وانتشى وتنشى اذا سكر فهو نشوان ونسيان وهي نشوة والجمع نشاوى. يصف امرؤ القيس مشاهد ما بعد المطر فكما ان صحراء الغبيط اكتست بانواع النبات والزهور وكانما نشرت عليها ثياب يمانية ذات الوان وظروب بسم الله الرحمن الرحيم حياكم الله في الحلقة السابعة والاربعين من هذه الحلقات التي اشرح فيها معلقة امرئ القيس كنت قد انتهيت في الحلقة السابقة الى قوله عن السحاب والقى بصحراء الغبيط بعاعه نزول اليماني ذي العياب المحمل والقى بصحراء الغبيط بعاعه صحراء الغبيط في عالية نجد بعاعه البعاع ثقل السحاب من الماء والقى بصحراء الغبيط بعاعه نزول اليماني ذي العياب المحمل العياب جمع عيبة وهي وعاء كبير من جلد او خوص او نحوهما يحمل فيه حر المتاع وكانت العرب تضع في عياب الجلد ثياب صونا لها حتى خصت العيبة عند بعض المفسرين بانها الوعاء الذي تحفظ فيه الثياب وقال اليماني لان اليمن مشتهرة بصنع الثياب بانواعها وكان تجار اليمن يحملونها في العياب ويريدون بها اسواق العرب يقول القى هذا المطر ثقل مائه في صحراء الغبيط فنزل عليها نزولا يمني المحمل بعياب الثياب يريدوا ان هذا السحاب حين نزل بصحراء الغبيط فاهتزت وربت وانبتت من كل زوج بهيج فخرج كلأها ونبتت شجيراتها وتفتحت ازهارها بالوانها الزاهية المتعددة يشبه التاجر اليمني حين ينزل السوق فيخرج ما في عيابه من الثياب وينشروها امام الناس بالوانها الزاهية المتعددة فقد نزل هذا السحاب بصحراء الغبيط فنشر الجمال بها الوانا نزول التاجر اليمني المحمل بعياب الثياب في السوق ينشر ثيابه بالوانها المختلفة ومقاساتها المتعددة في احسن هيئة وباجمل ترتيب ليبيعها وفي قوله المحمل اشارة الى كثرة عياب الثياب وفي هذا البيت قرينة على ان امرئ القيس لا يصف مطرا بل يصف موسما عميما من الامطار فهو هنا يصف حياة الارض وان باتها بعد هذا المطر فبين شيمه المطر وهو بين ضارج والعذيب وبين مشاهد الربيع في صحراء الغبيط شهور دون شك وفي عجوز هذا البيت روايات نزول اليماني ذي العياب المحمل المحمل اسم مفعول من حمل اي المحمل بعياب الثياب وروي نزول اليماني ذي العياب المحمل. المحمل اسم فاعل من حمل. اي المحمل لعياب الثياب وروي كصوع اليماني واظن كصوع في هذه الرواية مصحفة عن كصرع في رواية ثالثة هي كصرع اليماني ذي العياب المخول الصرع هو الطرح في الارض والمراد ان هذا السحاب القى ماءه في صحراء الغبيط فانبتت واصبحت ذات مباهيج والوان كطرح التاجر اليمني ثيابه الملونة في السوق يعرضها للبيع والمخول هو الذي معه حاشية من الخول وهم العبيد والاماء فهو تاجر كبير بضاعته وافرة يقوم عليها عبيد واماء وتقييد التاجر اليماني بالمحمل او المحمل او المخول انسب لحال المشبه فهو يشبه الصحراء الواسعة في جمال الوانها حين كساها الربيع بمباهج الوانه فلا بد ان يكون المشبه به مناسبا لذلك فكأنما هي ثياب تاجر يمني جاء محملا بعياب الثياب الكثيرة فنشرها عبيده واماؤه في السوق على مساحة كبيرة بالوانها المتعددة ومقاساتها في احسن هيئة وادق ترتيب فهي تسر الناظرين هذا البيت في جمهرة اشعار العرب بتحقيق البجاوي وتحقيق الهاشمي اخر ليكون اخر بيت في المعلقة بعد قوله كأن السباع فيه غرقى عشية بارجائه القصوى انابيش عن صلي يأتي شرحه ان شاء الله يقول امرؤ القيس والقى بصحراء الغبيط بعاعه نزول اليماني ذي العياب المحمل كأن مكاكي الجواء غدية صبحن سلافا من رحيق مفلفل كأن مكاكي الجواء غدية وروي كأن مكاكي الجوى فيه غدوة الجواء والجوا ارظ واسعة في عالية نجد ومكاكي الجواء المكاكي جمع مكاء وهو طائر صغير رملي اللون في اسفله بياض وفي صدره وريشه نقط سود له صفير حسن هدية تصغير غدوة وغداة. وهي البكرة ما بين صلاة الفجر الى شروق الشمس صبحن سلافا من رحيق مفلفل صبحنا من الصبوح وهو ما اكل او شرب في الغدوة سلافا سلاف الخمر وسلافتها. اول ما يعصر منها وقيل هو اول ما يسيل منها دون عصر وقيل السلاف اخلص الخمر وافضلها صبحن سلافا من رحيق مفلفل الرحيق والرحاق الصافي من الخمر الذي لا غش فيه والمفلفل الذي القي فيه الفلفل فهو يلذع اللسان عند شرابه. وروي صبحنا رحيقا من سلاف مفلفل وروي نشاوى تساقوا بالرحيق المفلفل. نشاوى من قولهم نشي من الشراب نشوا ونشوة ونشوة ونشوة غدت عصافير الجواء تصفر صفيرا حسنا مطربا وكانما هي من متعتها باجواء الجواء بعد المطر سكرة قد سقيت في الصباح صفوا مفلفلا من اخلص الخمر وافظلها فهي سكرة بالخمر نشيطة بالفلفل الذي يلسع السنتها فتزداد نشاطا وحدة في مع نشوة وفرح وخلو بال وهذا البيت كأن مكاكي الجواء غدية صبحن سلافا من رحيق مفلفل ورد في جمهرة اشعار العرب بتحقيق البجاوي وتحقيق الهاشمي مقدما قبل قوله فاضحى يصح الماء فوق كتيفة يكب على الاذقان دوح الكنهبل وقد مضى شرحه يقول امرؤ القيس كأن مكاكي الجواء غدية صبحن سلافا من رحيق مفلفل كأن السباع فيه غرقى عشية بارجائه القصوى انا بيش عن صل كأن السباع فيه غرقا وروي كأن سباعا فيه غرقا السباع جمع سبع وهو ما يفترس الحيوان ويأكله قهرا وقصرا كالاسد والنمر والفهد والذئب ونحوها غرقى جمع غريق كجريح وجرحى ومريض ومرضى وصريع وصرع كأن السباع فيه غرقى عشية وروي كأن السباع فيه غرقى غدية. غدية تصغير غدوة وعشية العشي والعشية من زوال الشمس الى عتمة الليل بارجائه القصوى الارجاء النواحي وهي جمع رجا والرجا مثل العصا وهو الناحية تثنيته رجوان كما نقول عصا وعصوان القصوى والقصوى تأنيث الاقصى وهو الابعد بارجائه القصوى انابيش عن صل العنصر والعنصل بظم الصاد وفتحها وبهما جاءت الرواية في هذا البيت هو البصل البري وله لب مكور تحت الارض كلب البصل المعروف وله اوراق فوق الارض كاوراق الكراث الا ان لها زهورا صفراء والانابيش جمع انبوش وانبوشة. وهو ما ينبش من تحت الارض وانابيش العنصل طوله التي في التراب لانها تنبش نبشا يقول وادي جواء الذي اصبحت فيه المكاكي مغردة جذلى بعد المطر وكأنما سقيت صفوة من خالص الخمر كانت السيول قد حملت سباعة فاغرقتها في اطرافه البعيدة وغمرتها في الطين فلا ترى من اجسادها الا اجزاء مكورة ملطخة بالطين كانما هي قواعد بصل بري نبشت من تحت التراب وبهذا البيت يختم امرؤ القيس وصف هذا الموسم من الامطار وبه يختم معلقته وانبه هنا الى ان مراد امرئ القيس من وصف غزارة المطر وهوله ووقعه الشديد ليس الوصف حسب بل التدليل على جلده وجده وصبره فهو صاحب بر له في الفلات في وقت الربيع جولان ومظاهر يقضي بها المدد الطوال. مع ما فيها من البروق والامطار والسيول والمخاطر فهذا الموسم من الامطار شام امرؤ القيس برقه وهو مع اصحابه بين ضارج والعذيب وكان البرق عيدا عنهم بعدا شديدا حتى انه اختلط الامر عليه فلم يعلم اهو برق بحق؟ ام هو مصابيح راهب زيد في زيتها فعلى ضوئها حتى اذا ما تيقن منه قعد يتأمل مواقع المطر فغلب على ظنه ان ايمن صوبه على جبل قطن وان ايسره على جبلي الستار ويذبل ثم اخذ يصف ما يراه من وقائع هذا الوسم وهو يتنقل من مكان الى مكان فوصف سيوله الجارفة حول جبل كتيفة التي اقتلعت اشجار الكنهبل وكبكبتها على اذقان ووصف انصبابه المخيف على جبل القنان الذي انزل وعوله من معاقلها ووصف اتصاله طوله على تيماء الذي اقتلع جذوع النخل وهدم سطوح المنازل الا ما كان منها محكم البناء بالجص والحجارة فكان جبل ثبير في اول هطوله رجل مسن متزمل ببجاد وكأن رأس جبل المجيمر الصغير وقد لفه الغثاء فلكة مغزل احاط بها الصوف وحين سكنت هذه الامطار بعد مدة بدت صحراء الغبيط وقد اكتست بالخضرة والزهور فكأنما نشر فيها تاجر يمني ثيابا كثيرة ذات الوان وغروب في نظام بديع وتناسب متقن وغدت عصافير الاجواء تغني بصفير حسن مطرب فكأنها في نشوتها ونشاطها. مغن حاذق قد سقي رحيق خمر صافية مفلفلة فهي تنشيه بسكرها وتنشطه بفلفلها واذا ما نظرت الى اقاصي الاودية رأيت السباع غرقى مغمورة في الطين. لا يظهر من اجسادها الا لا اجزاء مكورة كانها انابيش البصل البري حين تقتلع من تحت التراب وبهذا اكون بفظل الله تعالى قد فرغت من شرح معلقة امرئ القيس وساعود في الحلقات القادمة لاذكركم ببنائها الداخلي الذي هو هيكلها العظمي الذي قامت عليه والى ذلك الحين استودعكم الله واسأل الله تعالى لكم التوفيق والسداد