بسم الله الرحمن الرحيم حياكم الله في الحلقة السابعة والعشرين من هذه الحلقات التي اشرح فيها معلقة امرئ القيء تضيء الظلام بالعشاء كانها منارة ممسى راهب متبتل ذكرت لكم في الحلقة السابقة ان امرأ القيس ختم بهذا البيت اوصافه لبيضة الخدر وانتقل لوصف موقفه النفسي منها في ثلاثة ابيات هي قوله الى مثلها يرنو الحليم صبابة اذا ما استكرت بين درع ومجول تسلت عمايات الرجال عن الصبا وليس فؤادي عن هواك بمنسل الا رب خصم فيك الوار رددته نصيح على تعذاله غير مؤتل الى مثلها يرنو الحليم صبابة يرنو يفعل من قولهم رناه يرنوه ورنا اليه رنا ورنوا ورنوا اذا ادام النظر فيه مع سكون الطرف والرنا هو كل شيء ينظر اليه من حسنه والمراد هنا في بيت امرئ القيس غنو القلب والذهن. لا رنو البصر فحسب الى مثلها يرنو الحليم الحليم فعيل من قولهم حلم يحلم حلما. اي صار ذا حلم. والحلم العقل والاناة حكمة والتثبت في الامور. وهو ضد السفه وجمع حلم احلام وحلم وصاحب الحلم حليم من قوم احلام وحلماء الى مثلها يرنو الحليب صبابة الصبابة رقة الشوق وحرارته وقد ذكرتها فيما مضى وهي من قولهم صب اليها يصب وصببت اليها انا صبابة فهو صب وانا صب اي عاشق مشتاق الى مثلها يرنو الحليم صبابة اذا ما اسبكرت بين درع ومجولي ازبكرت اي تم طولها واعتدل من قوله مسب كر النبات يسبك الرسبكرارا. اذا طال وتم واستقرت الجارية اذا اعتدل طولها وتم. وشعر مسبكر اي طويل مسترسل. وكل شيء امتد وطال فهو مسبكر اذا ما استكرت بين درع ومجول. الدرع قميص المرأة البالغة وجمعه ادراع بل ثوب الجارية الصغيرة وجمعه مجاول وقد ذكرتهما عند شرحي لقوله وقد سلبت من كل درع ومجولي سمي ثوب المرأة البالغة درعا لما ينبغي ان يكون عليه من الصبوغ والسعة والصون والحماية سمي ثوب الجارية الصغيرة مجوالا لانها تجول فيه لصغر سنها يقول امرؤ القيس الى مثلها يرمو الحليم صبابة اذا ما استكرت بين درع ومجول اي الى مثل هذه البيضة التي وصفها من النساء يطيل الحليم العاقل نظره بقلبه وذهنه. لا ببصره فحسب من حرارة الشوق ورقته اذا ما رآها بعينه ثم استحظرها بقلبه وذهنه طوال وقته. وقد تم طولها وهي في سنها ليست بالجارية الصغيرة التي تلبس المجول ولا بالمرأة البالغة التي تدرع بالدرع فهي مع تمام طولها ما يزال سنها بين بين بين سن لابسة المجول وسني لابسة الدرع وفي قوله الى مثلها وليس اليها. ملمح طريف. ولو قال اليها يرن الحليم صبابة لاساء تناقض نفسه فاما الاساءة فهي بان يجعلها نهبا للانظار مع ما يبديه من تعلقه بها وركوبه الاهوال من اجلها فينبغي ان يغار عليها وان يجعلها خالصة لنفسه. واما التناقض فهو انه لم يفتأ يصف ما هي عليه من العزة والمنعة فهي بيضة خدر عليه احراس ولها معشر حراص على قتله فكيف يقول بعد ذلك اليها يرنو الحليم صبابة فقد احسن والله في قوله الى مثلها غاية الاحسان وفي قوله يرمو الحليم ملمح اخر وهو انه بهذا دفع عن نفسه السفه فهو لم يرتكب كل هذه الاهوال من اجلها سفها وطيشا بل لان جمالها بلغ حدا يصبي الحليم العاقل الحكيم ثم يقول امرؤ القيس تسلت عمايات الرجال عن الصبا تسلت من سلا الشيء وسلا عنه وسليه يسلو ويسلى. سلوا وسلوا وسوليا وسليا وسلوانا وتسلى تسليا اذا نسي الشيء او طابت نفسه بتركه ومنسلي في قافية البيت تسلت عمايا الرجال عن الصبا وليس فؤادي عن هواها بمنسل من سلي منفعل من قوله من سلا ينسل انسلاء. اي انكشف. فمعنى منسلي منكشف عمايات الرجال عمايات جمع عماية وهي العمى والمراد هنا الجهل والضلالة والغواية واللجاجة في الباطل. وقد مضى شرحها عند قوله فقالت يمين الله ما لك حيلة وما ان ارى عنك العماية تنجلي الصبا جهل الفتوة ولهو الغزل وطيش الهوى من قولهم صبا يصبو صبوا وصبو وصبا وصباء وصبوة اذا مال الى الجهل واللهو واللعب تسلت عمايات الرجال عن الصبا وليس فؤادي عن هواها بمنسل وروي وليس فؤادي عن هواك بمنسل وروي وليس فؤادي عن هواه بمنسل وروي وليس فؤادي عن صباه بمنسل وروي وليس صبايا عن هواها بمنسل. والمعنى على الروايات الخمس واحد وللعلماء في تفسيره قولان الاول وهو الاشهر والاكثر انه اراد ان يقول تسلت الرجال عن عمايات الصبا ولكنه قلب لضرورة الشعر فقال عمايات الرجال عن الصبا والمعنى على هذا تسلت الرجال عن ضلالات اللهو واللعب والهوى وفؤادي ليس بسال عن حبها ولا خارج من هواها والثاني ان عن في البيت بمعنى بعد والمعنى على هذا تسلت عمايات الرجال اي انكشفت ضلالات الرجال بعد مضي صباهم وفؤادي ما زال في ضلالي هواها ومراده على الوجهين هو ان حبه لها ثابت لا يزول وان الناس من قبله ومن بعده عشقوا ثم سلوا عن عشقهم وهو ثابت على حاله وفي هذا البيت رواية اخرى جاءت فيها تجلت مكان تسلت في اول البيت ومنجلي كان منسلي في اخر البيت تجلت امايات الرجال عن الصبا وليس فؤادي عن صباه بمنجلي والرواية الاخرى تجلت عمايات الرجال عن الصبا وليس صباي عن هواك بمنجلي تجلت اي انكشفت ومنجلي اي منكشف. وكنت قد شرحت هذا عند قوله فقالت يمين الله ما لك حيلة وما ان ارى عنك الغواية تنجلي ولا جديد في هذه الرواية فهو يقول ان غوايات الرجال فعزفوا عن اللهو واللعب والهوى مع تجاوزهم مرحلة الصبا. اما غوايته بهذه الفاتنة التي وصفها فلم تنكشف عنه تسلت عمايات الرجال عن الصبا وليس فؤادي عن هواها بمنسل اكتفي بهذا القدر والتقيكم في الحلقة القادمة ان شاء الله تعالى والى ذلك الحين استودعكم الله واسأل الله تعالى لكم التوفيق والسداد