بسم الله الرحمن الرحيم حياكم الله في الحلقة الخامسة من هذه الحلقات التي اشرحوا فيها معلقة امرئ القيس كنت قد فرغت في الحلقة السابقة من شرح قوله ترى بعر الارقام في عرصاتها وقيعانها كانه حب فلفل. يقول لقد اصبحت هذه الديار عراسا وقيعان ترى بعر الحيوانات الوحشية في عرصاتها كأنما هو حب فلفل وكنت قد قلت لكم انه اقام هذه الصورة دليلا على مضي زمن طويل منذ ان خلت من اهلها لان الظباء والارام والمها جواف لا تأنسوا المكان الا بعد زمن طويل من خلوه ثم يقول كاني غداة البين يوم تحملوا لدى سمرات الحي ناقف حنظل هذا البيت ايضا لم يرد في نسخ الطوسي والسكري والنحاس من ديوان امرئ القيس. واثبته غيرهم واكثر من اثبت اثبته في هذا الموضع من القصيدة وبعضهم جعله بعد قوله اذا قامتا تضوع المسك منهما نسيم الصبا جاءت بري القرنفل وسيأتي شرحه ان شاء الله تعالى والاولى اثباته في هذا الموضع على مذهب جمهور الرواة كاني غداة البين يوم تحملوا لدى سمرات الحي ناقف حنظل غداة البين البين الفرقة والغداة والغدوة البكرة وهي ما بين صلاة الفجر الى شروق الشمس وجمعها غدوات تحملوا اي شدوا احمالهم على ظهور المطايا ليرتحلوا كأني غداة البين يوم تحملوا لدى سمرات الحي السمورات جمع سمرة وهي شجرة من الطلح. لها ورق صغير وشوك قصير. معروفة وهذا الشجر منتشر في الجزيرة العربية وله ثمر تجتني منه النحل ويسمى عسلها منه هنا عسل السمرة وتجمع سمرة على سمر واسمر وسمرات كأني غداة البين يوم تحملوا لدى سمرات الحي الحي يطلق على القبيلة او البطن من بطون العرب ويطلق على مكان كل مجموعة متقاربة من المنازل سمي المكان حيا لانه مسكون بالناس فهم يشيعون فيه الحياة. ولذلك سميت جاءوا المدينة احياء لدى سمرات الحي ناقف حنظل الحنظل نبات زاحف حولي معروف ثمره وورقه شديد المرارة ثمرته مكورة بحجم قبضة اليد تكون خضراء مخططة ببياض ثم تؤول مع النضج الى الصفرة نقف حنظل نقف اسم فاعل من قولهم نقف رأسه ينقصه نقفة اذا كسره واخرج دماغه ونقف الرمانة اذا قشرها ليستخرج حبها ونقف الفرخ البيضة اذا نقبها وكسرها ليخرج منها فلنقف هو الشاق والثاقب والكاسر كسر امرؤ القيس مشهد بعر المتوحشات الذي رآه امامه في عرصات سقط اللوا وقيعانه باستحضار مشهد اخر من ذاكرته حين كان هذا المكان حيا عامرا باهله وقد شدوا احمالهم وقت الغداة ليرتحلوا منه وهو قد انتبذ مكانا قصيا لدى تلك السمرات في طرف الحي يبكي لرحيلهم وكانما هو ناقف حنظل وهذه الصورة البديعة تتخطى ظاهر تشبيه دموعه لفراقهم بدموع ناقث الحنظل الذي تسيل دموعه غزيرة بتأثير زيته لانه يحتوي على مادة مهيجة للدموع يتخطى ذلك الى تصوير مجموع هيئته فهو جالس القرفصاء ونظره منكس الى الارض وعيناه قد اغرورقتا بالدموع في صمت مطبق وانفصام ذهني عن المحيط ثم يكمل امرؤ القيس تفصيلات هذا المشهد المؤلم كأني غداة البين يوم تحملوا لدى سمرات الحي ناقف حنظل وقوفا بها صحبي علي مطيهم يقولون لا تهلك اسى وتجمل وقوفا بها صحبي الصحب جمع صاحب كركب وراكب وطير وطائر وقوفا بها صحبي علي مطيهم المطي جمع مطية والمطية هي الدابة التي تمطو في سيرها. اي تمد فيه وتمط ويمتطى ظهرها اي يركب على مطاه والمطا هو الظهر والمراد بالمطي ما يمتطى من الدواب كالابل والخيل ونحوها يقولون لا تهلك لا تهلك اي لا تمت من قولهم هلك وهلك يهلك ويهلك هلكا وهلكا وهلاك اذا مات لا تهلك اسا وتجملي. الاسى الحزن. وتجمل اي تصبر الصبر الجميل يقول انتبذت لدى سمرات الحي جالسا ابكي لرحيل اهله وكاني نقف حنظل واصحابي مجتمعون حولي وقد وقفوا مطيهم علي ليستروني بها وهم يصبرونني ويحثونني على الصبر الجميل. حتى لا اموت من فرط الحزن والاسى كأني غداة البين يوم تحملوا لدى سمرات الحي ناقف حنظل وقوفا بها صحبي علي مطيهم يقولون لا تهلك اسى وتجمل جاء في مجموع نسخ جمهرة اشعار العرب لابي زيد القرشي. بعد هذين البيتين اربعة ابيات لم ترد في بقية المصادر التي عدت اليها وهي قوله فدع عنك شيئا قد مظى لسبيله ولكن على ما غالك اليوم اقبلي فقلت لهم عوجوا على ذي صبابة قليل التعازي حائم القلب منحلي وقفت بها حتى اذا ما ترددت عماية محزون بشوق موكلي بكيت وهاجتني الصبابة والاسى لعرفان مغنى الدار والمتحول فدع عنك شيئا قد مظى لسبيله فدع وفي رواية اخرى ودع دع فعل امر بمعنى اترك. والاصل في تصريفه ودعا الشيء يدعه ودعا ومثله وذر كي اي اتركه والاصل في تصريفه وذرى الشيء يذره وذرا وذهب كثير من النحاة الى ان العرب قد اهملت الماضي منهما. ودعا ووذر استغناء عنه ترك واهملت المصدر منهما ودعا ووذرا استغناء بتركا وكذلك اسم الفاعل فلا يقال وادع ولا واذر استغناء بتارك وبعض اهل اللغة يثبتون ذلك ويسوقون عليه الشواهد والاولى في هذه المسألة ان يقال ان الاستعمال ترك وترك وتارك اكثر عند العرب من استعمال ودعا ووذر وودعا ووذرا ووادع وواذر ومن استعملها على قلتها فاستعماله فصيح صحيح فدع عنك شيئا قد مظى لسبيله ولكن على ما غالك اليوم اقبلي غالك من قولهم غاله الشيء يغوله غولا واغتاله اغتيالا. اذا اهلكه واخذه من حيث لا يدري هذا البيت من كلام اصحابه له فقد وقفوا مطيهم حوله وهو جالس يبكي لدى سمرات الحي وقالوا له لا تهلك اسا وتجمل بالصبر ودع عنك شيئا قد مظى لسبيله واقبل على ما انت فيه اليوم من الشدائد والمهلكات. اي هؤلاء الاحباب الذين تحملوا سيذهبون لسبيلهم ولديك من المصائب والشرور المهلكة ما يوجب عليك الانشغال قال بدفعه عنك فهذا اولى من البكاء لفراق الاحباب اقف هنا واكمل ان شاء الله تعالى في الحلقة القادمة والى ذلك الحين استودعكم الله واسأل الله تعالى لكم التوفيق والسداد