معشر الصائمين والصائمات من المستمعين والمستمعات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اما بعد فان الله تعالى خلق الخلق لعبادته كما قال سبحانه وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون بل خلق الكون لتحقيق هذه الغاية الشريفة كاحسن ما تكون. فقال سبحانه هو الذي خلق السماوات والارض في ستة ايام وكان عرشه على الماء ليبلوكم ايكم احسن عملا ولئن قلت انكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا ان هذا الا سحر مبين فحكمة الخلق العبادة ومدار الابتلاء على حسنها وكمالها وتمامها والله تعالى ندبنا لحسن العبادة لا لكثرتها كما قال سبحانه الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم ايكم احسن عملا. ولم يقل ايكم اكثر وحسن العبادة كمالها وتمامها بحيث تقع على الوجه المرضي للمعبود كما قال تعالى عن خليله ابراهيم واذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فاتمهن قال اني جاعلك للناس اماما فاستحق الامامة باتمام العبادة وفسر النبي صلى الله عليه وسلم مرتبة الاحسان التي هي اعلى مراتب الدين بقوله ان تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك فجعل الاحسان جائرا حالة طلب وحال الهرب فحال الطلب ان يعبد الله كأنه يراه وحال الهرب ان لم يكن يراه فليستشعر ان الله تعالى يراه ولتحقيق حسن العبادة معشر الصائمين والصائمات اسباب متعددة فاعظمها الاخلاص لله تعالى الاخلاص لله هو لب الدين وخلاصة دعوة المرسلين والسلم الرفيع الذي يتفاوت العباد في درجاته والمعدن النفيس الذي يتنافس الصالحون في تحقيقه والتخلص من شائباته فلا تنعقد عبادة الا به. ولا تزكو الا باستصحابه. وقد تكاثرت ادلة الكتاب والسنة على اشتراطه من ذلك قوله تعالى انا انزلنا اليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين. وقوله قل اني ان اعبد الله مخلصا له الدين وقوله الله اعبد مخلصا له ديني الى غير ذلك من الايات وفي الحديث القدسي انا اغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا اشرك فيه معي غيري تركته وشركه. رواه مسلم وفي الحديث ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ايها الناس اياكم وشرك السرائر قالوا يا رسول الله وما شرك السرائر قال يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته جاهدا لما يرى من نظر الناس اليه. فذاك شرك السرائر وكان للسلف الصالح فيه احوال ومقامات ومجاهدات ومقالات. قال حماد بن زيد رحمه الله كان ايوب ربما حدث بالحديث ويقول ما اشد الزكام يظهر انه مزكوم لاخفاء البكاء وعن محمد ابن واسع رحمه الله قال ادركت رجالا كان الرجل يكون رأسه مع رأس امرأته. على وسادة واحدة قد بل ما تحت خده من دموعه لا تشعر به امرأته ولقد ادركت رجالا يقوم احدهم في الصف فتسيل دموعه على خده لا يشعر به الذي الى جانبه وعن ابن ابي عدي رحمه الله قال صام داوود اربعين سنة لا يعلم به اهله وكان خزازا يحمل معه غداءة من عندهم سيتصدق به في الطريق. ويرجع عشاء فيفطر معهم وليس مراده انه يصوم الدهر بل يصوم الصوم المشروع كل هذه المدة لا يعلم به اهله وقال سفيان الثوري رحمه الله بلغني ان العبد يعمل العمل سرا فلا يزال به الشيطان حتى يغلبه فيكتب في العلانية ثم لا يزال به الشيطان حتى يحب ان يحمد عليه فينسخ من العلانية فيثبت في الرياء فهذا اعظم الاسباب تعني به الاخلاص وهو يحتاج من العبد الى نظر وتمعن وممارسة ومجاهدة ومراقبة ومحاسبة حتى تزكو نفسه ويسلم وجهه لله لا يلتفت لاحد اما السبب الثاني من اسباب حسن العبادة فهو المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم وذلك ان يجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم امامة ويتخيله امامه فكلما هم بعمل من الاعمال سأل نفسه ماذا لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المقام اي شيء يصنع ثم استنار بهدي السنة في كل ما ياتي وما يدر ومن دلائل ذلك قوله تعالى لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الاخر وذكر الله كثيرا وقوله وما اتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا وقوله وانزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم ولعلهم يتفكرون وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم من احدث في امرنا هذا ما ليس فيه فهو رد وفي رواية من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد وقال صلى الله عليه وسلم على سبيل الخصوص صلوا كما رأيتموني اصلي. رواه البخاري وقال خذوا عني مناسككم وقال ابن مسعود رضي الله عنه اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة ونتيجة ذلك الا يستحسن المتعبد بدعة ولا يروق له حدث بل يلزم السنة ظاهرا وباطنا السبب الثالث من اسباب تحقيق حسن العبادة اداؤها مع الخوف والرجاء وهو حال المؤمنين الموحدين الذين اثنى الله عليهم بقوله اولئك الذين يدعون يبتغون الى ربهم الوسيلة فايهم اقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه. ان عذاب ربك كان محظورا وهذا تكيف ايماني بديع ومعادلة نفسية دقيقة تتحقق بها العبودية المطلقة. فالخوف والرجاء جناحي الطائر يطير بهما العابد الى ربه وقد وصف الله حال العباد الصادقين فقال والذين يؤتون ما اتوا وقلوبهم وجلة انهم الى ربهم راجعون وفسر ذلك نبيه صلى الله عليه وسلم. فعن عائشة رضي الله عنها انها قالت في هذه الاية والذين يؤتون ما اتوا وقلوبهم وجلة انهم الى ربهم راجعون يا رسول الله هو الذي يسرق ويزني ويشرب الخمر وهو يخاف الله قال لا يا بنت ابي بكر يا بنت الصديق ولكنه الذي يصلي ويصوم ويتصدق وهو يخاف الله عز وجل وفي لفظ الترمذي لا يا بنت الصديق ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون الا تقبل منهم معشر الصائمين والصائمات ما احوجنا في هذا الشهر الكريم الذي تتكاثر فيه العبادات والطاعات ان نربي انفسنا على توحيد الله واخلاصه ومتابعة نبيه صلى الله عليه وسلم وتزيين عباداتنا بالخوف والرجاء حتى تكون سنة مقبولة عند الله تعالى. وفقنا الله تعالى واياكم لصالح القول والعمل. والحمد لله رب العالمين