الحمد لله رب العالمين واصلي واسلم على نبينا محمد وعلى اله واصحابه اجمعين اما بعد فقد نقل النووي رحمه الله في رياض الصالحين في باب فضل الحب في الله والحث عليه من حديث معاذ ابن جبل رضي الله تعالى عنه قال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اخذ بيده وقال يا معاذ والله اني لاحبك ثم قال صلى الله عليه وسلم ثم اوصيك يا معاذ لا تدعن دبر كل صلاة ان تقول اللهم اعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك روى حديث صحيح رواه ابو داوود والنسائي باسناد صحيح. هذا الحديث الشريف فيه بيان جملة من المعاني التي ينبغي ان يحتفي بها المؤمن وان ينتفع بها علما وعملا النبي صلى الله عليه وسلم يخاطب في هذا معاذ ومعاذ ابن جبل من خيار اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فتح الله تعالى عليه في العلم والعمل والفقه والفهم وكان من علماء الصحابة رضي الله تعالى عنهم. ومن كتبة الوحي في زمنه صلى الله عليه وعلى اله وسلم معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه كان حديث السن فقد توفي النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم وهو في العشرين وهو في العشرينات من من عمره في العقد الثالث من عمره لم يستكمل قد بعثه النبي صلى الله عليه وسلم الى اهل اليمن داعيا وقائما بامر الله فيهم بالبيان والقضاء والحكم وقد كان رضي الله تعالى عنه قريبا من النبي صلى الله عليه وسلم يتلقى عنه وكان حريصا على مصاحبته فكان يصلي معه صلى الله عليه وسلم في مسجده ثم يذهب الى مسجد قومه فيصلي بهم رضي الله تعالى وهو انصاري من الخزرج رضي الله تعالى عنه وارضاه معاذ بن جبل يقول اخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي اي امسكها وهذا من التأنيس واللطف فان قرب الانسان من اخيه ومباشرته له ومماسته له مما يحصل به الالفة والانس ومما يحصل به القرب والوئام ثم قال له صلى الله عليه وسلم يا معاذ فناداه باسمه والله اني لاحبك. اقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ تأكيدا للمعنى الذي سيخبره به وتوثيقا له قال والله اني لاحبك وهذه منزلة سامية عالية شريفة كبيرة تبين عظيم ما بلغه معاذ رضي الله تعالى عنه من الفضل والمنزلة والمكانة فان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ بيده ويقول له والله مقسما بربه جل في علاه اني لاحبك يا معاذ ناداه باسمه ثم اقسم له بالله على هذا المعنى العظيم وهو انه يحبه صلى الله عليه وسلم وانما احبه صلى الله عليه وسلم لما كان عليه من الصلاح والاستقامة والعلم والهداية. والمعرفة والبصيرة التي جعلته في مصاف علماء الصحابة رضي الله تعالى عنهم اجمعين على حداثة سنه ثم بعد ان اخبره صلى الله عليه وسلم بالمحبة قال ثم اوصيك وهذا من ثمار المحبة ومن اثارها النصيحة والدلالة على الخير والحث على البر قال ثم اوصيك والوصية هي العهد الموثق المتظمن حرص المبلغ ان يعمل المبلغ بما يبلغه به فالوصية فلا يكون هذا في الامور الهامشية او الامور العادية انما يكون في الامور الجليلة المهمة. ثم اوصيك ثم اوصيك يا معاذ وكرر النداء باسمه للتحظير ذهنه ولفت نظره الى المعنى الاخر الذي يريد ان يخبره به صلى الله عليه وسلم وان يدله عليه. فقال صلى الله عليه وسلم لا عنا في دبر كل صلاة تقول اللهم اعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك يقول له صلى الله عليه وسلم لا تدعان اي لا تترك دبر كل صلاة اي اخرها. ودبر الصلاة يطلق على شيئين يطلق على اخر جزء من الصلاة قبل السلام. ويطلق على ما يكون بعد السلام والفراغ من الصلاة و كلا المعنيين مما يطلق على دبر الصلاة فالاذكار ادبار الصلوات تكون بعدها. من التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل وما الى ذلك والدعاء في اخر الصلاة قبل السلام من مواطن الاجابة كما جاء في حديث ابي امامة انه سئل صلى الله عليه وسلم اي الدعاء اسمع؟ قال جوف الليل الاخر وادبار الصلوات اواخرها والمقصود بذلك ما جاء في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه انه بعد ان علم النبي صلى الله عليه وسلم اصحابه التشهد قال صلى الله عليه وسلم ثمن يتخير من الدعاء اعجبه اليه. يعني ينتقي من الدعاء في اخر الصلاة ما تميل نفسه اليه ما يعجبه من الادعية التي اه يدعو بها ربه جل وعلا ويسألها ويسألها من الله جل في علاه فدبر الصلاة يشمل المعنيين. هنا الاصل في الدعاء ان يكون قبل السلام ولذلك حمل جماعة من اهل العلم هذا الحديث على ان يدعو به قبل ان يسلم. فبعد ان يقول اللهم اني اعوذ بك من عذاب القبر ومن عذاب جهنم ومن فتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال يقول اللهم اعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك فان ذلك مما وجه اليه النبي صلى الله عليه وسلم لو فات الانسان هذا وسلم قبل ان يقول هذا الدعاء فانه يقوله بعد السلام لانه يصدق عليه انه قاله دبر الصلاة لكن في حال الاختيار ينبغي ان يكون الدعاء قبل السلام هذا فيما يظهر من هديه صلى الله عليه وعلى اله وسلم وسنته والمحفوظ عنه صلى الله عليه وعلى اله وسلم وقوله صلى الله عليه وسلم في دبر كل صلاة يشمل صلاة الفرائض وصلاة النوافل صلاة الليل وصلاة النهار وكل صلاة يصليها المصلي لاي سبب كان سواء كانت صارت كسوف او كانت صلاة عيد او كانت صلاة جمعة او كانت من المكتوبات او الرواتب او غير ذلك من الصلوات التي يصليها المسلمون. اللهم اعني اللهم يعني يا الله فالميم عوض عن الياء كما قال جمع من اهل العلم. وهو مما يقال في الادعية التي يكون فيها ثناء وتمجيد لله في الغالب واما التي يكون فيها سؤال فالغالب ان تبتدأ بذكر الربوبية في هذا الحديث بدأ السؤال ذكر الالهية وهو جار في جملة من الادعية لكن الغالب اذا كان بعد النداء طلب فانه يكون بصيغة يا رب او ربنا او ما اشبه ذلك. اللهم اعني هذا طلب العون من الله عز وجل وهو جل وعلا الذي يعين العبد على مصالح دينه ودنياه. ولولا عونه لم يدرك العبد شيئا من مصالح دينه ودنياه. ولذلك كان من احوال العبد التي لا يستغني فيها عن الرب طلب العون اياك نعبد هذا حقه جل وعلا واياك نستعين هذا طلب العبد من ربه فانه يعبد ربه جل وعلا يفرده بالعبادة وهو ايضا يفرده بطلب العون منه سبحانه وبحمده. اذا لم يكن عون من الله للفتى فاول ما يجني عليه اختياره اللهم اعني اي امدني بالقوة والمعرفة والاسباب التي توصلني الى الاشتغال بذكرك وشكرك وحسن عبادتك. فذكر ثلاثة امور طلب عون الله تعالى فيها. الاول الذكر والثاني الشكر والثالث حسن العبادة الذكر المقصود به ذكر الله بالقلب واللسان و الجوارح وذكر الله تعالى بالقلب تعظيما له جل وعلا. ومعرفة به ومحبة له سبحانه وبحمده. وباللسان لهج بحمده والثناء عليه وتسبيحه وتمجيده وتقديسه. والجوارح القيام بطاعته. هذا الذكر على وجه العموم لكن لما عطف الشكر على الذكر كان هذا خاصا للذكر بذكر القلب وذكر اللسان والشكر عمل الجوارح. ولهذا جاء في لقوله تعالى واعملوا ال داود شكرا فالشكر عمل وهو ان يشتغل الانسان بما يرضي الله عز وجل في قوله وعمله وسره وعلنه بان يقوم له جل وعلا بما فرض عليه ندبه اليه من الطاعات والعبادات وهما قرينان بهما تكمل السعادة للعبد في دينه ودنياه الذكر والشكر وقد قرن الله تعالى بينهما في فاذكروني اذكركم واشكروا لي ولا تكفرون. وهذا القرن ايضا جاء في هذا الحديث حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم بين الذكر والشكر فقال اللهم اعني على ذكرك وشكرك والشكر هنا كما ذكرت هو القيام بطاعته جل في علاه. قال بعض اهل العلم الذكر هو اشتغال اللسان والقلب والبدن بالطاعة والشكر هو عبادة السر والجناب والذي يظهر والله تعالى اعلم ان الذكر هو ذكر القلب واللسان والشكر هو عمل الانسان في لسانه وجوارحه في شكر الله عز وجل. اذ الشكر يشمل شكر القلب وشكر اللسان وشكر الجوارح بامتثال طاعة الله عز وجل. لكن لما ذكر المعنيين فاختص كل منهما بما يناسبه مما يندرج في معناه ثم قال وحسن عبادتك اي الاحسان في عبادتك الذكر والشكر عبادات ويجمعهما انهما مما يتعبد الله تعالى به. لكن قد يأتي قد يكونان على وجه غير حسن. اما في القصد والنية واما في اتباع السنة فلا يتبع السنة فيما يكون من ذكر الله وشكره. ولذلك ختم بعد ذكر الذكر والشكر ختم ذلك بذكر حسن العبادة التي يتحقق بها للمؤمن تحقيق الغاية من الوجود. قال الله تعالى تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير. الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم ايكم احسن عملا العمل هو المطلوب ولهذا كان مسؤولا في دبر كل صلاة فيما ندب اليه النبي صلى الله عليه وسلم ليحقق الانسان الغاية من وجوده الحديث في جملة من الفوائد من فوائده قرب النبي صلى الله عليه وسلم من اصحابه صغارا وكبارا. وعنايته بهم صلى الله عليه وسلم. ومؤانسته لهم صلى الله عليه وسلم. وفيه من الفوائد نداء الرجل باسمه مجردا عن الالقاب والكنى وليس في ذلك غظابة ولا تنقص بل ذاك مما يجري به اللسان ويدعى به الانسان. وفيه من الفوائد ان الانسان عندما يريد ان يخبر بخبر ذي بال ينبغي ان يقدم بين يديه ما يلفت الانتباه. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بعد ان اخذ بيده قال يا معاذ فنبهه بامرين الاخذ بيده والثاني النداء باسمه رضي الله تعالى عنه. ثم قال والله اني لاحبك وهذا فيه القسم لتأكيد القول وليس هذا من آآ القسم الحلف المذموم فان الحلف قد يأتي من غير سؤال توكيدا وتوثيقا لما ثق فيه من خبر او نحوه. وهذا ما كان مقصودا ما كان مقصودا للنبي صلى الله عليه وسلم. وقوله اني لاحبك اي اجد في قلبي محبة لك ولم يذكر في الله لانها الاصل الذي يكون بين اهل الايمان فان الحب الذي بينهم لا لنسب ولا لمال ولا لمصلحة انما هو لاجل الله عز وجل وفي من الفوائد ان الانسان اذا احب شخصا فانه يستحب له ان يخبره بذلك وقد فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وليس في ذلك نقص على المخبر وان علت مرتبته وارتفعت منزلته. فان النبي صلى الله في المنزلة العالية السامية. ومع هذا يخبر معاذا وهو شاب من من من صغار اصحابه رضي الله تعالى عنهم بهذا الخبر وبهذا القول. وفيه بيان ان المحبة تقتضي بذل النصح والدلالة على الخير فان معاذا رضي الله تعالى عنه لما اخبره النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم والله اني لاحبك قال ثم اوصيك يا معاذ وهذا من ثمار المحبة الدلالة على الخير. فكلما زاد حبك لشخص حرصت على دلالته على الخير واهداء اهداء البر ودلالته على ما فيه صلاح معاشه ومعاده وفيه فضيلة هذا الدعاء في دبر الصلوات قبل السلام ان امكن واتسع او بعد السلام ان ضاق او غفل عنه الانسان فيقول اللهم اعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك فيه ان الانسان يطلب العون من الله عز وجل على طاعته فانه اذا لم يكن من الله عون للعبد في طاعة الله عز وجل لم يتحقق له شيء. واستحضار هذا المعنى يجعل انسان مظهرا افتقاره الى الله عز وجل في طلب الهداية وفي طلب التوفيق الى الخير وانه لا حول له ولا قوة انما فذاك فضل الله عز وجل الذي يمن عليه بالعمل الصالح وييسره له. والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا وفي شريف هذه المعاني المسؤولة والمطلوب العون فيها من ذكر الله عز وجل وشكره وحسن عبادته. وفي اهمية هذه الدعوة لان النبي صلى الله عليه وسلم اوصى بها معاذا. واوصى بها معاذا في دبر كل صلاة وهذا معناه ان هذه المسألة تتكرر وفيه ان تكرار الدعاء بصلاح الدين واستقامة العمل مما يندب ولو كان كثيرا. ولهذا نحن في كل صلاة بل في كل ركعة من صلواتنا نقول اهدنا صراط مستقيم صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين هذه جملة من الفوائد التي تضمنها هذا الحديث اسأل الله لي ولكم العلم النافع والعمل الصالح وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين