عن حلقه ومثله استعمال المعجون. فان له قوة في النفاذ للحلق. قد لا يتمكن المرء من التحكم فيه. فالاحوط اجتنابه فيما تقدم من حديث لقيط ابن صبرة وبالغ في الاستنشاق الا ان تكون صائما الحمدلله الذي علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم. اما بعد معشر المستمعين والمستمعات بينا في حلقة امس مفسدات الصوم من المفطرات وهي سبعة امور الجماع وانزال المني عمدا بشهوة والاكل والشرب وما كان بمعناهما من الابر المغذية والحيض والنفاس والحجامة والقيء وهذان الاخيران من مفردات مذهب الامام احمد فالواجب على المؤمن رعاية حدود الله وعدم تعديها فان من افطر يوما بغير عذر لم يجزئه القضاء ولو صام الدهر كله وليس له الا التوبة النصوح وينبغي ان يعلم انه لا يقع الفطر بما تقدم الا بتوفر ثلاثة شروط. الشرط الاول ان يكون عالمة فان كان جاهلا لم يفطر لقوله تعالى في سورة البقرة ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا او اخطأنا فقال الله قد فعلت ولقوله تعالى وليس عليكم جناح فيما اخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما وسواء كان جاهلا بالحكم الشرعي مثل ان يظن ان هذا الشيء غير مفطر فيفعله او جاهلا بالحال اي بالوقت مثل ان يظن ان الفجر لم يطلع فيأكل وهو طالع او يظن ان الشمس قد غربت فيأكل وهي لم تغرب لا يفطر في ذلك كله لما في الصحيحين عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال لما نزلت هذه الاية حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود اسود عمدت الى عقالين احدهما اسود والاخر ابيض. فجعلتهما تحت وسادتي وجعلت انظر اليهما فلما تبين لي الابيض من الاسود امسكت فلما اصبحت غدوت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخبرته بالذي صنعت. فقال النبي صلى الله عليه وسلم ان وسادك اذا لعريض ان كان الخيط الابيض والاسود وسادك انما ذلك بياض النهار وسواد الليل فقد اكل عدي بعد طلوع الفجر ولم يمسك حتى تبين له الخيطان ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء لانه كان جاهلا بالحكم وفي صحيح البخاري من حديث اسماء بنت ابي بكر رضي الله عنهما قالت افطرنا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غيم. ثم طلعت الشمس ولم تذكر ان النبي صلى الله عليه وسلم امرهم بالقضاء لانهم كانوا جاهلين بالوقت ولو امرهم بالقضاء لنقل لانه مما تتوفر الدواعي على نقله لاهميته ومثل ذلك لو اكل بعد طلوع الفجر يظن ان الفجر لم يطلع فتبين له بعد ذلك انه قد طلع. فصيامه صحيح. ولا قضاء عليه لانه كان جاهلا بالوقت. وقد اباح الله له الاكل والشرب والجماع حتى يتبين له الفجر والمباح المأذون فيه لا يؤمر فاعله بالقضاء لكن متى تبين له وهو يأكل او يشرب ان الشمس لم تغرب او ان الفجر قد طلع امسك ولفظ ما في فمه ان كان فيه شيء لزوال عذره حينئذ الشرط الثاني ان يكون ذاكرا ان كان ناسيا فصيامه صحيح. ولا قضاء عليه لما سبق في اية البقرة. ولما رواه ابو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال من نسي وهو صائم فاكل او شرب فليتم صومه فانما اطعمه الله وسقاه متفق عليه وهذا لفظ مسلم فامر النبي صلى الله عليه وسلم باتمامه دليل على صحته. ونسبة اطعام الناس وسقيه الى الله دليل على عدم في المؤاخذة عليه لكن متى ذكر او ذكر امسك ولفظ ما في فمه ان كان فيه شيء لزوال عذره حينئذ ويجب على من رأى صائما يأكل او يشرب ان ينبهه. لقوله تعالى وتعاونوا على البر والتقوى الشرط الثالث ان يكون مختارا. اي متناولا للمفطر باختياره وارادته فان كان مكرها فصيامه صحيح. ولا قضاء عليه. لان الله سبحانه رفع الحكم عمن كفر مكرها وقلبه مطمئن بالايمان فقد قال تعالى من كفر بالله من بعد ايمانه الا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان ولكن منشرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم فاذا رفع الله حكم الكفر عن من اكره عليه فما دونه اولى ولقوله صلى الله عليه وسلم ان الله تجاوز عن امتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه رواه ابن ماجة والبيهقي حسنه النووي فلو اكره الرجل زوجته مثلا على الوطء وهي صائمة صيامها صحيح ولا قضاء عليها ولا يحل له اكراهها على الوطء وهي صائمة الا ان صامت تطوعا بغير اذنه وهو ولو طار الى جوف الصائم غبار او دخل فيه شيء بغير اختياره او تمضمض او استنشق فنزل الى جوفه شيء من من الماء بغير اختياره فصيامه صحيح ولا قضاء عليه. وهناك امور تعرض لبعض الصائمين ويحصل الالتباس لديهم في الحكم الفطر بها فمنها استعمال بخاخ الربو في مرضى الجهاز التنفسي بقص توسيع الشعب الهوائية. فان ذلك لا يفطر الصائم لانه عبارة عن هواء مضغوط الى درجة السيولة سرعان ما يتطاير بمجرد خروجه فيعود الى حالته الغازية. بخلاف ما كان له جرم من الادوية التي تستحيل الى ما يشبه المسحوق البودرة. فانها تفطر. ولذلك كان التدخين في نهار رمضان مفطرا. لكون دخان اعني التبغ له جرم يعلق باغشية الحنجرة والقصبة الهوائية وشعب الرئتين. وبناء عليه انه لا يحل للصائم ان يجذب دخان البخور بنفسه اذ لا فرق حينئذ بينه وبين الدخان. بخلاف شم الروائح المختلفة من بعد فانها لا تفسد صومه الثاني ذوق الطعام والشراب لمعرفة حلاوته او ملوحته فان ذلك لا يفسد الصوم شرط ان تلفظه فور حصول المقصود ولهذا جازت المضمضة للصائم لكونها لا تتجاوز الفم ولا تنفذ للحلق. فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال هششت يوما فقبلت وانا صائم فاتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت صنعت اليوم امرا عظيما. تقبلت وانا صائم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ارأيت لو تمضمضت بماء وانت صائم؟ قلت لا بأس بذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ففيما رواه احمد وابو داوود باسناد صحيح. الامر الثالث الاكتحال استعمال قطرة العين والاذن. فلا حرج في ذلك ولا دليل صحيح على الفطر بالكحل. فان الحديث المروي في ذلك ضعيف. لا به حجة حتى لو بلغ الطعم حلقه ونزل الى جوفه لان العين والاذن ليستا منفذا للطعام والشراب بخلاف الانف فانه منفذ معتبر في حديث لقيط بن صابرة مرفوعا وبالغ في الاستنشاق الا ان تكون صائما. رواه الخمسة وصححه الترمذي لكن ان بلغت مرارة الكحل او قطرة العين او الانف فمه لزمه ان يلفظه ولا حرج فيما تحضر الى جوفه دون ارادة. الامر الرابع ابتلاع الريق او البلغم. فالصحيح انه لا كراهة في ذلك ولا تحريم. لانه شيء ناشئ في داخله غير وارد من خارجه. الا ان ابتلاع النخامة اي البلغم حرام على الصائم والمفطر لكونها مادة مستقذرة وفعلا مستهجنا ولا تخلو من ضرر صحي. لكن الحكم بالفطر مقام اخر فالصحيح عدم الفطر بها. الامر الخامس السواك فالاستياك مشروع كل حين. للصائم وغير الصائم اول النهار واخره دون تفصيل او تقييد. واما الحديث المروي استاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي. فهو ضعيف لا تقوم به حجة والتعليل بكونه يذهب خلوف فم الصائم عليل لان الخلوف يصدر من الجوف لا من الفم ما بقي السواك على اصل المشروعية لكن ان كان السواك جديدا فينبغي التحرز منه. لكونه يتحلل منه اجزاء وطعون لا يتمكن الصائم من حبس الامر السادس الامداء وهو خروج سائل رقيق عند الاثارة الجنسية وتذكر الجماع. لا يشعر به صاحبه. بخلاف المني فانه يخرج دفقا بلذة ويفسد الصوم كما تقدم. فالصحيح عدم الفطر بالمذي. وهذا قول جمهور الائمة والمذاهب الاربعة والامر السابع الابر الدوائية والحقن الشرجية التي تكون لخفض الحرارة او التداوي. فالصحيح عدم تطري بها لعدم الدليل على ذلك. وكذلك ما كان عن طريق الذكر او المهبل. تقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام واعاننا واياكم على ذكره وشكره وحسن عباده