بسم الله الرحمن الرحيم حياكم الله. في الحلقة السادسة عشرة من هذه الحلقات التي اشرح فيها معلقة امرئ القيء يقول امرؤ القيس وهو يذكر اليوم الرابع من ايامه الصالحة مع النساء عن فاطمة ويوما على ظهر الكثيب تعذرت علي والت حلفة لم تحل لي افاطمة مهلا بعض هذا التدلل. وان كنت قد ازمعت صرمي فاجملي اغرك مني ان حبك قاتلي وانك مهما تأمري القلب يفعلي وانك قسمتي الفؤاد فنصفه قتيل ونصف في حديد مكبل وانتكوا قد ساءتك مني خليقة فسل لي ثيابي من ثيابك تنسلي كنت قد وقفت عند هذا الحد في الحلقة السابقة واكمل في هذه الحلقة فاقول اخذ امرؤ القيس يكمل استمالتها بعذب كلامه فقال وما ذرفت عيناك الا لتضربي بسهميك في اعشار قلب مقتل فانت لا تبكين لان خليقة مني ساءتك واذتك بل تذري فينا الدموع لتضربي قلبي بسهميك ذرفت عيناك ذرف الدمع يذرف ذرفا وذرفانا اذا سال وذرفت العين الدمع تذريفه ظرفا وذرفانا وذروفا وذريفا وتذرافا وذرفته تذريفا وتذرفه اذا اسالت وما ذرفت عيناك الا لتضربي بسهميك في اعشار قلب مقتل القلب المقتل هو المدلل بالعشق غاية التذليل ومنه قولهم اقتلوا الخمر اي اكسروا حدة مرارتها بمزجها بالماء لانه يذللها للشارب ومن ذلك قول الاخطل عن الخمر وكان سكيرا فقلت اقتلوها عنكم بمزاجها واطيب بها مقتولة حين تقتل ومنه بيت حسان بن ثابت رضي الله عنه الشهير قاله في جاهليته ان التي ناولتني فرددتها قتلت قتلت فهاتها لم تقتل ان التي ناولتني فرددتها قتلت قتلت فهاتها لم تقتلي. اي ان كأس الخمر التي ناولتني اياها فرددتها لك مقتولة اي ممزوجة بالماء فاعطني كأسا اخرى لم تقتل اي اعطنيها صرفا غير ممزوجة قتلك الله روي الا لتظربي بسهميك في اعشار قلب مقتل وروي الا لتقدحي بسهميك في اعشار قلب مقتل. تقدحين بسهميك اي تضربين بسهميك في قلبي فتقدحين فيه بهما نارا نار الهوى من قولهم قدح بالزند يقدح قدحا اي اورى به النار واوقدها وما ذرفت عيناك الا لتضربي بسهميك في اعشار قلب مقتل للعلماء في تفسير هذا البيت قولان الاول وما ذرفت عيناك الدموع الا لتصيدي قلبي بسهمي عينيك فتصيبي بهما كل قطعة من قطع قلبي الذي سيره الحب عشرة اجزاء والعدد هنا اعشار على هذا القول غير مقصود لذاته. وانما المراد منه ما التعبير عن تحطم قلبه بهواها حتى غدا اجزاء كثيرة لم يسلم جزء منها من سهمي عينيها والثاني وما ذرفت عيناك الا لتظربي بسهمي عينيك فتستولي على اجزاء قلب العشرة فتملكي قلبي كله شبهها بسهام الميسر واقداحها فقد كان العرب في الجاهلية يقسمون الجزور عشرة اجزاء ثم يتخاطرون عليها بسبعة سهام او اقداح اولها قيمته عشق والثاني قيمته عشران والثالث ثلاثة وهكذا في البقية فاعلاها هو السابع وقيمته سبعة تشاو وعلى هذا يكون المراد من قول امرئ القيس الا لتظربي بسهميك في اعشار قلب مقتل تشبيه عينيها بالسهمين الثالث ويسمى الرقيب والسابع ويسمى المعلى لان مجموعهما عشرة فعيناها كسهمي الرقيب والمعلى وقلبه كالجزور مقسوم عشرة اعشار فعيناها استولتا على العشرة كلها كما يستولي الرقيب والمعلى على اعشار الجزور كلها وحاصل المعنى على الوجهين واحد فهو يزعم ان بكاءها ليس الا تدللا. ورغبة في احكام سيطرتها على قلبه فهي لا تبكي لسوء مسها منه. فتعذرها دلال وتمنعها اغترار بحبه لها وبكاؤها خديعة لا قصد لها منها الا الاستحواذ على كل قلبه فهو يمعن في تبرئة نفسه والبحث عن اي سبب لتعذرها غير خطأه فان كان قد اخطأ وساءها بخليقة من خلائقه فالفراق هو الحل وليس الاعتذار. وهذا هوى عشاق الملذات وطالب الشهوات يقول ويوما على ظهر الكثيب تعذرت علي والت حلفة لم تحل لي افاطمة مهلا بعض هذا التدلل وان كنت قد ازمعت صرمي فاجملي. اغرك مني ان حبك قاتل وانك مهما تأمري القلب افعلي وان تك قد ساءتك مني خليقة فسلي ثيابي من ثيابك تنسلي شرحت هذه الابيات التي وردت في جميع المصادر بهذا الترتيب وبعض الشراح كالاصمعي والقرشي في بعض نسخ جمهرة اشعار العرب وابي جعفر النحاس قدموا قوله وان تقوا قد ساءتك مني خليقة فسلي ثيابي من ثيابك لتنسلي على قوله اغرك مني ان حبك قاتل وانك مهما تأمري القلب افعلي فاحببت التنبيه الى هذا الاختلاف اليسير في ترتيب هذه الابيات وبهذا اختم شرح الابيات الستة التي ذكر فيها امرؤ القيس هذه الذكرى مع فاطمة في سياق استذكاره للايام الصالحة مع النساء فقد بدأ قصيدته بالوقوف على اطلال محبوبة له بسقط لواء فوجدها موحشة مقفرة قد الفتها جوافل الظباء والبقر الوحشية فتذكر يوم رحيلها مع اهلها عنه فتملكته عبرة حارقة سرعان ما شفى نفسه منها بالبكاء فهذا دأبه حين تتملكه الذكريات المؤلمة فقد جرب هذا الدواء في ذكرياته الحزينة مع ام الحويرث وام الرباب بمأسل فالبكاء عنده استشفاء من الالم لا ان اطلال الديار مكان للبكاء والعويل بل هي مكان لاستحضار الذكريات السعيدة في الايام الصالحة مع النساء. فذكر يوم دارة جلجل في بيت واحد ويوم عقر الناقة للعذارى في اربعة ابيات ويوم دخول خدرعنيزة في سبعة ابيات استحضر فيها ايضا مغامراته مع الحوامل والمرضعات ثم ذكر يوم تعذر فاطمة ودلالها عليه في الابيات الستة التي فرغت من شرحها قبل قليل فهذه اربعة ايام معينة من ايامه الصالحة مع النساء استحضرها في الجزء الثاني من القصيدة اقف عند هذا الحد والتقيكم ان شاء الله تعالى في حلقة قادمة والى ذلك الحين استودعكم الله. واسأل الله تعالى لكم التوفيق والسداد