وعن ابي هريرة رضي الله تعالى عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول من حجت هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته امه متفق عليه بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. واصلي واسلم على اشرف المرسلين خاتم النبيين وعلى اله واصحابه اجمعين. من تبعهم باحسان الى يوم الدين نبدأ بعون الله تعالى وتوفيقه الدرس الخامس والاربعين من التعليق على كتاب ابن عاشر ونفتتح في هذا الدرس ان شاء الله كتاب الحج قال المؤلف رحمه الله تعالى الحج فرض مرة في العمر اركانه ان تركت لم تدبر الاحرام والسعي وقوع وقوف عرفة ليلة الاضحى والطواف رجبة هذا شروع من المؤلف رحمه الله تعالى في الحديث عن كتاب الحج والحج بفتح الحاء وكسرها في اللغة القصد وفي الاصطلاح هو حقيقة شرعية في قصد بيت الله الحرام وغيره من المناسك كوقوف عرفة في زمان مخصوص خصص الشارع له ميقاتا زمانيا ومكانا زمانيا وهيئة مخصوصة ايضا وهو الركن الخامس من اركان الاسلام ووجوبه معلوم من الدين بالضرورة ثابت بالكتاب والسنة والاجماع ومن ادلته من الكتاب قول الله تعالى ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا حج البيت او حج البيت مقروء بفتح الحاء وكسرها كل ذلك ثابت في القراءات المتواترة ومن ادلته من السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي اخرجه الشيخان من حديث عبد الله ابن عمر ابن الخطاب رضي الله تعالى على عهد ان النبي صلى الله عليه وسلم قال بني الاسلام على خمس شهادة ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله واقام الصلاة وايتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع اليه سبيلا واخرج مسلم من حديث ابي هريرة رضي الله تعالى عنه قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ايها الناس ان الله قد فرض عليكم الحج فحجوه والحج من افضل القربات التي يتقرب بها الى الله سبحانه وتعالى فهو كفارة للذنوب وهذا الحديث يقتضي ان الحج مكفر لكل الذنوب التي عملها الانسان في حياته قبل ان يحج ولو كانت كبائر لان قوله من ذنوبه عام والعام يتمسك بعمومه ما لم يرد مخصص ولا مخصص هنا وعن ابي هريرة ايضا رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج المبرور ليس له جزاء الا الجنة متفق عليه وكما وردت ادلة واحاديث كثيرة بفضل الحج بالجملة فقد وردت ادلة كثيرة كذلك في فضل بعض اعمال الحج وهذا يقتضي افضلية الحج على العموم ويقتضي التنويه والتنبيه على مزية خاصة لبعض اعماله فلذلك ما ورد في فضل وقوف عرفة بفضل اصحاب عرفة الذين وقفوا به فبذلك ما اخرجه مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله تعالى عنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما من يوم اكثر من ان يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة وانه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما اراد هؤلاء وجاء في فضل الهدي قول الله تعالى والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير وعن عبد الله ابن قرط عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ان اعظم الايام عند الله يوم النحر ويوم القرع اخرجه الامام احمد وابو داوود ويوم القر هو اليوم الحادي عشر من ذي الحجة اي اليوم الذي يلي عيد النحر لان الناس يقردون فيه بمنى وجاء في فضل النحر ايضا وفي فضل التلبية والذكر حديث ابي بكر رضي الله تعالى عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم افضل الحج العج والثج رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم وغيرهم والمراد بالعج رفع الصوت بالذكر والتلبية والمراد بالثج الذبح والنحر قول المؤلف رحمه الله تعالى الحج فرض مرة في العمر تقدمت الادلة التي تدل على وجوب الحج وفرضيته من الكتاب والسنة وذكرنا انعقاد الاجماع ايضا عليه بل هو من اعظم الهروب لانه في مرتبة ركن هو من اركان الاسلام قوله مرة في العمر يعني ان الحج واجب على المسلم واجب على الانسان وجوبا عينيا مرة واحدة في عمره وهذا الامر مجمع عليه لا خلاف فيه بين اهل العلم ان الحج انما هو فرض مرة واحدة في العمر وممن حكى الاجماع على ذلك الامام النووي رحمه الله تعالى في شرحه لمسلم وغيره من العلماء والدليل على ان الحج لا يجب الا مرة في العمر حديث ابي هريرة رضي الله تعالى عنه قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ايها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا فقال رجل اكل عام يا رسول الله فسكت حتى قالها ثلاثا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم ثم قال ذروني ما تركتكم فانما هلك من كان قبلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على انبيائهم فاذا امرتكم بشيء فاتوا منه ما استطعتم واذا نهيتكم عن شيء فدعوه اخرجه مسلم في صحيحه والرجل المبهم في هذا الحديث وهو الاقرع بن حابس هو الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم هذا السؤال ويجب على المسلمين وجوبا كفائيا اقامة موسم الحج في كل عام ولذلك قال الاصوليون ان الحج لا يكون الا فرضا. فلا يتصور وقوعه نفلا الصلاة يمكن ان تقع فرضا ونفلا والصوم يمكن ان يقع فرضا ونفلا والصدقة يمكن ان تقع فرضا ونفلا ولكن الحج لا يتصور فيه ان يقع نافلة لان الانسان اما ان يكون محرما فيه بحجة الاسلام فهو في فرض عين او ان يكون قد حج من قبل ذلك من قبل ذلك فهو في واجب كفاية لان الامة يجيب عليها اقامة الموسم في كل عام ولذلك اجمعت الامة على ان الحج يلزم بالشروع مع اختلافها في كون النفل يلزم بالشراب قال السيوطي رحمه الله تعالى في الكوكب الساطع الذي عقد به جمع الجوامع لابن السبكي في اصول الفقه والحج الزم بالتمام الشرع اذ لم يقع من احد تطوع والحج فرض بشروط الشرط الاول من شروط وجوب الحج الاسلام والشرط الثاني العقد فالمجنون لا تكليف عليه لان النبي صلى الله عليه وسلم قال رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ وعن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق اخرجه ابو داوود والنسائي وغيرهما والشرط الثالث البلوغ فالصبي ايضا لا تكليف عليه كما في حديث رفع القلم عن ثلاثة المذكور انفا ولكن اذا حج بالصبي اهله حصل له اجر الحج لكن حصول اجر الحج له لا يسقط عنه فرض حجة الاسلام اذا بلغ فاذا بلغ فانه لابد ان يحج حجة الاسلام ان استطعت ودليل ثبوت الاجر له ما جاء في الصحيح من حديث المرأة التي رفعت صبيا للنبي صلى الله عليه وسلم وقالت الهذا حج قال نعم ولك اجر ومعنى كونه له حج انه يحصل له الاجر ولكن لا تسقط عنه حجة الاسلام كما ذكر الشرط الرابع ان تكون الطريق امنة. فاذا كان الانسان يخشى بان كان يتيقن وهو يغلب على ظنه ان الطريق غير امنة وانها قد تعرضه لخطره من موته او نحوه فانه لا يجب عليه الحج حماية اه الشرط الخامس آآ مختص بالمرأة وهو المحرم كون المرأة اذا ارادت ان تخرج الى الحج يكون معها محرم وقد اكتفى العلماء وعلماء المالكية في حجة الفرض بالرفقة المأمونة وقالوا لا يشترط فيها المحرم فهي تخرج لركن من اركان الاسلام اين وجدت رفقة مأمونة فيها لها صيانة وهي مأمونة مصانة في هذه الرفقة فانها حينئذ تخرج مع الرفقة المأمونة ولا يشترط فيها ان يكون معها زوج او ذو محرم وينبغي ان ينظر في نهي الشارع المرأة عن السفر بدون محرم هل هو عبادة فلا يدخلها نظر ولا القياس او هو لعدة حفظ المرأة واذا كان الامر كذلك فان العلة قد تخصص في الحكم ويرتفع الحرج حينئذ عند حصول اليقين بان المرأة اذا سافرت في رفقة مأمونة لن يصيبها اذى ولعل هذا ما جعل المالكية يجتهدون باستثناء صورة حجة الفرد وكانهم رأوا ان اشتراط المحرم ليس واجبا لذاته وانما هو واجب لعلة وهي صيانة المرأة وحفظها وانه اذا وجدت الرفقة المأمونة خرجت الى حجت الفرض الشرط السادس في الاستطاعة لقوله تعالى ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا لقوله صلى الله عليه وسلم وحج البيت لمن استطاع اليه سبيلا والمراد بالاستطاعة القدرة المالية والبدنية واختلف العلماء بالمستطيع هل يجب عليه الحج على الفور او على التراخي الحج من كان مستطيعا له هل يجب عليه على الفور او هو واجب على التراخي فلا يأزم بالتراخي ولا تلزم المبادرة فذهب جمهور اهل العلم من المالكية والحنفية والحنابلة الى ان حج المستطيع واجب على الفور واستدلوا لذلك بالاوامر المطلقة بالحج ولا عمره الاصل فيه عندهم انه يقتضي الفوضى وتدل ايضا بقوله صلى الله عليه وسلم من اراد الحج فليتعجل رواه ابو داوود زاد احمد وابن ماجه فانه قد يمرض المريض وتضل الدابة وتعرض الحاجة ولان التأخير ان قلنا به فاما ان نقول به لاجل معين. بان نقول يجوز له ان يؤخر الى كذا. مثلا الى الستين او السبعين او نحو ذلك ولا دليل على هذا التحديد واما ان نقول بل يجوز له التأخير من غير تقييد وهذا مشكل لان الانسان لا يدري متى يموت فمتى يحصل التأخير الذي يكون صاحبه مفرطا اثما في ترك الحج؟ اذا قلنا ان التراخي مطلق غير مقيد وذهب الشافعية الى ان الحج واجب على التراخي واستدلوا بان النبي صلى الله عليه وسلم فتح مكة سنة ثمان في رمضان ولم يحج سنة ثمان ولا سنة تسع ولكنه اقام الموسم سنة تسع فامر ابا بكر رضي الله تعالى عنه ان يحج بالناس وجاب الجمهور عن هذا بان النبي صلى الله عليه وسلم يوحى اليه ويمكن ان يكون قد اخر الحج بوحي لان اهل مكة ما زالوا يطوفون عراة حينئذ حتى حرم ذلك في حجة ابي بكر رضي الله تعالى عنه والنبي صلى الله عليه وسلم يوحى اليه فلا تفريط في تأخيره اما نحن فلا ندري متى نموت ولا نطلع على الغيب فلا يسلم تأخيرنا من تدقيق ونقتصر على هذا القدر ان شاء الله سبحانك اللهم وبحمدك نشهد ان لا اله الا انت نستغفرك ونتوب اليك