فالام هي التي تولد عنها الانسان والمقصود بالام هنا ابتداء الام المباشرة واما من فوقها فلا يكون مقصودا اما من فوقها فليس مقصودا بالحديث ابتداء انما لها من الحقوق ما يثبت لكن قوله امك المقصود به من ولدتك الحمد لله رب العالمين واصلي واسلم على نبينا محمد وعلى اله واصحابه اجمعين اما بعد نقل النووي في في رياض الصالحين في باب بر الوالدين وصلة الارحام عن ابي هريرة رضي الله تعالى عنه قال جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله من احق الناس بحسن صحابتي قال امك؟ قال ثم من؟ قال امك قال ثم من؟ قال امك قال ثم من؟ قال ابوك متفق عليه وفي رواية قال يا رسول الله السائل قال يا رسول الله من احق الناس بحسن الصحبة قال امك ثم امك ثم امك ثم اباك ثم ادناك فادناك هذا الحديث الشريف فيه خبر هذا الرجل الذي جاء يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الامر العظيم المتعلق حقي اعظم الخلق حقا بعد النبي صلى الله عليه وسلم وهم وهما الوالدان فقال يا رسول الله من احق الناس بحسن صحابتي اي من الذي يقدم والذي يسبق والذي له السبق في حسن صحابتي وحسن الصحابة او حسن الصحبة يتحقق كف الاذى واداء الحقوق الواجبة واحتمال ما يمكن ان يكون من الاذى فلا تتحقق حسن الصحبة مع احد الا بان تكف اذاك عنه وان تبذل له الحقوق التي له وان تحتمل ما يمكن ان يكون من الاذى الذي يصدر عنه فان هذا يتحقق به حسن الصحبة ثم مزمار السبق بعد ذلك وميدان الاحسان لا منتهى له يشمل ايصال كل بر وكل خير وكل احسان الى من تصاحبه. فهذا الرجل يسأل النبي صلى الله عليه وسلم من احق الناس بحسن صحابتي قال صلى الله عليه وسلم امك فاجابه ببيان من المقدم حقه في حسن الصحبة وجميل العشرة وكريم المرافقة فقال له صلى الله عليه وسلم امك يعني التي ولدتك لانه ذكر الفرعين في الحديث الذين عنهما صدر الانسان الام والاب الام والاب وقد بين الام في قوله تعالى حملته امه وهنا على وهن. في الاية الاخرى حملته ام كرها ووضعته كرها فالمقصود بالام هي التي حملت ووضعت وتكلفت بالولادة وما يتبع ذلك مما يكون من شأن الامهات مع من ولد قال ثم من؟ قال امك كرر الجواب والتكرار هنا للتوكيد وبيان انه لا يسبقها احد في الاحقية بحسن الصحبة قال ثم من؟ قال امك. كرر ذلك المرة الثالثة للمرة الثالثة لانه سأله قال ثم من؟ قال امك اعاد عليه السؤال مرة ثانية او مرة ثالثة فقال ثم من؟ قال امك. فكرر النبي صلى الله عليه وسلم الوصية الام وانها الاحق في حسن الصحبة ثلاث مرات وذاك منتهى التأكيد فان النبي صلى الله عليه وسلم كان اذا تكلم تكلم ثلاثا تأكيدا لقوله ايصالا للمعنى فالرجل كرر السؤال وكرر عليه النبي صلى الله عليه وسلم الجواب ثلاث مرات لانه منتهى ما يكون من اوجه التبليغ والتأكيد للمعنى الذي يتكلم به المتكلم في الغالب قال ثم من؟ قال ابوك. يعني يأتي بعد ذلك حق الاب فالحق المقدم هو للام ثم بعد ذلك يأتي حق الاب والمقصود بالاب الاب المباشر وهو من كان الانسان من صلبه وقد اشار الله تعالى الى تقدم حق الام في كتابه العظيم في موضعين في قوله تعالى ووصينا الانسان بوالديه حملته امه وهنا على وهن. فذكر الوصية بالوالدين ثم ذكر ما اختصت به الام من العناء والمشقة الموجبة لتأكد تلك الوصية في حقها وكذلك في قوله ووصينا الانسان بوالديه احسانا حملته امه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا فذكر الله عز وجل حق الام بالخصوص بعد الوصية بالابوين فاكد ما في هذا الحديث من معنى وقد اختلف العلماء رحمهم الله في قول النبي صلى الله عليه وسلم امك ثم امك ثم امك ثم ابوك هل هذا تقديم لحق الام على الاب ام انه تأكيد لحق الام وليس تقديما فهما سواء في الحق فمن اهل العلم وهذا قول الجمهور من قال ان الحديث يؤكد حق الام واسبقيته على حق الاب فحق الام مقدم على حق الاب. لكون النبي صلى الله عليه وسلم كرر الجواب ثم قال ثم ابوك كما هو في الرواية الثانية امك ثم امك ثم امك ثم اباك. وفي رواية ثم ابوك وثم تقتضي الترتيب والرجل في سؤاله قال ثم من؟ ثم من؟ اي من الذي يلي في الحق فهذا يفيد الترتيب والى هذا ذهب جمهور العلماء وقال اخرون بل هذا على وجه التأكيد مع استواء حق الاب والام مع استواء حق الاب والام وذلك ان الله تعالى اوصى بحقهما قال وبالوالدين احسانا اما يبلغن عندك الكبر احدهما او كلاهما يكون ما جاء من تكرار ذكر الام في هذا الحديث هو تأكيد لحقها مع الاستواء وليس تقديم اذا عندنا قولان تقديم حق الام وهذا قول الجمهور والثاني تأكيد مع الاستواء وهذا قال به جمع من اهل العلم واستدلوا بما ذكرت وقالوا ان سبب التأكيد مع استواء حق الام مع الاب هو ان الام اظعف وان العقوق في حقها اكبر وان لها من الشفقة والعناية بالولد منذ حمله وتحمل المشاق في حقه ما ليس لغيرها ما ليس للاب فلذلك اكد حقها مع استواء حق الام والاب والصواب هو ما ذهب الى الجمهور وان الحديث ليس للتأكيد لتأكيد التقدم الذي لا ينافي الاستواء انما لاجل بيان اسبقية حق الام على الاب وهل هذه الاسبقية عند المزاحمة ام مطلقا للعلماء في ذلك قولان بناء على اختلافهم السابق لمن قال ان حق الام وحق الاب سواء قال التقديم عند المزاحمة واخرون قال قالوا بل التقديم مطلقا ولو لم يكن تزاحم والذي يظهر والله تعالى اعلم ان الحق ثابت للام اكد من الاب فليس هذا لبيان ما يكون عند المزاحمة انما هو لبيان الحق ولو لم تكن مزاحمة لكن البر ثابت للاب والام جميعا باصله وان كان نصيب الام الام منه اعظم وما يدل على هذا المعنى اضافة لما دلت عليه الايات من ان ذكر الام هنا على وجه التقديم لحقها وليس على وجه التأكيد فقط ما جاء في السنن والمسند من حديث عائشة انها سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله اي الناس اعظم حقا على المرأة قال زوجها قالت رضي الله تعالى عنها فعل الرجل قال امه وهذا يبين سبق حق الام و هذا الحديث فيه جملة من الفوائد بروايته التي في الصحيح الرواية الاولى التي ذكرها من فوائده ان الصحابة رضي الله تعالى عنهم تتوق انفسهم الى الاعلى في الامور والاسبق في الصالحات فسألوا عن احق الناس بحسن الصحبة رعاية لحقه وحرصا على عدم تفويت فضل القيام به وفيه من الفوائد عظيم حق الام والاب في الجملة وفيه من الفوائد تقدم حق الام على حق الاب في البر وحسن الصحبة وهذا لا يعني ان ما للام من البر يلغي مال الاب من حقوق يتميز بها فثبوت الفظل او الاحقية لشيء لا يلغي تخصيص غيره بما خص به وان كان دونه في الحق فمعلوم ان حق الاب في الطاعة مقدم على حق الام ولذلك قال الامام احمد رضي الله رحمه الله ورضي عنه قال للاب الطاعة وللام البر فلم لها ثلاثة ارباع البر والاب وللاب الطاعة اي له الطاعة التي تقترن بالبر ولكنه ميزه بان له من الطاعة ما ليس لغيره ويدل لذلك ما في السنن والمسند من حديث ابي هريرة وان كان في اسناده مقال ان النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل انت ومالك لابيك فقوله لابيك ليس تمليكا لانه لا الحر لا يملك وانما اشارة الى ان للوالد من الامر ووجوب الطاعة الامتثال ما ليس لغيره وفيه من الفوائد ان تكرار الجواب يفيد تأكد المعنى المراد تقريره فهنا كرر النبي وسلم الجواب على الرجل ثلاثا فقال ثم امك ثم امك مع ان الذي في اول الكلام هو الذي في ثالثه لا فرق فان الكلام كله في حق الام وهذا للتأكيد وتكرار النبي صلى الله عليه وسلم للمعاني في مواضع عديدة منها هذا الحديث ومنها قوله للرجل اوصني لما قال له اوصني قال لا تغضب قال اوصني قال لا تغضب قال اوصني قال لا تغضب وكرر عليه المعنى لضرورته اليه وان كانت الوصية هي الوصية الاولى لكن التكرار للتأكيد وفيه من الفوائد ايضا ما دل عليه الرواية الثانية وهي قوله ثم ادناك فادناك اي ثم الاقرب والاقرب. اما قول ثم اباك فهذا في بيان من احق الناس بحسن الصبح ففي الرواية الثانية على لغة قدر وبر اباك والرواية الثانية امك ثم امك ثم امك ثم ابوك ثم ادناك فادناك اي فالاقرب فالاقرب وهذا بيان من له من له حق الصلة بعد الابوين بحسن الصحبة قل له قال ثم ادناك فادناك فكلما قرب الانسان من الشخص جهة او منزلة في الجهة فان له من الحق في حسن الصحبة ما ليس لغيره فذكر الابوين يدل على عظيم حق الاصول تماليهم في الحق الفروع وهم من تفرع من الانسان حتى تفرع عن الانسان من من اولاده من ذكر او انثى ثم فروع الاصول القريبة الاب والام وهم الاعمام والعمات والاخوال والخالات ثم مات من تفرع عنهم من ابناء العمام وبنات الاعمام وابناء وابناء اقوال وبنات الخالات ويقدم اولئك على حسب ميراثهم وعلى حسب الاصل الذي يدلون به فمن كان مدليا اصلين ليس كما لو كان مذنيا باصل فالاخ الشقيق ليس كالاخ الاب في حسن الصلة والاخ لاب ليس كالاخ لام وهلم جر والمقصود ان هذا الحديث بين فيه النبي صلى الله عليه وسلم هذه المراتب في الصلة وحسن الصحبة وهي قاعدة مطردة في اصحاب الحقوق عموما وهذا من فوائد الحديث انه كلما كان الانسان اقرب كان حقه اوثق وكلما كان له من الاحسان على الانسان اكثر فحقه في مجازاة هذا الاحسان ومقابلته البر وجميل الصلة اعظم هذا بعض ما في هذا الحديث من المعاني و الفوائد اسأل الله تعالى لي ولكم العلم النافع والعمل الصالح وصلى الله وسلم على نبينا محمد