معشر المستمعين والمستمعات من الصائمين والصائمات. القائمين والقائمات اهلا وسهلا بكم في حلقة جديدة وروضة من رياض العلم والايمان نستطلع فيها احكام شعيرة عظيمة بها العشر الاخير من شهر رمضان الا وهي الاعتكاف وكان قد مضى ذكر حال النبي صلى الله عليه وسلم في العشر وحرصه على اقامة هذه السنة والمقصود ها هنا ذكر بعض احكامها وادابها الاعتكاف هو انقطاع الانسان عن الناس ليتفرغ لطاعة الله في مسجد من مساجده طلبا لفضله وثوابه وادراك ليلة القدر ولذلك ينبغي للمعتكف ان يشتغل بالذكر والقراءة والصلاة والعبادة وان يتجنب ما لا يعنيه من حديث الدنيا قال ابن القيم رحمه الله لما كان صلاح القلب واستقامته على طريق سيره الى الله تعالى متوقفا على جمعيته على الله ولم شعثه باقباله بالكلية على الله تعالى فان شعث القلب لا يلمه الا الاقبال على الله تعالى وكان فضول الطعام والشراب وفضول مخالطة وفضول الكلام وفضول المنام مما يزيده شعثا ويشتته في كل واد. ويقطعه عن سيره الى الله تعالى او يضعفه او يعوقه ويوقفه. اقتضت رحمة العزيز الرحيم بعباده ان شرع لهم من الصوم ما يذهب فضول الطعام والشراب ويستفرغ من القلب اخلاط الشهوات المعوقة له عن سيره الى الله تعالى شرع لهم الاعتكاف الذي مقصوده وروحه عكوف القلب على الله تعالى وجمعيته عليه والخلوة به والانقطاع عن الاشتغال بالخلق والاشتغال به وحده سبحانه. بحيث يصير ذكره وحبه والاقبال بدلها ويصير الهم كله به والخطرات كلها بذكره والتفكر في تحصيل مراضيه وما يقرب منه فيصير انسه بالله عن انسه بالخلق سيعده بذلك لانسه به يوم الوحشة في القبور. حيث لا انيس له ولا ما يفرح به سواه. فهذا سود الاعتكاف الاعظم انتهى كلامه رحمه الله. ولا بأس ان يتحدث قليلا بحديث مباح مع اهله او غيرهم لمصلحة. لحديث صفية ام المؤمنين رضي الله عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم معتكفا. فاتيته ازوره ليلا فحدثته ثم قمت لانقلب. اي لانصرف الى بيتي فقام النبي صلى الله عليه وسلم معي الحديث متفق عليه ويحرم على المعتكف الجماع ومقدماته من التقبيل واللمس لشهوة لقوله تعالى ولا تباشروهن وانتم مع كيفون في المساجد واما خروجه من المسجد فان كان ببعض بدنه فلا بأس لحديث عائشة رضي الله عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج رأسه من المسجد وهو معتكف فاغسله وانا حائض رواه البخاري. وفي رواية كانت ترجل رأس النبي صلى الله عليه وسلم وهي حائض وهو معتكف في مسجد وهي في حجرتها يناولها رأسه وان كان خروجه بجميع بدنه فهو ثلاثة اقسام القسم الاول الخروج لامر لابد منه طبعا او شرعا كقضاء حاجة البول والغائط والوضوء الواجب والغسل الواجب لجنابة او غيرها والاكل والشرب وحضور الجمعة فهذا جائز. اذا لم يمكن فعله في المسجد فان امكن فعله في المسجد فلا مثل ان يكون في المسجد حمام يمكنه ان يقضي حاجته فيه. وان يغتسل فيه او يكون له من يأتيه بالاكل والشرب. فلا يخرج حينئذ لعدم الحاجة اليه ويجوز اذا خرج ان يسأل عن المريض وغيره في طريقه ولا يعرج عليه ولا يقف فيما روت عائشة رضي الله عنها قالت ان كنت لادخل البيت للحاجة والمريض فيه فما اسأل عنه الا وانا مارة. متفق عليه القسم الثاني الخروج لامر طاعة لا تجب عليه. كعيادة مريض وشهود جنازة ونحو ذلك فلا يفعله الا ان يشترط ذلك في ابتداء اعتكافه مثل ان يكون عنده مريض يحب ان يعود او يخشى من موته فيشترط في ابتداء اعتكافه خروجه لذلك فلا بأس به القسم الثالث الخروج لامر ينافي الاعتكاف كالخروج للبيع والشراء وجماع اهله. ومباشرتهم ونحو ذلك فلا يفعله لا بشرط ولا بغير شرط لانه يناقض الاعتكاف وينافي المقصود منه فعل المعتكف ان يصون اعتكافه عما ينافيه او ينقص اجره والاعتكاف مستحب وليس بواجب وهو مشروع للرجال والنساء لكن ليس للمرأة ان تعتكف الا باذن زوجها وشرط امن الفتنة. لان ازواج النبي صلى الله عليه وسلم كن يعتكفن باذنه والاعتكاف عبادة لا تصح الا بنية. لحديث انما الاعمال بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى. متفق عليه ولا يصح في المسجد لقوله تعالى وانتم عاكفون في المساجد ولا يصح من رجل الا في مسجد تقام فيه الجماعة. لانها واجبة عليه فلا يجوز تركها لفعل مسنون ولا كثرة اوجلها مع امكان التحرز منه الاعتكاف في جامع افضل لئلا يحتاج للخروج اليه اذا وافق الجمعة ومن اراد اعتكاف العشر الاواخر دخل معتكفة قبيل غروب الشمس من يوم عشرين وخرج بعد غروب الشمس ليلة العيد ليستوعب جميع العشر ولا يشفع له ان يبيت ليلة العيد في معتكفه. ولا ان يخرج الى مصلى العيد في ثياب اعتكافه فانه لا دليل عليه الظاهر هدي النبي صلى الله عليه وسلم على خلافه ونختم بما وصف ابن القيم رحمه الله به هديه صلى الله عليه وسلم في اعتكافه. حيث قال كان صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الاوائل اخرة من رمضان حتى توفاه الله عز وجل وتركه مرة فقضاه في شوال واعتكف مرة في العشر الاول ثم الاوسط ثم العشر الاخير يلتمس ليلة القدر ثم تبين له انها في العشر الاخير فداوم على اعتكافه حتى لحق بربه عز وجل وكان يأمر بخباء فيضرب له في المسجد يخلو فيه بربه عز وجل. وكان اذا اراد الاعتكاف صلى الفجر ثم دخله فامر به مرة فضرب فامر ازواجه باخبيتهن فضربت فلما صلى الفجر نظر فرأى تلك فامر بخبائه فقوض وترك الاعتكاف في شهر رمضان حتى اعتكف في العشر الاول من شوال وكان يعتكف كل سنة عشرة ايام فلما كان في العام الذي توفي فيه اعتكف عشرين وكان جبريل يعارضه القرآن في كل عام مرة فعارضه في العام الذي توفي فيه مرتين وكان يعرض عليه القرآن ايضا في كل سنة مرة فعرض عليه تلك السنة مرتين وكان اذا اعتكف دخل قبته وحده وكان لا يدخل بيته في حال اعتكافه الا لحاجة الانسان وكان يخرج رأسه من المسجد الى بيت عائشة فترجله وتغسله وهو في المسجد وهي حائض. وكانت بعض ازواج تزوره وهو معتكف. فاذا قامت تذهب قام معها يقلبها. وكان ذلك ليلا ولم يباشر امرأة من نسائه وهو معتكف لا بقبلة ولا غيرها. وكان اذا اعتكف طرح له فراشه ووضع له وسريره في معتكفه وكان اذا خرج لحاجته مر بالمريض وهو على طريقه فلا يعرج عليه ولا يسأل عنه واعتكف مرة في قبة تركية. وجعل على سدتها حصيرا. كل ذلك تحصيلا لمقصود الاعتكاف وروحه عكس كما يفعله الجهال من اتخاذ المعتكف موضع عشرة ومجلبة للزائرين واخذهم باطراف الاحاديث بينهم فهذا لون والاعتكاف النبوي لون. والله الموفق والحمد لله رب العالمين