يخرج امرؤ القيس ليصف مشهدا من مشاهد طرد هذا الفرس للصيد بشيء من التفصيل فيقول تعن لنا سرب كأن نعاجه عذارى دوار في ملاء مذيل قال اللغويون ان الفاء في فعلنا للاستئناف بسم الله الرحمن الرحيم حياكم الله في الحلقة الثامنة والثلاثين. من هذه الحلقات التي اشرحوا فيها معلقة امرئ القيس كنت قد فرغت في الحلقة السابقة من شرح قوله في وصف فرسه ضليع اذا استدبرته سد فرجه بظاف فوق الارض ليس باعزل كان على المتنين منه اذا انتحى مداك عروس اوصلاية حنظل ثم يقول كان دماء الهاديات بنحره عصارة حناء بشيب مرجل كأن دماء الهاديات الدماء جمع دم وهو بميم واحدة لا تشدد والمثنى دماني ودميان. وسمع ايضا دموان والجمع دماء ودمي. والقطعة من من الدم دمه كأن دماء الهاديات الهاديات جمع هادية وتجمع ايضا على هوادي يقصد هاديات الوحش من الغزلان والظباء والارقام والبقر وغيرها وهي اوائلها المتقدمة عليها العرب تسمي الدليل الذي يتقدم القوم ليدلهم للطريق الهادي لانه يهديهم اليها اه وفي الحديث طلعت هواد الخيل اي اوائلها وقد تسمي العرب اعناق الخيل الهوادي لتقدم اعناقها على اجسادها كأن دماء الهاديات بنحره عصارة حناء بشيب مرجل. النحر اعلى الصدر جمعه نحور عصارة حنا عصارة الشيء وعصاره وعصيره ما تحلب منه عند عصره والحناء الخضاب وهي صبغة تستخلص من شجرة الحناء معروفة والشيب الشعر الابيض معروف والشيب المرجل الشعر الابيض المسرح بالمشط ولذلك سمت العرب المشط مرجلا ومسرحا لان الشعر يمشط به ويرجل ويسرح يقول كأن دماء اوائل الوحش التي تقع على صدر فرسه حين يطعنها هو برمحه عصارة حناء على شعر ابيظ مرجل بالمشط وقوله المرجل ليست حشوا لاقامة القافية. كما قال بعض الشراح بل هي مقصودة لا تكتمل الصورة الا بها لانا نضحى الدم حين يقع على نحر الفرس يكون خطوطا تشبه خطوط عصارة الحناء على الشعر المرجل بالمشط لان المشط يجعلها خطوطا قائمة في هذا البيت ثلاثة تنبيهات الاول انه قال كان دماء الهاديات وهي اوائل قطيع الصيد ولو قال كان دماء الجافلات بنحره او كأن دماء الهاربات بنحره ونحو ذلك لا ادى المعنى ولكن ما كان لامرئ القيس ان يقول الا الهاديات لانه قد اسرف في الابيات السابقة في وصف سرعة هذا الفرس فهو حين يمس بالعقب يجيش جيشان الموج وينسح انسحاح المطر لا تدركه الخيل السوابح حتى ان الغلام الخفيف اذا ركبه طار عن ظهره نشاطه وسرعته والعنيفة المثقل تتطاير اثوابه ثم يسقط هو عن صهواته وهو يتابع الجري بعد الجري كخظروف الصبي فكيف يقول عن فرس هذه صفته انه يعدو خلف قطعان الصيد فيدركوا اواخرها لا بل يتجاوز القطيع كله حتى يدرك هادياته المتقدمة عليه فيطعنها امرؤ القيس عن قرب فتنضح دماؤها على نحر الفرس خطوطا والتنبيه الثاني قوله عصارة حناء بشيب مرجل فلو قال بشعر مرجل لادى المعنى ولكن في قوله بشيب مرجل معنى زائدا وهو ان لون الحناء على الشيب اقوى واظهروا لبياضه والتنبيه الثالث ان الاصمعي والقرشي في بعظ نسخ الجمهرة لا يثبتان هذا البيت في هذا الموظع بل يؤخرانه يكون بعد قوله ورحنا وراح الطرف ينفض رأسه. متى ما ترقى العين فيه تسهلي يأتي شرحه ان شاء الله كأن دماء الهاديات بنحره عصارة حناء بشيب مرجل وعند هذا البيت فقد استأنف بها كلاما جديدا. وهي عندي للعطف على اغتدي. من عطف الماضي على المضارع كما في قوله تعالى عن فرعون يقدم قومه يوم القيامة فاوردهم النار يقول امرؤ القيس وقد اغتدي والطير في وكناتها بفرس منجرد قيد الاوابد هيكل مكر مفر مع مقبل مدبر معا كميت جياش مسح ضليع لامع المتن ملطخ النحر بدم الهاديات فعن لنا سرب وقد اغتدي والطير في وكناتها بفرس هذه صفته فعن لنا سرب كأنني عاجه عنا الشيء يعن ويعن عننا وعنونا اذا ظهر امامك وعن الشيء يعن ويعن عنا وعنونا واعتنى اذا اعترظ والبيت يحتمل الوجهين معا فان لنا سرب السرب القطيع من الظباء او المهى او او البقر الوحشية او الخيل ونحوها والجمع اسراب ومراد امرئ القيس فان لنا سرب من بقر الوحش لانه قال بعد ذلك فعادى عداء بين ثور ونعجة وبقر الوحش هو المهى كأن لنا سرب من بقر الوحش كأن نعاجه عذارى دوار النعاج جمع نعجة والنعجة هي الانثى من الضأن والظباء والبقر الوحشي والشاء الجبلي عذارى دوار العذارى جمع عذراء وهي البكر التي لم تمس تجمع على عذارى وعذاري ودوار ودوار بالفتح والظم كما في الرواية الاخرى حجر كان اهل الجاهلية ينصبونه اذا ابتعدوا عن الكعبة ويطوفون حوله كما يطوفون حولها اذا كانوا بمكة وورد في اسمه ايضا دوار ودوار بتشديد الواو يقول كانني عاج سر بالمها عذارى يطفن حول دوار في ملاء مذيل المولاة جمع مولاة وهي الملحفة التي تلبس من فوق الثياب وتكون سابغة تغطي ما تحتها. ولذلك يسمى غطاء السرير الاعلى ملاءة. لانها ما يفرش فوقه وتجمع على مولاء وملاءات ويغلب على لونها البياض ومذيل اي له ذيول طويلة مرخاة مهدبة من قولهم ذيل فلان ثوبه تذييلا اذا طول فهو مذيل والثوب مذيل يقول امرؤ القيس فظهر امامنا واعترظ لنا سرب من المهى كان نعاجه في انتظام مشيها وحسن تبخترها وبياظ الوانها وطول اذيالها عذارى لبسن الملاء البيظ مذيلة وهن يطوفن حول الحجر بسكينة وهدوء وانتظام فادبرنا كالجزع المفصل بينه بجيد معم في العشيرة مخولي اقف عند هذا البيت وبه ابدأ الحلقة القادمة ان شاء الله تعالى والى ذلك الحين. استودعكم الله اسألوا الله تعالى لكم التوفيق والسداد