بسم الله الرحمن الرحيم حياكم الله في الحلقة الحادية والاربعين. من هذه الحلقات التي اشرح فيها معلقة امرئ القيس كنت قد وقفت في الحلقة السابقة عند قوله عن فرسه في اخر بيت من ابيات وصفه لمشهد الصيد ورحنا يكاد الطرف يقصر دونه متى ما ترقى العين فيه تسفلي ورحنا ويروى فرحنا. رحنا ايسرنا في الرواح والرواح ما بعد زوال الشمس الى الليل من قولهم راح يروح رواحا وهو نقيض غدا يغدو غدوة الغدوة والغداة في اول النهار ويقابلها الرواح والروح في اخره والمراد غدونا للصيد فطردنا وصدنا وشوينا وطبخنا ورحنا في العشي وهذا الفرس يكاد الطرف يقصر دونه الطرف قرف العين وهو اسم جامع للبصر لا يثنى ولا يجمع. لانه في الاصل مصدر فيكون واحدا ويكون جمعا والطرف يقصر دونه اي لا يحيط بمحاسنه فكأنما هو مقصور يحول بينه وبين ادراك جميع لمحاسن ذلك الفرس حائل ومن الشراح من قال ان المراد هو ان الناظر اذا رآه قصر نظره لئلا يصيبه بالعين والتفسير الاول اولى ورحنا يكاد الطرف يقصر دونه متى ما ترقى العين فيه تسفلي ويروى متى ما ترقى العين فيه تسهلي ترقى العيب اي تترقى من قولهم رقيا اليه يرقى رقيا ورقيا. وارتقى وترقى اذا صعد وتسفل تتسفل اي تنزل العين الى اسفل وتسهل في الرواية الاخرى تتسهل اي تنزل العين الى السهل لان السهل اسفل ولذلك نص العلماء على ان كلمة سهل من الاسماء التي اجريت مجرى الظروف فهي بمعنى اسفل وتحت يقول هذا الفرس لكمال خلقه وكثرة محاسنه وتوافر عجائبه تكاد تقصر العيون دونه حتى كأنما يحول بينها وبين ادراك محاسنه حائل. فالعين لا تكاد تنظر في اعلاه حتى تنحدر الى اسفله في اضطراب لشدة الشبه والدهش والذهول ومن الشراح من قال ان معنى متى ما ترقى العين فيه تسهل ان من نظر في اعلاه رأى عجبا فاشتهى ان ينظر الى اسفله فسهل عينه وسفلها استتم النظر الى جميع جسده لحسنه وكمال خلقه جاء في الشطر الاول من هذا البيت وهو قوله ورحنا يكاد الطرف يقصر دونه. رواية اخرى هي ورحنا وراحت طرف ينفض رأسه الطرف من الخيل الكريم العتيق والجمع اطراف وطروف ويقالب للرجل الكريم طرف وهو كريم الطرفين من قبل امه وابيه ورحنا وراح الطرف ينفض رأسه. ينفض يفعل من قولهم نفض الثوب او الشجر نفضه اذا حركه ليسقط منه شيئا والمراد بقوله ورحنا وراح الطرف ينفض رأسه اي ينفض رأسه مرحا ونشاطا نقل محقق ديوان امرئ القيس الاستاذ محمد ابو الفضل ابراهيم رحمه الله ان بعد هذا البيت زيادة بيتين في نسخة ابي سهل وهي احدى النسخ الست التي اعتمدها في تحقيق الديوان وهذان البيتان هما كاني وابدان السلاح غدية غدا غبريعان السوام باجدل من الطامحات الطرف وار كانه على الجمر حتى يستغيث بمأكلي ونقل المحقق عن ابي سهل تفسير كلمات هذين البيتين فقال الابدان السلاح جمع بدن وهو الدرع القصيرة هدية تصغير غدوة الغب عاقبة الامر واخره وغبوا ريعان السوام بعده بيوم وريعان كل شيء اوله والسوام الابل السائحة التي ترعى والاجدل الصقر والطامح البعيد النظر والظاري الجريء في الصيد قد تعود ولم يعلق المحقق رحمه الله على هذين البيتين وتفسيرهما بشيء والحق ان ما نقله عن ابي سهل هو تفسير كلمات البيتين لا غير اما معنى البيتين فلا معنى لهما ولا محصول منهما يقول كاني وابدان السلاح غدية غدا غبر ريعان السوام باجدل من الطامحات الطرف ضار كانه على الجمر حتى يستغيث بمأكله. اي كاني والدروع القصيرة باكرا غدا منتهى اول الابل السائمة باجدل من البعيدات النظر جريء في الصيد متعود عليه كأنه على الجمر حتى يستغيث بمأكل وهذا لا محصول منه والحق ان هذين البيتين لا علاقة لهما بمعلقة امرئ القيس وانهما محرفان عن بيتين من مقطوعة لضرار ابن الازور الاسدي رضي الله عنه يصف فرسا له اسمه المحبر يشبهه بالصقر يقول فيها جزاني دوائيه المحبر اذ بدا بذي الرمث اعجاز السوام المؤبل. كاني طلبت الخيل حين تفاوتت سوابقها دون السماء باجدل من المنهبات الركظ ظار كانه على الجمر حتى يستغيث بمأكلي يقول ان فرسه المحبر جزاه عن دواءه اي عن معالجته له بالتظمير والرعاية حين بدت له اعجاز الابل السائمة في موضع يقال له ذو الرمث بان الحقه الخيل السوابق حتى ادركها فهو من الجياد المنهبات الركظ اي الفائقات العدو فهو مثل الصقر الاجدل الضاري اذا انطلق فكانما هو على جمر حتى يدرك طريدته فالمعنى في ابيات ضرار رضي الله عنه واضح فاما ما جاء في نسخة ابي سهل فهو تحريف لا معنى له يقول امرؤ القيس ورحنا يكاد الطرف يقصر دونه متى ما ترقى العين فيه تسفلي اتى عليه سرجه ولجامه وبات بعيني قائما غير مرسل. وروي وبات او بات فعل ليلي فهذا الفرس بات بات وهو معد لرحلة جديدة في الغد فسرجه لم يحط عنه ولجامه لم يخلع منه. وظل امام عين صاحبه قائما ينظر اليه ولم يرسل في اي ناحية وفي قوله فبات عليه سرجه ولجامه اشارة الى فرط نشاطه وعدم تعبه من رحلة اليوم فهو معد لرحلة الغد عند وجه الصباح ومن الشراح من قال ان المراد ان سرجه لم يحط عنه وهو عرق لان ذلك يؤذيه ولم يقلع لجامه منه فيعتلف على التعب. لان ذلك يؤذيه والوجه الاول اولى وبات بعيني قائما غير مرسل وبات بعيني اي كان نبات الفرس قريبا من مباته هو فهو امام عينه وتحت نظره لكرمه عليه فعين صاحبه تحوطه بالعناية والمراقبة حتى كأنما بات الفرس في عينه وقد اغمض عليه جفنيه وفي تكراره للفعل بات في هذا البيت ملمح عجيب في قوله فبات عليه سرجه ولجامه وبات بعيني فكأن لهذا الفرس مبيتين احدهما في الارض والاخر في عينه فهو بجسده بات في الارض وعليه سرجه ولجامه وهو بقدره وحبه وكرمه على صاحبه بات في سواد عينيه فبات عليه سرجه ولجامه وبات بعيني قائما غير مرسل في قوله قائما غير مرسل اشارة الى اكرامه لفرسه. فهو قائم يسقى ويخدم غير مرسل في المرعى ولا عجب فالعربي كان يقدم خيله على نفسه وعياله وروي غير مهمل وروي غير مغفل. والمراد من الروايات الثلاث واحد وهو بيان وكرم فرسه عليه فهو لا يرسل في المرعى لوحده. ولا يهمل ولا يغفل. بل له من يخدمه ويعتني به ويتولى امره والاصمعي لا يثبت هذا البيت في هذا الموضع بل يقدمه بعد قوله كأن على الكتفين منه اذا مداك عروس او سرايا حنظل واكثر الرواة على خلاف ذلك فبات عليه سرجه ولجامه وبات بعيني قائما غير مرسل بهذا البيت يختم امرؤ القيس صفة فرسه. اعود الان لاذكركم بسياق المعلقة من اولها فاقول بدا امرؤ القيس بالوقوف على اطلال محبوبة له بسقط اللواء فحاصرته عبرة حارقة لما تذكره من مشاهد الفراق والرحيل. فشفا نفسه منها بالبكاء ثم اخذ في استحضار ايامه الصالحة مع النساء فذكر يوم دارة جلجل ويوم عقر الناقة للعذارى ويوم دخول خدرعنيزة ويوم دلال فاطمة وايامه مع بيظات الخدور ثم خشي ان يظن به ان حياته كلها لهو وعبث فتخلص من ذكريات اللهو الى ذكريات الجد فافتخر بحمله الهموم الثقال في الليالي الطوال وبتذليل كاهله لحمل مغارم الاقوام وديونهم ودياتهم وبقطعه القفار الموحشة دون دليل او وفرة زاد او ماء وبتبكير للصيد على فرس اجتمعت فيه كرائم الصفات فهو فرس منجرد ظاف الاديم قصير الشعر قيد الاوابد لسرعته هيكل ضخم الجرم مكر مفر معا مقبل مدبر مع كميت لونه بين الحمرة والسواد. ظهره مكتنز باللحم املس. جياش في له هزيم كغليان القدر اذا جرى. مصح ينصب في الجري صبابا يسقط الغلام الخف عن صهوته. ويطير ثياب الثقيل. ويأنف من راكبه. اذا كان عنيفا قال مقتدر على مواصلة الجري بعد الجري. جمع الله فيه ظمور البطن وصلابة الساق قيصرها وحسن الارخاء وحسن التقريب. ظليع ظافي الذيل سابغه. ذنبه ليس نزل مائلا في احد الشقين كأن متنه مداك طيب العروس او صلاية دق الحنظل لارتوائه واكتنازه وبريقه اذا عدا خلف قطيع الصيد ادرك هادياته المتقدمة ومن ذلك تلك المرة التي عن لهما فيها سرب من المهى فادرك اوائله ومكن فارسه من صيد ثور ونعجة في انطلاقة واحدة. فاطعم اصحابه طعاما خصيبا. وراحوا في اخر النهار وهذا الفرس محتفظ بنشاطه وقوته وزهوه وحسنه. فبات في عين صاحبه مخدوما مكرما ثم خرج امرؤ القيس من وصف الفرس الى وصف مشاهد المطر وما صاحبها من مناظر في اثني عشر بيتا ختم بها معلقته اولها قوله اصاحي ترى برقا اريك وميظه كلمع اليدين في حبي مكلل. واقف عند هذا البيت وبه ابدأ في الحلقة القادمة ان شاء الله والى ذلك الحين استودعكم الله واسأل الله تعالى لكم التوفيق توفيق والسداد