. 35% منَ العيِّنةِ مَشطوبةٌ منَ البِدايةِ، ثُمَّ التَّغافُلُ عن الاختلافاتِ الكبيرةِ والَّتي زَعَموا أنَّها حصَلتْ نتيجةَ الحشرِ والحذفِ، ثُمَّ انتِقاءُ رقمٍ فَرْعيٍّ ظَهرَ في الدِّراسةِ ليخْدَعُوا بهِ السَّطْحيِّينَ منَ النَّاسِ: رقمُ الـ1.2%... وهَكذا صُنعَتْ خُرافةُ الـ98.8%. ولاحِظْ كيفَ يُظهِرونَها بالعُشْرِ: 98.8 ولا يُقرِّبونَها لِأقربِ عَددٍ صَحيحٍ، خوفَ الحلالِ والحرامِ -كما يُقالُ- لِإشعارِكَ بالدِّقَّةِ العِلميَّةِ في هذا الرَّقمِ الرَّصينِ المُقدَّسِ بزَعْمهِم، مع أنَّ الرَّقمَ الحقيقيَّ ليس 99 ولا 98، ولا 90، ولا 80%. اِحفَظوا هذهِ الوصفةَ الخُماسيَّةَ إِخواني، لأنَّها تُستخدَمُ في تحضيرِ كثيرٍ من وجَباتِ الجينومِ في مَطبخِ الخُرافةِ. مثلًا، بعدَ سنواتٍ من الدِّراسةِ الَّتي انتهَينا مِنها وفي عامِ 2005، نَشرَتْ مجلَّةُ (نيتشر) "nature" دراسةً هي الأشهرُ في المقارنةِ بينَ جينومِ الشَّمبانزي والإنسانِ. تعالَوا نُطَبِّقْ خُماسيَّتَنا المذكورَةَ خُطوةً خُطوةً. الُخطوةُ الأُولى، تشطيبُ جُزءٍ كبيرٍ منَ المادَّةِ الوراثيَّةِ لا يُوجَدُ فيها شَبهٌ بينَ الإنسانِ والشَّمبانزي. تَراوَحتْ تَقديراتُ الجينومِ الإنسانيِّ ما بين 3 ملياراتٍ إلى حَوالَيْ 3.6 مليارٍ. الباحثونَ في هذهِ الدِّراسةِ شَطَبوا ببساطةٍ مِئاتِ الملايينِ منَ الأحرُفِ في جينومِ الإنسانِ، وقارَنوا 2.4 مليارَ حرفٍ فقط بالشَّمبانزي. لماذا هذهِ الكمِّيَّةُ فقط؟ لأنَّها تُعطِي "Best alignment" أكثرَ تشابُهٍ. إذن فهُناكَ ما بينَ الخُمُسِ إلى الثُّلُثِ من جينومَي كلٍّ منَ الإنسانِ والشَّمبانزي مَشطوبةٌ منَ البدايةِ لأنَّها لا تُظهِرُ تشابُهًا، وبالتَّالي، فلا يُمكنُ لنسبةِ التَّشابهِ المَحسوبةِ في النِّهايةِ أنْ تَصلَ ولا إلى 90% حتّى، في الحقيقةِ. الُخطوةُ الثَّانيةُ، هيَ استِخدامُ برمَجيَّاتٍ تَفترِضُ أصلًا صِحَّةَ التَّطوُّرِ، وبالفِعْلِ استَخدَموا (بلاست زي) "BLASTZ" و(بلات)، وهيَ برمَجيَّاتٌ تَفترِضُ أصلًا صِحَّةَ التَّطوُّرِ. الُخطوةُ الثَّالثةُ، هيَ تفسيرُ النَّتائِج على أساسٍ تطوُّريٍّ. فَسَّر الباحثونَ الاختلافاتِ بينَ جينومِ الشَّمبانزي والإنسانِ بمثلِ طريقةِ الدكتور مع تقريرَي أنيسٍ وشمشونَ؛ استبدالٌ، حشرٌ، حذفٌ، مضاعفةٌ وغيرُها... ما نسبةُ الحروفِ المُستبدَلَةِ بزَعمهم؟ 1.23%، وما نسبةُ الحروفِ الَّتي حصلَ لها حشرٌ أو حذفٌ بزَعمهم؟ 3%. قبلَ أنْ نُكمِلَ، هذهِ الـ3% من مادَّةٍ وراثيَّةٍ عملاقةٍ تعني 5 ملايينِ عمليَّةِ حشرٍ أو حذفٍ، يَصلُ كلٌّ منها إلى 65 حرفًا كما رأينا في الدِّراسةِ السَّابقةِ. أنتُم تَدَّعُونَ حُصولَ ملايينِ العمليَّاتِ العشوائيَّةِ بهذهِ الطَّريقةِ، ومعَ ْذلكَ، يَنتُجُ عنها إنسانٌ وشمبانزي كُلٌّ مِنهُما متكاملٌ متناسقٌ؟! يقولونَ لكَ: نعم... بالصُّدفةِ... لكن ما هذهِ الصُّدَفُ الَّتي تُجري مَلايينَ التَّغييراتِ في أماكنَ مُحدَّدةٍ منَ المادَّةِ الوراثيَّةِ دونَ أنْ تُغيِّرَ مناطقَ حسَّاسةً في بقيَّةِ المادَّةِ الوراثيَّةِ؟! عِلمًا بأنَّ تغييرًا واحدًا يَكونُ أحيانًا مُميتًا، فلا يَتكوَّنُ لا إنسانٌ ولا شمبانزي. يقولونَ لكَ أيضًا: بالصُّدفَةِ... أَلا تَعرِفُ المَثلَ القائلَ: رُبّ صُدفةٍ خيرٌ من ألفِ ميعادٍ! على كلٍّ، نَعودُ لنِسَبِهم هذهِ، %1.23 اختلافاتُ استبدالٍ و3% اختلافاتُ حشْرٍ وحذفٍ، وكَما عبَّر الباحثونَ: هذهِ الـ3% "dwarfs the 1.23% difference" يعني: تُقزِّم ُالنِّسبَةَ النَّاتجةَ عنِ الاستبدالِ، فالـ1.23% أَقلُّ بِفارقٍ، وتَبْدُو قَزَمَةً أَمامَ 3%. هُنا يأْتي دَورُ صُنَّاعِ الدِّعايةِ على خَطِّ الإِنتاجِ في مَطبخِ الخُرافةِ لِننتقِلَ معًا إلى الخُطوَةِ الرَّابِعةِ... ألا وهيَ: اِختيارُ نَوعٍ واحدٍ منَ الفُروقاتِ والتَّغافُلُ عنِ الفُروقاتِ الأُخرى؛ فتتغافَلُ الأرقامَ الكَبيرةَ، ولا تذْكُرُ إلَّا الأرقامَ القَزَمَةَ. صُنَّاعُ الدِّعايةِ بكلِّ سهولة -ولا أقولُ ببراءَةٍ- تغافلُوا عن الـ3% النَّاتجةِ عنِ الحشرِ والحذفِ، وتغافلُوا عن غيرِها، ولم يَذْكُروا إلَّا الاستبدالَ، تغافلُوا بدهًا عما هوَ أَهمُّ من هذا كُلِّهِ: أنَّ خُمُسَ إلى ثُلُثِ المادَّة ِالوراثِيَّةِ مَحذُوفةٌ سَلَفًا منَ الخُطوَة ِالأُولى، وأنَّ البرمَجيَّاتِ تَفترِضُ صِحَّةَ التَّطوُّرِ كَما في الخُطوَةِ الثَّانيةِ. ومَرَّةً أُخرى 100% ناقصٌ 1.2% يُساوي 98.8% إذن، هَا قدْ ثبَتَ الرَّقمُ المُثِيرُ بِما لا يَدعُ مَجالًا للشَّكِّ، ووَجْبةٌ أُخرى مُبهَّرةٌ لِلْعُقُولِ المُؤَجَّرَةِ. في قَناةِ (ماينوت إيرث) "Minute Earth" المُؤَيِّدةِ للخُرافةِ، هُناكَ فيلمٌ مبُسَّطٌ جِدًا بعُنوانِ: "هلْ نحنُ بِالفعلِ قُرودُ شَمبانزي بنِسبةِ 99%؟" شَرحَ جُزءًا مِمَّا حصلَ، وهوَ القَصْقَصَةُ الَّتي تمَّت لِلاختِلافاتِ الكبيرةِ في جينوم كُلٍّ منَ الشَّمبانزي والإِنسانِ، أي الخُطْوَةَ 1 في خُماسِيَّتِنا الَّتي شَرحْنَاهَا. فلْنُتابِعْ جُزءًا من هذا المقطعِ. [الباحثونَ استثْنَوْا بسهولة كلَّ الأجزاءِ الكبيرةِ المختلفةِ، حاذِفينَ بذلكَ ما مجموعُهُ 1.3 بِليونِ حرفٍ، ثمَّ قارنُوا الـ2.4 بليونَ حرفٍ المُتبقِّيةَ حرفًا حرفًا، فتبيَّنَ تطابُقُها بنسبةِ 98.77%. إذن، نعم، نتشارَكُ في 99% من المادَّةِ الوراثيَّةِ معَ قُرودِ الشَّمبانزي إِذَا قُمنَا بتجاهُلِ 18% من مادَّتِهِمُ الوِراثيَّةِ و25% من مادَّتِنَا] إذن فالبَاحِثونَ استَثْنَوا بسهولة اختلافاتٍ كبيرةً، فَطرَحُوا أجزاءً كبيرةً من المادَّةِ الوراثيَّةِ للشَّمبانزي وأُخرى منَ الإنسانِ وقارَنوا مَا تبقَّى. هناكَ أبحاثٌ، ولِباحثينَ من أتباعِ الخُرَافةِ، لاحظتْ أنَّهُ لا مُبرِّرَ أبدًا للتَّغافُلِ عن نَوعٍ منَ الفُروقاتِ واعتبارِ نوعٍ آخرَ، فاستَنتَجتْ أنَّ نِسبةَ الاختِلافِ يَجِبُ أنْ تَكونَ 4% وليسَ 1%. الأُستاذُ: لا دائريٌّ ولا مُربَّعٌ! هُنا تَأتي الخُطوةُ الخامِسةُ في صِناعةِ الخُرافةِ، وهيَ فنُّ التَّغافُلِ الَّذي تُتقِنُهُ دِعايةُ الخُرافةِ لتُحافَظَ على الرَّقمِ المُثيرِ 99%، فتتغافَلُ عنْ مثلَ هذهِ الدِّراساتِ. دراسةٌ أُخرى وصلتْ إلى نسبةِ تشابُهٍ 95% تتغافَلُ عنها دِعايَةُ الخُرافةِ في سبيلِ المُحافظةِ على الرَّقمِ المثير 99%. دِراسةٌ أُخرى أَحدثُ من السَّابِقاتِ كانتْ نِسبةُ الاختِلاف فِيها 23%، أي أنّ التَّشابُهُ 77% وليسَ 98 ولا 99%، تتغافلُ عنها دِعايةُ الخُرافةِ في سبيلِ الرَّقمِ المُثيرِ 99%. وفي دِراسةٍ أَحْدَثَ وأَحْدَثَ عَامَ 2013، لمَ يُجْرِ الباحثونَ عَمليَّاتِ القَصْقَصةِ والتَّشطيبِ، فَكانتْ نِسبةُ التَّشابُهِ النَّاتجةُ 70% مَع شيءٍ منَ التَّساهُلِ -كما ذَكرَ الباحِثونَ-، الَّذي بِدونهِ كانَ يُمكنُ لِلنِّسبةِ أنْ تكونَ أقلَّ، وبلا شك تتغافلُ عنها دِعايَةُ الخُرافةِ في سَبيلِ الرَّقم المُثيرِ 99%. فهذِهِ النِّسبَةُ -99%- عزيزةٌ على قُلوبِ أَتباعِ الخُرافةِ، فتراهُم يَقولونَ لكَ: نِسبةُ العُلَماءِ المؤَيِّدينَ للتَّطوُّرِ حَوالي 99%! ولنَا بإِذنِ اللهِ وَقْفةٌ مع هذهِ النُّكْتةِ أيضًا، وهيَ أيضًا -بالمُناسَبةِ- نفْسُ نِسبةِ فوزِ رؤساءَ عرَبٍ في انتخاباتِ شعوبِهم لهُم، نَفسُ النِّسبةِ... ونَفسُ المصداقيَّةِ... ولا تَستغْرِبوا -إِخواني- من هذا التَّبايُنِ الكبيرِ في النِّسبَةِ لاختلافِ الطَّريقةِ "Methodology": اختلافِ انتِقاءِ العيِّنةِ، والقَصْقَصَةِ، والتَّشطيبِ، وكيفَ تُصَمَّمُ البَرمجيَّاتُ الَّتي ستُجري المُقارَنةَ بينَ المادَّةِ الوِراثيَّةِ للشَّمبانزي والإنسانِ... فالمُقارَنةُ ليَستْ سهلةً مباشِرةً خَالِيةً من التَّلاعُبِ والافتراضاتِ، كما تُوهمُكَ دِعايَةُ الخُرافةِ. مؤكد أن إذا واجهتَ أتباعَ الخُرافةِ بشَيءٍ مِن هذا، الَّذي بيَّنَّا فُكاهَته في الَحلقةِ الماضيةِ، وقلتَ لهُم: كيفَ أعطَيتُم أنفُسكمُ الحقَّ أنْ تَفترضوا صِحَّةَ الخُرافةِ وتَخرُجوا بنِسبٍ ثمَّ تَبنوا عليها صِحَّةَ الخُرافةِ؟ يَأتيكَ الجوابُ المُعتادُ: لأنَّ التَّشابهَ في المادَّةِ الوراثيَّةِ ليسَ الدَّليلَ الوحيدَ؛ بلْ لَدينا أدِّلةٌ كثيرةٌ... من طُرقٍ عَديدةٍ... كالحفرِيَّاتِ وغيرِها وغيرِها... تعالَ معَهم إلَى الحَفرِيَّاتِ... لماذا فسَّرتُم هذهِ الحفريَّةَ بناءً على صِحَّةِ التَّطوُّرِ؟ أليسَ هذا شكلًا مِن أشكالِ الاستدلالِ الدَّائريِّ؟ فيقولونَ لكَ: لا، بلْ لدَينا دليلٌ مِن تشابُهِ المادَّةِ الوراثيَّةِ لِلإنسانِ والشَّمبانزي بنسبةِ 98.8%. خرافةٌ ليسَ لها رأسٌ من ذيلٍ! أنيسٌ: ألا يُسمَّى هذا استِدْلالًا دائِريًّا؟ الأُستاذُ: استدلالٌ ماذا يا حبِيبِي؟! أنيسٌ: استدلالٌ دائِريٌّ. أصلاً، ليست وحدَها نسبةُ الـ98.8% ما أثبتَ لي أنَّكَ غششْتَ، لديَّ أدلَّةٌ أُخْرَى أنيسٌ: ما الأدلَّةُ يا أستاذُ؟ الأُستاذُ: أدلَّةٌ كثيرةٌ؛ فِيتَامينُ النَّجاحِ الموجودُ في طماطمِ هولَنْدَا الَّذي هُو سَبَبَ تفوُّقِهِمْ، الدّوّاسةُ الَّتي لَا وظيفةَ لها فِي السَّيَّارَةِ، كيف تحوَّلَ الزَّاحِفُ إلى طائِرٍ، و رِيَاضٌ الَّذِي سَرَقَ المِليونَ، وشَكلُ تقريرِكَ الخارجِيُّ يشبهُ شكلَ تقريرِ شمشُونَ، أنا أصلًا وضعتُ اسْمًا لِحقيقةِ غِشِّكَ نظريَّةُ الشَّمْشَنَةِ "Shamshonese Theory" وانتَهَى الموضُوع... وأنا الآن في طور جمع المزيد من الدَّلائل على هذه الحقيقة. حسنًا، سُؤالٌ آخرُ.. ما دامَ الموضوعُ عِندكُم بالنِّسَبِ المُثيرةِ دونَ النَّظرِ في التَّفاصيلِ، فهل الشَّمبانزي فَقط هوَ الَّذي يُمكنُ أنْ نرى لهُ نِسبةَ تشابُهٍ مثلَ -99%- معَ الإنسانِ حَسبَ طريقتِكم يا أتباعَ الخرافةِ؟ لا، فَحسْبَ بحثٍ في مجلَّةِ (نيتشر) التَّطوُّريَّةِ المعروفةِ، %99 مِن جيناتِ أحدِ أنواعِ الفئرانِ لها شبيهاتٌ في الإنسانِ، وهوَ رقمٌ مختلفٌ في المعنى عنِ الأرقامِ السَّابقةِ، لكنَّهُ أيضًا يَصلُحُ لإبهارِ السَّطحيِّينَ. فلماذا لا تُروِّجونَ لهذا الرَّقمِ أيضًا كدليلٍ على التَّطوُّرِ؟ هل لأنَّ إقناعَ النَّاسِ بوجودِ أصولٍ مُشترَكةٍ قريبةٍ زمنيًّا مِن الفئرانِ أصعبُ مِن إقناعهِم بأصولٍ مُشترَكةٍ مَع الشَّمبانزي؟ هلْ لأنَّ هذا يَكشِفُ سخافةَ المقارنةِ بهذهِ الطَّريقةُِ؟ هلْ لأنَّهُ يُبيِّنُ أنَّ شجراتِكُم التَّطوُّريَّةَ عديمةُ القيمةِ؟ شجراتِكم المبنِيَّةِ على التَّشابهِ الشَّكليِّ والبُنيَويِّ والتَّشابُهِ الجينيِّ الَّذي نُبيِّنُ فكاهته في هذهِ الحلقةِ. هل لِأنَّهُ يُمثِّل قصَّةً بائسةً أُخرى من قِصصِ الأرقامِ المُتباينةِ بشكلٍ مُضحكٍ؟ مع اختلافِ طريقةِ المُقارَنةِ، والتَّشطيباتِ، والقَصْقَصاتِ، فترى نسبةً في ورقةِ (نيتشر): 99%، في حين تجد في مَوقعِ المؤسَّسةِ القوميَّةِ الأمريكيَّةِ للصِّحَّةِ "NIH"، نسبةَ التَّشابُهِ في المناطقِ الَّتي تتِمُّ ترجمتُها إلى بروتيناتٍ هيَ 85%، في حين أن -في الغالبيَّةِ العُظمى مِن المادَّةِ الوراثيَّةِ- نسبةَ التَّشابُهِ أقلُّ مِن 50%. ومع هذا كلِّهِ يَعرِضُ التَّطوُّريُّونَ مثلَ هذهِ الصُّورةِ: تشابُهٌ بنسبةِ 92% بينَ الإنسانِ والفأرِ، لإقناعِكَ بالتَّدرُّجيَّةِ أنَّ العشوائيَّةَ والانتخابَ الأعمى عبِثا عبرَ ملايِينِ السِّنينِ بِحيثُ كلَّما زادَ التَّشابُهُ الجينيُّ، زادَ الشَّبهُ بالإنسانِ، ويَخرجُ عليكَ مَتحفُ التَّاريخِ الطَّبيعيِّ في لندن بالتَّعاوُنِ مع مَطبعةِ جامعةِ شيكاغو في أمِرِيكا بهذا الكتابِ: "99%Ape; How Evolution Adds Up" قردٌ بنسبةِ 99%؛ هكذا يتدرَّجُ التَّطوُّرُ: فصلٌ آخرُ مِن فُصولِ العلمِ المُفصَّلِ حسبَ الطَّلبِ. فهُناكَ نسبةُ تشابُهٍ مَا معَ الفئرانِ 99%، وهناك 92%، وهناك 85% في أجزاءٍ، وأقلُّ مِن 50% في أجزاءٍ، وهناكَ نسبةُ تشابُهٍ معَ الشَّمبانزي 99%، وهناكَ 96%، وهناكَ 95%، وهناكَ 77%، وهناكَ 70%... خُذوا يا صُنَّاعَ دِعايَةِ الخُرافةِ ما يُعجِبُكم، تغافَلُوا عنْ مَا لا يُعجِبُكم، ثمَّ اخْرُجُوا على النَّاسِ باستنتاجِ صِحَّةِ التَّطوُّرِ وبرَسْماتِ شجراتِ التَّطوُّرِ، وهكذا، فليكُنْ تطويعُ العلمِ لخِدمةِ العقيدةِ الدَّاروينيَّةِ. هذهِ هيَ قصَّةُ الـ99%. بعدَ أنْ فهمتَها أخي، اِبتسمْ وأنتَ تقرأُ في مجلَّاتِ الأخبارِ العلميَّةِ مثلَ (ساينتيفيك أمريكان) "Scientific American" -الَّتي تُثقِّفُ عامَّةَ النَّاسِ- أنَّنا نتقاسمُ 99% من مادَّتِنا الوراثيَّةِ معَ الشَّمبانزي، وابتسمْ عندَما تَرى الدُّكتور ريتشارد دوكينز "Richard Dawkins" يقولُ: تقريبًا كل المحتوى الجيني الخاص بالبشر والشمبانزي متطابق ابتسمْ وأنتَ تراهُ يُخاطبُ متابعيهِ كالأطفالِ مُوهِمًا إيَّاهم أنَّ المسألةَ بسهولة طَفرةٌ عشوائيَّةٌ حَدثتْ بالغلطِ -في يومٍ من الأيَّامِ- هُنا وطفرةٌ هناكَ، فأنتَجتْ لنا الإنسانَ وفصلَتهُ عنِ الشَّمبانزي، تابع في المقارنة... جميعها متطابقة ولا يوجد أي اختلاف بين التسلسلين هنا نجد اختلافا آخر القاعدة A في مقابل G تابع في المقارنة، لا توجد أية اختلافات أخرى في هذا الصف ثمَّ اضَحكْ مِلْءَ الفَمِ وأنتَ تَسمعُ عرَّابي الخُرافةِ يقولونَ: الوراثةُ الجُزيئيَّةُ وعِلمُ الجيناتِ حسمتا الملفَّ وأكَّدَتِ التَّطوُّرَ، وانتهتِ القضيَّةُ. أنيسٌ: يا حضرةَ العمِيدِ، أنْتَ لَا ترْضَى بالظُّلْمِ! الأستاذُ: يا حضرةَ العميدِ لقد أثبتُّ أنَّ أنِيسًا قد غشَّ بنسبةِ 99%! العميد : 99%؟! كيفَ؟ اشرحْلِي يا أخي رضِيَ اللهُ عنكَ .. الأستاذُ: تقاريرُهُ وتقاريرُ شمشونَ مُتشابهةٌ بنسبةِ 99%. العميدُ: أنيسٌ اسْمُكَ؟ أنيس: أنيس العميدُ: اُخرُجْ... هيَّا بسُرْعَةٍ! اُغْرُبْ عن وجْهِي! تعالَ يا أستاذُ، هلُمَّ نتكلَّمْ قليلاً الدكتور: حاضر (صوتٌ برأسِ أنيسٍ): أنيسُ، سمِعتُ أنَّك غششْتَ، من شمشونَ بنِسبةِ 99%، يا للْعارِ لا لا ... 99%؟! 99؟ ... 99% هه ... 99% 99% ؟ 99% ... يا للعار ... يا للعار [فضائح الجامعات: طالب يغش من زميلة بنسبة 98.8%] [آكشن دت كم: القبض على طالب متلبسا بالغش من زميله بنسبة 99%] [أخبار نص كم: نسبة غش أنيس من شمشون تقترب من 99.12% (خوف الحلال والحرام) وهي مؤهلة لأن تصبح 99.9999% في القريب العاجل .. ترقبوا] عدنان إبراهيم: 99% من جينومِ الشَّمبانزي يُطابقُ جينومَ الإنسانِ! حواليْ 99%! شيءٌ عجيبٌ! هذا -بلا شكٍّ- آلمَ الإنسانَ ألمًا كبيرًا. نضال قسُّوم: وجدنا أنَّها حقًّا مُتطابقةٌ بنِسْبَةٍ تصِلُُ... أي تَزيدُ -بالنِّسبةِ على الأقلِّ للرَّئيساتِ الـ"Primates" هذهِ- تزيدُ عن 94-95%، بعضُها يصلُ إلى 99% تطابُقًا! إذن -أيُّها الأحبَّةُ- ناقشْنا في هذهِ الحلقةِ مُغالطةَ الاستدلالِ الدَّائريِّ الَّذي يَستخدمُهُ التَّطوُّريُّونَ كثيرًا على مُستوى المادَّةِ الوراثيَّةِ، وفي غيرِها، ورأينا معًا ما يَحصُلُ في مَطبخِ الخُرافةِ، يُشطَبُ جُزءٍ كبيرٍ مِن المادَّةِ الوراثيَّةِ، ثمَّ استخدامُ برمجيَّاتٍ تفترضُ صِحَّةَ التَّطوُّرِ، ثمَّ تفسيرُ نتائِجها على أساسِ التَّطوُّرِ، ثمَّ انتقاءُ رقمٍ يُمثِّلُ أحَدَ أنواعِ الفُروقاتِ لصناعةِ الرَّقمِ المُثيرِ، مع التَّغافُلِ عنْ أرقامٍ أكبرَ تُمثِّلُ فُروقاتٍ أُخرى، ثمَّ التَّغافُلِ عنْ دراساتٍ أُخرى تَخرجُ بأرقامٍ مختلفةٍ تمامًا عنِ الأرقامِ المُرادةِ، ثمَّ عمَلُ العمليَّاتِ ذاتِها مع كائناتٍ أُخرى كالفأرِ، ثمَّ انتقاءُ أرقامٍ تناسبُ التَّدرُّجيَّةَ المزعومةَ، ثمَّ ادِّعاءُ أنَّ هذهِ الأرقامَ تدُلُّ على الأصلِ المُشترَكِ. ثمانِ خُطُواتٍ؛ ﴿ظُلُماتٌ بعضُها فوقَ بعضٍ﴾ [قرآن 24: 40] لكنْ تبقى الخُطوةُ التَّاسعةُ والأهمُّ قد تظنُّ -أخي- أنِّي في هذهِ الحلقةِ حريصٌ على أنْ يكونَ التَّشابُهُ بينَ جينومِ الإنسانِ والشَّمبانزي أقلَّ ما يُمكِنُ، وهذا ليسَ صحيحًا. كلُّ ما أردتُ تِبْيانهُ هوَ أنَّنَا نتعاملُ مع كذَّابينَ، وأنَّ هذا الرَّقمَ -99%- دِعايَةٌ إعلاميَّةٌ يُردِّدها بعضٌ عن جهلٍ أو كذِبًا. بعدَ ذلكَ، لا فرقَ عِندنا أبدًا بينَ أنْ تكونَ نسبةُ التَّشابهِ في المادَّةِ الوراثيَّةِ 70%، أو 99%، أو 99.9%، أو 100%، فالتَّشابُهُ مُفسَّرٌ مُتوقَّعٌ، ومَهما كانتْ نسبتُهُ كبيرةً، فَلا تُؤثِّرُ أبدًا على مُلاحظةِ عظَمةِ اللهِ في خَلقهِ، بلْ كلَّما رأَينا التَّشابهَ بقَدَرٍ والاختلافَ بقَدَرٍ، ازدَدْنا إجلالًا وتسبيحًا وخُضوعًا لِمَن قالَ: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ [القرآن 49:54] كيفَ؟ سنرى ذلك في الحلقةِ القادِمةِ، لِنرى فصلًا مِن عَظَمةِ الخَلْقِ، ومعهُ فصلًا مِن فُكاهَةِ التَّطوُّريِّينَ، لا في فَبركةِ الأرقامِ فحَسب، بلْ وفي تفسيرِ الأرقامِ كذلكَ، وهيَ خُطوتُهُمُ التَّاسعةُ في صِناعةِ الخرافةِ، فتَابِعُوا مَعنا، والسَّلامُ عليكُم.