الحمد لله رب العالمين واصلي واسلم على البشير النذير والسراج المبين نبينا محمد وعلى اله واصحابه اجمعين اما بعد نقله النووي رحمه الله في باب بر الوالدين وصلة الارحام عن ابي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله تعالى خلق الخلق حتى اذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت هذا مقام العائد بك من القطيعة قال الله تعالى نعم اما ترضين ان اصل من وصلك واقطع من قطعك قالت بلى قال الله عز وجل فذلك لك ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرؤوا ان شئتم قول الله تعالى فهل عسيتم ان توليتم ان تفسدوا في الارض وتقطعوا ارحامكم اولئك الذين لعنهم الله فاصمهم واعمى ابصارهم هذا الحديث اخبر فيه النبي صلى الله عليه وسلم عن امر غيبي وهو ما كان عند خلق الله تعالى الخلق حيث قال حيث قال صلى الله عليه وسلم ان الله تعالى خلق الخلق حتى اذا فرغ منهم خلق تأتي بمعنى قدر وتأتي بمعنى اتم وقضى والذي يظهر ان المعنى هنا خلق الخلق اي اتم خلقهم لقوله اذا فرغ منهم حتى اذا فرغ منهم ويمكن ان يكون المعنى ان الله تعالى لما قدر اقدار المخلوقات وفرغ من ذلك التقدير جل في علاه اتمه وقضاه قامت الرحم ومن ذلك اي اطلاق الخلق بمعنى التقدير قول الشاعر لانت تفري ما خلقت وبعض القوم يخلق ثم لا يفري. لانت تفري ما خلقت اي ما قدرت وبعض القوم يخلق اي يقدر ثم لا يفري اي ثم لا يوجد لهذا التقدير وهذا آآ تقدم بالارادة شيئا لا ينتج عنه شيء قوله صلى الله عليه وسلم قامت الرحم. الرحم امر معنوي بلا خلاف والمقصود بالرحم ما يكون من القرابة بين الناس بسبب الاجتماع في الرحم فهي مما يطلق على القرابة والنسب والرحم التي قامت هنا اما ان يكون امرا معنويا ويقال ان هذا من المجاز كما قال ذلك جماعة من اهل العلم من شراح الحديث والمراد تصوير عظيم قدر الرحم صلة وقطيعة فذلك على وجه التمثيل والتقريب لهذا المعنى فصورت هذه الصورة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم لبيان عظيم قدر الرحم وقيل بل قامت حقيقة وتكلمت حقيقة وهذا هو المتبادر وهو الاصل في ما يكون من الكلام فالاصل حمل الكلام على الحقيقة لا على المجاز ولا غرابة في قيام الرحم وكلامها وان كانت معنا من المعاني فان الله تعالى ينطق ما يشاء من خلقه قال الله تعالى في الجلود الابشار والايدي والارجل قال تعالى يوم تشهد عليهم ارجل ايديهم وارجلهم بما كانوا يعملون وفي الاية الاخرى حتى اذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وابصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا؟ قالوا انطقنا الله الذي انطق كل شيء. فلا غرابة ولا عجب في ان يجعل الله تعالى الذي انطق كل شيء لسانا ناطقا للرحم فقالت ما قالت من قولها هذا مقام العائد بك من القطيعة هذا مقام العائذ بك من القطيعة هو استجارة وطلب الجوار والاعاذة من الله عز وجل لمن لم يقم بحق الرحم. هذا معنى قول الرحم هذا مقام العائذ بك من القطيعة فطلبت من الله عز وجل ان يجيرها وان يعيذها ممن لم يقم بحقوقها والرحم لها من الحقوق الصلة لها من الحقوق ثبوت المحرمية والاحكام المتعلقة بها لها من الحقوق ثبوت الميراث والحقوق المتعلقة بها ولذلك قال الله تعالى واتقوا الذي تساءلون به والارحام بل الرحم لها من الحقوق ما استعاذت بالله عز وجل وطلبت منه العود ممن يقطعها ولا يقوم بحقها قال الله تعالى نعم اما ترضين ان اصل من وصلك واقطع من قطعك وهذا ثمرة استعاذة الرحم بالله عز وجل من القطيعة ان يصل الله تعالى من وصلها ويقطع من قطعه والوصل من الله عز وجل يصل به كل احسان ويحصل به به كل مسرور وما محبوب ومرغوب ويتوقى به الانسان كل كل مكروه وكل مؤذن ومناف للطبع وقيل في معنى قوله صلى الله عليه وسلم فيما نقله على الله في قوله للرحم اما ترضين ان اصل من وصلك اي اصله بالجنة والحسنى اما قوله واقطع من قطعك فقطيعة الله تعالى لمن قطع الرحم هو ما توعد به جل وعلا في الاية التي سيأتي بيانها فهل عسيتم ان توليتم ان تفسدوا في الارض وتقطعوا ارحامكم اولئك الذين لعنهم الله فاصمهم واعمى ابصارهم فكان عاقبة قطيعتهم هذا الذي ذكر الله عز وجل. وهذا معنى قوله واقطع من قطعك فقطيعة الله عز وجل لمن قطع الرحم هي طردها من رحمته وطمس سمعه وبصره فلا ينتفع منهما بما يحصل له به الذكرى والعظة ولهذا ينبغي ان يحذر الانسان قطيعة الرحم. قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما ردت به الرحم على الله عز وجل عندما قال لها اما ترضين ان اصل من وصلك واقطع من قطعك قالت بلى قال الله عز وجل فذلك لك اي فحق من وصل الرحم ان يصله الله وحق من قطع الرحم ان يقطعه الله عز وجل ثم قرأ النبي صلى الله عليه وسلم قول الله تعالى او قال صلى الله عليه وسلم اقرأوا ان شئتم في تصديق هذا الوعد الذي وعد الله تعالى به الرحم فهل عسيتم ان توليتم ان تفسدوا في الارض وتقطعوا ارحامكم فهل عسيتم ان توليتم الاية معناها فلعلكم ان توليتم عن الله وعن امره ونهيه وعن وحيه الذي انزله على رسوله وعن ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من الامر اداء الحقوق والقيام بها فهل عسيتم ان توليتم عن شرعه ودينه ان تفسدوا في الارض اي ان يقع منكم بسبب اعراضكم الفساد في الارض. ولا شك ان كل من اعرض عن الله عز وجل وقع في فساد في الارض ذلك ان كل معصية هي فساد في الارض. وهذا يشمل كل ما يكون مما يخالف به الله عز وجل من الشرك والكفر والمعصية ما يكون من الامور التي هي فساد في الارض كما قال تعالى ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدي الناس فكل ما يكسبه الناس من معصية الله ومخالفة امره هو مما يقع به فساد في الارض ثم قال وتقطع ارحامكم وهذا ثمرة الاعراب عن امر الله ورسوله انه يفضي الى قطيعة الرحم. ونص عليه مع دخوله في الفساد في الارض لانه من اعظم صور الفساد في الارض ويترتب عليه من الشرور والمفاسد ما الله به عليم تتعطل به الصلات وتفسد به العلاقات ويشيع ويشيع بها به الشر بين الناس واما العقوبة قال تعالى فاولئك الذين لعنهم الله اعاذنا الله واياكم من لعنه واصمهم لعنهم الله فاصمهم واعمى ابصارهم لعنهم الله فترتب على هذا الطرد انطماس البصائر فثمرة لعنه ان الانسان لا يبصر الهدى يعمى عن حق ولا يسمع ولا ينتفع مما يسمعه من المواعظ بل يكون في وقر في اذنه وفي عمن في بصره وفي غلف في قلبه فلا ينتفع منها الوعظ والتذكير بل هو في ضلالات وفساد عظيم هذا الحديث فيه جملة من الفوائد من فوائده اخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن امور الغيب وامور الغيب تستقبل بالقبول لما اخبر به الله عز وجل في كتابه وبما اخبر به عن رسوله فاعظم خصال اهل الايمان انهم يؤمنون بالغيب ولا يدخل في الغيب بالعقل كيف ومتى وما اشبه ذلك من الايرادات التي يريدها الانسان على الامور الغيبية بعقله وهو لم يدرك ذلك على وجه الحقيقة له ان يسأل استفهاما وطلبا للفهم عما اشكل عليه وعما خفي عنه معناه لكن لا يعترض ولا يعارض ما جاء به الخبر عن الله ورسوله فالعقول تقصر عن ادراك تلك الغيبيات هذا خبر عن الغيب فالنبي صلى الله عليه وسلم يخبر عن الغيب ومن فوائد الحديث ان الله تعالى لما خلق الخلق حصل من الرحم ما ذكر الله عز وجل وفيه عظيم مقام الرحم عند الله عز وجل اذ ان اذ انه اذن لها بالكلام واعاذها جل وعلا لما قالت هذا مقام العائذ بك من النار فارظاها جل وعلا بوصل من وصله وصلها وقطيعة من قطعها وفيه ان الرحم من اعظم اسباب وصول الخير للانسان فانها سبب لصلة الله عز وجل لعبده خطورة فيه ايضا خطورة قطيعة الرحم لانها تقطع عن العبد الحبل من الله عز وجل فلا يصل اليه من احسانه وفضله ما تستقيم به حاله وفيه من الفوائد ان الله تعالى ارظ الرحم بايجارتها واعادتها حيث اخبر بانه لها ذلك وهو وصف من وصلها وقطيعة من قطعها وفيه ان ما اخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من الغيب يصدق بعظه بعظا ولذلك قال صلى الله عليه وسلم اقرؤوا ان شئتم قول الله عز وجل فهل عسيتم ان توليتم ان تفسدوا في الارض وتقطعوا ارحامكم اولئك الذين لعنهم الله فاصمهم واعمى ابصارهم وفي عظيم حصول الشر بالقطيعة اذ ان القطيعة سبب للعن الله عز وجل وسبب لانطماس بصيرة وعمى البصر واغلاق السمع عن الانتفاع بالوعظ والتذكير فتمر عليه العظات والعبر والايات وهو عنها معرض لا يدرك ولا ينتفع هذي بعض ما في هذا الحديث من الفوائد فنسأل الله تعالى ان يرزقنا واياكم العلم النافع والعمل الصالح وصلى الله وسلم على نبينا محمد