ايها المستمعون الكرام ايتها المستمعات الكريمات تقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام. وصالح الاعمال واعاده الله علينا وعليكم شهر رمضان. اعواما عديدة وسنية مديدة ونحن نرفل بالثياب الصحة والعافية والامة بالعزة والتمكين اما بعد فها هو ذا شهر رمضان قد رحل من ساحتنا مودعا بدموع المؤمنين وابتهالاتهم وتبرعاتهم بالقبول بعد ان حل ضيفا عزيزا كريما في جوانحهم قبل مساجدهم ومنازلهم تاركا اجمل الذكريات مبديا اثمن الدروس والعبر وها قد حل العيد ببهجته وسروره ليسكب في النفوس الجياشة طعما اخر ويصبغ الحياة الايمانية بلون جديد ولا تناقض بين الحالين فكلاهما ينتظمه سلك العبودية كما ان صيام المؤمن وقيامه عبادة ففطره وفرحه عبادة ايضا قال صلى الله عليه وسلم للصائم فرحتان يفرحهما اذا افطر فرح واذا لقي ربه فرح بصومه متفق عليه وهذا الانسجام بين الدنيا والاخرة وبين الدين والدنيا لا يتألق الا في الاسلام ولهذا يخطئ بعض الناس حين يحيلون بهجة العيد مأتما على رمضان ويستدعون عبارات التعازي ويستجيشون مشاعر الحزن كلا قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم فما اجمل هذا الدين وما احسن شريعته وهو يترحل بمعتنقيه من حال الى حال وينقلهم من عبادة الى عبادة فلا تزال نفوسهم في تجدد مستمر وانبعاث للتعبد بانواع العبادات من صبر الى شكر. ومن ابتلاء الى فرح وللعيد معشر المستمعين والمستمعات فرح وبهجة من جهتين احداهما فرحة طبيعية وذلك بما يحصل للنفس من انبساط بعد اطلاقها من محظورات الطعام والشراب والنكاح وعودها الى الاستمتاع المباح فيحدث ذلك لها نوع فرح وهو فرح طبيعي لا اثم فيه ولا حرج بخلاف فرح الاسر والبطر وارتكاب المنكر الذي دل عليه مثل قوله تعالى ذلكم بما كنتم تفرحون في الارض ارضي بغير الحق وبما كنتم تمرحون وقوله لا تفرح ان الله لا يحب الفرحين فداك فرح اشهر وبطل واما الجهة الثانية ففرحة ايمانية وهو الفرح بفضل الله ورحمته باكمال العدة وابراء الذمة قال تعالى ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون وقال قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون وهذا اللون من الفرح قرين الايمان وثمرته وعاجل بشرى المؤمن وحلاوته وحقيقته امتلاء القلب بالغبطة بنعمة الله. والرضا عنه والشكر له. بالقلب واللسان والجوارح. كما قال الشاعر افادتكم النعماء مني ثلاثة يدي ولساني والضمير المحجبة القلب يرقص طربا من نعمة المسداة واللسان يلهج بفضل المنعم. والجوارح تنشط في التعرض لمراضيه. وما اجملها من حياء وما احسنها من عاقبة واتخاذ الاعياد ظاهرة بشرية. لا تخلو منها امة من الامم وهي تنبع من رغبة عميقة في احياء ذكرى معينة او التعبير عن الفرح والسرور او الشكر بصفة دورية تعود عاما اثر عام. ولذلك سميت عيدا ولما علم الله من عباده هذه النزعة الفطرية هداهم الى التعبير عنها بصورة كريمة في اطار النظرة الشمولية لحكمة الخلق ووظيفة الانسان وعبوديته لله عن انس بن مالك رضي الله عنه قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال ما هذان اليومان قالوا كنا نلعب فيهما في الجاهلية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله قد ابدلكم بهما خيرا منهما يوم الاضحى ويوم الفطر رواه ابو داوود واحمد وقال لابي بكر رضي الله عنه يا ابا بكر ان لكل قوم عيدا وهذا عيدنا. رواه البخاري وهذان دليلان على اختصاص هذه الامة باعيادها التي تمتزج فيها العقيدة والحياة وافتراقها عن سائر الاعياد الاجنبية ايا كانت صفتها دينية او قومية او دنيوية وتجتاح العالم العديد من المناسبات والاحتفالات وينخرط بعض المسلمين بحكم الانفتاح العالمي والتواصل غير المسبوق بين الشعوب في هذه الاعياد دون شعور التميز والاختصاص والكرامة التي اكرم الله بها هذه الامة وقد جاءت النصوص الشرعية المتكاثرة دالة على تميز هذه الامة المحمدية وعلى ضرورة مفارقتها ومجانبتها رسالة الامم والملل والطوائف وان تكون شامة بين الامم ولا غرو فهي امة الرسالة الخاتمة نبيها محمد صلى الله عليه وسلم وكتابها القرآن وقد زينها الله عز وجل باعظم زينة حين وصفها بقوله كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله هذه الامة خير الامم ففي حديث معاوية ابن حيدة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انتم توفون سبعين امة انتم خيرها انتم اكرم على الله عز وجل رواه الامام احمد والترمذي وابن ماجة والحاكم وقال ايضا اهل الجنة عشرون ومائة صف. هذه الامة من ذلك ثمانون صفا رواه الترمذي وابن ماجه واحمد وعن ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال نحن الاخرون الاولون يوم القيامة. ونحن اول من يدخل الجنة بيد انهم اوتوا الكتاب من قبلنا واوتيناه من بعدهم فاختلفوا. فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق فهذا يومهم الذي اختلفوا فيه هدانا الله له. فاليوم لنا وغدا اليهود وبعد غد النصارى متفقون عليه يشير بذلك الى عيد الاسبوع يوم الجمعة قال ابن كثير رحمه الله وانما حازت هذه الامة قصب السبق الى الخيرات بنبيها محمد صلى الله عليه وسلم فانه اشرف خلق الله واكرم الرسل على الله وبعثه الله بشرع كامل عظيم. لم يعطه نبيا قبله ولا رسولا من الرسل العمل على منهاجه وسبيله يقوم القليل منه ما لا يقوم العمل الكثير من اعمال غيرهم مقاما انتهى كلامه رحمه الله تقبل الله منا ومنكم صالح الاعمال. واعادنا واياكم لمثله اعواما عديدة. والامة الاسلامية ترفل بثوب النصر والتمكين وبلغنا واياكم الفرحة الكبرى. لشهود يوم المزيد عند رب حميد مجيد اخوانا على سور متقابلين. والحمدلله الذي بنعمته تتم الصالحات