بسم الله الرحمن الرحيم حياكم الله في الحلقة الحادية والثلاثين من هذه الحلقات التي اشرحوا فيها معلقة امرئ القيس كنت قد انتهيت في الحلقة السابقة الى قوله فيا لك من ليل كأن نجومه بكل مغار فتل بيذبلي كأن الثريا علقت في مصامها بامراسك كتان الى صم جندل هكذا ورد هذان البيتان عند معظم الرواة. اما الزوزني فقد رواهما بيتا واحدا جمع فيه صدر البيت الاول مع عجز البيت الثاني. فيا لك من ليل كأن نجومه بامراس كتان الى صم جندل اي ما اطولك من ليل كأن نجومه ربطت بامراس كالتان الى صخور وبهذين البيتين كما قلت لكم ختم امرؤ القيس استحضار ذكرياته مع حمل الهموم الثقال في الليالي الطوال لتكون دليلا على صبره وجلده وقوة احتماله ثم انتقل الى الاعتداد بحمل المغارم في قوله وقربة اقوام جعلت عصامها على كاهل مني ذلول مرحل القربة وعاء من جلد لحفظ الماء او اللبن ونحوهما وجمعها قرب والواو في قوله وقربة واو ربة اي ورب قربة اقوام وهي للتكثير وعصام القربة هو الحبل الذي تربط به وتحمل فيضعه حاملها على عاتقه وصدره يقولون عصم القربة يعصمها عصما اذا جعل لها عصاما واعصمها اذا شدها بالعصام وعصام الوعاء عروته التي يعلق بها. والجمع اعصمة وعصم وقربة اقوام جعلت عصامها على كاهل مني ذلول مرحل الكاهل ما بين رأس الكتف والعنق وجمعه كواهل. والذلول السهل المطواع. من الذل وهو اللين من قولهم ذلت الدابة تذل ذلا. اذا لانت وانقادت وتسخرت فالذل ضد الصعوبة وهو خلاف الذل والذلة والمذلة. التي هي نقيض العز وقد يرد الذل نقيظا للعز ونقيظا للصعوبة والسياق يفصل بينهما. وذلول بمعنى فاعل وهي صفة يستوي فيها المذكر والمؤنث. فيقال جمل ذلول وناقة ذلول جمع ذل ومنه قول الله تعالى للنحل ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا. اي مسخرة ميسرة ومنه قولهم اللهم اسقنا السحاب وهو الذي لا رعد فيه ولا برق على كاهل مني ذلول مرحل فكاهله سهل منقاد مسخر مرحل والمرحل من الرحل وهو ما يوضع على ظهر البعير ويركب فوقه تقول رحل البعير اي وضع عليه الرحل ورحله بالتشديد من كثرة وضع الرحل عليه فيكون المراد بالكاهل الذلول المرحل الكاهل السهل المعتاد على وضع الحمول عليه دون اباء منه او مقاومة وجاء في رواية اخرى على كاهل مني ذلول مرجل بالجيم مرجل من قولهم رجل الشعر او النسيج. اذا سواه وزينه ونظمه ونشطه الراحة ليزيل ما فيه من جعودة والتواء ويخلص بعضه من بعض فهو كاهل مستو مهيأ للحمول وقربة اقوام جعلت عصامها على كاهل مني ذلول مرحل ظاهر معنى هذا البيت هو ان امرأ القيس يقول كم من قربة اقوام جعلت الحبال الذي تحمل به على كاهل السهل المطواع الذي لا يأبى حمل الاثقال فهو معتاد عليها. ومن اهل اللغة من حمل هذا البيت على هذا المعنى الظاهري. فقال انه يفتخر بخدمة رفاقه في السفر فهو يحمل قربة الماء او اللبن على كاهله وهي من اثقل ما يحمل وهذا التفسير مرجوح والاولى منه انه يريد بذلك حمل المغارم والحقوق والنوائب والديات عن الاقوام فكاهله معتاد على حملها وهذا اليق به واولى وانسب للسياق واوفق وفي قوله وقربة اقوام ملمح عميق فهي ليست قربة قوم بل قربة اقوام وفي هذا اشارة الى ثقل المغارم التي ينهظ بها فهي مغارم اقوام كثيرين وهو يحملها بمفرده. وبهذا يكون امرؤ القيس قد انتقل من سرد الذكريات الدالة على لهوه وعبثه الى سرد الذكريات الدالة على جده وجلده ليالي الهموم الطوال التي قاومها. ومغارم الاقوام الثقال التي احتملها ثم انتقل الى استحضار وجه اخر من وجوه جلده وصبره فقال وواد كجوف العير في كفر قطعته به الذئب يعويه كالخليع المعيل. فقلت له لما عوى ان شأننا قليل الغنى ان كنت لما تمولي كلانا اذا ما نال شيئا افاته ومن يحترس حرثي وحرثك يهزلي وواد كجوف العير قفر قطعته اي ورب واد والوادي كله منفرج بين الجبال والتلال والاكام. ويكون مسلكا سيلي ومنفذا وجمعه اودية واوداء ووديان كجوف العير جوف الانسان وغيره من الحيوان بطنه. والجوف من الارض المطمئن الهابط الجمع اجواف والعيب الحمار اهليا كان ام وحشيا وهو في الوحشي اكثر وجمعه اعيار وعيار وعيور وعيورة وعيارات وواد كجوف العير قفر قطعته. قفر اي خال مما ينتفع به القصر والقفرة الارض الخلاء التي لا نبت بها ولا ماء والجمع قفار وقفور ورب المدلول عليها بواوها في قوله وواد للكثرة فهو لا يتحدث عن واد مقفر واحد بل عن اودية كثيرة ويروى وخرق كجوف العير والخرق الفلات الواسعة البعيدة والجمع خروق. وواد كجوف العير قفر قطعته كجوف العير في تفسيره وجهان. الاول انه شبه الوادي المقفر الذي قطعه وفي العير وهو الحمار لانه لا ينتفع بشيء من بطنه الثاني انه شبه الوادي المقفر الذي قطعه بواد يسمى جوف العير في اليمن فقد روى بعض رواة الاخبار ان رجلا من بقية قوم عاد اسمه العير كان له واد خصيب ثم اصابته نار فاحرقته فلم تبقي فيه ما ينتفع به ولم يعد اليه خصبه فاصبح يظرب به المثل في الخلو ومن كل نفع وهذا الوجه ليس ببعيد فالعرب قد تلقب الرجل بالعير. وما زال في بعض القبائل من يلقب بهذا اللقب. ولا يتحرج منه حتى اليوم واهل اليمن يسمون الوادي جوفا. فجوف العير على هذا الوجه هو وادي الرجل المخصوص تسمى العير والمراد على الوجهين واحد وهو ان هذا الوادي الذي قطعه امرؤ القيس قفر خال من كل نفع فكأنه جوف الحمار او كأنه وادي رجل من قوم عاد اسمه العير يضرب به المثل في من كل نفع ولخلو هذا الوادي من كل نفع تجد الذئب به يعوي من الجوع وواد كجوف العير قفر قطعته به الذئب يعوي كالخليع المعيل. الذئب يجمع على اذأب وذئاب وذئبان والانثى ذئبة ويجوز فيهما الهمز والتسهيل. فيقال ذئب وذئبة وذيب وذيب وبهما صحت القراءة في قوله تعالى واخافوا ان يأكله الذئب وانتم عنه غافلون به الذئب يعوي يعوي يفعل من قولهم عوى الذئب والكلب وابن اوا يعوي عيا عواءة اذا مد صوته بالصياح به الذئب يعوي كالخليع المعيل. الخليع فيه وجهان. الاول انه الذي خلعه اهله لخبثه وكان الرجل منهم ياتي بابنه الى السوق او الموسم وينادي الا اني قد خلعت بني فان جر جريرة على غيره لم اضمن. وان جر غيره عليه جريرة لم اطلب فخليع فعيل بمعنى مفعول من قولهم خلع الشيء يخلعه خلعا. اذا نزعه والثاني انه المخلوع المقمور ماله اي المغلوب في القمار وجمعه خلعاء والمعيل مفعل من قولهم عالة يعيل عيلا وعيلة وعيولا وعيولا ومعيلا اذا افتقر والعيل والعائل الفقير ومنه قوله تعالى ووجدك عائلا فاغنى. والعيلة الة الفاقة والحاجة والفقر. قال تعالى وان خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله ان شاء ان الله عليم حكيم وعيال الرجل وعيله الذين يتكفل بهم ويعولهم من قولهم عال عياله يعولهم عولا وعقولا وعيالا واعالهم وعيلهم اي كفاهم وقاتهم وانفق عليهم فالمعيل هو الفقير كثير العيال. فهذا الفقير كثير العيال. قام راب ما معه ليكسب يكسب عياله فخسر واخسرهم فهم ينتظرون منه النفقة وهو يصيح ويندب حظه خسارته وشدة حاجته وحاجة عياله. وروي به الذئب يعوي كالخليج المعيل خليج فعيل من قولهم خلجه يخلجه خلجا. اذا انتزع ورجل خليج من قوم خلج اي كوكم في نسبه متنازع فيه وهذه الرواية ترجح حمل الخليع في الرواية الاولى على انه الذي من رأى منه اهله لخبثه وواد كجوف العير قفر قطعته به الذئب يعوي كالخليع المعيل يعتد امرؤ القيس في هذا البيت باحتماله مشقة السفر في الفلوات القفار فكم من واد قطعه وهو قفر ليس فيه ما ينتفع به كانه جوف العير والذئب من فرط الجوع يعوي فيه ويصيح كصياح مخلوع من اهله لخبثه ليس له من يعينه او ينصره وهو مع ذلك فقير كثير العيال او كصياح رجل يعيش بين قوم يشكون في انتسابه اليهم. فهم يأنفون منه ولا ينصرونه وهو مع ذلك فقير كثير العيال او كالصياح مقامر خسر كل ما له في القمار وهو كثير العيال شديد الفاقة واقف عند هذا الحد واكمل ان شاء الله تعالى في الحلقة القادمة والى ذلك الحين استودعكم الله. واسأل الله تعالى لكم التوفيق والسداد