بسم الله الرحمن الرحيم حياكم الله في الحلقة الثالثة والثلاثين من هذه الحلقات التي اشرح فيها معلقة امرئ القيس كنت قد فرغت في الحلقة السابقة من شرح قوله وقد اغتدي والطير في وكناتها بمنجرد قيد الاوابد هيكل وكنت قد وقفت عند هذه الصورة البديعة قيد الاوابت التي انفرد بها امرؤ القيس فجعل فرسه قيدا للوحوش وثاقا للاوابد غلا للطرائد ثم قال مكر مفر مقبل مدبر معا كجلمود صخر حطه السيل من علي ميكر مفعل من كر عليه يكر كرا وكرورا وتكرارا. اي عاود الهجوم عليه فهذا الفرس مكر يهجم ثم يهرب مراوغة ثم يعاود الهجوم كرة بعد كرة مكر مفر مفر مفعل من فر يفر فرارا اذا هرب وراغ ومكر ومفر جاء على بناء مفعل وهو من ابنية اسماء الالة والادوات مثل مفك ومشد فكأن هذا الفرس انما خلق للكر وللفر فهو اداتهما كما ان المفك انما صنع للفك. والمشد انما صنع للشد وهكذا ومن هنا كان في قوله مكر مفر ظرب من المبالغة في صفة هذا الفرس مكر مفر مقبل مدبر معا مقبل يستقبلك بوجهه قادما اليك ومدبر يريك دبره ذاهبا عنك وعظمة هذا البيت في قوله معا فكل فرس عتيق يقبل ويدبر وكل فرس كريم يكر ويفر ولكن انفراد فرس امرئ القيس كامن في قوله معا فهو مكر مفر معا ومقبل مدبر معا لسرعة تصرفه ومرونة حركته وخطف فتاله فلا تكاد عين الناظر تراه فارا حتى تراه كارا ولا يملأ الناظر عينه من وجه هذا الفرس مقبلا حتى يرى دبره ذاهبا فحركاته خاطفة كالبرق. لا تكاد تدركها عين الناظر فكأنما هو يفعل الشيء وضده في الوقت الواحد في المكان الواحد ووالله لو لم يكن لامرئ القيس من الشعر الا قوله معا في هذا البيت لكفاه تقديما وتقديرا وتصديرا وهذا الفرس في كره وفره واقباله وادباره في الوقت الواحد في عين الناظر اليه كجلمود صخر حطه السيل من علي الجلمود والجلمد قيل هو الصخرة في اعلى الجبل وقيل هو الحجر العظيم الصلب وقيل الصخرة الملساء التي ليست بالكبيرة وقيل هو الحجر الذي تحمله بيدك ولا تلتقي عليه كفاك معا جمعه جلامد وجلاميد فقوله كجلمود صخر اي كحجر من الصخر كجلمود صخر حطه السيل حطه من قولهم حط الشيء يحطه حطا فانحط اذا حدره واسقطه من علو الى سفل كجلمود صخر حطه السيل من علي. علي غرف مكان بمعنى فوق يقال من عل ومن علي ومن علو ومن على ومن علو ومن علوا ومن علوي ومن عال ومن معال فهذا الفرس في سرعته الفائقة وحركاته الخاطفة التي لا تكاد تدركها الابصار كحجر حطه السيل من مكان مرتفع تتقاذفه جوانب المسقط الذي هوى فيه فهو يصطدم في جانب فينثني الى جانب حتى يستقر في الحضيض مكر مفر مقبل مدبر معا كجلمود صخر حطه السيل من علي كميت يزل الابد عن حال متنه كما زلت الصفواء بالمتنزل كميت الكمتة لون بين السواد والحمرة فالفرس الكوميت لونه ليس بالاحمر الخالص وليس بالاسود الخالص بل هو بين بين ولذلك بني هذا الوصف على بناء التصغير فعيل فقيل كميت لان المراد انه دوين الحمرة ودوين السواد. ولم يخلص لواحد منهما وكميت وصف يستوي فيه المذكر والمؤنث فلا يقال كميتة والجمع كمتن وكماتي كميتن يزل الابد عن حال متنه اللبن كساء من الصوف كثيف يوضع على ظهر الفرس ثم يوضع من فوقه السرج وجمعه لبود يزل اللبد يزل من زل يزل ويزل زلا وزليلا ومزلة اي زلق زلاقة فمعنى يزل اللب ينزلق اللب يزل اللبد عن حال متنه. وروي يزل اللبد عن حاذي متنه. بالذال المتن هو الظهر جمعه متون واذا قيل المتنان فالمراد ما يكتنف العمود الفقري من جانبيه من اللحم والعصب والحال والحال موضع اللبد من ظهر الفرس وهو وسطه. يجمعان على احوال واحواذ فهذا الفرس كميت لونه بين الحمرة والسواد ينزلق الكساء الذي تحت السرج من فوق ظهره وهذا الانزلاق كناية عن اكتناز ظهره باللحم وملاسة اديمه وهما صفتان محمودتان في العتاق الكرائم من الخيل كميتن يزل اللب عن حال متنه كما زلت الصفواء بالمتنزل الصفواء والصفوان والصفاة واحد وهو الحجر العريض الظخم الصد الاملس الذي لا ينبت فيه شيء وينزلق من يمشي عليه قال الله تعالى يا ايها الذين امنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والاذى كالذي ينفق ما له رئاء الناس. ولا يؤمن بالله واليوم الاخر. فمثله كمثل صفوان اليه تراب فاصابه وابل فتركه صلدا. لا يقدرون على شيء مما كسبوا. والله لا يهدي القوم كافرين فهذا معنى الصفوة كما زلت الصفواء بالمتنزل متنزل متفعل من قولهم نزل ينزل نزولا. وفي معناه وجوه الاول ان المراد المطر النازل من السماء والثاني ان المراد السيل لانه يتنزل الاشياء من اماكنها والثالث ان المراد الطائر الذي ينزل على الصخرة فتحته عنها والرابع ان المراد الانسان النازل من فوق الصفا على مهل. وروي بالمتنعل المتنعل لابس النعل من قولهم نعل ينعل نعل وتنعل تنعل وانتعلا انتعالا اذا لبس النعل والنعل والنعلة ما وقيت به قدمك من الارض وانما نص على المتنعل في قوله كما زلت الصفواء بالمتنعل لانه ادعى للانزلاق والسقوط من الحافي يقول امرؤ القيس كميت يذل الاب عن حال متنه كما زلت الصفواء بالمتنزل فهذا الفرس كميت لونه بين الحمرة والسواد وينزلق الكساء الذي تحت سرج راكبه من على ظهره لانه ممتلئ باللحم املس الجلد كأنما دهن ظهره بالدهن لسمنه وارتواء اديمه واجتماع اللحم على ظهره. فظهره براكبه كما تنزلق الصفاة بالمطر او السيل الواقع عليها. او بالطائر النازل او بالانسان السائر فوقها منتعلا؟ ولا شك ان امرئ القيس يصف فرسه بهذه الصفات ليجني هو تهى فخرا وزهوا فهذا الفرس الذي ينزلق ظهره بلبد السرج انزلاق الماء من ظهر الصفاة الملساء لا يثبت على ظهره الا فارس حاذق قد طال ميراسه وقويت مرته وانصقلت تجاربه في اعتساف الخيل وركوبها اقف عند هذا الحد والتقيكم في الحلقة القادمة ان شاء الله تعالى والى ذلك الحين استودعكم الله واسأل الله تعالى لكم التوفيق والسداد