معشر الصائمين والصائمات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وطيب الله اوقاتكم بالمسرات ومن علينا وعليكم بالقبول وجزيل الهبات تقدم ايها الكرام ذكر جملة من القواعد العلمية التي تمثل اساسا لقدح زناد الفكر واذكاء جدوة العقل. وفتح اقفال القلب لتحصيل التدبر الذي يورث الانتفاع بالقرآن العظيم والى جانب تلكم القواعد العلمية المنشأة هناك قواعد عملية مساعدة. تعين العقل على القيام بوظيفته وتستجيش القلب لتفجير ينابيع الحكمة من الذكر الحكيم. فمن ذلك الترتيل والتغني وهما وصفان يتعلقان بالاداء يؤثران في التالي والسامع. قال البغوي رحمه الله ترتيل القرآن الان التأني والتمهل وتبيين الحروف والحركات انتهى من شرح السنة وقد وصف ذلك انس رضي الله عنه لما سئل عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقال كان يمد مدا ثم قرأ بسم بسم الله الرحمن الرحيم. يمد بسم الله ويمد بالرحمن ويمد بالرحيم. رواه البخاري. وكذا صنعت ام سلمة رضي الله وعنها لما نعتت قراءته صلى الله عليه وسلم فاذا هي تنعت قراءة مفسرة حرفا حرفا. رواه ثلاثة وهذا اللون من الاداء يتيح للعقل ان يستحضر المعاني. وللقلب ان يستدعي المشاعر دون ازدحام او تداخل كمن يشرب الماء بانفاس فيهنأ به بخلاف من يعبه عبا بنفس واحد كشرب البعير واما التغني فوصف تحسيني تكميلي يراد به تحسين الصوت بالقرآن وفي المتفق عليه ليس منا من لم يتغنى بالقرآن. قال القرطبي رحمه الله اي ليس منا من لم يحسن صوته بالقرآن وحكى رحمه الله خلاف السلف في مسألة التطريب قال ابن القيم رحمه الله وفصل النزاع ان يقال التطريب والتغني على وجهين احدهما ما اقتضته الطبيعة. وسمحت به من غير تكلف ولا تمرين ولا تعليم بل اذا خلي وطبعه واسترسلت طبيعته جاءت بذلك التطريب والتلحين فذلك جائز وان اعان طبيعته بفضل تزيين وتحسين كما قال ابو موسى للنبي صلى الله عليه وسلم لو علمت انك تسمع لحضرته لك تحبيرا فهذا هو الذي كان السلف يفعلونه ويستمعونه. وهو التغني الممدوح المحمود. وهو الذي يتأثر به التالي والسامع الوجه الثاني ما كان من ذلك صناعة من الصنائع. وليست الطبع السماحة به. بل لا يحصل الا بتكلف تصنع وتمرن كما يتعلم اصوات الغناء بانواع الالحان البسيطة والمركبة على ايقاعات مخصوصة واوزان مخترعة لا الا بالتعلم والتكلف فهذه هي التي كرهها السلف وعابوها وذموها ومنعوا القراءة بها وانكروا على من قرأ بها انتهى كلامه رحمه الله من زاد المعاد ولا ريب ان التغني المحمود مدعاة لتيقظ العقل وحضور القلب ونشاطهما وتنعمهما مما يوجب تأثرا ويثمر تدبرا الوسيلة العملية الثانية الوقوف والتكرار وهما وصفان زائدان على مجرد التلاوة والاداء يقصد بهما اعطاء النفس قدرا اكبر وزمنا اطول وذوقا للتدبر سيتخلل ذلك ادامة فكر او لهج بذكر قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة افتتح البقرة فقرأها ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح ال عمران فقرأها يقرأ مترسلا اذا مر باية فيها تسبيح سبح واذا مر بسؤال سأل واذا مر بتعوذ تعود ثم ركع رواه مسلم وعن عوف بن مالك رضي الله عنه نحوه عند ابي داود ان هذا التوقف والتقطيع يعزز التأمل وينتج المناجاة. فكأن العبد في محاورة مع ربه ومراجعة في الكلام تملقه ويتضرع اليه ويعمر قلبه بمعاني العبودية وقد لا تطيب نفس المؤمن من قراءة الاية مرة واحدة. ولا يحس بالشبع والامتلاء منها حتى يكررها. ويبالغ في تفوقها عن ابي ذر رضي الله عنه قال قام النبي صلى الله عليه وسلم باية حتى اصبح يرددها ان تعذبهم فانهم وان تغفر لهم فانك انت العزيز الحكيم رواه احمد وابن ماجة واسناده صحيح وجرى نحو ذلك لعدد من الصحابة كتميم الداري وابن مسعود وام سلمة وغيرهم رضي الله عنهم ولجمع من التابعين كسعيد ابن جبير والضحاك وغيرهم عن ابن مسعود رضي الله عنه انه قال لا تنثروه نثر الرمل ولا تهذوه هد الشعر قفوا عند عجائبه وحركوا به قلوب ولا يكن هم احدكم اخر السورة رواه البغوي الوسيلة العملية الثالثة الخلوة لقطع الشواغل والمؤثرات الخارجية فان ذلك يصفي الذهن ويجمع الهم لكن العزلة المطلقة ضرب من الرهبنة المذمومة تفوت بها مصالح شخصية كثيرة وتهدر بها مقاصد شرعية عامة ذلك كان المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على اذاهم افضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على كما رواه احمد والترمذي وابن ماجه وصححه الالباني وجمعا بين المصالح ينبغي للمؤمن اللبيب ان يفرغ شيئا من يومه او ليلته للنظر والتفكر والتأمل وهذا يتحقق في هذا الشهر العظيم اعظم تحقق بقيام شهر رمضان في صلاة التراويح وصلاة القيام واعظم ما اجال فيه العبد النظر كتاب الله فانه يفتح عليه في اوقات الصفاء والفراغ من الشواغل ما لا يفتح عليه في حالات الحركة والضجيج جاء في حديث بدء الوحي ثم حبب اليه الخلاء وكان يخلو بغار حرا فيتحنث فيه. وهو التعبد الليالي ذوات العدد قبل ان ينزع الى اهله. ويتزود لذلك ثم يرجع الى خديجة فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو في غار حراء. رواه البخاري ومن عجيب ما يساق في فضل الخلوة في القرآن ما قاله شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله حين سجن في قلعة دمشق قد فتح الله علي في هذا الحصن في هذه المرة من معاني القرآن ومن اصول العلم باشياء كان كثير من العلماء يتمنونها وندمت على تضييع اكثر اوقاتي في غير معاني القرآن الوسيلة الرابعة القيام به ناشئة الليل. قال تعالى ان ناشئة الليل هي اشد وطئا واقوم قيلا قال ابن كثير رحمه الله والمقصود ان قيام الليل هو اشد مواطأة بين القلب واللسان. واجمعوا على التلاوة ولهذا قال هي اشد وطئا واقوم قيلا اي اجمع للخاطر في اداء القراءة وتفهمها من قيام النهار. لانه وقت انتشار الناس ولغط واوقات المعاش لم يزل التهجد معشر الصائمين والصائمات شعار الصالحين الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون وفي تلك المناسبة الحبيبة الى قلوبهم وقد صفوا اقدامهم في محاريبهم وصوبوا ابصارهم الى مواضع سجودهم قاموا مقام العبودية يفيض الله عليهم من فتوحاته والهاماته ما لم يكن لهم بحسبان وما لم يخطر من قبل بالادب على ما احوجنا الى القرآن العظيم في هذه الليالي الملاح لنتدبره ونتعظ به ونستشفي به منه الهدى والرشاد في امورنا الخاصة وهمومنا العامة ان هذا القرآن يهدي للتي هي اقوم والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات