بسم الله الرحمن الرحيم حياكم الله في الحلقة الرابعة والعشرين من هذه الحلقات التي اشرح فيها معلقة امرئ القيس كنت في الحلقة السابقة قد فرغت من شرح قوله وهو يصف شعر بيضة الخدر وفرع يزين المتن اسود فاحم اثيث كقنو النخلة المتعثكل ثم قال غدائره مستشزرات الى العلا وروي غدائرها والغدائر جمع غديرة والغديرة هي ذئابة الشعر وخصلته مستشزرات مستفعلات من قولهم حبل مشزور اي مفتول فتلا شديدا فالشزر هو الفتل ومن هذا المعنى قولهم نظر اليه شذرا اي نظر اليه نظرة مفتولة غير مستقيمة. فيها اعراظ فمعنى غدائره مستشرات الى العلا اي خصله منفتلات الى فوق وروي غدائره مستشذرات الى العلا اي خصله مفتولات الى فوق. وقد اخذ اهل البلاغة على امرئ القيس استعماله مفردة مستشزرات في هذا البيت لما فيها من الثقل على السمع والصعوبة في النطق لتنافر حروفها غدائره مستشذرات الى العلا تضل العقاص في مثنى ومرسل تضل العقاص تضل تفعل من قولهم ظل يضل ضلالا وضلالة. اذا جانب الهدى والرشاد والعقاص جمع قصة وعقيصة قيل هي الخصلة من الشعر وقيل هي الظفيرة وقيل بل هي الظفيرة التي تلف على الرأس وتشد في القفا وقيل بل هي الخيط الذي تعقص به اطراف ذوائب الشعر اي تشد في مثنى ومرسل مثنى مفعل من قولهم تن الشيء يثنيه ثنيا اذا رد بعضه على بعض وثناه تثنية اذا بالغ في ذلك فكثر فالشعر مثني ومثنى قد ثني وثني فتثنى وانثنى واثنونا فالشعر المثنى هو الذي رد بعضه على بعض لغزارته وطوله روي في مثنى ومرسلي وروي بين مثنى ومرسل مثنى اسم عدد عدلت اليه العرب بمعنى اثنين واثنتين ومنه قول الله تعالى الحمد لله فاطر السماوات والارض جاعل الملائكة رسلا اولي اجنحة مثنى وثلاثة ورباع يزيد في الخلق ما يشاء. ان الله على كل شيء قدير فمعنى مثنى على هذه الرواية ان خصل شعرها قسمت. ثم غفرت او ثنيت اثنتين اثنتين في مثنى ومرسل وفي الرواية الاخرى بين مثنى ومرسل مرسل مفعول من قولهم ارسل الشيء اذا اطلقه وتركه حرا غير مقيد وقالوا شعر رسل اي مسترسل. فالشعر المرسل هو الذي لم يقيد بربط او ظفر او ثني بل ترك مسترسلا. معنى تضل العقاص في مثنى ومرسل. اي تضيع الظفائر او الخيوط في الشعر المثنى والشعر المرسل فهي كثيرة الشعر فمنه مرسل ومنه مثنى مجعد ومنه معقوص اي مظفور او ملوي على الرأس او مشدود بخيوط فالشعر المعقوص منه لا يتبين في جميع الشعر لكثرة ما بقي منه روي تضل العقاص وروي تضل المدار. المدار جمع مدرى. وهو شيء يعمل من حديد او خشب على هيئة سن المشط الا انه اكبر منه واطول ولذلك شبهت العرب قرن الثور به يصرح به الشعر الغزير الكثيف ويحك به الرأس فالمدار تظل في شعرها لكثافته وغزارته وروي يضل العقاص والعقاص على هذه الرواية هو المدرى وهو مفرد اللا جمع مثل كتاب وزنا وعددا ومراده في هذا البيت هو تأكيد ما ذكره في البيت الاول من ان شعرها اثيث كثيف غزير كثير متعثكل متداخل فغدائره مرتفعات الى العلا ومنه ما هو مظفر ومنه ما هو مجعد مثنى ومنه ما هو مرسل. وقد ضاعت الظفائر وخيوطها بين مجعده ومرسله لكثرته وطوله وسبوغه لعلكم تذكرون ان امرء القيس قال في اخر الابيات الثمانية التي وصف فيها مغامرته الى بيضة الخدر فلما اجزنا ساحة الحي وانتحى بنا بطن خبت ذي قفاف عقنقلي هصرت بفوضي رأسها فتمايلت علي هظيم الكشح ري المخلخل فذكر خصرها النحيل وساقها المكتنزة الراوية الناعمة ثم عاد فذكر خصرها النحيل ثانية في قوله مهفهفة بيضاء غير مفاضة. وها هو ذا يعود من جديد بعد ان وصف شعرها الاسود الفاحم لوصف خصرها وساقها فقال وكشح لطيف كالجديل مخصر وساق كانبوب السقي المذلل تشحن لطيف مخص الكشح كما قلت سابقا هو الخصر وهو ما بين اخر الاضلاع الى رأس الورك من الجانبين واللطيف المخصر هو الصغير الدقيق الظامر كالجدين الجديل هو الحبل المفتول من جلد او شعر او نحوه من قولهم جدل الشيء يجدله ويجدله جدلا اذا احكم فتله وجمع الجدي جدل شبه خصرها في استوائه وانسجامه واتساقه بالحبل المفتول الذي لا ترهل فيه ولا استرخاء وهذا تأكيد لما قاله من قبل في وصفها فهي هظيم الكشح مهفهفة غير مفاظة ثم قال وساق كانبوب السقي المذلل. الساق ما بين الركبة والكعب وجمعه سوق وسيقان واسأق كانبوب السقي الانبوب والانبوبة ما بين كل عقدتين من سيقان القصب والجمع انابيب السقي سقي فعيل من قولهم سقاه بالماء يسقيه سقيا فالسقي هو المسقي وقد تعددت اقوال اهل اللغة في تفسير السقي في بيت امرئ القيس فقيل السقي هو نبات البردي. وحدته سقية وسمي بذلك لانه لا ينبت الا في الماء اي او قريبا منه وقيل السقي هو النخل عند اقتراب الثمرة. لان اهله يكثرون سقيه بالماء. لان ذلك ان للثمرة واجود السقي المذلل اذا فسرنا السقي بنبات البردي فالمراد بالمذلل الذي ذلل طريق الماء اليه او الذي ذلل بغمر الماء له فهو في ارتواء دائم لانه من النباتات المائية التي لا ينقطع عنها الماء واذا فسرنا السقي بالنخل فالمذلل هو الذي ذللت عذوقه. وتذليل العذوق هو ان يأتي المزارع اليها بعد ان تنشق الكوافير عن طلعها فيسمحها وينظمها ليكون خروجها من بين الجريد والسلا وهو شوك النخل هلأ حتى يكون قطف تلك العذوق عند ينعها ايسر لانها تكون مدلاة من بين الجريد فهذا معنى تذليل العذوق في الدنيا. اما في الاخرة فقال الله تعالى في وصف نعيم الجنة جعلني الله واياكم من اهلها ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا. اي ادنيت ودليت لقاطفها فمعنى قول امرئ القيس وساق كأنبوب السقي المذلل اي ساق لينة ناعمة مرتوية ذات رونق ونقاء كانها في روائها ونقائها ورونقها وليونتها انبوب قصبة بردي نابت في الماء او انبوب قصبة نابتة في كن نخل كريم على اهله فهم يذللون عذوقه ويديمون سقيه والعناية به. وهذا اكيد لما قاله من قبل في وصف ارتواء ساقها حين قال ري المخلخل. والمخلخل كما قلت هو موضع الخلخال من الساق والخلخال حلية كالسوار تلبسها النساء في ارجلهن اقف عند هذا الحد والتقيكم في حلقة قادمة ان شاء الله تعالى والى ذلك الحين استودعكم الله واسأل الله تعالى لكم توفيق والسداد