فصام حتى بلغ كراع الغميم وصام الناس ثم دعا بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس اليه ثم شرب فقيل له بعد ذلك ان بعض الناس قد صام فقال اولئك العصاة اولئك العصاة معشر الصائمين والصائمات من المستمعين والمستمعات سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. واسعد الله اوقاتكم بالمسرات ومن علينا وعليكم بالقبول وجزيل الهبات اما بعد وقد تناولنا في حديث الامس ذكرى الشروط الاربعة التي يجب بها الصوم اداء وتبين لنا ان الصوم لا يجب اداء الا على المسلم البالغ العاقل القادر واليوم نتحدث عن الاصناف الاربعة الذين يحل لهم تأخير الصوم قضاء اما الصنف الاول فهو المسافر الذي فارق عمران بلده وترك البيوت وراء ظهره شريطة الا يقصد بسفره التحيل على الفطر فان قصد ذلك فالفطر عليه حرام. والصيام عليه واجب والعمدة في ذلك قوله تعالى ومن كان مريضا او على سفر فعدة من ايام اخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر وللمسافر في سفره ثلاثة احوال الاولى ان يشق عليه الصوم مشقة شديدة الصوم في حقه حينئذ معصية لا طاعة لما روى جابر بن عبدالله رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح الى مكة في رواه مسلم ومن ذلك ما يفعله بعض المعتمرين في نهار رمضان حيث يعرضون انفسهم للمشقة الشديدة بالجمع بين الصوم والطواف تحت وهج الشمس. ثم السعي وربما كان قادما لتوه من السفر معتقدا ان فعله ذلك اضر واولى وهذا من الخطأ الواضح فان المحافظة على الوصف المتعلق بالعبادة وهو الخشوع وتعظيم شعائر الله اولى وذلك مع الجهد والصوم لا يتأتى. فاما ان يفطر ويطوف ويسعى واما ان يؤخر ذلك الى الليل الحال الثانية ان يشق عليه الصوم مشقة محتملة الافضل له الفطر؟ ففي الصحيحين عن جابر ايضا ان النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر فرأى زحاما ورجلا قد ظلل عليه فقال ما هذا؟ قالوا صائم فقال ليس من البر الصيام في السفر الحال الثالثة الا يشق عليه الصوم الافضل له الصوم ويجوز له الفطر في صحيح مسلم عن ابي الدرداء رضي الله عنه قال خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان في حر شديد حتى ان كاد احدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر وما فينا صائم الا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبدالله بن رواحة وفي الصحيحين عن انس بن مالك رضي الله عنه قال كنا نسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم فلن يعد الصائم على المفطر ولا المفطر وعلى الصائم وفي صحيح مسلم ايضا عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه قال يرون ان من وجد قوة فصام فان ذلك حسن ويرون ان من وجد ضعفا فافقر فان ذلك حسن وفي سنن ابي داود عن حمزة بن عمرو الاسلمي انه قال يا رسول الله اني صاحب ظهر اعالجه اسافر عليه واكريه وانه ربما صادفني هذا الشهر يعني رمضان وانا اجد القوة وانا شاب ساجد بان الصوم يا رسول الله اهون علي من ان اؤخره سيكون دينا علي. افاصوم يا رسول الله؟ اعظم لاجري ام افطر قال اي ذلك شئت يا حمزة؟ فالافضل للمسافر فعل الاسهل عليه من الصيام او الفطر فان تساويا فالصوم افضل. لانه اسرع في ابراء الذمة وانشط له اذا صام مع الناس ولانه فعل النبي صلى الله عليه وسلم وليوافق فضيلة الزمن وهو رمضان واذا قدم المسافر الى بلده في نهار رمضان مفطرا لن يصح صومه ذلك اليوم لانه كان مفطرا في اول النهار والصوم الواجب لا يصح الا من طلوع الفجر ولكن هل يلزمه الامساك بقية اليوم؟ اختلف العلماء في ذلك فقال بعضهم يجب عليه ان يمسك بقية اليوم احتراما للزمن ويجب عليه القضاء ايضا لعدم صحة صوم ذلك اليوم وهذا مذهب الامام احمد وقال اخرون لا يجب عليه ان يمسك بقية ذلك اليوم لانه لا يستفيد من هذا الامساك شيئا لوجوب القضاء عليه وحرمة الزمن قد زالت بفطره المباح له اول النهار ظاهرا وباطنا. فقد قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه من اكل اول النهار فليأكل اخره اي من حل له الاكل اول النهار بعذر حل له الاكل اخره وهذا مذهب مالك والشافعي ورواية عن الامام احمد ولكن لا ينبغي ان يتظاهر بالفطر لئلا يساء به الظن او يقتدي به السفهاء فيتجرأون على الفطر اما الصنف الثاني ممن لا يجب عليهم الصوم اداء فهو المريض الذي يرجى برؤه وللمريض في حال مرضه ثلاث حالات. احداها الا يشق عليه الصوم ولا يضره فيجب عليه الصوم لانه ليس له عذر يبيح الفطر والمرض المبيح للفطر ما خيف من الصوم زيادته او ابطاء برؤه اما ما لا اثر للصوم فيه كوجع الضرس والم الاصبع والصداع المعتاد فلا يبيح الفطر الحال الثانية ان يشق عليه الصوم ولا يضره سيفطر لقوله تعالى ومن كان مريضا او على سفر فعدة من ايام اخر لكن يكره له الصوم مع المشقة. لانه خروج عن رخصة الله تعالى وتعذيب لنفسه وفي الحديث ان الله يحب ان تؤتى رخصه كما يكره ان تؤتى معصيته رواه احمد وابن حبان وابن خزيمة في صحيحيهما الحال الثالثة ان يضره الصوم فيجب عليه الفطر ولا يجوز له الصوم لقوله تعالى ولا تقتلوا انفسكم ان الله كان بكم رحيما ولقوله ولا تلقوا بايديكم الى التهلكة ولقول النبي صلى الله عليه وسلم ان لنفسك عليك حقا. رواه البخاري واذا برأ في نهار رمضان وهو مفطر لم يصح ان يصوم ذلك اليوم لانه كان مفطرا في اول النهار والصوم الواجب لا يصح الا من طلوع الفجر ولا يلزمه الامساك بقية يومه لما تقدم في المسافر يصل اثناء النهار فانه لا يستفيد بالامساك شيئا والتعليل بحرمة الزمن تعليل فيه نظر فقد ابيح الفطر لاسباب اخرى كما نحتاج للفطري لدفع ضرورة غيره كانقاذ معصوم من غرق او حريق او هدم او نحو ذلك فاذا كان لا يمكنه انقاذه الا بالتقوي عليه بالاكل والشرب جهز له الفطر بل وجب الفطر حينئذ لان انقاذ المعصوم من الهلكة واجب وما لا يتم الواجب الا به فهو واجب. ويلزمه قضاء ما افطره ومثل ذلك من احتاج الى الفطر للتقوي به على الجهاد في سبيل الله ففي صحيح مسلم عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه قال سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى مكة ونحن فنزلنا منزلا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انكم قد دنوتم من عدوكم. والفطر اقوى لكم فكانت رخصة فمنا من صام ومنا من افطر ثم نزلنا منزلا اخر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انكم مصبح عدوكم والفطر اقوى لكم فافطروا وكانت عزمة فافطرنا هذا وسنتم ذكرى الصنفين الباقيين في حلقة الغد ان شاء الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته