الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى اله واصحابه اجمعين اما بعد نقل النووي رحمه الله في رياض الصالحين في باب بر الوالدين وصلة ارحام حديث ابي سفيان صخر بن حرب رضي الله تعالى عنه وهو جزء من حديثه الطويل في قصته مع هرقل لما كان على غير الاسلام لما كان على الشرك والكفر بالله عز وجل كذلك خبر طويل ذكر فيه ان هرقل قال لابي سفيان يسأله ويستخبره عن النبي صلى الله عليه وسلم قال فماذا يأمركم به؟ يعني اي شيء يأمركم به؟ النبي صلى الله عليه وسلم قال قلت اخبر ابو سفيان بما قال واجاب هرقل اعبدوا الله قال قلت يقولوا اي النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به واتركوا ما يقول اباؤكم ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة هذا الحديث الشريف الذي فيه بيان ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وما كان عليه في دعوته لقومه فان ابا سفيان يخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان في مكة يدعوهم الى الاسلام ويأمرهم بما يأمرهم به من شرائعه وهرقل لما دعا خبر النبي صلى الله عليه وسلم وشاع وانتشر حب احب ان يعرف ويستخبر عنه صلى الله عليه وسلم من قومه. وكان في الشام فدعا من دعا من ممن كان في الشام من قريش وكان منهم ومقدمهم ابو سفيان فسأله قائلا فماذا يأمركم به؟ اي النبي الذي ظهر بينكم يقصد نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم فاخبره بما يدعو اليه قال يقول اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا واتركوا ما يقول اباؤكم. هذه الجمل الثلاث تبين الاصل الذي كان يدعو اليه النبي صلى الله عليه وسلم وهو الاصل الذي دعت اليه جميع الرسل وهو عبادة الله وحده لا شريك له. كما قال تعالى وما ارسلنا من رسول الا نوحي اليه انه لا اله الا انت الا فاعبدوه وفي الاية الاخرى فاتقون وقد قال الله تعالى ولقد بعثنا في كل امة رسولا ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت وهذا ما ذكره ابو سفيان في بيان دعوة النبي صلى الله عليه وسلم اعبدوا الله وحده ايعبدوه دون ان يكون معه معبود سواه اعبدوا الله اي توجهوا اليه بالعبادة بالقلب محبة وتعظيما وبالبدن امتثالا لامره وتركا ما نهى عنه وزجر وكذا بالقول شهادة له بالتوحيد واشتغالا بصالح العمل ولا تشركوا به شيئا تأكيد لمعنى وحده فانه امر بالعبادة بعبادة الله وحده اي مفردا له بالعبادة دون ما سواه ولا يتحقق ايمان احد الا بهذا. فان التوحيد يقوم على ركنين. على عبادة الله وحده اثبات على عبادة الله وهذا اثبات ووحده لا شريك له وهذا نفي ان يكون له شريك وبذلك يحصل الاستمساك بالعروة الوثقى. قال الله تعالى لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغيب. فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى. وهذا معنى ما ذكره في قوله يقول اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا لا مالكا مقربا ولا نبيا مرسلا ولا صالحا ولا حيوانا ولا جمادا ولا شيئا مما يعبده الخلق الا الله وحده لا شريك له. فلا يعبد سواه لا اله غيره جل في علاه. فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعوهم عبادة الله وحده لا شريك له ثم عطف على ذلك قوله واتركوا ما يقول اباؤكم وهذه الجملة هي حقيقة فان النبي صلى الله عليه وسلم نهاهم عن اتباع ابائهم لانهم اتبعوهم واقتدوا بهم واحتجوا بابائهم على انكار ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم. فدعاهم الى ترك ما يقول اباؤهم فيما بالتوحيد وفيما يتعلق بامر الله عز وجل وعبادته سبحانه وبحمده. فانهم ادعوا ان الله تعالى امرهم بما امرهم به من الشرك وامرهم بما امرهم به من سيء العمل الذي كانوا عليه حيث كانوا اذا فعلوا فاحشة او ظلموا انفسهم جروا في ذلك بالاحتجاج ان الله امرنا بها. فيدعون ان الله تعالى امرهم بها. قل ان الله لا يأمر بالفحشاء. اتقولون على الله ما لا تعلمون فامرهم ان يتركوا ما يقوله اباؤهم في شأن التوحيد وفي شأن عبادة الله وحده لا شريك له ثم بين بعد الاصل البين الواضح الذي ادركه هذا المشرك في ذلك الزمان قبل ان يسلم وهو ابو سفيان رضي الله تعالى عنه لما ادرك هذا المعنى كان مبينا له على وجه جلي في وصف ما دعا اليه النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال ويأمرونا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة وهذه اربعة اعمال الصلاة حق الله عز وجل والمقصود بالصلاة الصلوات المعهودة التي تفتتح بالتكبير وتختتم بالتسليم وهي من اول ما امر الله تعالى به في قوله يا ايها المزمل قم الليل الا قليلا فالصلاة من اول ما امر الله تعالى به النبي النبي صلى الله عليه وسلم وقد امر بها النبي صلى الله عليه وسلم من امن واسلم. لكن ذلك بعد ثم الصدق وهو منجاة والصدق لا يكون الا ممن صلح باطنه وهو خصلة جميلة حميدة يصلح بها حال التاني مع الله عز وجل ومع الخلق. ولذلك قال الله تعالى يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين. والعفاف هذا ثالث هذا رابع ما ذكر مما امر به النبي صلى الله عليه وسلم العفاف والعفاف يتبادر الى الذهن في كثير من الاحيان انه يتعلق بشهوة والحقيقة ان العفاف اشمل من ذلك واوسع. ولهذا ذكره في جملة ما كان يأمر به صلى الله عليه وسلم. والعفاف اسم جامع لترك كل قبيح وفعل كل ممدوح فالعفاف لا يقتصر فقط على التعفف عن اه الشهوات المتعلقة بالفرج بل الله تعالى ذكر العفاف فيما يتعلق بالكسب فذكر عن اهل الفقر والحاجة انهم يتعففون عن السؤال فلا يسألون الناس الحافا. يحسبهم الجاهل اغنياء من التعفف. تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس الحافا فذكر التعفف في حق من صان يده من ان تمتد بالسؤال الى غير الله عز وجل وهذا ليس متعلقا الفرج ولا بشهوة البطن بل هو بكل ما يتعلق بالسمو عن القبيح من القول او الفعل والتحلي بالفاضل الكريم من القول او الفعل الظاهر والباطن. فالعفاف بهذا المفهوم العام. والصلة وهذا هو الشاهد في سياق الحديث. الصلة والصلة المقصود بها صلة فيجب وصله وهذا اسم عام لكل ما يجب وصله. ومن اولى واحق ما يدخل في ذلك صلة الارحام. ولذلك ساقه المؤلف رحمه الله في باب بر وصلة الارحام. فصلة الوالدين ببرهم. وصلة الارحام بالاحسان اليهم. وكف الاذى عنهم واحتمال ما يكون من اذاهم وصلة الجيران باكرامهم تأمينهم وعدم الاعتداء عليهم وصلة الاصحاب وصلة عموم الناس بمجمل الاحسان كما قال تعالى وقولوا للناس حسنا. فالصلة اسم جامع لكل ما امر الله تعالى بوصله كما قال تعالى والذين يصلون ما امر الله به ان يوصل ويخشون ربهم. ففصلها هنا شاملة لذلك كله ومنه صلة الرحم هذا الحديث فيه جملة من الفوائد فيه عناية النبي صلى الله عليه وسلم بالتوحيد وظهور ذلك لكل من دعاهم وفيه بيان عظيم مقام الصلاة وانها في المنزلة السامية من الاركان والاعمال حيث كان يأمر بها صلى الله عليه وسلم في اول وفيه عظيم منزلة الصدق فهو اصل لكل بر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ان الصدق يهدي الى البر وان البر يهدي الى الجنة فالصدق مفتاح لقائمة طويلة من الاخلاق الجميلة والخصال الفاضلة. وفيه فضيلة العفاف وانها منزلة عالية دعا اليها النبي صلى الله عليه وسلم في اول دعوته للخلق وبيانه لما جاء به من الهدى ودين الحق. وفيه عظيم منزلة صلة الرحم والصلة لما امر الله بها يوصل على وجه العموم. كل ذلك مما يفيد هذا الحديث وهو مصداق ما اخبر به النبي صلى الله عليه وسلم بعثت بالحنيفية السمحة. الحنيفية سلامة الاعتقاد بتوحيد الله تعالى وعبادته وحده لا شريك له السمح كعيب اليسيرة الهادية الى كل فضيلة في معاملة الخلق وفي معاملة النفس وفي معاملة جميع وفي معاملة الخالق جل وعلا فضيلة في معاملة الخالق في معاملة الخلق في معاملة النفس وبهذا يكمن للانسان السعادة. وقد قال صلى الله عليه وسلم انما بعثت لاتمم صالح الاخلاق. اللهم اعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. وصلى الله وسلم على نبينا محمد